ماذا صنعت لنا المرجعية الدينية الشيعية ؟ 6
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/1/1440 هـ
تعريف:

ماذا صنعت لنا المرجعية الدينية ؟


تفريغ نصي : حسن الشملان ، علي الياسين،محمد المهدي،مهتدى البراهيم

﴿أُولئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكفُر بِها هؤُلاءِ فَقَد وَكَّلنا بِها قَومًا لَيسوا بِها بِكافِرينَ﴾ [الأنعام: ٨٩] ﴿أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقتَدِه قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِن هُوَ إِلّا ذِكرى لِلعالَمينَ﴾ [الأنعام: ٩٠]
حديثنا بإذن الله تعالى تحت عنوان "ماذا صنعت لنا المرجعية الدينية الشيعية" افتتحنا الحديث بآيتين من سورة الأنعام تتحدثان عن بعثة الله سبحانه وتعالى للأنبياء و الرسل, ثم تُنهي ذلك التفصيل بتخليص بأن الله سبحانه وتعالى يقول﴿أُولئِكَ الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَالحُكمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكفُر بِها﴾, بهذه البعثة بهذه الكُتب بهذه البينات, هؤلاء الذين هم من حولك من كفار قريش, فقد وكلنا بها قوما ليس بها بكافرين, إذا كانت فئة تمردت على الإيمان بأولئك الأنبياء فهناك فئة أخرى سوف تؤمن بهذه القضايا أولئك يعني الأنبياء السابقون ﴿أُولئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقتَدِه قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِن هُوَ إِلّا ذِكرى لِلعالَمينَ﴾.
يوجه القرآن الكريم بعد ذلك إلى أن يقتدي المؤمنون بأولئك الأنبياء, ويتغير لحن الخطاب من خطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله إلى خطاب للإنسان المؤمن الذي سوف يكون فيما بعد "وكلنا بها قوما ليسوا بها الكافرين", يوجهه إلى الإيمان بهؤلاء ولا يسأل النبي أحدا أجرا وإنما هو ذكرى العالمين.
قضية المجتمعات الدينية لابد أن يكون مرجعيه دينية هي الأخبر بمقاصد التشريع وأحكامه والأعلم بكيفية الاستنباط فيه, وهذا لا يختص فقط بعالم الإسلام, كل مجتمع ديني يحتاج إلى فئة أو شخص تكون بمثابة الجهة التي يرجع إليها ويتعلم أحكام الله من خلالها, وهذا تبدأ المسألة من الأنبياء و المرسلين, الله بعث المرسلين للبشر من جهة هم سفراء الله للناس ومن جهة هم مراجع الناس في طريقهم إلى الله, من جهة الله هو سفير, ومن جهة العبد هو مكان للرجوع, مرجع موئل من خلاله يتعرف إلى و على أحكام الله عز وجل, في المسيحية نجد هذا في اليهودية نجد هذا في سائر الديانات أيضا نجد هذا الأمر, في سائر مذاهب المسلمين أيضا الأمر كذلك, في كل مذهب من مذاهب المسلمين يوجد جماعة أو أفراد هم الأكفأ والأعلم بقضايا ذلك المذهب, إلا أن ما هو موجود في مذهب أهل البيت عليهم السلام من المرجعية وتنظيم العلاقة بينها وبين الناس وفي مواصفات المرجع وفي قوة العلاقة بين المرجع والأتباع هو أمر يفوق سائر المجتمعات الدينية, وهذا يشهد له الوجدان, لا يوجد أحد يلاحظ نمط العلاقة بين أبناء المجتمع الشيعي وبين مرجعياتهم الدينية إلا ويرى أن هذا العلاقة وهذا الارتباط هو أقوى من نظيره في سائر المذاهب وفي سائر الأديان, قد يكون هذا أحد المبررات التي جعلت بعض أعداء المذهب يوجهون السهام تلو السهام والشبهات بعد الاتهامات لموقع المرجعية الدينية من أجل إضعاف هذا الارتباط, اكو هناك اليوم حركات جماعات المقوم الأساسي مالها هو إضعاف أو حذف الارتباط بين المرجعية الدينية وبين عامة الناس, والآن مو في صدد الحديث عن هذا التوجهات وهذا الحركات, وإلا يمكن الحديث عنها بشكل مفصل وملاحظة جملة أفكارها وأنها تصب في هذا الاتجاه.
