من معالم المذهب المالكي وآرائه 8
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 8/9/1438 هـ
تعريف:

من معالم المذهب المالكي وآرائه


تفريغ نصي الفاضلة امجاد عبد العال

قال سيدنا ومولانا رسول الله (ص): "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة

يعد المذهب المالكي، من المذاهب التي توفر لها دعم، من قبل دول وحكومات، وهذا أثر تأثيرا مباشرا وكبيرا، في مدى انتشار هذا المذهب، وهذا ما أشار إليه الظاهري، الذي قال، ابن حزم، الذي قال: هناك مذهبين، كانت بداية أمرهما وانتشارهما بالرياسة والسلطان، المذهب الحنفي، في المشرق، والمذهب المالكي عندنا، يعني في المغرب والأندلس.
تعلمون أن هذه الصفة ليست صفة إيجابية أن يكون اعتماد مذهب على حكومة، أو سلطة أو رئاسة، سواء كان هذا المذهب حنبليا أو مالكيا أو شافعيا أو جعفريا، ليس هذا من الأمور الممدوحة، قوة المذاهب، ينبغي أن تقاس، بأدلتها، وبراهينها، قوتها الفكرية، الذي ينشرها ينبغي أن يكون قواعدها الفكرية، والفقهية والأصولية، وبراهينها التي تبرز في ميدان النقاش والجدال، وأما أن يكون المذهب الفلاني انتشاره وقبول الناس به، تم عن طريق الفرض السلطاني، فإن هذا لا يعد ميزة في أي مذهب كان، الميزة في المذهب كما قلنا، هي: (قل هاتوا برهانكم)، لا هاتوا سيفكم ورمحكم وقوتكم.
على أي حال، المعروف أن بعض المذاهب في مدرسة الخلفاء، توفر لها سلطات وحكومات تبنت هذا المذهب ودافعت عنه، وفرضته وألغت غيره، هذه الحالة، حالة غير حسنة، حتى وإن قلنا أن التزام دولة، أو حكومة بمذهب، بالتالي هم أيضا من المسلمين، ولا بد أن يلتزموا بمذهب، ولكن أن يفرض على الناس، وأن يلغى ما عداه، بقوة السلطان، هذي تعد من الأمور، غير المستحسنة.
مذهب مالك، كان قد حظي أولا برعاية الدولة العباسية في زمان المنصور، كما ذكرنا في وقت سابق. بل إن الموطأ، بناء على ما هو مشور، هو اقتراح عباسي، اقتراح سلطوي عباسي أن دوِّن كتابا بهذه المواصفات. انتشار المذهب المالكي، في أفريقيا، يعني من ليبيا بحسب الأسماء هذه الأيام، إلى موريتانيا، غربا، ومن ليبيا إلى السودان وتشاد والنيجر والسينغال وهالمنطقة الأفريقية، أيضا حدث له انتشار. هذا مر بفترات مختلفة، كان فيها للسلاطين دور مهم في تدعيم هذا المذهب.
في الأندلس مثلا، انتشر المذهب المالكي، وذلك على أثر، تعلمون أن الأندلس، عندما ذهب إليها الأمويون، عبد الرحمن الداخل، ثم أبناءه، وسيطروا على تلك المنطقة، في زمان هشام بن عبد الرحمن الداخل اللي توفي سنة 180 هجرية، يعني سنة بعد وفاة إمام المذهب المالكي، مالك. كان هذا الحاكم الأموي استدعى فقهاء من هذا المذهب، ومنع التمذهب بغيره، وأنه أي كتاب، أي رأي، في هذه المنطقة، لا ينبغي أن يكون، أي قاضي لا يولى إلا من هذا المذهب. مدارس، تدريس، أئمة جماعة، كل شيء يتصل بالحالة الرسمية، جعله في المذهب المالكي، ولهذا أشار إليه الظاهري بقوله: في بلادنا، يعني في تلك المنطقة، لأنه أيضا أندلسي. وهو يخالف في قسم من مناهجه الإمام مالك.
