مع الأشاعرة في آرائهم وأفكارهم 27
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/9/1438 هـ
تعريف:

مع الأشاعرة في آرائهم وأفكارهم

    تفريغ نصي الفاضلة أم جواد
تصحيح الفاضلة ليلى الشافعي


 قال تعالى"( الرحمنُ على العرشِ استوى)
    نتناول مذهب الأشاعرة في العقائد ضمن سلسلة الحديث عن تاريخ المذاهب في الإسلام . ينسب الأشعرية إلى إمام المذهب الكلامي ( أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري) المتوفى سنة 324هـ ، قريبا من وفاة ثقة الإسلام "الكليني" صاحب كتاب الكافي ، وقريب من زمان انتهاء الغيبة الصغرى للإمام المهدي "عج" . وهذا المنهج يؤمن به اليوم غالبية أتباع مدرسة الخلفاء.

تقسيم العالم الإسلامي حسب المذاهب :

     فإن العالم الإسلامي لو قسمناه التقسيم الرئيس إلى الشيعة والسنة أو مذهب أهل البيت ومذهب الخلفاء والصحابة، فإن أتباع مدرسة الخلفاء يوجد به ثلاث مدارس اثنتان صغيرتان بالقياس مثل:( أهل الحديث أو يطلق عليهم السلفيون، فإن غالب الحنابلة يلتزمون هذا المذهب)  ثم الأحناف وهم يتبعون مدرسة متمايزة  تسمى المدرسة (الماتوريدية ) أو المذهب الماتوريدي.
    وأما عامة أتباع مدرسة الخلفاء  أي جنوب شرق آسيا الذين غالبهم شافعية كأندونوسيا وماليزيا وبلاد العرب مصر والمغرب العربي وليبيا و قسم شوافع ومالكية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي وغالبيتهم شوافع وأفريقيا السوداء  التي يتقسمها المذهب الشافعي والمالكي كلهم الشوافع والمالكية ينتمون لمنهج الأشاعرة في العقائد، فيشكلون نسبة مهمة جدا ويعتبرون أنفهسم أغلبية أتباع مدرسة الخلفاء، لذا ينبغي أن ندرس شيئًا من مقالتهم ونتعرف على مدرستهم باعتبار أنهم شركاء في الدين وجيران في الأرض والمجتمعات غالبًا . فهذا المنهج لايرتبط بالمنهج الفقهي وميزنا سابقا بين المنهج الفقهي والعقائدي
وقلنا أن هناك فرق بين المذهب الفقهي "الذي يعنى حكم أفعال المكلف والاستدلال عليها مثل : يحرم كذا ويستحب لك كذا "
     أما المذهب العقائدي  الكلامي" فهو يرتبط بدائرة أعلى هي دائرة الاعتقاد والإيمان ، كيف تؤمن بالله ؟  وماذا يعني لك الله ؟ وماهي صفات الله ؟ وهل للعدل مثلًا أولوية على باقي الصفات الإلهية أم لا . الصفات الخبرية التي تقرؤها في القرآن والروايات كالساق والوجه واليد والعين كيف ننظر لها هل لله أعضاء مثل هذه حسب الظاهر أم تقرؤها بشيء آخر .
وأيضًا مسؤولية الإنسان تجاه أفعاله مسألة الجبر والاختيار .
    فهذه الأمور لاترتبط بأفعالك بل ترتبط بعقائدك بالمنهج العقائدي الكلامي.

من هو الأشعري :

هذه الفئة الواسعة في الأمة تنهج منهج أبي الحسن الأشعري، علي بن إسماعيل الأشعري، الذي كان جده الأعلى هو أبو موسى الأشعري المعروف في قضية التحكيم بين عمرو بن العاص وبين أبي موسى في قضية ما بعد صفين بعد أن أجبروا الإمام علي بن أبي طالب أن يمثله أبو موسى الأشعري، وفي الطرف الآخر عمرو بن العاص بذكائه وبحيله وخدعه جر أبا موسى الأشعري أن ينزع الامام علي من الخلافة وأن يقول: نزعت عليًا من الخلافة كما أنزع هذا الخاتم من إصبعي.
     فأبو موسى له موقف تاريخي من الإمام علي ليس هنا موضعه، لكنا أوردناها للتعريف.
   الأشعري لقب قبيلة من اليمن قسم منهم ذهب لإيران وهم شيعة بعد حوادث الحجاج الثقفي وضغطه على أتباع أهل البيت في الكوفة وهناك نشروا التشيع كموسى بن الخزرج وغيره ، فالتشيع في قم بدأ من الاشعريين كقبيلة.

