20 سطور من حياة العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 20/1/1440 هـ
تعريف:

‫سطور من حياة العباس بن علي ابن أبي طالب عليه السلام

 

كتابة الاخت الفاضلة ليلى أم أحمد ياسر

روى شيخنا الكليني في كتابه الكافي عن ثابت ابن أبي صفية (أي الثمالي )قال نظر سيدنا ومولانا زين العابدين علي ابن الحسين عليه السلام إلى عبيد الله ابن العباس ابن علي ابن أبي طالب فاستعبر ثم قال مامن يوم أشد على رسول الله من يوم أُحد ، قُتل في عمه حمزة ابن عبد المطلب ، أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر ابن أبي طالب ، ثم قال عليه السلام ، ولا يوم كيوم الحسين عليه السلام ، ازدلف إليه ثلاثون ألفاً رجل يزعمون أنهم من هذة الأمة ، كلٌ يتقرب إلى الله بدمه وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدوانا .

ثم قال عليه السلام :رحم الله العباس ، فقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله الله عز وحل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر ابن أبي طالب ، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة ...

صدق مولانا أبو الحسن علي ابن الحسين زين العابدين سلام الله عليه ...

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول بعض الجوانب من حياة قمر بني هاشم أبي الفضل العباس ابن علي ابن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ..

الذي نلاحظ أن المعلومات الموجودة في كتب التاريخ والحديث عن شخصيته لا تتناسب مع المنزلة التي يتكلم عنها المعصومون في حقه والتي نعتقد بها ، وقد يكون هذا راجعاً لبعض الأسباب منها أن بعض الشخصيات عندما تعيش في ظل شخصيات عظيمةً جداً يتم التركيز على تلك الشخصية الأعظم ويُنسى في الغالب دور الشخصية التي تليها .

أبو الفضل العباس عليه السلام له منزلة عالية ولكن عندما نقيسه إلى الحسين عليه السلام نجد أن منزلة الحسين عليه السلام في غاية التناهي في العلو والسمو ، عند جميع المسلمين ، عندنا نحن الإمامية هو إمام مفترض الطاعة وهو سيد شباب أهل الجنة إلى جانب أخيه الحسن وهو الذي أصلح الدين ووقف بوجه مسيرة الإنهيار التي كان يشهدها الوضع الإسلامي ، إلى غير ذلك من المنازل العظيمة التي هي له ، فإذا جاء إلى جانب هذه الشخصية شخصٌ آخر في ضله ، فالغالب أنه لا يتم التركيز عليه كثيراً ، ولو أردنا التمثيل بمثال خارجي مثلاً ، عندما تكون هناك نجوم في السماء إلى جانب القمر فإن هذه النجوم لا تبان ولعله لهذا يقول بعض العلماء لو كانت الشمس مثلاً أقل ضياءً مما هي عليه الآن لكان بالإماكن رؤية بعض النجوم ، ولكن شدة سطوع الشمس جعل تلك الأنجم في الظلال وغائبة ولا يمكن رؤيتها لأكثر الناس ..

أبو الفضل العباس سلام الله عليه جاء في برهة وفترة كان فيها وفي نفس الأفق الإجتماعي والثقافي والديني والمحيط الذي كان فيه الحسنان ( الحسن والحسين ) عليها السلام والفاصلة التي بينه وبينهما هي فاصلة الإمام والمأموم ، العباس كان مأموناً، وأولئك كانوا أئمة ، ومن الطبيعي أن يتم التركيز على الإمام وعلى أفعاله وأقواله وتاريخه وسيرته ويقل التركيز على من كان مأموماً ، وهذا الأمر يشترك فيه تقريباً أغلب أبناء أمير المؤمنين عليه السلام ، حيث لانجد لهم سيراً مفصلةً كثيرةً جداً ، هذا أحد الأسباب .

بالإضافة إلى ذلك أن كتب التاريخ التي كتبت الأحداث ، إما كانت منبعثة من خلال توجيه الدولة الأموية ، فهي مشاريع قسمٌ منها مشاريع دولة وحكومة أكثر مما هي كتب مؤلفين أحرار .

