مشروعية صوم عاشوراء ..تاريخ ومناقشة 16
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 16/9/1439 هـ
تعريف:

مشروعيةُ صومِ يومِ عاشوراءَ ( تاريخٌ ومناقشة )

تفريغ نصي الأخت الفاضلة / طالبة علم

تصحيح الفاضل سعيد ارهين

هل صومُ عاشوراء مشروعٌ ومستحب ؟
•هل صومُ عاشوراء مكروهٌ ينبغي تجنّبه ؟
•ما حكم صوم عاشوراء بعنوان السرور بمصائب أهل البيت   -ع - ؟

رأي مدرسة الخلفاء في صوم عاشوراء

خلاصة ماتذكره كتبُ مدرسةِ الخلفاء في أمر صوم يوم عاشوراء يقومُ على إحدى فكرتين :

الفكرة الأولى صومُ يوم عاشوراء كان موجوداً أيام الجاهلية عند قريش . وبعد مجيء الإسلام كان هو الصوم الرسمي المشروع ؛ إما على نحو الوجوب -كما قال به بعض المذاهب الأربعة - أو على نحو الاستحباب -كما قال به بعضٌ آخر منهم - إلى أن جاء تشريع الصوم في السنة الثانية للهجرة فنسخ صوم عاشوراء وصار صوم شهر رمضان بديلاً عنه .

المناقشة والرد

 قريش في زمان الجاهلية لم يكن معهوداً منها التعبد لله بالعبادات الصحيحة . فهم في أصل اعتقادها وثنيون لايؤمنون بالله - عز وجل - بهذا المعنى العبادي الشعائري .

يتقربون للأوثان . بل وأفسدوا مابقي من تراث الأنبياء ؛ فالصلاة - التي يفترض أنه قد تركها فيهم نبيُّ الله إبراهيم عبر إسماعيل ثم الأوصياء - تحولت إلى تصفيقٍ و صفير . كما قال تعالى : (وماكان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية )  الأنفال 35

 والحج الذي في الأصل كان من أجل إيجاد نوعٍ من المساواة بين الناس ؛ صار عندهم يكرّسُ الطبقية والعنصرية والأفضلية ؛ حيث يسمّون أنفسهم (الحُمس) جمع حماسي ؛ إشارةً إلى أفضليتهم على غيرهم ، وبالتالي تكون أعمالهم مقدّمةً على بقية القبائل التي تتلوهم . وأشار القران الكريم إلى هذا منتقدًا إياه ، داعيًا إلى نفي الطبقية القبلية في هذا الشأن . يقول الله تعالى:((ثم أفيضوا من حيث افاض الناس ) البقرة 199.إضافةً إلى ما ورد من أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراةً .عليه ... لا يمكن تصوّر أنّ قريشًا كانت تصوم لله فيقرّ النبيُّ فعلها ويمضيه سنةً إسلامية !

وأمّا اهتمام قريشٍ بالبيت فكان باعثه الرغبة في التسيّد وزعامة القبائل من حيث أنّ قريشًا هي المختصة دون غيرها برعاية البيت الذي تعظّمه سائر القبائل . بالإضافة إلى البعد الاقتصادي الناتج من حركة قاصدي البيت ؛ حيث يصاحب تحركهم الشراء والبيع والمبادلات التجارية .

وهنا نلفتُ إلى أنّه قد جرتْ محاولاتٌ لتلميع صورة قريشٍ ، وإعطاء المنتمين لها ميزاتٍ كاذبة . هذه المحاولات كان مصدرُها اللاحقين بركب الإسلام متأخرين ، وأيضًا توجّه الدولة الأموية بإذكاء الروح القبلية .

لذا نُسجتْ على لسان النبيّ – ص- أحاديثُ مكذوبة ، من قبيل : (من آذي قريشًا فقد آذاني)   ، ( من أحب  قريشاً فقد أحبني) ، (خياركم في قريش هم خياركم في الإسلام) .هذه قريشُ التي أستفرغتْ وسعها في مقاتلة النبيِّ – ص- أُريدَ أن يُجعلَ لها ميزةً وكرامةٌ على حساب الآخرين من خلال تلفيق أحاديث في مدحها ؛ ومنها أنّ النبيّ يوافق في تشريعه صومَ عاشوراء ما كان – بزعمهم – عند قريشًا معمولٌ به ! .

الفكرة الثانية:

بعد قدوم النبي(ص)إلى المدينة المنورةٍ مهاجرًا ؛ رأى اليهود صائمين ، فسأل اليهودَ عن ذلك ؛ فأخبروه بقداسة هذا اليوم حيث كانت فيه نجاةُ موسى – ع – ومن معه ، وهلاك فرعون ؛ لذا فهم يصومون يومَ عاشوراء شكرًا لله ؛ فقال لهم النبي – بحسب روايات العامة -: ((نحن أولى بموسى منكم )) فبدأ صيام عاشوراء منذ ذلك الحين .