يأتي سؤال قد يكون سؤالا منبعث من نية حسنة كما هو بالنسبة إلى أكثر أبناء المذهب, وقد يكون قادما من طرف غير ذي نية حسنة "ماذا صنعت لنا المرجعية الدينية؟" أو ماذا حققت لنا المرجعية الدينية؟, سوف نحاول أن نجيب على هذا السؤال في عناوين وإلا البحث المفصل فيه يحتاج إلى كثير من الحديث, هناك عدة أمور وعناوين نستطيع أن نلحظها في جواب هذا السؤال:
- الأمر الأول الذي قدمته المرجعية الدينية الشيعية في تاريخها الطويل لعالم التشيع هو التبيان الدقيق لأصول المذهب ولفروعه وفقهه, نحن نعلم أن الغرض الأقصى والغاية العليا للإنسان المؤمن والمتدين في هذا الحياة هي عبادة الله عز وجل, وأن هذه الغاية إن تحققت فلو لم يتحقق أي شيء غيرها لم يخسر الإنسان شيئا, ولو حقق كل شيء لكنه لم يحقق في حياته عبادة الله سبحانه وتعالى فلم يحقق شيئا, حياته هذه تساوي صفر, لأن الغرض الوحيد الذي قرره القرآن الكريم بصورة النفي والإثبات كدلالة على الحصر (وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وآنئذ هذه هي الغاية الأصلية من وجود الإنسان, نعم العبادة لها معنى كبير وشامل وإطارها إطار واسع, لكن القدر المتيقن منها ما يرتبط بالإيمان ليرتبط بالقلب والجوانح. والأمر الآخر ما يرتبط بأفعال الإنسان من عبادات ومن معاملات. هاي غاية وجود الإنسان فيما نص عليها القرآن الكريم أي غاية وأي هدف يحتاج اله إلى خريطة, كل غاية تحتاج إلى خريطة ومتى ما كانت الخريطة والطريق إلى تلك الغاية خاطئة وخاطئا, فإنه لا ينفع الإنسان كثرة السعي. عندما يقول الإنسان غاية وجودي هي عبادة الله عز وجل, هذا يعني أنه يحتاج إلى خريطة دقيقة علمية سليمة توصله إلى ذلك الهدف, مَن الذي يستطيع أن يتحدث في هذا الإطار؟, يستطيع أن يتحدث ليس فقط المتخصص, وإنما أكثر الناس تخصصا الذي نطلق عليه عنوان الأعلم, الفقيه الأعلم هو الذي يستطيع أن يضع الخريطة المناسبة للوصول إلى تلك الغاية وهي عبادة الله عز وجل. لا  شك ولا ريب أن علمائنا الأبرار ومرجعياتنا الدينية بما لديها من دأب وحرص على التعمق في العلوم الدينية تحقق أفضل صورة من الصور, لذلك ما يصير المرجع بتعيين رسمي ولا بقرار دولي ولا بتوافق مثلا تجار ولا هم يحزنون, إنما الذي يفرضه هو تخصصه وخبرته وأعلميته وإذعان الكل أو الجل بمستواه العلمي, فهذي المرجعية الدينية الدور أول مالها هو أنها تقوم بتبيان عقائد الناس من جهة, ما يرتبط به إيمانهم, ولا تظن أن الأمر سهلا, فإن هذا المبحث طاشت فيه العقول هذا المبحث جعل أناسا مشبهة لله, وجعل أناسا قدريين ومفوضة وغير ذلك, جعل أناسا ينسبون الظلم لله عز وجل, نفس هذا المبحث في مبحث الله عز وجل جعل أناسا ينسبون إلى النبي محمد ص ما نأبى نسبته إلى إمام جماعة فضلا عن النبي المرسل, وعلى هذا المعدل فقس سائر الأمور, هذا في العقائد. وكذلك الحال بالنسبة إلى الفقه الذي يحتاجه الإنسان في عباداته, لا تستطيع أن تصلي كيفما اتفق ولا أن