من مظاهر الظلم بين الآباء والأولاد 26
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 4/4/1439 هـ
تعريف:

24 من مظاهر الظلم بين الآباء والأولاد

 

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

لا يزال حديثنا ضمن الحديث عن الأمراض الأخلاقية والصفات السيئة في موضوع الظلم، كفانا الله وإياكم أن نظلم أو نُظلم، فقد ورد في الدعاء: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ"، أي: أن أكون فاعلا للظلم، أو أكون ممن وقع عليه الظلم.

وقد تحدثنا في وقت مضى عن بعض مظاهر الظلم التي تحصل من بعض الأزواج لشركائهم في الحياة الزوجية، فقد يظلم الزوج زوجته، وقد تظلم الزوجة زوجها. وقد توعد الله سبحانه وتعالى، الظالم منهما بعذاب شديد، وأنه لا يقبل منه صرف ولا عدل. وقد مرت بنا أحاديث في هذا المجال.

حديثنا اليوم، هو استكمال، لبعض مظاهر الظلم في الأسرة، ثم في المجتمع. ونشير إلى بعض هذه المظاهر، تذكيرا بها، وتحذيرا منها، ولكي نلتفت إلى أننا من الممكن أن يصدر منا مثل تلك الأعمال. وأننا عندما نتحدث عن الظالمين، لا ينبغي أن يذهب إلى ذهن الإنسان إلى ما وقع من ظلم في التاريخ، كظلم بني أمية، وبني العباس، أو ما شابههم. وإنما قد يكون الإنسان، في هذا الزمان، قد يكون المتكلم، ظالما، وقد يكون بعض السامعين يرتكبون مثل هذا الأمر. فعندما يلتفت الإنسان إلى هذه القضية، ربما يتوقى من الاستمرار، في بعض هذه المظاهر.

فيما يرتبط بالأسرة بشكل عام، وبعد الحديث عن الزوجين، يأتي الحديث عن بعض مظاهر الظلم بين الآباء والأولاد. فقد يقوم بعض الآباء بظلم بعض أبنائهم. فيمارسون أعمالا تصنف في دائرة الظلم لابنهم أو ابنتهم. من ذلك مثلا: التمييز الظاهري بينهم. فالتمييز القلبي هذا أمر ليس باختيار الإنسان. أي محبة هذا الأب إلى هذا الولد، الذي قد يكون الأكبر أو الأصغر أو الأوسط، أو هذا الأكثر ملاحة، أو هذا الأسرع طاعة وبرا، هذا أمر لا يستطيع الإنسان أن ينكره، ولا يستطيع أن يمتنع عنه. فمن الممكن أن يفضل في قلبه بعض أولاده من الذكور أو الإناث على بعض.

وهذا لا يحاسب عليه الإنسان، ولا يعد ظلما. ولكن عندما يستتبع هذا التمييز القلبي، تمييزا ظاهريا. فمثلا: أنا عندي حب للولد البكر، فبالإضافة إلى أنني في قلبي أحبه محبة زائدة، أقوم بإعطائه الأموال الأكثر، وأختصه بالاهتمام، وأهمل الباقين، فأكرمه وأهين باقي أخوته، وأشيد به بين الناس، وأهينهم أمام سائر الناس، وأقمع شخصياتهم. فهذا ظلم في حق الباقين.

بل في بعض الروايات، وإن كانت مصادرها عامية، كما ورد مثلا في صحيح البخاري، وهو من مصادر مدرسة الخلفاء، حاكيا عن قضية وقعت لنبينا المصطفى محمد (ص)، ينقلها عنه النعمان بن بشير الأنصاري. والنعمان بن بشير يأتي ذكره عادة في قضية الإمام الحسين (ع)، أنه كان واليا من قبل معاوية على الكوفة أيام ورود مسلم بن عقيل فيها. وأيضا يذكر اسمه في أنه هو الذي تولى إعادة الركب الحسيني من الشام إلى كربلاء ثم المدينة، وهو من القلائل من الأنصار الذين تحالفوا مع الدولة الأموية، وكان في صف معاوية من أيام الإمام أمير المؤمنين (ع). ذكروا عدة أشخاص من شخصيات الأنصار، هؤلاء كانوا إلى جانب معاوية، وتركوا الإمام (ع)، وهذا الرجل النعمان واحد منهم.