الشاهد أن الأندلس ضمن هذا الإطار، انتشر فيها المذهب، تجي إلى أفريقيا، أفريقيا من ليبيا فصاعدا، منذ زمان هارون الرشيد، استقلت هذه المنطقة على يد أمراء الأغالبة، بني الأغلب، وسووا لهم دولة باسم دولة الأغالبة، استمرت 100 سنة، وهؤلاء دعموا وجود المذهب المالكي في هذه المنطقة، ولا سيما مع مجيء أحد تلامذة الإمام مالك، وهو يحيى بن يحيى الليثي، من تلامذة تلامذته، وهذا أيضا وإن لم يكن قاضيا، إلا أنه لم يكن يولى قاض ولا إمام جماعة، ولا أحد في جهة دينية، إلا بمشاورته، وكان هو يصر على أن يكون ذلك الشخص مالكيا.
أغالبة راحوا، جو الفاطميين، تراجع موضوع المذهب المالكي، من الناحية الرسمية، إلى أن جاء المعز بن باديس، المعز بن باديس، تبنى المذهب المالكي، بقوة، وقاوم كل شيء غيره، حتى المذاهب السنية الأخرى، التوجه الشيعي الذي ترافق مع حضور الفاطميين في أفريقيا، الفاطميون كانوا إسماعيليين، بس حضور شيعي عام، موجود. فجاء هذا المعز بن باديس ومنع هذا واكتسحه. أباضية أيضا كان هناك. توجه أباضي، إذا صار فرصة، إن شاء الله، احنا نتحدث عن هذا المذهب، وهو موجود الآن، في مثل الجزائر، وعمان، وبعض الأماكن الأخر، أيضا هذا المعز بن باديس كنس الأباضية واكتسحها. بل الاتجاهات العقلية إجمالا، معتزلة أيضا وخرها، بقايا من الأحناف كانوا موجودين، أيضا لم يبقهم، وأبقى على المذهب المالكي. بعد هذولا إجو دولة المرابطين، يوسف بن تاشفين، ونفس الكلام أيضا التزموا بالمذهب المالكي، ومنعوا وألغوا ما عداه. قلنا هذه النقطة، هي النقطة الإشكالية. فتقريبا خلصت أفريقيا الشمالية، وأفريقيا الجنوبية، إلى المذهب المالكي، وإلى الآن، يعني وجود هذا المذهب هناك وجود كبير. كذلك أيضا في الخليج، في الخليج هنا، الأكثر هم موالك، يعني في الإمارات، في البحرين، في الكويت، هم ينتمون إلى مذهب الإمام مالك بن أنس، هذا فد إجمال تاريخي، وإجمال جغرافي عن هذا المذهب.
هناك بعض الآراء اختص بها مالك بن أنس، وهناك آراء مشتركة مع سائر المذاهب الأخرى. إجمال ما يقوم عليه مذهب مالك من أصول على القرآن الكريم، الاستفادة من القرآن، من سنة النبي محمد، لذكره الشرف والصلوات، اللهم صل على محمد وآل محمد. من الإجماع، من قول الصحابي، من الاستحسان، من المصالح المرسلة، من قاعدة سد الذرائع. ومن أمثال ذلك، من الاستصحاب، هذه قسم منها مشترك مع سائر المذاهب، وقسم منها يمتاز به هذا المذهب ويختص به. سوف نتعرض إلى بعضها ونلاحظ عليه بعض الملاحظات.