تحج بأي كيفية ولا أن تصوم بأي نحو, وإنما يجب أن تسلك طريق الذي يرضاه الله ويوصل إليه, وهذا لا يأتي إلا من خلال مراجع الدين المتخصصين القادرين على الاستنباط, وهذي مو قضايا اللي سنة وسنتين وتنتهي, لو أن أحدكم رجع مثلا إلى كتاب "مناسك الحج" للعلامة الحلي على سبيل المثال توفي سنة 725 ه, قد لا يجد فيه حتى 50 مسألة, اليوم بعض مراجع الدين ما عندهم من المناسك وما استُفتوا في من المسائل الشرعية المرتبطة بالحج قد تزيد على 50 ألف مسألة , وأيضا لا يزال الأمر جاريا وقس على هذا في سائر الأمور المعاملات الجديدة والقضايا الجديدة والحوادث الواقعة على ما يقوله الحديث المعروف. فهذي أهم قضية تقوم بها المرجعية الدينية, ولو أيها الاحباب ولو أن المرجعية الدينية لم تقم بأي شيء آخر غير هذا لكان شيئا عظيما, كيف وهو أحد الأشياء؟, يعني لو أن المرجعية الدينية فقط اقتصرت على هذا الجانب لكان شيئا عظيما جدا وكبيرا جدا, لأنه يشكل رسم الخريطة إلى الجنة والبعد عن النار ويحقق غرض وجود الإنسان وهو عبادة الله وهو هدف عظيم جدا, أن أتعجب عندما يقول البعض يعني المرجع الديني بس يفتي في مسائل الحيض والنفاس؟, زين هو هذا الذي يودي إلى الجنة وهذا الذي يودي إلى النار وهذا الذي يبطل العبادة وهذا الذي يصحح العبادة, طيب لو لم يكن هناك أي شيء غير هذين الجانبين, تبيان الدين والمذهب في أموره العقائدية في جهة وفي أموره الفقهية -عبادية ومعاملاتية-, هذه أهم مهمة كبرى للمرجعية الدينية والحمد لله هي قائمة بها على النحو الأكمل. لا يستطيع منصف أن يشكك في علم مراجعنا و تخصصهم و قدراتهم و سعيهم و حذقهم في استنباط الاحكام الشرعية والقضايا العقائدية, هذا واحد.
- الأمر الثاني مما تقوم به المرجعية الدينية هو إعطاء المجتمع الشيعي كيانه ووجوده وشخصيته, أصل السؤال انت لو تلاحظ هو يحمل الجواب, ماذا صنعت لنا المرجعية الشيعية؟, "لنا" هذي "النا" مالت منهو؟, انت يعني لو أسرتك لو الفريج مالك لولا هذه الطائفة هذا المجتمع البشري بمئات الملايين المنتشرة في مختلف أنحاء الأرض؟, هذولا لغاتهم مختلفة قومياتهم مختلفة مستوياتهم الاجتماعية مختلفة الدول التي ينتمون إليها والجنسيات مختلفة, الجامع بين هؤلاء رباط السبحة هو انتماؤهم إلى مرجعية واحدة أو إلى عدة مرجعيات هي التي تجمعهم كلهم, آنئذ يستطيع الإنسان أن يقول لنا ماذا صنعت لنا هذي "النا" تعني وجود تعني هوية تعني شخصية تعني مجتمع متشكل, وهو الذي يصنعه نمط الارتباط والانتماء بين المرجعية وبين الأتباع, لو لم تكن هناك مرجعية دينية لكان هذا مثل قطرات المطر, قطرات المطر تنزل قطرة من هنا وقطرة من هناك لا تصنع شيئا, متى تصنع شيئا, عندما تجتمع في شيء موحد, متبع هنا متبع هناك منتمي هنا ومنتمي هناك لا يأبه به العالم, متى يعترف به متى ينظر إليه متى يلاحظه؟, باعتباره جماعة ينبغي أن تُلحظ؟