في هذه الأزمنة من الممكن أن أحداً يؤلف كتاباً وينشره ، ولكن في ذاك الزمان ، لم يكن الأمر بهذه الصورة فغالباً كان يتم التأليف بإصدار أمرٍ من قبل جهة الحكومة ، وقد وجدنا عدداً من الكتب كانت بأوامر مباشرة أو بأوامر غير مباشرة .وأما المبادرات الفردية في التأليف فقد كانت في تلك الأزمنة قليلة .

ومن الطبيعي إذا كان ذلك التأليف هو من توجيه الحكومة الأموية وفيما بعد من الحكومة العباسية فلن تتتبع هذه التأليفات مثلاً أعمال أبناء أمير المؤمنين أو أبناء الحسن ومن شابه بقدر ما تتتبع

الخلفاء وقصورهم وأعمالهم وفتوحاتهم وما شابه ذلك ، إذن فقد يكون هذا سبب ثاني ، وربما يكون هناك سبب ثالث هو أن المدة التي عاشها أبو الفضل العباس عليه السلام مع الإمامين الحسن والحسين لم تكن فترةً طويلة من بعد مرحلة البلوغ خصوصاً إذا قلنا أن ولادته كانت في سنة ستةً وعشرين كما هو المشهور بين المؤلفين ، وسنأتي على ذلك بعد قليل .

على أي حال فنحن لا نجد في كتب التاريخ وكتب الحديث من تفاصيل تتناسب مع وزن العباس وشأنه ومنزلته ، ولكن هذا المقدار الذي وصلنا يمكِّننا أن نعرف عظمة منزلته من خلال أحاديث المعصومين عنه ، مثل حديث زين العابدين الذي ذكرناه في البدء ، أنه نظر إلى عبيد الله ابن العباس وهو الذي كان منه عقب العباس .

ونسل العباس كان من عبيد الله هذا وقد كان عالماً كبيراً ومهماً ، وفي هذا مفارقة أن شهرة وتفاصيل أحفاد أبي الفضل العباس من رواة حديث ومن شعراء كثيرة في كتبنا ، ونذكر هنا نموذجين ، النموذج الأول حمزة ابن القاسم وهو من أحفاد أبي الفضل العباس ، فقد أكثر عنه الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه من النقل في الأحاديث وكثير منها تنقل عن حمزة ابن القاسم ويسمى حمزة ابن القاسم ابن العباس العلوي ، حتى لا يُشتبه بالعباسيين الحاكمين وانما هو حفيد العباس ابن أمير المؤمنين ، ويصفه العلماء بأنه عالم ،كبير ،ثقةٌ في الحديث وقد أكثر الشيخ الصدوق وهم من أعلام الإمامية والذي توفي سنة الف وثلاثمائة وواحد وثماني هجرية ، أكثر من النقل عنه والأحاديث أحاديث مضبوطة ومرتبة ، نذكر منها مثلاً ( لغرضٍ هنا) وإلا فإن رواياته كثيرة ،

الرواية بسنده إلى الإمام الصادق عليه السلام والراوي هنا ليس هو من يرويها عن الإمام الصادق وإنما يسندها عنه إلى أشخاص تنتهي إلى الإمام الصادق ،يقول الراوي سألت الإمام عن قول الله عز وجل : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلماتٍ فأتمهن ، ما هذه الكلمات ؟ قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، وهي أسألك بحق محمد (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، إلا تبت علي ، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم .

ثم يمر في الحديث إلى أن يأتي إلى هذا السؤال وهو سؤال مهم ، قال الراوي ( وهو المفضل ) قلت يبن رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل ( وجعلها كلمة باقية في عقبه) ما هو معناها ؟

فقال : يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة ( إن الله عوض الحسين عن شهادته ، (وهو حديث متواتر في المعنى ) بأن جعل الأئمة من ذريته ، وتفسير الآية المباكة( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) أن الأئمة في ذرية الحسين إلى يوم القيامة ،( وفي هذا جواب على المتعصبين الذين يوجهون السؤال للشيعة ، لماذا دوماً ياحسين ،؟! لبيك يا حسين ،!!