عمل أهل المدينة، نسينا أن نذكره وهو مهم جدا. وهو الأساس، الفارق الأكبر بينه وبين سائر المذاهب، قضية الاعتماد على القرآن الكريم وعلى السنة، والإجماع، هذي نقطة مشتركة بين أكثر المذاهب، أحد أهم الميزات، التي اختص بها مذهب مالك، الاعتماد على أهل المدينة، مدينة رسول الله (ص). بمعنى: أنه إذا إجينا وشفنا في القرآن ماكو هذا الحكم، في السنة، ماكو، إجماع هم ماكو عليه، بل أحيانا حتى مع وجود إجماع، ورأينا شيئا عليه أهل المدينة، مثلا: أن أهل المدينة، يأذنون بالطريقة الفلانية، أهل المدينة مقاساتهم هالمقاسات، هالمقدار، بذاك المقدار، الصاع مالهم هالقد، المد مالهم هالقد، المكيال مالهم هالقد، أو رأينا أمثال ذلك، مما عليه التجارة المعينة عندهم صحيحة. التجارة المعينة الفلانية عندهم غلط، المعاملة الكذائية يصححونها، المعاملة الكذائية لا يصححونها، وشفنا ماكو في القرآن، ماكو في السنة، بس عمل أهل المدينة هذا الأمر. هو يعتبره هذا حجة، وحكم شرعي. كيف يؤذن أهل المدينة، لا بد أن يؤذن الناس الآخرون على طريقتهم وهذا هو الشرع. كيف يتعاملون، لا بد أن يتعامل الباقون بهذا النحو. ويستدل على ذلك، بأنه هؤلاء الوحي نزل عندهم في المدينة، والنبي كان بين ظهرانيهم، وبالتالي بدل ما نروح ناخذ فقهنا، من بغداد، وخراسان، والكوفة، ناخذه من المدينة، باعتبار هؤلاء أخذوا عن النبي (ص). هذه الفكرة وقعت محل معارضة، أولا من فقهاء مدرسة الخلفاء، باقي الفقهاء رفضوا هذه الفكرة، لماذا؟ مثلا الليث بن سعد، وهو مزامن لمالك، هذا توفي 179 مالك، ذاك توفي 175، وكان مذهب الليث في مصر، مذهبا منتشرا وقويا، لكن بعدين، لما تم حصر المذاهب في أربعة مذاهب هذا أبطل. ويذكر عنه علم وكذا. فهذا من أوائل من عارضوا فكرة عمل أهل المدينة.
الظاهريون، أيضا خالفوه، غيرهم أيضا، قسم من الشوافع، خالفوا هذا، وقالوا: ما هي خصوصية أهل المدينة، التي تجعل أن بإمكانهم أن يكون هؤلاء مصدر تشريع، يعني مثل ما رسول الله، يعين شيء، هؤلاء يعينون شيئا آخر؟ شنو ميزتهم هذولا؟ على راسهم ريشة مثلا.
أما سالفة أنه نزل الوحي عندهم، هذا القرآن موجود في كل مكان، شمعنى المدينة؟ نزل في المدينة، لكن هل اختص أهل المدينة بقرآن غير سائر المصاحف؟ لا، هذا القرآن الموجود عندهم، موجود عند غيرهم. تجي إلى الأمر الثاني أعلم أهل المدينة علما لم يخبر به سائر الناس؟ قال هذولا بس بيني وبينكم سر يا أهل المدينة؟ وما خبر أحد. أيضا ليس كذلك. ثم نفس أهل المدينة، بحسب رأي هؤلاء العلماء غير مدرسة أهل البيت، يقول: أهل المدينة ما إلهم خصوصية، الخصوصية للصاحبة، النبي أخبر الصحابة وعلمهم، وهالصحابة، بعد النبي، انتشروا في البلدان، اللي راحوا إلى الغزوات وحدثوا بحديث رسول الله، صحيح في فترة في زمان الخليفة الثاني منع الصحابة من الانطلاق برا المدينة، ولكن بعد زمان الخليفة الثاني، سنة 23، 24، انتشر الصحابة في كل مكان، اللي راح البصرة واستقر، اللي راح الكوفة واستقر، اللي راح الشام واستقر، اللي راح مصر واستقر، وهذولا كلهم سمعوا نفس الكلام اللي سمعوه أهل المدينة، فنقلوا هذه الأحاديث إلى الأماكن اللي راحوا ليها، ويش ميزة أهل المدينة، اللي يصير لازم بقية الأماكن تأخذ من عندهم؟
ولذلك لما كما قلنا لما مالك احتج على الليث بن سعد وهو فقيه في مصر، أنه بلغني أنك تخالف بعض ما هو من فتاوى أهل المدينة، رد عليه: بأنه الصحابة انتشروا في كل مكان، وأوصلوا علم رسول الله إلى مختلف الأماكن، فلا وجه للتعبد بكلام أهل المدينة، وهذا كلام صحيح. بمعنى أنه تارة احنا نشوف المتدينين بما هم متدينين، أكو شيء حتى عندنا الإمامية، وعند غيرنا، يسمونه سيرة المتشرعة، عند بعض فقهائنا، أحد الأدلة. بمعنى شنو؟ بمعنى: إذا شفنا المؤمنين في هذا الزمان يعملون عملا من الأعمال، على أنه مستحب أو واجب، وما عدنا دليل عليه، وشفنا الجيل اللي قبلهم، قبل 50 سنة، نفس العمل يعملونه، والجيل اللي قبلهم، قبل 50 سنة، نفس العمل يعملونه، واللي قبل 200 سنة، و300، و400، إلى زمان المعصوم، كل هالأجيال كانت تعمل العمل الفلاني، أو تلتزم الرأي الفلاني، نكتشف منها أن الجيل الأول، كان قد عثر على دليل من المعصوم وسواه، ثم الجيل الثاني عمل به، والثالث والرابع، وهكذا. بس هذا مو خاص ببلد. هذا مو تقول: إذا شفنا أهل الكوفة سووا هالعمل نسويه، أو أهل المدينة يسووا هالعمل نسويه، أو أهل بغداد، وإنما جمع المؤمنين، المتشرعة، الملتزمون بالدين، إذا رأيناهم ملتزمين بعمل، والجيل اللي قبلهم كذلك واللي قبلهم، نأخذ بقولهم، إلى أن يصل إلى زمان المعصوم.
