7 - مالك بن أنس إمام المذهب المالكي.
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/9/1438 هـ
تعريف:

مالك بن أنس إمام المذهب المالكي


تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
قال سيدنا ومولانا أمير المؤمنين فيما روي عنه: "انظروا أهل بيت نبيكم، فالزموا سمتهم واتبعوا آثارهم، فإنهم لن يخرجوكم من هدى، ولن يدخلوكم في ردى"  .
إمام المذهب المالكي، مالك بن أنس، الذي ولد في سنة 93 من الهجرة، وتوفي سنة 179 للهجرة، ويعتبر مذهبه الثاني في البروز والظهور التاريخي بعد المذهب الحنفي، في مدرسة الخلفاء، ويعتبر أيضا الطرف المقابل للمذهب الحنفي، ذلك أن المذهب الحنفي كان يمثل اتجاه الرأي والاجتهاد، في المذاهب الأربعة، بشكل واضح، وكبير، وقد تعرضنا له في حديث مضى، في مقابل ذلك، يمثل المذهب المالكي، التبلور الأكبر لاتجاه مدرسة الحديث، إلى ذلك الوقت، والاعتماد على النصوص، والابتعاد قدر الإمكان عن الرأي. ولعل هذا راجع إلى أن الأساتذة والشيوخ الذين تعلم عليهم مالك وأخذ منهم. كانوا يتنمون إلى هذه المدرسة الحديثية، مثلما أنه في الأفق الإمامي، كان الاعتماد الأكبر على الحديث، وقد سبق أن تحدثنا عن هذا الموضوع، كان هناك شعبة في مدرسة الخلفاء، تعتمد على ما تسمعه من النبي (ص)، وأخذ عن هذه المدرسة، عن هذه الشعبة، مالك، هذا الاتجاه، فمثلا هو من تلامذة نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، عبد الله بن عمر، يصنف تاريخيا، على ما يقابل مدرسة الرأي، يصنف على مدرسة الحديُ، بالمقدار الذي أخذ عن رسول الله (ص). وبعض الباحثين يقول: أن موارد الاختلاف بين عبد الله بن عمر وبين والده في قضايا فقهية، كانت ناشئة من الاختلاف بين إبداء الرأي والاجتهاد أمام النصوص، أو الالتزام بنفس النصوص. كما ذكروا مثلا في قضية متعة النساء، حيث منعها الخليفة الثاني، بينما أثبتها عبد الله فيما نقل عنه. وفي بعض المصادر، في مثل الأذان، إزالة: حي على خير العمل، من الأذان والإقامة، الذي ينقل أن الخليفة الثاني، قد قرر منعه وإزالته، في المقابل ينثل أن عبد الله بن عمر، كان يرى وجود هذا اللفظ في الأذان والإقامة، وأمثال ذلك مما يذكرون.
هذا عبد الله بن عمر كان عنده أحد مواليه، وهو نافع، درسه، علمه، وحمل نافع عن عبد الله هذا العلم، ودرس وأخذ مالك ابن أنس، إمام المذهب المالكي، عن نافع.
أيضا ينقلون أنه أخذ عن محمد بن شهاب الزهري، وهو أيضا يعد في المحدثين، واتجاه مدرسة الحديث، وقد كان قاضيا لفترة من الزمان في الدولة الأموية، وأيضا ينقلون أنه أخذ عن محمد بن المنكدر، وهذا أيضا يعد في المحدثين، ويأتي لكلا محمد بن مسلم الزهري، ولمحمد بن المنكدر، بعض الحوارات بينهما وبين الإمام السجاد (ع).
هؤلاء وغيرهم: أيوب السختياني، وابن هرمز، ذكر في، ذكر هؤلاء في أساتذة مالك، كما ذكروا أيضا أن من جملة من أخذ عنهم العلم، مالك، أخذ عن الإمام الصادق (ع). هذا يذكر في ترجمته. وبالفعل هناك في كتاب الموطأ، الذي سوف نتحدث عنه بعد قليل، يوجد حوالي تسعة أحاديث عن الإمام الصادق، وإن كانت كلها ترجع إلى حديث واحد مقطع، في حج رسول الله (ص).