يقول كما ورد في ذلك الكتاب: "أَعْطَانِي وَالِدِي عَطِيَّةً" أي: والد بشير أعطاه عطية، "فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رُوَاحَةٍ، لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ"، أي لا بد أن تجعل النبي شاهدا، وإلا أنا غير راضية عن هذه العطية التي أعطاك إياها والدك، "فأتى النبي"، أي بشير، والد النعمان، فلما قالت له زوجته، أنا لا أرضى إلا أن تذهب وتخبر النبي بذلك. أتى الوالد النبي، فقال: "إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُ ابْنِي"، يعني: النعمان، "مِنْ عَمْرَة عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ"، أي قالت: أنا لا أقبل إلا أن تشهد النبي، وتخبره عن الموضوع.

والآن هنا نصان، واحد يفصل أن النبي سأله: "أَعِنْدَكَ أَوْلَادٌ غَيْرَهُ؟ قَالَ: بَلَى"، هنا في هذا النص، لا يوجد. فقال النبي: "أَعَطَيْتَ كُلَّ وُلْدِكَ مِثُلُ هَذَا" يعني الآن هذه الأرض التي أعطيتها إلى هذا، هل أعطيت باقي الأولاد، مثلها؟ أو لنفترض هذه الدراهم التي خصصته بها، هل أعطيت مثلها باقي أولادك؟ هل ساويت بينهم في العطاء. فقال: والد النعمان، لا. فقال النبي (ص): "فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوْا بَيْنَ أَوْلَادِكُم لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"، فهذه العطية، عطية غير عادلة. نعم، أنت حر، ويجوز للإنسان من الناحية الفقهية أن يعطي ابنه، لكن هذا خلاف الإنصاف. وأنا النبي محمد لست حاضرا أن أجعل توقيعي على أمر فيه إجحاف بالآخرين، فيه جور. اذهب وابحث لك عن شهود آخرين. لا أقول لك هذا حرام، ولكن أنا موقعي، أنا النبي، لا بد أن ألاحظ فيه إلى هذا المقدار، أنه: لا أشهد على أمر خلاف الإنصاف، خلاف العدل، خلاف الأخلاق، لا أوقع على هذا، اذهب، استشهد غيري.

في بعض الحالات قد يكون هذا التمييز الظاهري، أنت تحب هذا الابن، فلا بأس في داخل قلبك، ولكن عندما تختصه بالعطاء، وتحرم الباقين من غير مبرر واضح، إلا لأنك تحبه، فأنت بهذا تصنع بغضاء وإحنة وحقد فيما بينهم. فلا تفعل هذا. مع أنك - كما قلنا حر - في تصرفاتك المالية، لكن هذا خلاف الحالة الأخلاقية. فإذا كنت تريد أن تصون وضع الانسجام فيما بين أبنائك وأولادك عموما، فلا تميز بينهم تمييزا ظاهريا، فتكرم شخصا، وتهين آخر، وتعطي شخصا، وتحرم آخر، وتصل شخصا وتقطع آخر.

وهذا من الأمور التي تكون في بعض الدرجات، درجة من درجات الظلم، فالولد المحروم، إذ أكرمت هذا وحرمت ذاك، في بعض الحالات ينطبق عليه عنوان الظلم. وأسوأ من هذا عندما لا يعترف الأب ببعض أبنائه أو بناته. وللأسف توجد حالات هكذا. لأي سبب من الأسباب، كأن يكون مبغضا لأمهم، وليس مرتاح معها، فماذا يصنع؟ ينتقم منهم. في هذه الفترات تنقل الجرائد والمجلات، سواء هنا أو في أماكن أخرى. إذ يبلغ الولد 15 سنة و18 سنة وأقل وأكثر، وإلى الآن، وهذا أبسط حقوقه - لم يضفه إلى وثائقه الرسمية. ففي دفتر العائلة مثلا، هو غير مضاف، وبطاقة شخصية لا يستطيع أن يستخرج، لمناكفة من هذا الأب - مثلا - لأمه، يريد أن يجرحها، ويكره أبناءها، وهذا من الظلم. وأما إذا جر الأمر إلى عدم الاعتراف الشرعي، فهذا أمر أسوأ وأسوأ بكثير.