وهل الأئمة فقط من أولاد الحسين ؟! أين الحسن إذاً ؟ إلى غير ذلك ، فهذه الأسئلة أجوبتها من ذلك الوقت السابق ، ( في رواية الصادق عليه السلام) ويرويه كما ذكرنا الشيخ الصدوق عن الحمزة ابن القاسم الذي هو من أحفاد أبي الفضل العباس بسنده إلى الإمام الصادق،قال فقلت يبن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن ؟ لماذا الحسين وليس الحسن مع أن الحسن هو الأكبر ؟ وهما جميعاً ولدا رسول الله صلى الله عليه وآله ، وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة ؟ فقال عليه السلام : إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين وأخويين ، فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى .

لو أن الأنسان أرادها بالمقاييس الإعتيادية، فالمفترض أن تكون النبوة في صلب النبي الأساس وهو موسى ، فهارون نائب عن موسى ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي) خليفة لموسى، وهو بعده ، والأصل إنما هو موسى ،فيفترض أنه إذا كان هناك أنبياء أن تكون من نبي الله موسى ، فكيف جعل النبوة في نسل هارون دون نسل موسى ؟ ..

إذن فالإمام هنا يقول أنه ليس بالمرة الأولى ، وليس لدينا قانون يقول أنه بما أنه هذا الأكبر فلا بد أن يكون أولاده هم المستحقون ، فقد سبق ذلك في نبوة موسى وهارن ، ولم يكن لأحدٍ أن يقول لم فعل الله ذلك ، لم جعلت ي الله النبوة في نسل هارون مع أن موسى هو الذي قام بالدور الأكبر ؟! وهو الذي أسس ، وهو الذي واجه فرعون ،وموسى هو من تغرب ،وانتقل من مكان لمكان ، وبقي في مدين ، إل آخره ، وهارون ( وكما يقولون ) أخذها بالجاهز مثلاً . ، ليس لأحد أن يقول ذلك .

إن الإمامة خلافة الله عز وجل ، وليس لأحد أن يقول لم جعله الله في صلب الحسين دون صلب الحسن ، لأن الله تبارك وتعالى حكيم في أفعاله، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، فنحن نعتقد أن الله حكيم فجعل النبوة في صلب هارون ،،فلا تسأل ربك لم فعلت هذا ؟

فأنت مسؤول ولست سائل لله عز وجل ، كذلك الأمر لما كانت الإمامة كالنبوة هي منصب إلهيٌ فإنها تأخذ نفس القوانين التي جاءت فيها.الشاهد هنا أننا أوردنا هذا الحديث لكي نرد على هذه الشبهة والتي هي بالذات في هذه الفترة والتي نشرها بعض الطائفيين والمخالفين ، وقسم من هؤلاء أصلاً لا ينتظرون جواباً ، ولا يعقلون خطاباً وإنما يريد الواحد منهم أن يلقي شبهة ويشبِّه على المؤمنين في إيمانهم .

فمن هذه الرواية التي ذكرناها نستشهد على أن بعض أبناء وأحفاد أبي الفضل العباس كان لهم شهرة واسعة قي زمانهم ، فكانو محدثين ، وكانو رواة وعلماء ، أُكثِر من النقل عنهم في الروايات وهذا يبين منزلتهم ( اعرفوا منازل شيعتنا على قدر روايتهم عنا ) ، وأيضاً كان لهم دور كبير في الشعر جداً .

هذا بالنسبة إلى أحفاد أبي الفضل العباس .نعود لحديثنا .. أبو الفضل العباس في ولادته كانت هناك نظريتان ، النظرية المشهورة ، والنظرية غير المشهورة .النظرية المشهورة أن أبي الفضل العباس عليه السلام ولد سنة ستة وعشرين هجرية وأنه بناءً على هذا يكون يوم شهادته بين الأربعة وثلاثين وحواليها تقريباً .