أما أن أهل المدينة، كان بينهم، فيصير قولهم حجة على سائر البلدان، فهذا غير صحيح. وقد أشار إلى نقطة الشيخ أسد حيدر، محقق وباحث، وله كتب متعددة، أفضلها كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، أنصح من يريد البحث في مثل هذه الأمور والمطالعة أن يطلع على هذا الكتاب المتقن والجيد، رجل باحث رزين، وهادئ اللهجة، وقوي الحجة، يقول: لعل، بعد ما فند الأدلة، لعل الاضطرار إلى مثل هذا، فيه جانب مذهبي، وهو أنه يحصر الفتيا والأخذ في المدينة، وهذا منحصر في مذهب مالك. أبو حنيفة ما كان في المدينة، الشافعي أيضا، اشتهر مذهبه في مصر، ولم يعد من هذه المنطقة، أحمد بن حنبل أيضا كذلك، المعروف بمذهب المدينة والمدنيين، وفقيه المدينة، هو مالك بن انس، فكأنما هذا نوع من تأثر المذهب بالحالة المذهبية، تأثر الفكرة بحالة المذهبية. فهذا أول ميزة اختلف فيها مالك مع غيره من المذاهب الأخرى، سواء السنية أو الإمامية.
عنده فكرة أخرى، وهي فكرة: قول الصحابي. قول الصحابي من الأدلة على الحكم الشرعي. قول الصحابي خوب مرة يروي عن رسول الله، خوب هذا كلام النبي، رواية عن رسول الله، هذي ما في كلام عنها. طيب، إذا روى الصحابي الثقة عن رسول الله، خلاص، هذا، قيمة تلك الرواية، إذا كانت رواية صحيحة، كقيمة الآية القرآنية، من حيث الاحتجاج. لكن أكو قسم آخر يسمونها موقوفات، موقوفات يعني شنو؟ يعني: عن فلان، عن فلان، عن فلان، عن أبي موسى الأشعري، قال. بعد ما يقول سمعت رسول الله، ما يقول قال رسول الله. عن فلان، عن فلان، عن فلان، عن جابر بن عبد الله مثلا، ما يقول سمعت رسول الله، أو رأيت رسول الله يفعل كذا، وإنما هو يقول الكلام، الصحابي هو يقول، لذلك يقال: قول الصحابي. هذا عند مالك بن أنس، حجة ودليل إذا لم يكن هناك دليل. يعني جينا للقرآن شفنا ماكو، حكم هالمسألة، سنة النبي ماكو، بس شفنا أن مثلا معاوية بن أبي سفيان، وهو من أصحاب رسول الله، قال: كذا. خلاص، يصير حكم شرعي لازم الناس يلتزمون بيه، رأينا مثلا، أبا موسى الأشعري، قال كلاما، أيضا لازم شنو؟ يلتزم فيه. وقد خولف في هذا الكلام، حتى من قبل المذاهب غير الشيعية، سائر المذاهب، ولا سيما من بعض الأحناف، وبعض الشوافع، قالوا: طيب، هذا الصحابي ليس بمعصوم، إذا يقول: أنا سمعت النبي، على العين والراس، يقول رأيت النبي يفعل كذا وكذا، هذا دا ينقل فعل النبي، على العين والراس، أما هو قال كلاما، لعله اجتهد في أمر، لعل هذا رأيه الشخصي، الصحابي مو (لا ينطق عن الهوى)، قد ينطق عن رأيه الشخصي، اختياره المعين، فأنا لماذا أكون ملزما برأي رآه صحابي؟! طيب، لا سيما مع شدة الاختلاف في آراء الصحابة. وصلت إلى حد القتال فيما بينهم، والتضارب فيما بينهم، وهجاء بعضهم بعضا، وشتم بعضهم بعضا، طيب، هذا قول صحابي، وهذا قول صحابي، فهل يمكن لنا أن نعمل لنا بمثل هذا الأمر؟ رفضوا مثل هذا الكلام، قول الصحابي لم يقبلوه، هذا أمر ثاني امتاز به مذهب مالك.