هالسا نأتي على مثل هذا الموضوع، فيما يأتي من الدقائق. مالك، بعد أن أخذ العلم، تعرض إلى موقف، هو الموقف تجاه محمد النفس الزكية، محمد بن عبد الله، بن الحسن، بن الحسن السبط، ابن حفيد الإمام الحسن (ع)، معروف بمحمد النفس الزكية، وهذا قام بثورة مهمة في وجه المنصور العباسي، واستشهد سنة 145 هجرية، ثورة محمد النفس الزكية استقطبت كثير من العلماء وكثير من الناس، أولا: لشخصية محمد، باعتباره واحد من الأسرة الهاشمية، وكانت شخصيته شخصية لامعة ومهمة، وكان متوقع أنه لما تسقط الدولة العباسية، مثل هؤلاء يكونوا خلفاء، عند عامة الناس، حتى أن المنصور العباسي، بايع محمد النفس الزكية بيعة، يعني: أنا خادم إلك، أنا جندي من جنودك. أنا المنصور. فلما سرقت الثورة من قبل الأسرة العباسية، بدأت المطاردة لهؤلاء العلويين، وكان كل هم المنصور، أن يقبض على محمد النفس الزكية، وعلى أخيه إبراهيم.
محمد كان في المدينة، وكما قلنا، من الأسرة الهاشمية، شخصيته شخصية مقبولة، الناس أيضا عندهم أن بني هاشم، وأسرة النبي، تعرضوا لظلم كبير أيام الأمويين، ولم يكونوا يستحقونه، فيتعاطفون مع المظلوم بشكل طبيعي. لذلك أراد قسم من أهل المدينة الالتحاق بنهضة محمد النفس الزكية، ضد المنصور. هنا يأتي موضوع مالك ابن أنس، إمام المذهب المالكي.
العباسيون عندما كانوا يأخذون البيعة، كانوا يأخذون البيعة، من الشخص على العتاق والطلاق لو خالف، يعني يقوله هذا، والي المدينة، يجيب هذا الإنسان، يبايع المنصور، تقول: تبايع المنصور على أنه خليفة، وعلى أنك مطيع إله، وأنك لو خالفته أو نهضت ضده، أو شغبت عليه، فنساؤك طوالق، وعبيدك أحرار. طيب.
وهذا عند بعض المذاهب، في مدرسة الخلفاء، جائز، حتى إلى الآن، إحدى المشاكل الموجودة في هالبيئة هذي أنه يصير طلاق على أتفه الأمور، يقول: تجي وياي الفطور، وإلا علي الطلاق. يا معود خفف، ثقل، خلاص، ما إجا هذاك، رز عناده، راحت في شيس المرة مسكينة، يابا هالسا أنت تريد تجيب الفطور ما إجا نسائي طوالق. إذا بعد متعددات، كلهم يطلعوا برا. عندنا هذا النوع من الطلاق فاسد وباطل، فإن للطلاق شروطا منها الشهود، ومنها الطهر، أن تكون المرأة طاهر، ومنها: أن لا يكون قد قاربها في ذلك الطهر مقاربة جنسية، ومنها أيضا أن ينشئ الطلاق، بأن يقول لها: أنت طالق. من دون تعليق، تعليقه على شيء.
مو إذا جاني فلان على الفطور، فأنت زوجة، وإن لم يأت فأنت طالق، هذا تعليق لا ينفع ولا يفيد. لكن عند سائر المذاهب هذا عادي وأحيانا تطلق المرأة بهذا النحو، فهذولا العباسيون استفادوا م هذا المعنى بأن يقولوا: أنت تبايع هذا وإن خالفته فامرأتك طالق، خو هذا اللي يريد يجي الآن، ينهض وي الثائرين، يخلي في باله أنا أنهض وياهم وأخسر مرتي! خلي مرتي على حالها، وخلي هذاك الثائر وغيره يمشي. فاستفتي مالك، فقال كلمة فهم منها: أنه يؤيد أن ينزع الإنسان بيعته، قال: ليس على المستكره يمين، وليس على المستكره طلاق. إذا واحد طلق طلاقا إكراهيا، أكر على هذا الطلاق، مثل هذا الأمر، فهذا الطلاق لا يقع. إذا الطلاق لا يقع، خلاص، أنا لو رحت وي النفس الزكية ما عندي مشكلة.
مع أنه لم يصرح بتأييد محمد النفس الزكية، طيب، مو مثل أبي حنيفة، الذي ذكرنا قبل ليال، أنه كان مؤيدا تأييدا واضحا لمثل زيد بن علي، طيب، بل لمحمد النفس النفس الزكية، بشكل واضح، وتعاطف، وتكلم، و، و، لا، هنا لا يوجد تصريح، مجرد تمت الاستفادة من هذه الفتوى.
الآن، كيف تفتي أنت بشكل يؤيد هذا الثائر على الحكم العباسي، جلبه والي المدينة، جعفر بن سليمان، من بني العباس، وأذاه، وضربه وتعتعه، طيب، وأهانه. وبعض المصادر، التي هي في ضمن إطار الحالة المالكية، تشير إلى أذى كثير تعرض له مالك، حتى خلع كتفه يقولون. بعدها رجع، فأرسل المنصور إليه: أنه احنا ما استخبرنا عن هذا وما كان عن أمرنا، واحنا زعلنا لما اصابك، وراح نعزل هذا الوالي علشانك. أحيانا السياسيون هكذا يسوون. يجي واحد، يعطي حقه من هالصوب، يجي الثاني يمسح عليه ويراضيه، وكذا، حتى بعد يستوعبه. هل هذا الذي حصل أو لا؟ هذا الآن مو في مجال بحثه.