, عندما يكون تحت راية وضمن قيادة وتابعا لمرجعية, وهذا الذي تحققه المرجعيات الدينية للتشيع, وهذا مو بس اليوم في تاريخها, قسم من المذاهب والأديان, الذي كان يجمع أتباعه ويرعاها كانت السلطات والدول والحكومات, فما تفرق تجمعه الدولة والسلطان, تفرضه بشكل معين, تمشّي أموره, التشيع لم يحصل له هذا الأمر, بل بالعكس, إذ كان في مرمى النبل وغرض من أغراض الهجوم عليه, المذاهب والأديان التي رعتها حكومات وسلطات بمقدار رعايتها انتشرت وبقيت, التشيع ما كان هكذا, الذي كان يقويه نفس البناء الذاتي لأفكار التشيع ثم الارتباط بالمرجعية الدينية. ينقل ابن حزم الأندلسي الظاهري المتوفى سنة 456 ه ومعاصر لشيخ الطائفة الطوسي المتوفى سنة 460 ه, عن هذه الفكرة يقول:مذهبان انتشرا في أول أمرهما بقوة السلطان والرئاسة, القوة ما كانت قوة ذاتية للمذهب, ولا قوة علماء ومرجعياته الدينية, وإنما كانت قوة سلطان وخلافة هي التي جعلت هذا المذهب يقوى, المذهب الحنفي في المشرق, يقول في زمان الدولة العباسية أبو يوسف في زمان هارون الرشيد صار هو قاضي القضاة, حنفي المذهب, فكان لا يولي أحدا من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب إلا حنفي المذهب, من خراسان والصين إلى موريتانيا مافي واحد من هالمنطقة إلا حنفي المذهب, القضاء على المذهب الحنفي المواريث على المذهب الحنفي الزوايا التكايا إمامة الجمعة إمامة الجماعة, كله, ما أحد يتكلم رسمي إلا المذهب الحنفي, يقول فأقبل الناس على التمذهب به, هذا مو شيعي وإنما محسوب على المذهب الآخر, يقول هذا واحد, والمذهب المالكي عندنا في المغرب وبلاد الأندلس, تكلمنا في وقت مضى عن هذا الموضوع, لما جاء سحنون أحد تلامذة الإمام مالك ابن أنس, وصار انتشار للمذهب المالكي, ثم كل الدول التي جاءت بعد ذلك منعت أي مذهب آخر وقضت عليه إلا هذا المذهب, زين هذا بالنسبة إلى إحدى المذاهب الأخرى دولة حكومة سلطان دولة العباسية أو غيرها بقوة السلطان تفرض هذا المذهب وتقويه, هذا المعاصر لشيخ الطائفة الطوسي "ابن حزم" الذي يتكلم بهذا الكلام, في زمانه شيخ الطائفة الطوسي هرب من بغداد خائفا على نفسه من القتل, الأتراك كانوا متمذهبين بمذهب عنيف في ذلك الوقت ضد التشيع, أحرقوا مكتبة شيخ الطائفة وأحرقوا كرسي الكلام وقتلوا بعض تلامذته وحملوا على بيته حتى يقتلوه, فنسل وجاء إلى النجف الاشرف. زين هذا من هناك بدأت قضية الحوزة في النجف الأشرف, هذا الذي في ذاك الوقت يخاف على نفسه لا يمكن أن تكون دولة وراه أو سلطة وما شابه ذلك, ومع ذلك بعد مدة من الزمان هذا المذهب يقوم مستويا على سوقه وذلك من خلال قياداته الدينية. فرعاية المذهب وانتشاره وبقاؤه كان على يد المرجعيات الدينية, أعطت هذه المرجعيات لهذا المذهب وللمجتمع الشيعي وجودا وشخصية, وربطت ما تفرق منه وجمعت ما تناثر, وحوّلته إلى مجتمع ومذهب ذي أتباع وله جماعة وما شابه ذلك, هذا أمر ثاني أنها أعطت المجتمعات الشيعية وجودا وشخصية وهوية وإلى اليوم نحن نلحظ هذا الأمر, هذا أمر ثاني.
