تشريع صلاة الجماعة والجمعة 10
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 10/9/1439 هـ
تعريف:

تشريع صلاة الجماعة والجمعة


تفريغ نصي الفاضلة أم حسين آل نور
تصحيح الفاضلة فاطمة الشيخ منصور
قال الله تعالى في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )سورة الجمعة آية 9.
      إن الأصل في الممارسات العبادية أنها ارتباط شخصي بين العبد ومعبوده، فالخضوع حالة شخصية يخضع فيها العبد لله عزوجل، يدعوه ويفتقر ويتوسل إليه وكلها أمور فردية لا ترتبط بالآخرين  وهذا ما نلاحظه في كثير من العبادات مثل الصلاة والزكاة، فالصيام حيث أنه ممارسة عبادية لا ترتبط بالآخرين  صاموا أم لم يصوموا وفي بعض الأحيان  التزام الإنسان بهذه العبادة  قد لا يعلم عنه الآخرون.
      لكن على إثر تحديد الشارع  المقدس لبعض  العبادات زمانًا ومكانًا يجعل منها عبادة مشتركة بين الناس وهذه المشاركة بمقتضى التحديد الزماني  والمكاني فلا  يمكن للمكلف ممارسة هذه العبادة بمفرده وذلك مثل الحج  فلتحديد الزمان والمكان تكون هذه الممارسة مشتركة بين المكلفين ،لكن الاجتماع مع الناس غير مأخوذ في ذات العبادة فلو وقف في صحراء عرفات مكلف واحد فقط فحجه صحيح ولو حجت مجموعة  قليلة  خمسة مثلا فحجها صحيح أيضًا لأن الاجتماع مع الناس غير مأخوذ في  ذات العبادة.
      وتوجد  عبادات أخرى يؤخذ الاجتماع مع الناس في ذات العبادة فلا يتحقق في الخارج إلا مع الناس مثل صلاة الجماعة فلا  تتحقق الجماعة  لو  قال الإمام سأصلي الجماعة لكن لا يصلي خلفي أحد أو قال المكلف سأصلي الجماعة بمفردي لأن الاجتماع مأخوذ في  ذات  الجماعة فلا تتم إلا بوجود إمام ومأمومين وعلاقة إئتمام وهكذا الحال بالنسبة لصلاة الجمعة فمن شروط إقامتها وجود خمسة أشخاص أحدهم إمام الجمعة كما هو معروف عند الإمامية.