المهم أن الذي جرى هو أن المنصور أرسل إليه، أنه احنا نعتذر عما جرى لك وهذا ما كان من أمرنا، ورح نعزل هذا الوالي، عن المدينة، اللي أذاك وعذبك، نعزله عن المدينة. وأكثر من هذا، بعد القضاء على ثورة النفس الزكية، في سنة 145 هجرية، المنصور، جاء إلى المدينة، وذهب لزيارة مالك، مالك ابن أنس، ذاك الوقت، كان أحد الفقهاء، لكن هناك كان من أساتذته حتى، مثل: ما ينقلون، أن الإمام الصادق، ممن أخذ عنه، استشهد الإمام سنة 148، وكان هناك من نظرائه العدد الكبير، ولكن كان مد نظر العباسيين على أن يبرزوا مذهبا معينا ويفرضوه على الأمة، وآنئذ يصير التنسيق مع هذا المذهب ومع إمامه. حاولوا في البداية، المنصور مع أبي حنيفة، ما قدروا، كما بينا في ما مضى، الآن هاي محاولة مع مالك بن أنس، فجاء المنصور وزار مالك، وقال له: أنه احنا نحتاج إلى ما يشبه الدستور، فأنت اكتب كتابا ووطئه للناس. كتاب في الفقه، وطئه للناس، واحنا رح نفرضه على كل أقطار الدولة الإسلامية.
قيل: أن مالك رفض الثاني وقبل الأول، قبل أن يكتب، ولكن رفض أن يفرض على الأمة، قله: بالتالي أصحاب النبي وتلامذته، هؤلاء الأصحاب، انتشروا في كل البلاد، وكل واحد عنده أخبار عن رسول الله، وروايات، ومو كلها نتفق فيها. بعض الكتاب يشير إلى معاني أكثر، قال له: أهل العراق لا يوافقوننا على ذلك؛ لأن أهل العراق النشاط الموجود في الكوفة ذاك الوقت، هو نشاط، إما أبي حنيفة، وإما إلى الإمام الصادق (ع). وكلا المسلكين لا يتوافقان مع مذهب مالك، ذاك اتجاهه الرأي بشكل صريح وواضح أبي حنيفة، وذاك الإمام الصادق ضمن مدرسة أهل البيت. فالمنصور قاله: إذن، تأخذهم السياط. إذا ما يستجيبون، نجيبهم بالقوة. قاله: لا تفعل. وهذا إذا تم من الناحية التاريخية، يكون موقفا إيجابيا سليما، من رفض فرض كتاب أو مذهب على الأمة بقوة السلطان.
المهم أن العباسيين انعطفوا جدا تجاه مالك، وقيل إن المنصور عين له ستة آلاف دينار، يجريها عليه، ستة آلاف دينار من المنصور العباسي، مو شي قليل، ها، المنصور العباسي، على الدانق والفلس يحاسب، أن يعطي واحد ستة آلاف دينار، هذا مثل تقول لواحد، في هالأيام، 60 مليون دولار، على سبيل المثال، بالنسبة للمنصور، شيء كثير يعتبر، حتى لقب بأبي الدوانيق، يعني معاملاته، مو بالدرهم، وإنما بكسر الدرهم. اللي هو الدانق.
وفوق هذا أيضا، أعطي له مجال واسع، حتى تقريب صار، هو فوق ولاة المدينة، الوالي مال المدينة، لازم يأخذ أمره، وكذا ويحترم رأيه، ولا يقدم ولا يؤخر إلا بعد استشارته، طبعا هذا مهما يكن يؤثر في الإنسان وفي توجهاته، بالفعل كتب كتاب الموطأ، وتبنى المنصور ومن بعده، المهدي ثم هارون، حتى نقلوا أنهم رووا الموطأ، وإن كان هذولا مو شغلهم هذه القضايا العلمية، بس نوع من الدعم والمبادرة إلى هذا الجانب.