نعم، قد ذاك الشخص يقول له: أنا فعلا عندي قرائن على أن هذه المرأة، والعياذ بالله، لا تصون نفسها، وأنا أشكك في كون هذا الولد من أولادي، فلا أعترف به، وهذا له طريق شرعي، وهو طريق يسمونه: الملاعنة، بحيث أنت تنكر بنوة هذا لك، وله آثار شرعية مترتبة.

في غير هذه الحالة، لأنك مغتاظ من أمهم، أو لا تحب هؤلاء الأولاد، لجهة جمالية، أو لأي جهة من الجهات. فأحيانا يكون على أساس بنت أو ولد. وأن قسما من الرجال، يكره أن يكون له بنات، وأن امرأته لا تلد له غير البنات، فيعتبرهم طامة عقب طامة.

حتى نقلوا في قصص العرب، أن أعرابيا تزوج امرأة، فحملت. فجاءت له ببنت. فحزن، وقال: ننظر في التجربة الثانية. وأيضا نفس النتيجة، التجربة الثانية كانت بنتا. فترك البيت أصلا، ولم يعد يأتيه، ولا يعتني بالأم ولا بابنتها، فتلك كانت تتمثل بالشعر المعروف: ما لأبي حمزة لا يأتينا .. يظل في الدار التي تلينا .. يغضب أن لا نلد البنين .. وإنما ننتج ما قد زرعوه فينا.

أنا أرض حسب التعبير، تغرس فيها برتقالا، يخرج برتقال، تغرس فيها ليمونا، يخرج ليمون، تزرع فيها شجرة أخرى، كذلك. فأنا المرأة - حسب تعبيرها هي - إنما أنا أرض، وبحسب التعبير العلمي الآن، فليس الأمر كله براجع إلى المرأة، جيناتك أنت مثلا أضعف من جينات المرأة، فيقع مثل هذا الأمر. فقد أحيانا يكون لأجل أنها أنجبت البنات، وهو يكره البنات، يعتبرهم معرة، يعتبرهم ثقل، يعتبرهم مشكلة، لذلك لا يتعني، لا يصرف، لا يعطي.

وقد تجد من أوضح الأمثلة على ذلك، في هذه الأزمنة، أن بعض الآباء، لنفترض عنده عدة أراضي، فيعطي أرضا إلى زيد الكبير، وعمر الوسط، وبكر الصغير، وعنده إلى جانب هؤلاء بنات، وربما تكون هذه البنات محتاجات إلى السكن، وزوجها مثلا قد يكون ضعيفا، وغير قادر، مع ذلك لا يعطي، هو فقط يعطي الأولاد الأرض والمسكن. أما البنت، لا. فذنبها على جنبها وجنب زوجها، فلماذا هنا تصرف على ابنك وهو ذو القوة، وهو ذو الشوكة، وهو الذي يستطيع أن يدبر أمره، بينما تحرم منها بناتك وهن قد يكن أحوج إلى المساعدة.

والأمر عادي ووارد عند قسم من الآباء، إذ يقول إلى ابنه: تعال اسكن في الملحق عندنا، في الشقة التي أمتلكها، أما البنت، فلا. لا بد أن يدفع زوجها مالا، وإن كان محتاجا. فربما هذا الابن ليس محتاجا، مع ذلك، يقول له: نعم، ابق في هذه الشقة مجانا. وابنته محتاجة إلى الريال مع زوجها، مع ذلك، يفرض عليه ماذا؟ الإيجار، والعطاء، وما شابه ذلك. فهذا في بعض الدرجات، عدم الاعتراف الرسمي، عدم الاهتمام، عدم ترتيب الأوراق، عدم المساعدة، قديكون في بعض صوره نوعا من أنواع ظلم الوالد لبعض أولاده من الذكور أو الإناث.

كذلك مما يحسب من الظلم: عدم القيام بحقه، مثل: التعليم. فالآن، في هذه الأزمنة، من حقوق الولد على أبيه، أن يقوم بتعليمه التعليم المتعارف. فليس واجبا عليه أن يسجله في أرقى المدارس وأغلاها. ولكن التعليم العادي الرسمي، الذي لا يكلف الوالد إلا الذهاب إلى المدرسة، وتسجيل الاسم، قد يكون من الحقوق العرفية للولد. وقسم من الآباء لا يعترف بهذا الشيء. ويبقى هذا الابن أو هذه البنت، خارج هذا الإطار، وتمر عليه السنوات، ولا يستطيع إدارة حياته؛ لعدم تعلمه، وتقصير أبيه في تعليمه.