- أمر ثالث: أدارت هذه المرجعيات الدينية الأوضاع خلال القرون الماضية حوالي 12 قرن وتزيد, أدارت الوضع في المجتمع الشيعي وعلاقاته مع غيره بحكمة كافية, مكنت هذا المذهب ليس فقط أن يبقى وإنما أن يقوى أيضا, الآن انت تريد تفتح الك مصنع على سبيل المثال, الناس يشوفون النتيجة والحاصل, تقول انا شلت هذا وعزلت هذاك وركبت هذا وجبت فلان ووديت فلان بذلت هذا المال وأخذت من هذاك, يقول لك آخر شيء أنتجت السلعة التي تريدها لو لا؟, نتيجة الأمر ماهي؟, هاي التفاصيل خليها على جانب آخر شيء, ماذا حصل؟, أنتجت السلعة المطلوبة أو لا؟, إذا أنتجت السلعة المطلوبة يتبين أن إدارتك إدارة حكيمة وصلت فيها إلى هذه النتيجة, وإذا لا, ما يفيدك. الآن عندما يُنظر إلى وجود مذهب أهل البيت ع وشيعة أهل البيت, نرى أنهم في وضع مريح في هذا العالم ولا يمكن أن تقارن أوضاعهم مثلا بما قبل 3 أو 4 أو 5 قرون, في هذه الفترات نحن نجد الثراء الفكري والثقافي والديني, في عالم التشيع نجد الانتشار العظيم نجد الاعتراف بهذا المذهب لأجل أنه فرض نفسه على الساحة بإنتاجه وبأخلاق أهله الحسنة وبما يقدم للناس وللبشر, وهذا له عوامل مختلفة, واحد منها أن القيادات المراجع الدينية التي كانت خلال هذه المدة الماضية من الزمان قامت بعمل حكيم وبأعمال حكيمة. خل أجيب لك بعض النماذج:
• الأول؛ نبدأ من العلامة الحلي وربما أشرنا إليه في بعض السنين, العلامة الحلي رضوان الله تعالى عليه لما جاءت موجة المغول واكتسحت كل ما أمامها وأسقطت الخلافة العباسية و دمرتها, قام بما يسمونه اليوم استيعاب الهجمة ثم الرد عليها بـهدوء, الآن كثير في المعارك الحربية وفي غيرها يقول لك أنت إذا عدوك أقوى منك بَطّاش, لا تواجهه قرن بـقرن, يفنيك وينهيك, لكن عندما يهاجمك استوعب هذه الهجمة ثم بعد ذلك ابدأ بـهدوء بالرد عليه. العلامة الحلي رضوان الله تعالى عليه ومن كان معه ذاك الوقت, كانت الحوزة الأكبر في مدينة الحلة قريب من النجف الأشرف, انتقلت بوجود هذه المرجعات الدينية من النجف إلى الحلة, كان المركز في الحلة, فالعلامة الحلي ومن كان معه من الرجال والتلامذة استطاع أن يستوعب هذا الأمر وأن يحسن العلاقة مع بعض ملوك المغول وبالتدريج بدأ يغير فيهم ويؤثر فيهم, في ذلك الوقت كان أيضا الشيخ نصير الدين الطوسي الخواجة المعروف, هذا الأمر كله خلى هذه القوة المغولية الباطشة تخف وتهدأ, ثم بدأ الهجوم المقابل, بدؤوا بتربية أبنائهم وتأديب أبنائهم والتأثير في أبنائهم, ما مضى جيل واحد إلا و قد أصبح أبناء المغول الغزاة قبل قليل ذاك الجيل الثاني أصبح متعبدًا ومنتميا بمذهب آل محمد, وفي تلك الفترة كتبت كثير من الكتب بإشارة من بعض هؤلاء الأمراء المغول الذين صاروا جزءا من هذا التوجه وجزء من هذا الإطار.