كتاب الموطأ، هالسا ما دام وصل الحديث عنه، كتاب الموطأ المطبوع الآن، هو عبارة عن أحاديث رسول الله (ص)، وأحاديث أصحابه حتى لو لم ينسبوها إلى النبي، يعني تارة المحدث يقول: فلان عن فلان عن فلان، عن الصحابي كذا، عن رسول الله أنه قال، هاي مرة هالشكل، ومرة لا، ينهيه إلى الصحابي، فلان عن فلان عن فلان، عن أبي موس الأشعري قال. بعد هنانا، مو قال، قال رسول الله، وهناك فيه كلام حول قول الصحابي، أنه هذا مو معقول أن الصحابي يجيب كلام من عنده، لا بد أن يكون سمع من رسول الله، إذن هذا في قوة حديث رسول الله، طبعا هذا فيه كلام ونقاش كثير.
فالموطأ هكذا، فيه من أحاديث النبي، من النوع الأول، وفيه من أقوال الصحابة بالنوع الثاني، مجموع ما فيه 1720 حديث، وكله في الفقه، الجزء الأول: قضايا الوضوء، ثم الصلاة، أفعال الصلاة، ما جاء فيها من أخبار عن النبي وعن أصحابه، ثم الصوم، ثم الزكاة، ثم الحج، هذا كله بالأحاديث، والقسم الثاني ما يرتبط بالمعاملات: النكاح، والطلاق، والمزارعة، والمساقاة والتجارة، كله هذا في القسم الثاني، 1720 حديث، قالو: أن المسند إلى رسول الله (ص)، من هالألف وسبمئة حديث، 600 حديث، يعن تقريبا ثلث هذا الكتاب، الباقي من أقوال الصحابة، ومتفرقة من هنا وهناك، ومعنى هذا الشيء، أن مساحة العمل بهذا المقدار من الـأحاديث، ستكون مساحة ضيقة، لا سيما أن منهج إمام المذهب المالكي، مو مثل أبي حنيفة، اللي عنده مجال للاجتهاد والقياس وإبداء الرأي، كان ضد هذا التوجه. ذاك أبو حنيفة، مثلا، حتى إذا كانت الأحاديث قليلة عنده، كما ذكرنا في ليلة مضت، إلا أن عنده مجموعة من القواعد، مجموعة من الآراء، مجموعة من القياسات، مجموعة من هذه الأمور، يقدر يتحرك فيها وينتقل فيها ويجيب على أسئلة. هذا الإنسان اللي ما عنده هذا التوجه، ومؤطر نفسه بإطار أحاديث، إما أن يكون عنده أحاديث كثيرة، فيتحرك في هالأحاديث الكثيرة، أما إذا كان عنده أحاديث قليلة، فستكون حركته حركة محدودة، ولذلك لم يكن يرغب أتباع هذه المدرسة، في التفريعات والأسئلة الافتراضية والمناقشات الزايدة، أصلا ما كانوا يرتاحون فيها. حتى كلمة تنقل عن مالك ابن أنس، لما سأله شخص عن تفسير آية: (الرحمن على العرش استوى)، شنو تفسيرها هذي؟ فسكت مدة طويلة كما يقولون، ثم قال: الاستواء غير مجهول، الاستواء يعني واحد قاعد ومستقر، يقول: استوى على الفرس، قعد، استوى على المنبر، قعد، مستقر، طيب، يقول: الاستواء معروف هذا، غير مجهول، والكيف غير معلوم، كيف استوى يعني هذا، قعد هالشكل مثل قعدتنا لو غير شكل، ضمه العرش، لو ما ضمه، ما ندري والسؤال عنه بدعة، لا تسأل. طيب، زين هذا في زمان الأوائل ممكن أن يقنع إنسان، آمنوا كإيمان العجائز، لكن عندما تتقدم الأزمنة، ويتقدم الفكر، ما تقدر تقول عن السؤال بدعة، وعن ذاك الموضوع بدعة، وعن هذا ما يصير، وعن ذاك ما يصير، لا بد أن تقدم نظرية، لا بد أن تقدم فكرة، طيب. بس هو هذا المنهج، لأن مساحة حركته، مساحة غير واسعة، لا يستطيع أن يجري كثيرا. فهذا كان أمره، ألف الموطأ، درس جماعات، من خلال، ولم يخرج من المدينة، كما قالوا، إلا إلى الحج، يعني ما راح أماكن أخرى، سائر أئمة المذاهب، مثلا انتقلوا أماكن متعددة في طلب العلم وأخذه من أربابه، بس مالك، يقولون، ما خرج من المدينة، إلا لحج. ودرس جماعة، ومن خلال هذه الجماعة انتقل مذهبه، إلى أماكن أخرى. سوف نتحدث إن شاء الله، في معالم هذا المذهب وفي أسسه في وقت آخر.