    أبو الحسن الأشعري حفيد أبي موسى كان يعيش في بيئة حنبلية بيئة أهل الحديث. لكن دراسته كانت على يد أحد كبار أئمة المعتزلة وهو "أبو علي الجبائي" الذي كانت له كتب ومناقشات ومناظرات . فتتلمذ على يديه وأخذ عنه فنون المناظرة والاستدلالات العقلية والبراهين وأتقنها بشكل جيد . وحين بلغ الخمسين اعتكف عن الناس وخرج عليهم كما قيل بعد 15 يوم وصعد المنبر وقال: (أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كنت أقول بمقالة المعتزلة والآن رجعت عن كل ذلك وأقول برؤية الله بالأبصار يوم القيامة، وأقول بأن القرآن غير مخلوق، وأقول بأن الله قد خلق الإنسان وخلق معه أفعاله وأنا من الآن فصاعدًا سوف أفضح هؤلاء وأبرهن على خطأ أفكارهم)  كل ذلك خلافًا للمعتزلة وبدأ في هذا المشوار.
     ألف كتبا كثيرة من أهمها في هذا الباب كتابان " الإبانة " و " اللمع"
يظهر في كتاب "الإبانة" كشخص سلفي حنبلي من أهل الحديث بشكل مركز ومعمق حالة من الالتزام بالمنهج الحنبلي والسلفي بشكل كبير فكلما دلت عليه الاحاديث اثبته وليس عليه من غيره، لكنه يظهر في "اللمع" كمتوازن بين النص والحديث من جهة وبين العقل والبرهان من جهة أخرى.
    وفي تعرضه لآراء المعتزلة صار أخف قسوة مما كان في كتاب الابانة، حاول مع التزامه بآراء أهل الحديث أن يعدلها ويخففها وأن يستدل عليها بأدلة عقلية مع أن أهل الحديث لا يقبلون الاستدلالات العقلية على هذه المبادئ ، لكن في هذا الكتاب الثاني نجد فيه نوع من التوازن بين المؤديات والبراهين العقلية وبين الروايات والنصوص والأحاديث.
    وهنا يرد سؤال: هل أن "اللمع" آخر شيء ألفه حتى يقال أنه استقر على هذا الطريق أم أن "الإبانة "الذي يظهر فيه حنبليًا شديدًا نصيًا حرفيًا هو آخر كتاب؟
فإذا كان الكتاب الذي يظهر فيه حنبلي ملتزم بالنصوص وعدم تخطيها هو آخر كتاب إذن هذا منهجه الأخير. وهنا سيقول أهل الحديث والسلفيون : فإذن الأشاعرة ليست أشاعرة حقيقة لإن امامكم قد عدل عن هذه الأفكار المخففة التي فيها مجاملة للمعتزلة واستدلالات عقلية و تغييرات قد عدل عنها. فالكتاب الأخير مختلف.
     لكن الاشاعرة يمثلهم علماء الأزهر والزيتونة والقرويين أي كل هذه المجاميع العلمية والمفكرون الاشاعرة والملتزمون يقولون بالعكس .
     إن كتاب الإبانة الذي يظهر فيه سلفي حنبلي نصي متشدد هو أول كتاب حيث فارق المعتزلة للتو فكان شديد تجاههم وهكذا كل فرد ثم بالعادة يهدأ ويستقر كما أن عقله مليء بأفكارهم فلن يستطيع مسح كل أفكاره خلال 15 بوم بعد دراسته عندهم 50 سنة. وإن كتاب "اللمع" هو الأخير وهو الذي استقر عليه.
فهناك معركة بين الطرفين.
     لأن أهل الحديث يرون أن الأشاعرة مبتدعة ، والأشاعرة يغتاظون وعندهم الحق حيث يقولون أنا نمثل ثمانين بالمائة من أتباع أهل السنة والجماعة فكيف يكون الأشاعرة الممثلين لعشرين بالمائة هم أهل المنهج؟ وفي الأجواء المشحونة بالخلافات نسمع هذه الكلمات.

سبب عدول أبي الحسن الأشعري عن رأيه :

لماذا عدل  بعد دراسة خمسين سنة ؟
هناك نظريات متعددة:
1- يقول البعض أنه رأى النبي "ص" في المنام وأخبره بأنه متحير فالمعتزلة تنفي صفات الله، وأهل الحديث تثبت صفات الله كصفات البشر فعينه كعين البشر وكذلك يده ووجهه وحركته فكما ورد في الرواية أن الله ينزل كل ليلة جمعة من السماء السابعة للسماء الدنيا وينادي هل من تائب هل من مستغفر، فسأل البعض كيف ينزل؟ فقال  الخطيب: هكذا وصار ينزل من المنبر،
    أو كما ورد في تفسير المقام المحمود عند بعضهم من أصحاب المنهج النصي الحديثي في الرواية يأتي الله يوم القيامة برسوله فيجلسه معه على العرش " عسى ربك أن يبعثك مقاما محمودا" فهناك نزول وحركة وجلوس مع النبي وعين وساق ووجه ..الخ
فهنا فريق ينفي وفريق يثبت. فقال له النبي: عليك بسنتي .أي اترك المعتزلة واذهب للروايات فصحى من نومه وأعلن تراجعه.