مناقشة الفكرة

 هجرة النبيّ – ص- وقعت في ربيعٍ الأول ، وليس في شهر محرم .ولفظ الحديث ( فلما وصل المدينة رأى اليهود .... ) يوحي بأنّ ملاحظته – ص – لصيامهم مباشرةً ؛ أي في أيام وصوله ؛ والحال أنه – ص- وصل في شهر ربيعٍ الأول وبينه وبين شهر محرّم قرابة تسعةِ أشهر .

نعتقد نحن الأمامية أنّ النبيَّ – ص- يعلم تفصيلات الشرائع السابقة ؛ فهو أعلم البشر ... وبالتالي لن يغيبَ عنه اليومُ الذي نجّى فيه الله موسى – ع – حتى يحتاج - وهو خاتم النبيين وسيدهم - إلى يهوديٍّ من عامة اليهود أو حتى حَبرٍ من أحبارهم – المتهمين بالتحريف والتزييف - كي يطلعه على قداسة هذا اليوم ؛ ثم يقلدهم في صيامه !

اليهود في الأصل استعملوا و يستعملون أحدَ تقويمين . الآن في هذه الأزمنه يستعملون التاريخ الميلادي المعروف ، وفِي تلك الأزمنه (وبالذات في المناسبات الدينيه ) يستعملون التقويم العبري الخاص بهم، والذي لايعرفه إلا أولئك الأحبار ؛ لأنّ فيه تقديم وتأخير ونسيء ؛ كما قال تعالى : (إنما النسيء زيادة في الكفر) التوبة 37.

 وأمّا صيامهم فهو في يومِ الصوم الكبير الواقع في شهر تشرين ؛ معللين ذلك بمناسبة نجاة موسى – ع – وهلاك فرعون في ذلك اليوم . وشهر تشرين لو تطابق مع شهر محرّم في عامٍ لَخْتَلفَ عنه في أعوامٍ تاليةٍ له ؛ وربما لا يتطابقا إلا بعد كرّ أعوامٍ عديدة. فكيف عرف اليهودُ عاشوراء وتقويمهم مختلف تمامًا ؟! نخلص من النقاش إلى أنّ الكلام الموجَّه بتبريك هذا اليوم إنما كان متأخرًا عن حادثةِ كربلاء ، ووراءه أصابعُ أموية  .

   رأي المدرسة الامامية في صوم عاشوراء

 الروايات الواردة من طريق أهل البيت على قسمين : الأول : رواياتٌ فيها إشارةٌ إلى أنّ صومِ عاشوراء كان مشروعًا بادئ الأمر ، لكنه نُسخ . ومن تلك الروايات :
1.رواية في الكافي عن الإمام الباقر (ع) من أنه سُئل عن صوم عاشوراء .فقال: ((صومٌ متروك ٌبنزول شهر رمضان )).

   -وقد لا يُستدل من هذه الرواية على أنّ صيام عاشوراء بالفعل كان من السنة ثم نُسخ ؛ لأنّ ظرف الإمام الباقر كان ظرف تقيةٍ بامتياز-

      2 ) سُئل الإمام الصادق – ع – عن صوم عاشوراء ، فقال : (( صومٌ متروك بصوم رمضان )) ثم قال : (( أمَا إنه صومُ يومٍ مانزل به كتابٌ ولاجرت به سنة )) . وهذا المقطع الأخير من الرواية يؤكد أنّه لم يُشرع إطلاقُا هذا الصوم ؛ وإنما إجابة الإمامين التي يُشمّ منها وجوده ونسخه تراعي ظرف التقية آنذاك .

 الثاني : رواياتٌ صريحة في النهي عن صوم عاشوراء ؛ فهو سنةٌ أمويةٌ لإظهار الفرح بقتل الحسين – ع – وأهل بيته :

    1) عن الإمام الصادق (ع)أنه قال:(أمّا يومٌ عاشوراء ، فيومٌ أصيب فيه الحسين صريعاً بين أصحابه ، وأصحابه صرعى حوله ، أصوماً يكون ذلك اليوم ؟ ! ، كلا وربِّ البيت الحرام ، ماهو بيوم صوم ، وما هو إلا يومُ حزنٍ ومصيبةٍ دخلتْ على أهل السموات وأهل الأرض وجميعِ المؤمنين . ويومُ فرحٍ وسرورٍ لابن مرجانة وآل زياد ) .

  2 ) يروي أحدُهم من أنه سأل الإمامَ الرضا (ع) عن صوم يوم عاشوراء ، وما يقول فيه الناس - المراد بالناس تعبير عن الاتجاه الرسمي للفقهاء ،الإتجاه الرسمي للدوله  - فقال- عليه السلام - : (( عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ! ، ذلك يومٌ صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين - يعني تبركاً بقتل الحسين - وهو يومٌ يتشاءم به آل محمد ، ويتشاءم به أهل الإسلام   )) .

واليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لايُصام ولايتبرك به . هذا يوم شؤم ، يومُ حزنٍ ،يوم مصيبةٍ ؛ و ليس يومَ تبركٍ . هذا يفسر لنا ماجاء في زيارة عاشوراء  (( وهذا يومٌ تبركتْ به بنو أمية وأبنُ آكلة الأكباد )) .