هناك موضوع من المواضيع الإشكالية، وهي: موضوع موقف الإمام مالك بن أنس، من الإمام علي (ع)، أمير المؤمنين، وهناك فيه نظريتان: النظرية الأولى، تقول: أن موقف إمام المذهب المالكي كان سلبيا، من الإمام علي سلام الله عليه، كان سلبي، وغير إيجابي، والنظرية الثانية، تقول: أنه كلا، كان موقفا عاديا ضمن الإطار السني، ضمن إطار مدرسة الخلفاء، هذا موقف عادي، غاية الأمر، أنه كانت ظروفه، حيث يعيش في زمان العباسيين كانت ظروفه لا تسمح له بأي نوع من أنواع التأييد. خلينا نشوف كل من النظريتين والرأيين ماذا يقدم من قرائن وشواهد.
الرأي الأول، يذهب إليه بعض الباحثين، ويقول أن موقف الإمام مالك، كان من أمير المؤمنين (ع) سلبيا، بالقرائن التالية: القرينة الأولى: مسألة التفضيل. التفضيل، فيه منهجان: المنهج الأول هو منهج الشيعة، ومن يلحق بهم، ويعتبر أن أفضل الناس بعد رسول الله محمد (ص) هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). هذا المنهج الأول، في قضية التفضيل، أن أفضل الناس بعد النبي علي، والمنهج الآخر: وهو المنهج الغالب في الوسط السني، في ضمن أتباع مدرسة الخلفاء، أن التفضيل بحسب الترتيب في الخلافة. الأفضل بعد النبي – حسب هذا الرأي – أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، كما ترتبوا في الخلافة، يترتبون في الأفضلية.
أكو رأي ذهب إليه، من المعتزلة، جماعة، وقالوا: لا، الخلافة حسابها شيء، والأفضلية حسابها شيء آخر. الأفضلية بعد النبي لعلي، ولكن ترتيب الخلافة ترتيب طبيعي وما فيه مشكلة. هذا المعتزلة ذهبوا إليه، قسم منهم. زين. هذان إذن رأيان أساسيان. إما الأفضل بعد النبي علي، أو بحسب ترتيب الخلافة. ينقل عن إمام المذهب المالكي، أنه كان له رأي آخر، وهو: أن الأفضل بعد النبي، الخليفة الأول، ثم الخليفة الثاني، ثم الثالث، ثم لا تفاضل بين الناس أصلا. كل الناس سواء. يعني علي بن أبي طالب حاله، حال غيره، من سائر الناس، لا ذاك اللي يقول أفضل، أفضل الأمة بعد رسول الله، ولا هذا اللي يقول هو الرابع، لا، أصلا مو في الحساب. وهذا نقله غير واحد، عن الإمام مالك، مثلا: نقله في كتابه: في ترتيب المدارك، شرط موطأ مالك، كان يقول: أفضل الأمة، هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، ثم يقف ويقول: ثم استوى الناس. بعد ذلك الناس سواسية، ما حدا أحسم من حدا، كما يقولون. زين
وفي رواية أخرى: هؤلاء خيرة أصحاب رسول الله، أمر أبا بكر على الصلاة – في رأيه – واختار أبو بكر عمر، وجعلها عمر إلى ستة، فاختاروا عثمان، فوقف الناس هنا. خلاص، انتهى الموضوع.
أصحاب هذه النظرية، يقولن: هذا خرق للإجماع المركب حسب التعبير، لأن الأمة على رأيين، إما الأفضل علي، وإما هو الرابع، فأنت أن تجيب، تأتي برأي ثالث وهو أنه علي، لا فضيلة، له، وإنما هو مستو مع سائر الناس، هذا خرق للإجماع المركب بين الفريقين، ويستنج أصحاب هذا الرأي، أن مالك، في هذا الموقف، كان موقفه سلبيا من الإمام (ع). هذي أول قرينة، يأتي بها أصحاب هذا الرأي. رح نجي أيضا على الرأي الآخر، وما هي قرائنه. الآن نحن في عرض القسم الأول.
الثاني، يقولون: أنه في كتاب الموطأ لا نجد روايات عن علي بن أبي طالب (ع)، مع أن علي بن أبي طالب، إما هو على رأي الإمامية: باب مدينة علم رسول الله، أو على رأي غيرهم، كان من المكثرين من الصحابة، يعني في رأي مدرسة الخلفاء، يقولون: أصحاب النبي كان فيهم المكثرون من الرواية، وكان فيهم المقلون، ومن المكثرين: علي بن أبي طالب. فأنت لما تجي في المدينة، ولا تنقل عن علي بن ابي طالب، وهو من المكثرين عن رسول الله، هذا يخلي علامة استفهام. أنت نقلت عن زيد وعبيد، لما وصلت لعلي بن أبي طالب لا تنقل عنه، طيب، فهذا أيضا يبين أن هناك موقفا سلبيا بناء على أصحاب هذا الرأي، بل أكثر، ولذلك ابن تيمية في كتابه: منهاج السنة في رده على العلامة الحلي، كان يقول: إما أنت تقول أن الصحابة والفقهاء نقلوا عن علي بن أبي طالب، أبدا ما نقلوا شيء، ولا هم، هذا تفضل الموطأ، ما نقل عنه شيء، ولا عن أولاده، أي حديث، إلا نقل 9 أحاديث عن جعفر. أما باقي، لا عن علي ولا عن أولاده، لا، ما نقل شيء. طيب، هذا طبعا في ضمن سياق نفي أعلمية الإمام علي، نفي أفضلية الإمام علي، كما هو في منهاج السنة. زين.