• الثاني؛ أترك هذا الموضوع و أذهب على مستوى العالم الأسلامي تروح تاخذ نموذج الشيخ جعفر الجيناجي, معروف بكاشف الغطاء الشيخ جعفر كاشف الغطاء, هذا في وقته    كان مرجعية دينية عليا. الحروب بين الأتراك العثمانيين وبين الإيرانيين الصفويين في البداية ثم الإيرانيين القاجار فيما بعد كانت مستمرة, البعض يتحدث عن استمرار الحروب ١٠٠ سنة, قرن كامل من الزمان, تهدأ فترة إلى أن يستعدوا من جديد و يشتبكون ويا هذا, الحاكم يشوف نفسه ضعيف يسكت اشوي, بعد اشوي يستقوي تبدأ المعركة وعلى قرن كامل من الزمان, تتصور شقد الأمة الإسلامية خلال هذا القرن من الزمان دفعت من النفوس التي أزهقت و من الأموال التي أهدرت و من الإمكانات التي أضيعت, دولتان كبريان في زمانهما في حالة حرب دائمة, هذا يرفع راية مذهب و هذا يرفع راية مذهب آخر و لا هذا صادق في مذهبيته ولا ذاك صادق, هذا يستخدم المذهب كسلاح وذاك يستخدم المذهب أيضا كسلاح, إلى أن دخل على الخط الشيخ جعفر كاشف الغطاء رضوان الله عليه في نهاية عمره, و كان أحد ملوك القاجار الإيرانيين يسمى "شاه فتح علي" هذا يحترم الشيخ جعفر كاشف الغطاء احترامًا كبيرًا. فحدثت معركة طاحنة بين الأتراك وبين القاجاريين وأُسر من الأتراك عدد كبير جدًا, طبعًا هذي تصير بعد مثل دُمّله على طول تسعر الحرب, فقام الشيخ جعفر كاشف الغطاء صيانة للأمة ورعاية لمصالحها, قام من النجف الأشرف و ذهب إلى إيران وقابل هذا الشاه, قال إذا أنا عندي إلك كلمة ومنزلة عندي طلب واحد, قاله شنو هذا الطلب؟, بس لا يكون إطلاق سراح الأسرى, قال له أنا ما عندي إلا هذا الطلب إذا ما تقضيه أرجع فورًا ما يحتاج أقعد, ما يصير وهذا قتلو كذا و والدي فعلو فيه كذا ومادري جدي فعلو فيه كذا, قاله أنا هذا جاي من النجف إلى هنا من أجل هذا الغرض إذا بتعطيني إياه بسم الله, مب تعطيني إياه ماكو داعي أظل في هذا المكان, فما زال به حتى أطلق سراح الأسرى كلهم, ومن ذاك اليوم بدأ العد التنازلي للسلم بين الأتراك وبين القاجاريين, وكمل هذا ابنه الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء سنة ١٢٤١هجري, اللي سموه فيما بعد المصلح بين الدولتين. هذه مرجعية دينية تبنت قضية إسلامية بهذا المستوى فأصلحت بين شعبين و دولتين و وفرت على هذه الأمة هذه الخسائر العظيمة, أليست هذه حكمة في إدارة الوضع؟, مع أنه ما كان عندهم لا سلطة سياسية و عسكرية ولا عندهم كذا, بس هالموقع, هذا الذي كان كفيلا بأن يُحترم , استخدم في هذا الجانب.
• الثالث؛ لما تتقدم إلى الأمام, المرجعية الدينية الشيعية عندما خلّصت إيران من محاولة استعمارها الاقتصادي في زمان الميرزا الكبير ميرزا محمد حسن الشيرازي المعروف بـ "صاحب التنباك", البريطانيون ضمن خطة معينة جاؤوا للسيطرة على الاقتصاد الإيراني ومدو شبكاتهم وفتحوا الفروع ووقعوا اتفاقية مع الشاه, في ذلك الوقت هذا كان معناه أن تكون إيران مرتهنة للبريطانيين وبيدهم, دخل الميرزا الشيرازي وأصدر فتوى من سطر واحد, قال: [استعمال الدخان في هذا الزمان محاربة لصاحب العصر والزمان], أي واحد يستعمل التدخين يعني محارب لصاحب الزمان, خلي أي مؤسسة في العالم تصدر بيان عن آثار التدخين وما يجوز و مايصير ويصرفون مليارات الدولارات إذا الناس التزمو فيها. سطر واحد من هذا المرجع الديني التزم به مو بس عامة الناس, لم يدخن أحد شيئا حتى في داخل بلاط الشاه الذي وقع الاتفاقية مع البريطانيين, ناصر الدين شاه جاي على عادته يطلب الشيشة أو الأرقيلة بعد الظهر أو بعد الغداء قالوا له ماكو شيشة, ليش ماكو شيشة؟, قالوا لأن الملكة أمرت بأن نخلي هذا الأرقيلات كلها في المخزن و نسكر عليها, ليش شنو السبب؟ قالوا ماندري تقول حرام, من اللي يحرم شيء داخل قصري أنا الملك أنا الذي أُصدِر القوانين, وإذا واحد في داخل قصري يتصرف جيبوه , هذي فلانة جيء بها قال ليش تسوين كذا؟, قالت لأنه حرام, من الذي حرمه؟, قالت الذي حرّمه هو الذي أحلني لك,  نفس هذا الشخص اللي يخليني أنا حلال عليك هو نفسه يقول هذا حرام, أنا لا آتي بهذه الشيشة ولا التدخين, أنت تريد أن تعصي ربك قوم روح بروحك!!. شنو هذي القوة التي تستطيع أن تعمل هذا العمل وتفعل هذا الفعل؟, هي نفس القوة التي قام بها بعض مراجع العصر أعلى الله كلمتهم جميعا سطر واحد, ما قال أيها الناس كلكم اطلعو, لا, قال جهاد كفائي, مو على كل الناس, وإذا بها الجحافل والناس تخرج وتطرد أولئك الإرهابيين وتنقذ هذا البلد من أعظم شر كان قد وصل إلى الحلق و الرقبة.