وهناك رأي آخر ذهب إليه صاحب الموسوعة الحسينية وهو يقول ، أنه ولد سنة ثمانية عشر للهجرة وهذا التاريخ أبكر من المشور وهو ستة وعشرين للهجرة بحوالي ثمان سنوات ، ولديه ( صاحب الموسوعة ) فكرة أخرى وهي أن زواج الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأم البنين كان مبكراً ويعتقد أن ذلك كان بحدود سنة ثلاث عشر، ونحن هنا لا نعتقد هذا الأمر بل نعتقد أن زواج الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأم البنين تأخر إلى حدود سنة أربعة وعشرين للهجرة أو حواليها ، وهو ( صاحب الموسوعة ) يرى غير ذلك ، وهذا الرأي يفيده في بعض المواقف ، مثل ما ذكر من دور لأبي الفضل العباس متميز في صفين ، فبناءً على أن ميلاده سنة ثمانية عشر ، وصفين بحدود سنة سبع وثلاثين ، يكون عمره بحدود تسعة عشر أو عشرين سنة ، وهذا يعني أنه رجل مكتمل ، وبالتالي لو نُسبت إليه أعمال استثنائية عسكرية فإن هذا ليس بغريب لأنه في العشرين من عمره ، فهو رجل ناضج ومكتمل ويستطيع أن يقوم بهذه الأعمال ،

ولكن بناءً على أنه مولود سنة ستة وعشرين فإنه يكون عمره في ذلك الوقت ( صفين ) حدود أحد عشر سنة أو أثنا عشر سنة ، فيبعد مع هذه السن أن تنسب إليه أعمال أبناء العشرين وأبناء الثلاثين وما شابه ذلك ، أذاً فهذا التاريخ سيفيد صاحب الموسوعة في قضية صفين وهذا الرأي خلاف الرأي المشهور وهو أنه ولد سنة ثمانية عشر للهجرة .

طفولة أبي الفضل العباس عليه السلام كان المشهور عنها أنها كانت تحت رعاية أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وتنقل في هذا المعنى كلمات منها مايرتبط بذكر ما سيجري عليه وخصوصاً على ما يجري على يداه من المصائب ، وأنه عندما أُخبر الإمام عن ولادته وهو مع جماعة من الناس كان يتحدث معهم فقام عنهم ودخل إلى أم البنين ورأى هذا الطفل وكان مقمطاً فأخذه الإمام وأخذ يقلب كفيه ودمعت عيناه فلما رأت أم البنين ذلك تعجبت ،فهذا الوقت إنما هو وقت فرح وسرور وما ينبغي أن يكون محل بكاء ودموع ، فلما استخبرت منه ذلك ، أخبرها بما يجري عليه في نصرة أخوه الحسين صلوات الله عليه ، وأنه تقطع يداه ، فقرت عينها بذلك وهو أنه ليس في كفيه سوء أو تشوه ، وأنما باعتبار أن الإمام يبكي على ما سيصيبه في سبيل الله في المستقبل .

هناك كلام يذكر عن أن العباس كان مع زينب وهما صغيران ، فسأل الإمام أمير المؤمنين زينب سؤالاً وسأل العباس سؤالاً وأجابا .

بعض الباحثين ذكر أنه هذا لايستقيم ، إذ كانت زينب سلام الله عليها صغيرة في ذلك الوقت .ولكن زينب سلام الله عليه لم تكن صغير ة سواء قلنا أن أبي الفضل ولد سنة ثمانية عشر ، أو قلنا أنه ولد سنة ستة وعشرين ففي كلتا الحالتين كانت زينب سلام الله عليه إمرأة ناضجة وكبيرة ، فبناءً على الرأي الأول سيكون عمرها في حدود إثني عشرة سنة ، وبناءً على الرأي الثاني سيكون عمرها ثمانية عشر سنة أو شيئ من هذا القبيل ، وبالتالي لا تعامل بأسئلة كما يعامل الصغار و الأطفال،أما إذا أُقتصر على ابي الفضل العباس فله مجال في ذلك .