بل أكثر من هذا، يقولون: أن، كما في تنوير الحوالك، في شرح كتاب موطأ مالك، للسيوطي، يسأل من قبل هارون، سأله مالك، لما أعرضت في الرواية عن علي؟ هالسا، هل كان يريد يكتشف أسبابه في ذلك، أم أن الأمر كان غريبا بحيث يصير مثار للسؤال والشبهة، فقال: فلم يكن في بلدي، ولم ألق رجاله. طبعا هذا جواب ليس جوابا تاما، لأن الإمام علي (ع) مدني، ولم يغادر المدينة، إلا آخر سنوات عمره، وإلا من هاجر رسول الله (ص)، وهو في المدينة، في السنة الأولى للهجرة، إلى سنة 35، فهو مدني، ورجاله وتلامذته، وتلامذة تلامذته، موجودون على الأقل، أبناءه موجودون، طيب، فهذا يشير، كما يقول بعضهم، حسب أصحاب هذا الرأي، إلى أن هناك موقفا سلبيا لدى الإمام مالك، تجاه الإمام أمير المؤمنين (ع).
الأمر الثالث، يستشهدون بأن مالك في أهم حديث من الأحاديث، اللي تعتمد عليه قضية المرجعية الدينية، وهو حديث كتاب الله وعترتي، أو سنتي، حديث كتاب الله وعترتي، صحيح، في الترمذي، وفي مسند أحمد وعليه شواهد كثيرة، وآخر من صححه، المحدث الألباني، معروف هنا في البلاد، جاء به في سلسلة الأحاديث الصحيحة، وأورد قصة أيضا، حوله، قال: أنا في هذا الحديث، من زمان، نظرت إليه وصححته، وقلت: هذا صحيح بحسب السند الفلاني، بحسب السند الفلاني، وأيضا له شواهد. لأن التصحيح، له طريقين، مرة نصححه من خلال السند، عن فلان، عن فلان، عن فلان، ومرة نصححه، نظرا لوجود شواهد في أحاديث أخرى، على صحته، يقول: هذا الحديث كلا الأمرين، فيه: كتاب الله وعترتي. هم كرجال سند صحيح، وهم له شواهد من أحاديث أخر. حتى يقول أحد دكاترة من الكويت، انتقد أنه أنت كيف تصحح هذا الحديث، وأنت غلط وما أدري كذا، ولازم تراجع معلوماتك، فيقول: أنا راجعت ما تكلم به، فعلمت أنه لا بضاعة له في علم الحديث. هذا رجال ليس عنده علم، كأن دوافعه ليست دوافع علمية، ومع ذلك أعدت النظر فيه، فتبين لي وتأكد لي، صحة ما ذهبت إليه من تصحيح الحديث، أما وسنتي فلا يوجد هناك سند صحيح له كما يذكر العلماء.
الذي أثبته مالك، وهو أول من أثبته في كتاب، هو كتاب الله وسنتي. وترك: كتاب الله وعترتي، طيب هذا الحديث الصحيح، اللي عليه شواهد، كتاب الله وعترتي، أنت تتركه، وذاك الحديث الآخر، غير الصحيح، أنت تثبته، ماذا يعني هذا؟ هذا يستشهد به أصحاب هذا الرأي الأول على أنه كان موقف من مالك تجاه موضوع الإمام (ع)، وعترة النبي، ومرجعيتهم الدينية، هذا بالنسبة إلى الرأي الأول.