شيء ثالث امتاز به، وهو ما سمي بالاستحسان، الاستحسان، له تعاريف مختلفة، لكن أنا أجيب لك تعريف قريب من الذهن، الاستحسان معناه: حتى لو أن القواعد والاستدلال كان ينتهي إلى نتيجة، لكن أنا الفقيه أرى خلاف هذه النتيجة. أشوف الأفضل ترك هذا الحكم، تغيير هذا الحكم، أستحسن خلافه. فهذا أيضا يكون دليلا. ويمثلون لذلك بأمثلة كثيرة، من جملة ما يمثلون به، ما جاء في قضية الوصية للوارث، الرأي الموجود عند قسم من المذهب الأربعة: أنه لا يجوز الوصية للوارث، عندنا الإمامية، لا، يجوز. يعني مثلا، فلان، دا يتوفى، يكتب وصية، فتارة يوصي لأجنبي، فيقول: أعطوا فلان – مثلا – ربع من ثلثي، يجوز هذا. وصية بإعطاء زيد من الناس، يجوز. زين، إذا وصى إلى زوجته، وصى إلى ابنه، وصى إلى أبيه، وهؤلاء يرثون منه، هل تصح هذه الوصية أو لا؟ عندنا الإمامية، نعم تصح. ليش؟ لأن القرآن الكريم يقول: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا)، يعني: مالا، (كتب الوصية)، للوالدين والأقربين، والوالد وارث. فيجوز الوصية بالمال له، وهذا مقتضى القواعد، يجي مثل القائل بالاستحسان، ولو أن القواعد تقتضي جواز الوصية للوارث، لكن احنا نستحسن أن لا يفعل ذلك، ليش؟ لأنه قد يصنع بغضاء، إذا أنت أعطيت إلى ولدك من الثلث، وما أعطيت البنت، شوية تصير في نفسها، إذا أعطيت زوجتك وما أعطيت الأولاد، كذلك، فنستحسن أن لا يكون ذلك، لا يجوز أن توصي لوارث من الورثة، الدليل يقول: ما في مانع. الدليل يقول: يجوز لك أن توصي، وعليه مذهب الإمامية، يجوز لك أن توصي حتى للورثة، طيب، الذي يقول بالاستحسان، مثل مذهب مالك، يقول: ولو هذا بحسب الأدلة تمام، لكن لدفع الضرر وهو البغضاء، وهو حصول الأحقاد، لا يجوز ذلك، نحن نمنع منه، نحرم ذلك. هذا الكلام كان محل النقاش، وأشد من عارض الاستحسان، كان الشافعية، وبالذات: محمد بن إدريس الشافعي، إمام المذهب الشافعي، اللي هو تلميذ مالك ها، وعنده كلام شديد جدا ضد الاستحسان. يقول: من استحسن فقد شرع، كما نسب إليه القول.
من استحسن فقد شرع، تدري معناها شنو؟ يعني إذا واحد يسوي هالعملية، كأنه يضع نفسه بجنب الله. الله يقول: يجوز، لكن أنا الفقيه، أقول: لا، ما يجوز. الله هو المشرع مو أنا! المشرع هو الله، مو أنا، ومن استحسن، وغير الحكم بناء على استحسانه، يكون كمن وضع نفسه مقام الإله في التشريع. من استحسن فقد شرع، وقال: الاستحسان باطل، وعنده في كتبه فصل خاص في إبطال الاستحسان. وأيضا صاحب المستصفى وهو من الشافعية، أيضا بقوة، هاجم قضية الاستحسان، هذا مثلا من الأمور التي اختص بها مذهب مالك. هناك جهات أخرى، الآن لا نريد أن ندخل في تفاصيلها.