فهذا من أمثلة ظلم بعض الآباء إلى أولادهم، من الذكور أو من الإناث. وقد تنعكس المعادلة، عندما يظلم بعض الأولاد آباءهم، ولا سيما في مرحلة الكبر. فيبلغ الإنسان، أي إنسان، أنت الآن شاب، عمرك 30، 40، وأكثر وأقل، بعد فترة من الزمان تصبح – أطال الله عمرك في خير وعافية - من أبناء الثمانين. وذاك الوقت، ابنك عمره - لنفترض - 50 سنة، أو أكثر، أو أقل، وهو في عز نشاطه وقوته.

فأحيانا تنقلب المعادلة، فيقوم الابن، وأحيانا البنت، بظلم الأب أو الأم. من أمثلة ذلك: التحكم فيه، فيما يحب ولا يحب. فقسم من الأبناء يعتبرون والدهم صاحب أفكار غير صحيحة، وانتهى به الأمر إلى الخرف، وإلى آخره. وعليه، نحن لا بد أن نديره، وأن نعين له ماذا يريد وماذا لا يريد. نعم.

في بعض الحالات، التي لا يلاحظ فيها الأب - مثلا - مقتضيات الصحة من باب الشفقة عليه، والعناية به، ينبغي ذلك، ولكن بلسان حسن. وأما أن أعتبره مثل الأطفال، وأوجهه، وآمره: ثم، واجلس، وافعل، ولا تفعل، كأنما هو واحد من أطفالي، فهذا لا، يعد ظلما من بعض هؤلاء الأبناء لآبائهم وأمهاتهم، لذلك تهديد في القرآن الكريم: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).

ومن أمثلة الظلم التي قد تحصل في بعض الحالات، وهي موجودة للأسف: حرمان الأبوين من حياتهما الزوجية. إذ يحصل أن الوالد مثلا، تتوفى زوجته، وعمره الآن 65، 70 سنة، أكثر، أقل، وأن شيئا ما أمره بيد أبنائه، وهناك بعض الأسر هكذا. فيفرض هؤلاء الأبناء، وأحيانا البنات، على أبيهم أن لا يتزوج. ولا سيما بعض البنات: فكيف يأتي أحد ويأخذ مكان أمنا الغالية العزيزة؟!

هذا رجل، له حاجات في الرعاية، في العناية، في الرغبة الجنسية، ولو بدرجة عمره. نعم، أنت يمكنك أن تأتي، فتعدين لع الغداء وكذا، وغالبا، كل واحدة، وكل واحد، ملته بحياته الخاصة. فتمر بعض الأحيان التي هي نصف ساعة، ساعة، أو غير ذلك، يكون فيها هذا محتاج إلى من يعتني به، لا سيما في هذه الفترات. فتأتي هي وتقول لك: لا. لا أحد يأخذ يأخذ مكان أمنا، ولا نسمح أن يتزوج والدنا! وهذا من أشنع، وأسوأ، أنواع الظلم والعقوق. لا سيما إذا كانوا قادرين على هذا الأمر.

وللأسف، في بعض الحالات، يبقى هذا الرجل 15 السنة الأخيرة من عمره، 20 سنة الأخيرة من عمره، لا يستطيع أن يقرر قراره. فله حاجة ورغبة جنسية، قلت: بمقداره، فرغبة من عمره 60 و65، ليست نفس رغبة من عمره 25، ولكن بالنتيجة هناك رغبة.

حاجاته إلى العناية أكثر، فمن ممكن أن يكون من عمره 30 سنة غير محتاج إلى عناية، كما يحتاج إليها ابن 65 و70 وأكثر من ذلك. فأنا ابنه، لما آتي وأقول له: لا، أنت لا تتزوج، عيب علينا، ماذا سيقول الناس عنا! وهذه الحجة السخيفة، الحجة الباطلة: ماذا سيقول الناس عنا! فمنذ متى كان الناس مشرعين؟ ومنذ متى كان قول الناس ملزما للإنسان؟ فمن أسخف الكلمات، هي: هذه الكلمة: ماذا سيقول الناس عنا! ليقولوا ما يقولون، فأنت لا تعمل عملا سيئا لا بالنظر الشرعي ولا بالنظر الأخلاقي.