 أما الرأي الثاني يستشهد أصحابه  وهو القائل بأنه، تارة احنا نتحدث عن مالك، باعتباره واحد من الشيعة، خو ما نتحدث عنه، وإنما نتحدث عنه باعتبار أنه واحد ضمن المدرسة الأخرى، هذه المدرسة الأخرى، ما تعتقد خوب في إمامة علي بن أبي طالب، حتى تجيب أحاديث عنه. زين، لماذا لم يستشهد بأحاديثه؟ يقول لك: الظروف التي أحاطت بتأليف الموطأ، ولا سيما أنه كان يراد منه، أن يكون الكتاب الرسمي، للدولة العباسية، اللي العباسيون كانوا في المواجهة والضدية وبالذات المنصور العباسي، المنصور العباسي، أرسل رسالة لمحمد النفس الزكية، تهجم فيها على أمير المؤمنين (ع) تهجما مقذعا، وعلى الإمام الحسن بشكل أسوأ، وكأنه أصلا لا ينتمي إلى الأسرة الهاشمية، زين هذا أنت، جاي وقايل إلك، ألف كتاب، طيب، في الفقه، واحنا رح ننشره، هل سيكون ممكنا أن أنت تتحدث في أحاديث عن علي بن أبي طالب، ما يخليك، ولا سيما وأن بعض المؤلفين، مثل المحدث النوري، من علمائنا، صاحب كتاب المستدرك، عنده كلام، يقول: وشرط المنصور على مالك أن لا يروي عن علي بن أبي طالب. إذا هذا بعد اشترط عليه، الأمر سيكون أوضح. حتى لو ما اشترط عليه، ذاك طالب منه شيء، لازم يكتب إله شيء اللي يوافق مزاجه. فعدم الرواية عن علي بن أبي طالب، فهذي دافعها دافع سياسي. يقول لك أكثر من هذا: نحن نجد بأن هناك كلاما إيجابيا من مالك عن الإمام الصادق، وكلاما إيجابيا من الإمام الصادق عن مالك. وهذا يبين أن وضعه لم يكن وضع العناد والموقف السلبي تجاه امير المؤمنين، حسب هذا الرأي الثاني، وذلك ما نقلوه. وهذا الكلام منقول، في بعض مصادرنا الروائية، وفي مصادر غيرنا أيضا، مثلا، نقل جزءا منه الذهبي، في كتابه سير أعلام النبلاء، وغيره في غيره، أنا أنقل الشيء المنقول في مصادرنا، الشيخ الصدوق، أعلى الله مقامه، سندها معتبر، إلى مالك. يعني يروي الشيخ الصدوق، بسند معتبر، إلى محمد بن أبي عمير، هذا كله السند تام، محمد بن أبي عمير، يروي عن مالك، حديثا بهذا المعنى، أنا ليش أقول: إلى مالك، لأن لي نقطة سوف أرجع إليها، قال: سمعت مالك بن أنس، فقيه المدينة، هذا محمد بن أبي عمير، واحد من أعاظم تلامذة الإمام الكاظم (ع)، يقول: كنت، يقول: سمعت مالك بن أنس، فقيه المدينة، يقول: كنت أدخل على الصادق جعفر بن محمد - اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد – فيقدم لي مخدة ويعرف لي قدرا، ويقول: يا مالك إني أحبك. فكنت أسر بذلك، وأحمد الله عليه، وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال، يصف الإمام الصادق: إما صائما، وإما قائما، وإما ذاكرا. وكان من أعاظم العباد، وأكابر الزهاد، الذين يخشون الله عز وجل، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله، اخضر مرة، واصفر أخرى، حتى ينكره من يعرفه. ولقد حججت معه سنة، فلما استوت به راحلته عند الإحرام، كان كلما هم بالتلبية، انقطع الصوت في حلقه، وكاد يخر من راحلته، فقلت له، قل يا بن رسول الله، لا بد لك من أن تقول. فقال: يا بن أبي عامر، كيف أجسر أن أقول لبيك اللهم لبيك وأخشى أن يقول عز وجل: لا لبيك ولا سعديك.
هذا الحديث، اللي مروي في مصادرنا، يشير بظاهره إلى أن هناك علاقة مودة بين الإمام وبين مالك، كان يعتني الإمام به، يضع له مخدة، ويخبره بأنه يحبه، وأن مالك يصف بأن الإمام الصادق كان إما قائما أو ذاكرا، أو مصليا، وأنه إذا أراد أن يذكر النبي تعتريه حالة من القشعريرة، والاحترام، وأنه بالنسبة إلى: لبيك اللهم لبيك، كان يستشعر حضور هذه الكلمة، فهذه كلها إشارات واضحة، وحججت معه سنة، أيضا، وبالتالي نوع من المرافقة، كلها تشير إلى بحسب أصحاب هذه النظرية، إلى نوع علاقة معقولة وحسنة بين مالك وبين الإمام.
طبعا، بعض أتباع الرأي الأول يستطيعون أن يقولوا كما قالوا، أنه الرواية لازم تروى من طريق ثاني، يعني شنو؟ لما أنا أجي أقول أن النبي قالي أنت خوش آدمي، هذا ما يثبت أن أنا خوش آدمي، لازم واحد آخر، ثقة، يروي هذه الرواية، أن فلان طيب. أما أنا أروي عن فلان، عن فلان، عني، عن الصادق، أن الصادق قال لي: فلان نعم الرجل. هذا ما يثبت، لأنه متوقف علي أنا، لازم شخص آخر ثقة، أنه مثلا الإمام الصادق قال في فلان أنه ثقة، أنه طيب، أنه يحبه، وهذا بحث، ولو أنه تخصصي، بس إشارة إليه.