تربى أبي الفضل العباس عليه السلام بطبيعة الحال ضمن إطار أبيه علي عليه السلام ، وفي ركاب إخوانه الحسن والحسين صلوات الله عليهما ،وللأسف كما ذكرنا ليست لدينا تفاصيل في هذا المعنى ولكننا ، نفترض أنه كان في ركابهما واستفاد من أحاديثهما

ورافقهما فيما يمكن له أن يرافقهما فيه فانتفع كثيراً بما أفاد الحسنان عليهما السلام في مختلف مواقعهما بالمقدار الذي كان يستوعبه ،وذلك في فترات عمره المتقدمة .شارك في صفين ( بناءً على الرأي الأول) وهذا أيضاً محل نقاش بين العلماء، فالمحدث النوري صاحب كتاب مستدرك الوسائل وهو من المحدثين الكبار ، وهو لا يقبل أن أبي الفضل العباس شارك في صفين ،ويقول أنه هناك اشتباه بين شخصيتين وهما العباس ابن الحارث ابن عبد المطلب وهو رجل كبير السن ، وكان مع الإمام أمير المؤمنين في حروبه وكان فارساً مقداماً ورجلاً قوياً ، وكان كبير العمر وهو من أسنان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وكلاهما في هذه الدائرة ، فالإمام علي ابن ابي طالب ابن عبد المطلب ، وذاك العباس ابن الحارث ابن عبد المطلب وهما أولاد عمومة وقد كان ابن الحارث فارساً مقداماً، ولهذا حدث هذا الإشتباه، فالمحدث النوري رضوان الله عليه يقول انه حصل اشتباه عند بعض المؤرخين بين العباس ابن الحارث وبين العباس ابن علي ، ويقول أن الذي كان حاضراً في صفين هو العباس ابن الحارث دون العباس ابن علي .

الرأي الآخر هو الرأي الشائع والدارج وهو أن العباس ابن الحارث كان حاضراً في صفين وكذلك العباس ابن علي أمير المؤمنين، وغاية الأمر أنه كان صغير السن بناءً على أن ميلاده كان سنة ستة وعشرين كما هو المشهور ، ولكنه كان يحضر وهذا ليس شيئاً استثنائياً أن يحضر ابن الثانية عشر سنة الحروب وذلك لتعويده عليها وممارسته إياها ، وإن كان قد لا يقذف به في لهواتها ، ولكن حتى يجرب الحرب ويعاصرها ، ويكتسب خبرة فيها وبهذا المعنى نقول أن العباس ابن الحارث كان موجوداً وله دوراً مهماً وهو قريب من عمر أمير المؤمنين وكذلك العباس ابن علي كان موجوداً أيضاً ..

في باقي الحروب لم ينقل أن أبي الفضل العباس عليه السلام قد شارك ، لكنه شارك في صفين وهي من أواخر حروب أمير المؤمنين عليه السلام بالقياس إلى حرب الجمل، فباقي الحروب لم ينقل ان ابي الفضل العباس عليه السلام قد شارك فيها .

له عليه السلام موقف مشهور ومذكور في قضية الإمام الحسن عليه السلام وذلك عند تشييع الإمام الحسن المجتبى عندما قام الإتجاه الأموي بمنع دخول جثمانه عليه السلام حيث ظنوا أن الامام الحسن سوف يدفن بقبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله فأصروا على منع ذلك ومعهم من معهم وهناك سُلت السهام وقيل أنه رميت الجنازة آن إذٍ وكما ينقل أصحاب الخبر أن العباس عليه السلام سلَّ سيفه وأراد القتال ،لأن هذا يعتبر إعتداء غير مبرر على جنازة أخيه الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه، لولا أن الإمام الحسين عليه السلام أوقفه وقال له أن وصية أخيه الحسن أن لايراق في أمره ملئ محجمة دماً ، والمحجمة هنا يقصد به كأس الحجامة وهو قليل حين يؤخذ بالكأس الذي يحتجم به ويوضع به الدم والمعنى أن الإمام يقول لا أريد أن تسال قطرات الدم من أجلي ومن أجل قضيتي حتى لو وقع الظلم علي ، لأن ذلك قد يجر إلى فتنة ،ويجر إلى الإحتراب والحرب وهذا الفرق بين أهل البيت عليهم السلام وبين غيرهم .