هذه المرجعية الدينية اللي احنا نسأل ماذا صنعت لنا المرجعية الدينية, المرجعية الدينية حفظت استقلال بلدان, حفظتها من السقوط وحفظت المذهب ومنعت الحروب وعملت أعمالا كثيرة, لو أردنا أن نطيل الكلام فيها لطال بنا البحث.
لذلك يتعجب الإنسان عندما مثلا واحد يجي ويسأل أنه هل اخترع المراجع -هذي من أضاحيك الدهر- هل اخترع المراجع طيارة أو سيارة أو آيفون؟؟... هذا نوع من تسخيف العقول حقيقة, هذا مثل أن تقول رئيس الدولة الفلانية شنو سوى, هل جاب لنا أقوال في كاس العالم؟, شغل رئيس البلد إدارة البلاد كلها مو شغله أنه يجيب أقوال, هل أن مثلا الاستشاري الفلاني سوى لنا طبخة جديدة غير الكبسة أو المرق؟, الطبيب مو هذا شغله, شغله أعظم من هذا. ما يصنع هذا ولو صنع هذا تم عتابه و كان ملومًا لو كان منشغلا في غير ما ينبغي له.
المرجعية الدينية الشيعية بحمد الله حفظت الدين والمذهب ووحدة الناس وأنقذت البلاد من كثير من الأمور, و يمكن يجي إنسان يسأل لماذا لم يصنع في هذا المكان كذا و لماذا صنعوا كذا؟, وهذا مو فقط المراجع يتعرضون إلى هذا السؤال, الأنبياء تعرضوا لهذا السؤال, النبي محمد لذكره الشرف و الصلوات ألم يُسأل ويُعترَض عليه "ليش تسوي هالشكل وليش ما تسوي هالشكل؟", هذا في زمانه ومن بعده الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم, ألم يكن هذا سؤال موجود بالنسبة إلى قسم منهم؟, بالتالي الشاهد يرى ما لا يراه الغائب, وذاك الموقع في ضمن تلك الظروف ائتمن الله هذا الإنسان على هذه العقيدة وعلى هذه المجموعة البشرية, وهو كما يبذل جهده في استنباط الحكم الشرعي, أيضا يبذل جهده و غاية فكرته من أجل أن يتخذ القرار المناسب لهذا الوضع أو ذاك, يمكن يوافقك و يمكن ما يوافقك لكن هو لا ينتظر موافقتك, هو مسؤول بينه وبين ربه. نسأل الله سبحانه و تعالى أن يزيد في توفيقات مراجع الدين وأن يحفظهم جميعا لخدمة هذا الدين وأن يعيننا على الالتزام بأوامرهم وفتاواهم وأحكامهم.

 

مرات العرض: 3400
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2563) حجم الملف: 56291.83 KB
تشغيل:

الأمراض النفسية وأثرها على الأسرة 4
كيف نتعامل مع  الاثارات في الساحة الشيعية ؟ 7