فهذي، أصحاب الرأي الثاني يقولون: أن فيها إشارة على المودة الموجودة بينهما، وقضية عدم الرواية عن علي ناظرة إلى قضية الوضع السياسي، ويضيفون جهة أخرى، أن المالكية، خصوصا الصوفية منهم، مثلا عندنا هنا في البلاد مالكية الحجاز، هم صوفية، الصوفية لديهم مشتركات مع مذهب أهل البيت، متعددة، مثل ما يرتبط بمحبة آل البيت. وزير الإعلام السابق، وهو من الصوفية، ألف كتابين: علموا أولادكم محبة النبي محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد، وكتاب آخر: علموا أولادكم محبة آل بيت رسول الله. وهذا كأنما من الأمور التي يربون عليها أبناءهم. وفي الأذكار، عند الصوفيين، تذكر أسماء المعصومين، وإن لم يكونوا يعتقدون بعصمتهم.
وفي قضايا الاستشفاع والشفاعة، هناك أوجه تشابه بين مذهب أهل البيت وبين الصوفية. وفيما يرتبط بزيارة القبور والاهتمام بالمقامات، ومحبة الأولياء، هذا أيضا من النقاط المشتركة. الصوفية المعتدلة، عندها حالات روحانية، ذكر ودعاء وما شابه ذلك، وهي في قسمها المعتدل، تتشابه كثيرا مع ما هو موجود لدى مذهب أهل البيت (ع). فيقول أصحاب هذا الرأي: إذا كان المالكية من الصوفية بهذا النحو، فليس معقولا أن يكون إمام المذهب صاحب موقف عنيف تجاه الإمام بينما يكون أتباعه بهذه الطراوة والعلاقة والرطوبة، مع أهل البيت (ع). ويقولون: نحن ناهد هؤلاء القسم الصوفي منهم، عندهم هذه الحالة، طبعا الصوفية، إذا صار فد فرصة نتحدث عنها في وقت آخر، حسب التعبير، عابرة للمذاهب، يعني مو كل مالكي هو صوفي ولا كل صوفي هو مالكي. قد تجد صوفيا من مذهب آخر، وقد تجد مالكيا ليس بصوفي. هذا في هالقسم يمكن أن يستشهدوا به.
على فرض أنه لو فرضنا أن لإمام مذهب كان موقف معين، تجاه الأئمة في أوقاتهم، لكن أتباعه في هذه الأزمنة، تجاوزا ذلك الموقف السلبي، وأصبحوا ذووا موقف إيجابي ومتعاطف، هنا، ينبغي أن يشجع هذا الاتجاه، ليس من الصحيح أن نقول: ما دام إمام المذهب الفلاني، في زمانه، كان سلبيا، فنحن لا نقبل أن نتعاطف ونتواصل مع أتباعه الآن، حتى وإن كانوا إيجابيين ومحبين لأهل البيت. هذا ليس صحيحا. وإنما أن نقبل من هؤلاء بمقدار ما يقربهم. فإذا واحد يقول: أنا محب لأهل البيت (ع)، ولكن فقهي شافعي أو حنفي، ولكن عقائدي وكلامي اشعرية، نقول له: ما يخالف، جيب هذا الحب، أبرز هذه المحبة، وهذه المودة، وأنت مطالب بما بعدها. ما نقول له: لا، أما تجيب كله، وإلا أنت من المغضوب عليهم. كلا، الطريق الصحيح، هو أن يستجلب هؤلاء، بمودتهم، بمقدار ما يحملون من علاقة مع أهل البيت، ويرحب بها، نحن كما قلنا: فيما يرتبط بقضايا تعظيم الأولياء، والتوسل بهم، بالأنبياء، بالأئمة، بزيارة مقابرهم، هذا من الأمور الموجودة لدى الصوفية، وقد قام الدليل عليها. ومن الذي يعاف مثلا زيارة أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه. الآن في مصر، كثير من هؤلاء الصوفية، بل غير الصوفية، يتبركون بزيارتهم لرأس الحسين (ع)، والوصول إليه، ونحن نسأل الله أن يكون هذا سببا لتقريبهم من منهج الحسين سلام الله عليه.

 

مرات العرض: 3572
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2639) حجم الملف: unknown file size
تشغيل:

6- من معالم المذهب الحنفي وآرائه
10- من معالم المذهب الشافعي وآرائه.