اهل البيت عليهم السلام منطقهم منطق أبيهم أمير المؤمنين عليه السلام والقائل لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ،ولم يكن الجور فيها الا علي خاصة ،فإن أُظلَم ويؤخذ حقي ، وأظطهد ويكون الإسلام والمسلمين في مشكلة فإني أتحمل الظلم وأتحمل ضياع حقي الشخصي لصالح الإسلام ، أما غيرهم واعداء أهل البيت فيقولون، علي وعلى أعدائي يارب حتى وإن إنهدم الدين أُخرِج من أريد من مكانه حتى وإن اظطررت لهدم الكعبة ، وأظهر المخالف لي من المدينة حتى وإن اظطررت لغزو المدينة واقتحام مسجد النبي وهتك الأعراض فإن هذا لايشكل أي إشكال ! وهذا هو الفرق بين الخطين ، خط أهل البيت عليهم السلام، ثم خط شيعتهم فيما بعد وخط أعداء أهل البيت ، فهنا يشهد لأبي الفضل العباس بموقف من هذا النوع كان له صلوات الله عليه.

أيضاً الموقف الآخر المعروف وهو عندما كان في المدينة والإمام الحسين أراد أن يخرج من عند الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان عندما استدعى الإمام الحسين عليه السلام لكي يأمره بالبيعة ليزيد والإمام الحسين امتنع من ذلك وعلا صوته فكان قد احتاط لذلك أن جمع له بني هاشم وكان في طليعة أولئك أبي الفضل العباس لاستنقاذ الإمام الحسين عليه السلام ومنع أي ضرر أن يصل إليه .

هذا ما يذكره التاريخ بشكل عام .عندما ننظر إلى بعض النصوص التي وصلت إلينا من قبل المعصومين نفهم أن دور أبي الفضل العباس كمياً وكيفياً كان أكبر من هذا ، وإلا فإن مجرد هذه المنزلة التي وصل إليها فقط لأنه قاتل فقطعت كفاه !!!

فنحن نعتقد أن الأمر ليس كذلك ، فهو عليه السلام شخصية استثنائية ومميزة فالأذى الذي ورد عليها يكون قد ورد على شخصية صحيح هي ليست لها إمامة وليست لها عصمة كاللتي هي للأئمة ، ولكن هي على كل حال ليست شخصية عادية. الإمام الصادق عليه السلام يتحدث عنه ، والإمام زين العابدين يتحدث عنه ، والإمام المنتظر يتحدث عنه .

وهذا الخبر الذي نقلناه عن الإمام زين العابدين حيث قال رحم الله العباس ، أو في بعض النصوص عمي العباس،فلقد آثر وأبلى وفدى بنفسه ، حتى قطعت يداه فأبدله الله حناحين في الجنة يطير بهما مع ملائكة الله عز وجل كما جعل لجعفر .