فهذا من الظلم في حق الآباء. أو – أحيانا – الأولاد والأخوة يتحكمون بأخواتهم بنفس الطريقة. ولا سيما إذا تقدمن في السن. مع أنه من الناحية الشرعية - وهذا ذكرناه أكثر من مرة - الأخ لا ولاية له، ولا بمقدار قلامة ظفر على أخته. ولو بلغ هو من العمر 60، وهي عمرها 10 سنوات، فليس له من الناحية الشرعية أي نحو – أي الأخ – من أنحاء الولاية الشرعية على أخته، وهذا في رأي مذهب الإمامية.

ولكن مع ذلك، أحيانا تجد أحدهم عمره 25 سنة، يتحكم في مصير زواج أخته التي بلغ عمرها 35 سنة ومتعطلة، ولكنه، مع ذلك، يقول: لا، لا أسمح أنا بذلك، وكيف أقبل أن أختي تتزوج رجلا متزوجا. أصلا، أنت ليس لك حق أن تقبل أو ترفض. كيف أقبل أن أختي التي هي من فلان عائلة، أن يتزوجها أحدهم من أهل القرى، من بلد ثانية، لا يمكننا، لا نتحمل هذا. هذا آثم، هذا ظالم، هذا يتناول ما ليس له شرعا، ويظلم أخته في ذلك.

وأيضا أحيانا قد يحصل حتى بالنسبة إلى الأمهات. فالموت لا يقول: هذا أصبح عمره 80 سنة، سآتي وأقبض روحه، وإنما قد يبكر في ذلك.

إحدى النساء، كانت تشتكي، فتقول: أنا عمري 45 سنة، والله اختار زوجي، ولدي أبناء أيضا، بعمر 22 سنة، و23 سنة، أكثر، وأقل، وأنا من الناحية المادية محتاجة، ومن الناحية الجنسية أيضا، وأحتاج إلى أحد يرعاني. والأبناء مهما وفروا المال، سيفكرون يوما بجمعه، ومن ثم الزواج به. أما أنا، فعندما فكرت في موضوع الزواج، أحد الأولاد، وبهذه الصفاقة، قال لي: أي أحد يتقدم لخطبتك سأشق بطنه بالسكين! هذا مجرم، وليس ظالما فحسب. هذا مجرم. ويخلط الجاهلية بالحماقة من غير مبرر. كيف أن أمي تتزوج آخر غير أبي؟! مثلما تزوج أبوك! وما الضير في ذلك.

نساء مقربات، عظيمات، كبيرات، تزوجن. وذكرنا أكثر من مرة، نموذج أسماء بنت عميس - رضوان الله تعالى عليها - وهي زوجة جعفر الطيار سلام الله عليه. فعندما استشهد جعفر، كان عمر عبد الله بن جعفر، ابنها، حدود التسع سنوات، فتزوجت. وبعدها أيضا بخمس سنوات، توفي عنها زوجها، وهو الخليفة الأول، وكانت قد أنجبت منه محمد بن أبي بكر. وإلى ذلك الوقت، أصبح عمر عبد الله بن جعفر، 14 سنة، 13 سنة، فتزوجها أمير المؤمنين (ع). ولم يأت عبد الله بن جعفر ويقول لأمه: ليس لك أن تتزوجي! ومثلها أم سلمة، فلما تزوجها رسول الله (ص)، كان عندها أبناء وبنات من زوجها السابق، فلماذا لم يقل أحدهم: لماذا تتزوج أمنا؟ أو لماذا هي كل يوم في بيت، تخرج من واحد وتدخل في آخر؟ ومن حضن رجل إلى حضن آخر؟ فهذا من الظلم الذي يرتكبه بعض الأبناء، والبنات أحيانا، وقد يكن أكثر قسوة في هذا الجانب تجاه أمهم.