بشكل إجمالي، إمام المذهب المالكي اختص في مذهبه، بعد من الأمور، لم يوافقه عليه سائر المذاهب، أو قسم من هذه المذاهب. كمثل من ذكرنا. زين الآن هل أن مالك إمام هو حديث وأثر، أو إمام رأي واجتهاد. هذي من الأمور اللي بالرغم من أن ظاهرها، محسوم، إلا أن واقعها يعتريه، بعض الملاحظات، المشهور، يقول لك: أبو حنيفة هو إمام أهل الرأي، ومالك هو إمام أهل الحديث والأثر، ولذلك دون الموطأ، وفي 1720 حديث، وعمل بها. لكن يظهر أن هناك عددا من الموارد، لم يلتزم فيها، إمام المذهب المالكي بقضية الأحاديث والتعبد بها، ويذكرونها وهي كثيرة، احنا نذكر بعض الأمثلة حتى يصير فيها فائدة، ونبين فيها أيضا رأي المذهب الإمامي.
المثال الأول: ما يرتبط بطهارة الكلب ونجاسته. الكلب طاهر لو نجس؟ عندنا الإمامية، وعند أغلب المذاهب الإسلامية، نجس بنجاسة عينية عند الإمامية، مغلظة. وقد اعتمدوا على ذلك، في ذلك على روايات كثيرة، منها الرواية المشتركة بين الإمامية، وبين المذاهب الأخرى: مذاهب مدرسة الصحابة. وهي أن النبي محمدا (ص) قال: "إذا ولغ الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب. إذا الكلب إجا وشرب من الإناء، ولغ، يعني: شرب نته، وضع لسانه فيه بالطريقة المعلوفة في شرب الكلاب، هذا يجب أن يغسل سبع مرات، مو مرة، ولا مرتين، ولا ثلاث، سبع مرات، وهذا يبين شدة التغليظ في النجاسة، وبعض الأماكن يكفيك غسلة واحدة، هذا سبع مرات وإحداهن بالتراب، اترب الإناء، ويكون بذلك قد طهر، هذي استفاد، هذه وأمثالها استفاد منها الإمامية وغيرهم أن الكلب نجسة بنجاسة مغلظة وأنه يجب أن يغسل في خصوص الولوغ بهذا المقدار. عند المالكية، لا، الكلب ليس بنجس. وبعضهم أكثر، ينسب إليهم، أن الكلب حلال اللحم. طبعا هذا نسبة إليهم، ولم تستيقن. وقد قال ذلك الشاعر:
وإن مالكيا قلت قالوا بأنني
أبيح طعام الكلب وهو محرم
واحد يقول لازم أكتم المذهب مالي، لأنه حنبلي كذا، إذا أقول شافعي، يعترضوا علي كذا، إذا أقول حنفي كذا، إذا مالكي أقول، يقول لي: أنت تبيح طعام الكلب، أكل الكلب وهو محرم، لكن، لا يوجد تصريح في كتب مالك بحلية لحم الكلاب، لكن في طهارته مذكور، أنه ليس بنجس. من وين هذا؟ من فكرة، وهي: أنه قال احنا عندنا في القرآن الكريم: (فكلوا مما أمسكنا عليكم)، الكلب المدرب، كلب الصيد، إذا طلقته وسميت، وراح إلى مثلا غزال، قبض عليه من رقبته، إن لحقت عليه، الغزال، وهو بعده لا يزال حيا، فلا بد أن تذبحه ذبحا شرعيا بالسكين، وإذا ما لحقت عليه، افترض هذا، عضه فد عضة اللي قضى عليه، فهنانا هذا يكون حلالا. وهذا القرآن، (وما علمتم من الجوارح مكلبين)، إشارة إلى هذا المعنى، الحيوانات الجارحة، كلاب وأشباهها، طيب.