وبين قوسين هنا ملاحظة تذكرنا بما قاله أمير المؤمنين عليه السلام ، هل إن من قطعت يده أو كفه في معركة من معارك الإسلام، ينبغي أن يكون له جناحان في الجنة؟ لا ، ليس كذلك فهناك من الناس المقاتلين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك مع أمير المؤمنين عليه السلام ، ومع الحسنين وغيرهما قطعت أيديهم في المعارك ، وهذا أمرٌ وارد ، فكما يقطع الرأس أحياناً فقد تقطع الأيدي أيضاً ، ولو خير الإنسان مثلاً بين أن تقع الضربة على رأسه أو أن تقع على يده فإنه بلا شك يمد يده ، فلا شك أن هناك مئات من الناس مع رسول الله ومع أمير المؤمنين قد قطعت أيديهم لكننا لم نجد لا من طريقة الخلفاء ولا من طريقة مدرسة أهل البيت ، أن هؤلاء عوضوا بجناحين في الجنة، وهذا محل تساؤل ، من الذي يجيب عليه؟

يجيب عليه أمير المؤمنين عليه السلام في رسالة لمعاوية حيث يقول أني غير ذاكرٍ لك كلما أنعم الله به علينا ولن أذكر لك ذلك ولكن ألا ترى أنه يقتل شهيد من كل قومٍ حتى إذا قتل منا شهيد صار سيد الشهداء ، وتقطع من غيرنا أيادي ، حتى إذا قطعت من يدي أحدنا صار جعفر الطيار .

فهذا ينبه على أن هؤلاء الأشخاص على وجه التحديد من جهة أخرى لابد أن يكون لهم ما يميزهم ويختلفون به تماماً عن ما يكون عليه الشيء الظاهري لهم من القتال والدفاع عن الإمام فغيرهم يفعلون كذلك أيضاً لكن هؤلاء لهم مايجعلهم حين يقاتلون وتقطع أيديهم أن تكون له جناحان يبدله الله بهما في الجنة كجعفر الطيار .

ولا نبحث هنا في معنى الجناح ، هل هو المراد به مثل ذلك الذي لدى الطيور أو شي آخر فلا نتعرض له الآن .

لكن هذا المعنى وهذه الميزة التي يتحلى بها جعفر الطيار وأبي الفضل العباس ، ولم يُروى لا في خبر من مدرسة الإمامية ولا في غيرهم من فرق المسلمين أن هناك أحد غير هذين الإثنين جعل الله لهما هذه الميزة ، هذا يعني أن هذين الشخصين لهما ميزة استثنائية لا تقف فقط بمجرد أنه يجاهد بين يدي رسول أو بين يدي الحسين ، وإنما هو شيئ أكبر .ونجده في كلام الإمام عليه السلام ، ولذلك يقول أن للعباس عند الله عز وجل منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.

وما الذي يعني جميع الشهداء يوم القيامة ؟ هذا إنما يعني أن الشهداء من لدن آدم إل يوم القيامة ،أي شهيد من شهداء الدين في كل ديانة من الديانات السماوية الحقة ومع كل نبي من الأنبياء أو وصي من الأوصياء ، كلهم هؤلاء الشهداء ، يغبطون أبي الفضل العباس عليه السلام على منزلته التي هو فيها .

وفي الحقيقة هنا فإن لسان الإنسان يعجز عن بيان هذه الكلمة وهذا المعنى، كل شهيد استشهد منذ أن خلق الله البشرية إلى يوم القيامة (باستثناء المعصومين عليهم السلام فهؤلاء خارجين بالتخصص)يغبطه بها . جميع الشهداء وكلمة الشهداء يقول العلماء أنه جمعٌ محلى بالألف واللام وهو يفيد العموم وكلمة ( جميع ) أيضاً تفيد العموم ، فعموم في عموم وذلك يدل على استغراق كل الأفراد ، هؤلاء كلهم يغبطون العباس عليه السلام لما يرون من منزلته . وليس من حسدٍ هناك إنما هو غبطة ( ونزعنا مافي صدورهم من غل )

فيغبطونه لما يرون منزلته الأرفع منهم بكثير وبمراتب .فرضوان الله وسلامه كما في الزيارة ، سلام الله التام والطيبات الزاكيات الصالحات فيما تغتدي وتروح عليك يبن أمير المؤمنين ، أشهد لك بالتسليم ، كنت مسلماً للحسين ( وهذه تحتاج لحديث خاص ) فهل هذه الدرجات والمراتب مترتبة على سبيل درجة بعد درجة،؟ أو كل واحدة منه في عرض الأخرى ؟ هل هي عمودية ؟ أم أفقية ؟ أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل ، والسبط المنتجب ، والدليل العالم والموصي المبلغ ، هذه كلها صفات الإمام الحسين عليه السلام وقد صدقه العباس فيها وسلَّم له فيه والتزم بكل أمر من أوامره صلوات الله وسلامه عليه.