من الظلم في خارج هذه الدائرة الأسرية، ما يرتبط بالعاملين تحت يد الإنسان: كالعاملة المنزلية. وقد تحدثنا في وقت سابق عن هذا الجانب، ولكن نشير إشارة سريعة. فمن الظلم عدم الوفاء بالعقد معها. فمثلا: أنت وقعت معها عقدا، أن هذه لها يوم في الأسبوع ترتاح فيه، بينما البعض في ذاك اليوم يجعلونها تعمل أكثر من سائر الأيام. هذا إذا لم يكن برضاها، وفي مقابل أجر، يعد ظلما بالنسبة لها. فأنت منها تأخذ شيئا ليس من حقك.

مثلا في يوم الجمعة، لو فرضنا أنه من ضمن العقد أن تستريح، وأن لا تعمل. في هذه الحالة إذا أنت جعلتها تعمل، ولم تعطها شيئا إضافيا، ولم يكن هذا برضاها، برضاها يعني ماذا؟ لا يعني أن تقول لها: إذا لم تعملي، فخروج بلا عودة. فليس هذا من الرضا. هذا يعد ظلما لها.

ومثل ذلك عامل الشركة الذي يرتبط معك بعقد من العقود. فتأخير الرواتب بالنسبة لهم، والتهديد بالاقتطاع، فضلا عن الاقتطاع من غير حق، طيب، هذا من الظلم. وأما الكلام عن العنف اللفظي والشتم وما شابه ذلك، بل والضرب فهذا أسوأ درجات الظلم.

أشير إلى نقطة هنا، وهي منتشرة للأسف في هذه الفترات، وأنهي بها الحديث، أنه نحن نلاحظ بين فترة وأخرى أن، قصصا وصورا وفيديوات، تنتشر عبر الوتساب ووسائل التواصل، عن بعض العاملات، أن انظر إلى هذه العاملة كيف تدوس على بطن الطفل ذاك! وتلك العاملة تضع أشياء قذرة في الطعام! وثالثة تسرق مثلا! وهذه كذا. وأنا ألفت النظر إلى ضرورة التنبه إلى هذا المعنى. فإعادتك لهذه المقطع وما شابه ذلك، قد يسهم في ظلم امرأة بريئة. لأن هذا الفيديو كأن له رسالة معينة، وهي: أن كل العاملات اللواتي من هذا النوع، مجرمات. وكل العاملات اللواتي من هذا النوع سارقات، كل العاملات هن غير أهل للثقة، وهذا يحرضك على العامل الذي هو، والعاملة التي هي، عندك.

ما يذكر من أن هذا رب العمل! سبحان الله، هل كان ملاكا من الملائكة نازلا من السماء، وهي فعلت له ولأهله هذا الأمر. لا، هات أيضا بالفكرة الأخرى، لماذا لا ينتشر مثل هذا الأمر؟! الغرض منه: إشاعة جو من هذا القبيل، وأحيانا أنا وأنت بإعادة نشرها وتكرارها ،نشعل جو التشنج تجاه ربما عاملة فقيرة مستضعفة تركت أهلها، وأبناءها، وعائلتها؛ من أجل أن تكدح من الساعة السادسة صباحا إلى نصف الليل، حتى هذا المقدار من المال تحصل عليه؛ لأهلها.

لا ننكر أن هناك سيئات من العاملات، وأن هناك سيئين من العمال، لكن تصوير الأمر وكأن أرباب العمل هم ملائكة مقربون، وأنهم دائما هم المظلومون، وأن العاملة والعامل هم السيئون والخاطئون، هذا أمر غير صحيح.

فأنت لا بد أن تتعامل مع هذا العامل الذي تحت يدك وتنظر كيف هو، وهذا بمقدار أيضا. فالغالب هكذا (من يعمل مثقال ذرة خير يره)، أنت تكرمه، الغالب أنه يكرمك. تكون صادقا معه، يكون صادقا معك. تعطيه أجره في وقته، يعطيك عملا حسنا وجيدا. الغالب هكذا. ولا أقول كل شخص.

مثلما أن في أرباب العمل يوجد سيئون، في ذاك الطرف يوجد سيئون. فالإنسان ينبغي أن يحذر من الظلم، لا سيما لمن هو تحت يده، وهو ضعيف، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.

 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبعد عنا الظلم فعلا، أو أن يقع علينا الظلم من أحد، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 

 

مرات العرض: 3378
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2570) حجم الملف: 36308.25 KB
تشغيل:

الظلم في حياتنا الزوجية 25
لماذا يظلمون غيرهم ؟ 27