فهذا الأمر، يقول، لما القرآن الكريم، يقول: كلوا. كيف يحل أكل صيده ولا يطهر لعابه. اهنا احنا نلاحظ أنه ترك الأخذ، أو تُرك الأخذ بالحديث النبوي الصريح والصحيح في أنه يغسل الإناء بهذا المقدار، واللي واضح في دلالته على النجاسة، لصالح استظهار. هالاستظهار غير دقيق أيضا. لأنهم يقولون: أن في الآية المباركة ما في تصريح بأي حلية. يريد أن يقول هذا الذي أمسكه الفريسة الكلب، وربما مات تحت يده، هذا حلال اللحم. أما من نفس المكان، أكل، من دون أن تغسله، هذا ماكو دليل عليه. لذلك لا يلتزم بأنه أكل أي شيء، أكو بعض الأشياء محرمات الذبيحة. صحيح ولا لأ. ما تقدر تقول: ما دام قال: (فكلوا مما أمسكنا عليكم) يعني اكلوا من أول الذبيحة إلى آخرها، من أي مكان، ما فيها هذي الدلالة، المقدار اللي تدل عليه الآية المباركة هو أنه هذه الذبيحة اللي ماتت تحت هذا الكلب مو ميتة، حتى تعافها النفس، وإنما هي شنو؟ محللة اللحم ومذكاة. فهو علشان استظهار ورأي في الآية المباركة، تم ترك شنو؟ الرواية الصحيحة والصريحة ولذلك تم الاعتراض على هذا المسلك، من قبل مذاهب مدرسة الخلفاء أيضا.
مثال آخر: هل أن الخيل وأمثاله يجوز أكله أو لا. عندنا نحن الإمامية يجوز أكل لحم الخيل، ويجوز أكل لحم الحمار على كراهة، وما ورد من نهي عن رسول الله عن ذبح الحمر الأهلية وأكلها في قضية خيبر كانت حكما ولائيا لفترة من الزمان.
نجي إلى الرأي الآخر، مالك يذهب إلى حرمة أكل لحم الخيل، مع وجود حديث صحيح في مدرستهم ينتهي إلى أسماء بنت أبي بكر، فيه: أنه ذبح فرس أمام رسول الله (ص)، فأكلنا منه، وأكل منه ذرية رسول الله. فهذا معناه شنو؟ أنه الخيل مادام مذبوح، يجوز الأكل منه، بحسب هذا الحديث اللي موجود في مدرستهم.
مالك ترك هذا، وقال: لا، في القرآن، أكو: (والخيال والبغال والحمير لتركبوها)، ما قال لتأكلوها، (وزينة)، ما دام ما قال: لتأكلوها، إذن لا تحل. يناقش هنا، أنه هنا ليس في صدد تعداد أشكال الاستفادة من الخيل والبغال والحمير. وإنما في صدد الحديث عن منة الله سبحانه وتعالى، على الناس، في أنه هالمسافات الطويلة بدل أن تطووها على أرجلكم، الله طوع إليكم، هذه الحيوانات المعينة، لكي تركبوها. ويسهل عليكم وتحمل أثقالكم من بلد إلى بلد، وأنتوا أيضا تستريحون، مو في صدد الحديث في أنه هذه بس لتركبوها، ولا يجوز شيء آخر. فهو هالاستظهار، وهالاجتهاد حسب التعبير في الآية، منعه من الأخذ بحديث صريح، أن أهل رسول الله، بناء على حديث أسماء، وهو صحيح عندهم، أنه أكل ذرية رسول الله، وأن أسماء نفسها أكلت، ما في أن النبي أكل، ولكن ما دام أكلت ذرية رسول الله، ومن كان هناك من المسلمين بناء على ها الحديث، أمام النبي، فهذا معناه أن هذا محلل، وإلا كان ينهاهم عنه. فهنانا أنت تلاحظ ترك حديث نبوي لصالح استظهار واجتهاد ورأي في تفسير القرآن الكريم، هذي فد إجمال تحدثنا عن هذا المذهب.
نحن بحمد الله تعالى، نلتزم بما ورد في كتاب الله، وما جاء عن عترة رسول الله طبقا لما أوصى رسول الله: "إني تارك فيكم"، في نص، وفي آخر: "مخلف فيكم"، في آخر، و"الثقلين" في ثالث، "ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي". لاحظ التدقيق، "ألا وإنهما لن يفترقا، يصدق أحدهما الآخر"، ما عندنا القرآن يقول: (لتركبوها)، حرام، وعندنا سنة النبي تقول شنو؟ ذبح فرسا وهو حلال.

مرات العرض: 3393
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2564) حجم الملف: 53869.31 KB
تشغيل:

مع أهل الحديث في آرائهم وأفكارهم 29
دين واحد واتجاهات فقهية وعقدية متعددة 1