فلسفة التشريع:
    حينما شرع الله سبحانه وتعالى العبادات   الجماعية أراد تحقيق أغراض من أجل المجتمع كتقويته وأن يشعر  أفراده بالتواصل والتعاضد والقوة والانسجام فيكون مد  النظر  في هذه العبادات للآثار الاجتماعية بعد  الآثار الفردية فهي تحقق تواصلاً اجتماعيًا على أرض التقوى والهدى كما تشعر  بالقرب والمساواة  حيث الناس يقفون في صف واحد لا يتميز ولا يستكبر أحد منهم عن الآخر.
   ولها فلسفة أخرى كما في تأملات بعض الباحثين وهي التأكيد على اتباع القائد الرباني والائتمام به في الحياة كلها فإمام الجماعة أجلى مصداق للإمامة الربانية، فعلى المسلمين الالتفاف حول القيادة الربانية وهم الرسول الأكرم ومن بعده أئمة الهدى يأتمرون بأمرهم وينتهون بنهيهم كما ورد في الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام (أنظروا أهل بيت نبيكم فإنهم لن يردوكم عن هدى ولن يدخلوكم في ردى فإن نهضوا فانهضوا وإن لبدوا فالبدوا) وهذه العلاقة بين عموم الناس والقيادة الربانية تحتاج إلى تدريب وممارسة وأحد أغراض وأهداف صلاة الجماعة تكريس حالة الانقياد للقائد الرباني عند عموم الناس فلهم إمام يصلون خلفه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده وهو يحمل ويضمن عنهم، ولهذا يشترط الإمامية أن يكون إمام الجماعة عادلًا لأن إمامك وفدك إلى ربك فانظر من توفد، خلافًا لما عليه غيرهم من الصلاة خلف كل بَر وفاجر.
تشريع صلاة  الجماعة:
          كان تشريع صلاة الجماعة منذ بداية البعثة لأن الروايات التي تشير  إلى بداية الصلاة  تشير إلى صلاة رسول الله بالإمام علي والسيدة خديجة عليهم السلام كما في رواية عفيف الكندي جئت في الجاهلية الى مكة ، وأنا أريد ان ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها ، فنزلت على العباس بن عبد المطلب ، قال : فأنا عنده ، وأنا أنظر الى الكعبة وقد حلّقت الشمس فارتفعت إذ أقبل شاب حتى دنا من الكعبة ، فرفع رأسه الى السماء ، فنظر ملياً ، ثم استقبل الكعبة قائماً مستقبلها وما هي إلا ان جاء غلام حتى قام عن يمينه ثم لم يلبث إلا يسيراً ، حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما . ثم ركع الشاب فركع الغلام ، وركعت المرأة ، ثم رفع الشاب رأسه ، ورفع الغلام رأسه ، ورفعت المرأة رأسها ثم خرَّ الشاب ساجداً ، وخر الغلام ساجداً ، وخرت المرأة ساجدة، يقصد بذلك الرسول الأكرم والإمام علي والسيدة خديجة عليهم السلام.
    وأيضًا في الخبر الذي يشير إلى أن أبا طالب أشار على ابنه جعفر أن يصل جناح ابن عمه بمعنى أن يقف إلى يسار النبي محمد بعد ما وقف الإمام علي إلى يمينه وهما في الصلاة، كما تشير إلى ذلك   أيضًا ما ينقل عن صلاة المسلمين أيام البعثة في  دار الأرقم ابن أبي الأرقم وكان  يجتمع فيه المسلمون وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بهم جماعةً،وتشير إلى ذلك أيضًا صلاة مصعب ابن عمير بالمسلمين جماعة في المدينة وكان يصلي الجمعة أيضًا.
فضل صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة لها فضل كبير وعظيم وينقل عن السيد اليزدي في العروة الوثقى رواية تلقاها العلماء بالقبول لشهرتها وتشملها قاعدة التسامح في أدلة السنن على جميع المسالك حيث فيها وعد بالثواب  ففي الخبر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم( وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة صلاة، فإن زادوا على العشرة فلو صارت السماوات كلها قرطاسا والبحار مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة) وهذا الأجر العظيم متوفر يوميًا وفي كل الصلوات فكيف يفوته عاقل؟
إيمانٌ يقاوم الثراء:
     إنه إيمان مصعب ابن عمير وهو شاب من بني عبد الدار وكان شابًا جميلًا ومدللًا، كما كان في غاية الثراء ولشدة ثرائه كان الناس يعطون للقصار الذي يغسل الثياب نقودًا ليغسل ثيابهم في الماء الذي غسل فيه ثياب مصعب ابن عمير لكثرة ما فيها من العطور، لكنه اختار ما عند الله سبحانه وتعالى ولم يمنعه عن الإسلام دلال والديه وعطائهما و تهديدهما بمنع الطعام عنه وفعلًا منعا عنه الطعام ولم يستسلم لهما فطالباه بنزع ثيابه فلم يبقى عليه إلا رداء وقميص خَلِق، وكان وافد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة يعلّم أهلها القرآن ويصلي بهم الجماعة والجمعة، وقد عمل بجدٍ ونشاط ليمهد المدينة لاستقبال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أعانه في ذلك المؤمنون ممن بايعوا الرسول في بيعة العقبة الأولى والثانية، استشهد في معركة أحد وعليه ثوب قصير لا يستر كامل بدنه لأنه ضحى بثرائه لأجل إيمانه بالله سبحانه وتعالى.