 وحول الروايات المانعة من صوم عاشوراء باعتباره سنةً أمويةً للتشفّي من مقتل الإمام الحسين – ع – وأهل بيته ؛ يُلحظُ :

 أولاً : ورودُ هذه الرواياتِ في كتبٍ معتبرةٍ كالكافي وغيره من مصادر الدرجة الأولى ؛ وبذلك رأى بعض العلماء ، أنه لايضرّ هذه الروايات وجود بعض الرجال الذين فيهم مناقشة وبالتالي خلل في الأسانيد ؛ لأن الكتب المتضمنة لهذه الرواياتِ كتبٌ معروفةٌ مشهورةٌ و متداولةٌ ، وهي كتب من الطبقة الأولى .

ثانياً : هي من الكثرةِ بمكانٍ جعل بعض العلماء يوصلها حدّ التكاثر ، بل التظافر ، بل التواتر المعنوي إنْ لم يكن اللفظي

فمجموع هذه الروايات يعطينا معنى ًواحدًا ؛ وهو أنّ هذا اليوم ، يومٌ يُبغض فيه الصيام .

أضف إلى ذلك أنّ سيرة المعصومين و المتشرعة بعدهم من أصحابهم و العلماء والفقهاء المؤمنون ؛ كانت على ترك الصيام في مثل هذا اليوم ، ومن هنا يُعلم أنّ صوم هذا اليوم غيرُ مقبولٍ . لذلك رأى بعض علمائنا وأفتى بكراهة الصيام في هذا اليوم إنْ لم يكن بدافع التشفّي من أهل البيت ؛ فإن كان بدافعه فهو حرامٌ قطعًا .

شرارةُ الاحتفاءبيوم عاشوراء انطلقت في العهد الأموي بدافع الشماتة بأهل البيت – ع – والفرح بما حلّ بهم من مصائب . وغلّفوا ذلك الاحتفاء بعناوين دينيةٍ تباركُ هذا اليوم ؛ إذ وضعوا أحاديث مكذوبةً على النبيِّ – ص- تفيد أنّ يوم عاشوراء فيه مناسباتٌ مفرحةٌ من نجاة موسى – ع - ، وخروج يونس – ع - من بطن الحوت ، وتوبة الله على أيوب – ع –

وامتدتْ واستمرت عادة الفرح الأموي لشعوبٍ ودولٍ – بقصدٍ سيئٍ أو غير ذلك .

ومن ذلك ما حدث أيامَ الأيوبيبن الذين جاء حكمهم على أنقاض الدولة الفاطمية ؛ فجعلوا من يوم عاشوراء يومَ فرحٍ وسرور وتوسعة على العيال . و إلى الآن في بعض مناطق مِصر عادةُ إظهارِ الفرح فيه مستمرة – ربما بغفلةٍ عن مأساة أهل البيت في كربلاء . وكذلك في بلاد المغرب العربي توّزع حلاوة عاشوراء احتفاءً ببركة يوم عاشوراء ! .

وهذا التحشيد نحو صوم عاشوراء يُظهر النية الخبيثة لأصحابه ؛ فاستحباب الصوم واردٌ في أيامٍ عديدة ؛ كأيامِ البِيض ، والخميس والاثنين و .... فعلامَ التركيز على صوم يوم عاشوراء دون غيره ؟

على أنّه يوجد من علماء العامة من صرّح بأنّ أحاديث فرض الله الصوم على بني إسرائيل في يوم عاشوراء احتفاءً بنجاة موسى – ع - هي أحاديثُ موضوعةٌ . ومن أولئك العلماء عبد الرحمن ابن الجوزية في كتابه ( الموضوعات ) ؛ حيث يقول : (( فمن الأحاديث التي وضعوا عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ص - :( إنّ الله افترض على بني إسرائيل صوم يومٍ في السنه ، هو يوم عاشوراء فصوموه ووسعوا على أهاليكم فإنّه من وسّع على أهله من ماله يومَ عاشوراء وسّع عليه سائر سنته ) .

لا شك أنّ أول من احتفى بمصائب أهل البيت – عليهم السلام - هم قتلةُ أهل البيت ومن شايعهم ، ثمّ تابع سنتهم كلُّ من ينصب العداء لأهل البيت – ع – أو جاهلٌ متابعٌ دون تمحيصٍ – كما هو الحال عند بعض الشعوب التي يظهر أنها تتابع دون وعيٍّ سنةَ بني أمية .

ملحوظة : لمن أراد الاستفاضةَ في البحث ؛ توجد مصنّفات ناقشتْ صيام عاشوراء باستفاضة منها كتاب(( صوم عاشوراء بين السنة النبوية والبدعة الأموية )) للعلامة المعاصر الشيخ نجم الدين الطبسي .

مرات العرض: 3400
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2559) حجم الملف: 57185.49 KB
تشغيل:

كرم الامام الحسن في أبعاده المختلفة 15
أقسام الصيام ومشروعية الاعتكاف 17