أبي الفضل العباس يرثيه بعض أحفاده ، وفي هذه إشارة نشير لها الآن وهي قول أحد أحفاده وهو الفضل ابن الحسن أبن عبيد الله ابن العباس، كان شاعراً من أعضم الشعراء في زمانه ، حيث يقول

أحق الناس أن يبكى عليه ..فتىً أبكى الحسين بكربلاءِ

أخوه وابن والده علي .. أبو الفضل المضرج بالدماءِ

ومن واساه لا يثنيه شيء.. وجاء له على عطش بماء

والمعني الذي أردت ذكره هنا ان هناك قسم من الباحثين ولا سيما في الفترة الأخيرة يتحدثون عن أن أبي الفضل العباس ، لم يجلب الماء من النهر وإنما هو شخصٌ آخر وهو نافع ابن هلال الجملي ، فيقول هؤلاء الباحثون أنه حصل هناك إشتباه وحدث تركيب إسم على إسم وحجتهم في ذلك أن الرواية التي جاء فيها أن العباس جاء إلى المشرعة

وجلب الماء هي من الروايات المتأخرة ، من القرن العاشر فصاعداً أي من سنة تسعمائة وصاعداً وقبلها لم تكن هذه الرواية موجودة ، ونحن نقول أن هذا كلام غير صحيح و بيت الشعر هذا يدل على ذلك .

وقد أورد بيت الشعر هذا القاضي المغربي في كتابه شرح الأخبار ،والقاضي المغربي متوفى سنة ثلاثمائة وثلاث وستين للهجرة ويعني ذلك في القرن الرابع وليس القرن التاسع والعاشر .فهو ينقل قصيدة لحفيد ابي الفضل العباس الذي يصرح أن العباس ذهب وجاء للحسين بالماء ، على عطشه وبالتالي فإننا لانعتمد على رواية ( كما يقول بعض الباحثين ) في كتب مؤلفة ورويات مذكورة قي كتب من سنة تسعمائة وأكثر.

هذا كتاب ( القاضي المغربي ) في سنة ثلاثمائة وثلاث وستين للهجرة وهو عالم من علماء الإمامي معروف وله ذكر كثير وهو يستشهد بكلام حفيد أبي الفضل العباس .

يقول : ومن واساه( من واسى الحسين عليه السلام ) لايثنيه شيئ .. وجاء له على عطشٍ بماء ،

جاء له بالماء مع عطش الحسين عليه السلام ،،مما يؤكد الرواية المتعارفة والمشهورة عند الإمامية ، والتي تذكر وصول أبي الفضل العباس إلى شاطئ الفرات وما حصل له بعد ذلك له صلوات الله وسلامه عليه .

أبو الفضل العباس كان آخر سهم في كنانة أبي عبد الله الحسين عليه السلام فاستأذنه للقتال .. تمنَّع الأمام الحسين في أول الأمر وقال له أنت العلامة من معسكري ، وجودك وجود كل المعسكر ، آن إذٍ قال العباس : أَذْهب لآتي لهؤلاءالصبية بالماء ، فقال اركب بنفسي أنت ( أي أفديك يا أخي ) وهذه كلمة من الكلمات العظيمة ، الإمام المعصوم يقول أنت أفديك يا أبا افضل العباس ،

بالفعل أخذ القربة وحمل على القوم .

مرات العرض: 3396
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2569) حجم الملف: 52477.96 KB
تشغيل:

التوسل والاستشفاع بالنبي محمد عند المسلمين
21 القاسم وأبناء الامام الحسن بن علي في كربلاء