 تشريع صلاة الجمعة:
      كان تشريع صلاة الجمعة في أواخر سنوات البعثة النبوية وقبل الهجرة إلى المدينة، ولم يكن حال المسلمين في مكة يسمح بإقامتها لأن إظهار قوة المسلمين وتناول القضايا العامة للمسلمين مأخوذ في ذات الصلاة بالإضافة إلى الاجتماع، لذا أرسل رسول الله إلى مصعب ابن عمير في المدينة من يخبره بتشريع الجمعة ويعلمه كيفيتها وأن عليه أن يقيمها في يوم الجمعة فكانت أول جمعة في الإسلام بإمامة مصعب ابن عمير في المدينة لأن ظروفها كانت مهيأة في المدينة، وتشير بعض المصادر أن أسعد ابن زرارة هو من صلاها ولكن الأصح أن مصعب هو من صلاها.
تسمية الجمعة:
     كان في الجاهلية يسمى عَروبة بمعنى الرحمة والحنان، وكان اليهود يتهيأون فيه ليوم السبت، ويقال أن اسم الجمعة اطلقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلحاظ الاجتماع وما يرتبط بها سماه الجمعة ونزل القرآن بهذا الاسم أيضَا فهي تسمية إسلامية.
كيفية صلاة الجمعة وشرائطها:
       تبدأ صلاة الجمعة عند الإمامية بخطبتين بينهما جلسة استراحة، ثم ركعتين يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الجمعة وفي الثانية سورة المنافقون، كما يستحب فيها قنوت قبل الركعة الأولى وقنوت بعد الركعة الثانية، وهي كذلك عند مدرسة الخلفاء باستثناء القنوت، فتسقط من صلاة الظهر ركعتان ويعوض عنها بالخطبتين لذا فالأصل أن تكون الخطبتان نافعتين لعموم المسلمين بحيث تعوضان مافاتهم من فائدة الركعتين وهذا ثابت بمقتضى العوض والمبادلة، فعلى الخطيب أن يعتني بتقوية إيمان الناس وعقيدتهم لذا فإن من شروط الخطبة أن يذكر الله سبحانه وتعالى ويثني عليه ويذكر آلائه ويذّكر الناس بعقائدهم  الصحيحة ويقرأ سورة من سور القرآن، أما لوكانت الخطبة دون فائدة أو كان بها مضرة للإسلام والمسلمين كالخطب التي تثير الشحناء والبغضاء وتلوث القلب بالأحقاد فهي مخالفة لغرض اجتماع الناس وهو أن يتعارفوا ويتحابوا ويزداد إيمانهم وعلاقتهم بالله ويتعرفوا على أحكام الدين وشرائعه.
      ومن شروط الجمعة أيضَا عند الإمامية أن يفصل بين الجمعتين بخمسة كيلومترات وفقَا لما جاء في روايات أهل البيت عليهم السلام، وأما بعض المذاهب الأخرى فيشترطون أن تكون في المنطقة بأكملها صلاة واحدة فقط.
حكم صلاة الجمعة:
     صلاة الجمعة واجبة بنحو الوجوب التخييري فإذا اجتمعت شرائطها يجب على المكلف إما أن يصليها على الأحوط استحبابًا أو يصلي الظهر كما هو عند علمائنا المعاصرين، وعند بعض علمائنا المتقدمين إذا أقيمت الجماعة وجبت بالاحتياط الوجوبي.
جمعة الرسول الأولى:
     وصل الرسول الأكرم إلى المدينة في يوم الإثنين على المشهور وبقي ينتظر وصول الإمام علي عليه السلام حتى يدخلا معًا، وعند وصوله مع ركب الفواطم اتجهوا للدخول إلى قلب المدينة، وحل وقت الظهر في طرف قباء وكان يوم الجمعة، وكانت تلك المنطقة مقسمة إلى عشائر ولكل عشيرة حي فوصلوا إلى حي عمر ابن عوف وقت الزوال ولا خطر ولا ضرر من صلاة الجمعة، فخط النبي مسجدًا وجعل قبلته باتجاه بيت المقدس فخطب خطبتين ثم صلى ركعتين فكانت أول جمعة لرسول الله في المدينة، وأول جمعة لرسول الله خارج المدينة أقيمت في جوافا بالأحساء.
       وفيما بعد دخل النبي الأكرم إلى المدينة وعمرت المدينة بوجود النور والبركة فيها ودعا الرسول أن يبارك فيها فتحولت من يثرب الموبوءة بالحمى والعلل إلى طيبة الطيبة ونزح عنها الوباء والبلاء ببركات رسول الله، واستسقى الرسول فيها ودعا ربه فأفاض الله بغيثه ورحمته هذا من الناحية المادية ومن الناحية المعنوية عمرت بالعلم والمعرفة والخلق والتقوى بوجود رسول الله وآله الطاهرين والهاشمين فأضافوا لها بهجة وسرورًا فأصبحت موئلًا للإيمان وقلب المتدفق لنقاء الإسلام.

 

مرات العرض: 3456
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2559) حجم الملف: 59299.96 KB
تشغيل:

تحويل القبلة .. آراء وأدلة  9
تشريع صلاة الآيات والعيدين والاستسقاء 11