الأحلام والرؤى دليل العاجزين :

    وبالطبع فإن الأحلام والرؤى هي دليل العاجزين عن البرهان، ونعلم أن البعض صادق في رؤيته ولكن البعض غير كاذب فقد رأى شخص اعتقد انه نبي وكان يعيش سؤال معين وحصل على إجابة.
فهل لنا أن نصدق هذه التوجيهات المتخالفة لحد التناقض والتضاد.
فالإمامي يقول رأى النبي وقال لي إني على الحق وغيرك ليس على الحق .
والمعتزلي يقول : رأيت النبي وقال لي أنك على الحق وغيرك ليس على الحق وكذلك الأشعري وكذلك السني والأباضي  والزيدي.
فمن نصدق منهم ؟ لاسيما مع تعارضهم.
فليس من العقل أن يقول النبي لشخص أن الطريق الصح فقط يمين ثم يقول لآخر اذهب يسار ثم لاخر لايمين ولا يسار اذهب للأمام . هذا الكلام لن يقبله أي عاقل ولو افترضنا الصدق عند هؤلاء لايمكن الأخد بهم لتعارضهم.
ولا يمكننا الأخذ بها لاختلافها وتعارضها،فلا يمكن أن يوجه النبي الخلق لهكذا بل هذا اضلال لا هداية ويبرأ النبي من هذا فإذن لا حجة ولااعتبار للأحلام في المسائل الشرعية والعقائدية وللأسف هالفكرة في حالة انتشار تجعل الناس تقلق.. مثل طرفة أن امراة متصلة اعطني تفسير حلمي أني أشرب عصير برتقال .
فإذا لم يكن لديك وقت للاهتمام بأمورك تهتم بأمور المنام؟
إذن لو ثبت صحة النقل عن الأشعري أنه رأى النبي لا يمكن الأخذ به ولا يمكن أن يكون مبررا. حتى لو اعتقد هو بها لن تكون حجةً على الآخرين.
2- يرجعها البعض للعامل السياسي فمنذ مجيء المتوكل إلى وفاة الواثق، 223هـ إلى سنة 320هـ قرن كامل من الزمان كان مليء باضطهاد وكبت للمعتزلة ومطاردة ومنع ومصادرة كان الموقف شديد العداء للمعتزلة ثم قرن كامل لزمن القادر العباسي الذي أصدر وثيقة سميت بوثيقة القادرية 400هـ وهي مرسوم سلطاني عباسي فيه براءة من المعتزلة يروى بعد الصلوات والخطب، فالقائلين بهذا الفرض يقولون أن من الطبيعي حين يرى هذا الضغط السياسي من الدولة العباسية بالإضافة لبعض العثرات والمشاكل الموجودة  في مذهب المعتزلة وبعضها أخطاء كبيرة "حيث أن الإمامية عندهم اعتراضات على المعتزلة وعلى الاشاعرة " فسيكون دافع وحافز له ولبعض العلماء للتغيير.
2- قسم ثالث وهذا ما ذهب إليه الشيخ السبحاني أحد أعلام الاجتهاد في قم مرجع ديني له بحوث قيمة في العقائد والملل والنحل له موسوعة رائعة عشر مجلدات باسم " بحوث في الملل والنحل" الشيخ السبحاني يذكر سبب آخر أن الأشعري كان يريد إصلاح المنهج العقائدي لأتباع أهل الحديث، فهو بصورته المعروضة صعب أن يقبل من عامة المسلمين فلن يقبل مسلم أن يسمع أن النبي يجلس مع الله على كرسيه ، وأنه ينزل كما ننزل نحن من على المنبر ففي ذلك تجسيم لله وأن لله يدان وزند وأصابع مثلنا لا مؤولة بالقدرة والعظمة والإنفاق بل يد حقيقية، صعب على الناس أن تتقبل هذا الكلام.
    لكن نقطة قوة هذا المنهج أنه يعتمد على الروايات وأن عامة الناس أقرب لقبوله ، أقرب مما يذكره المعتزلة، فالمعتزلة لهم رؤى تخاطب عادة الخواص والفلاسفة فلا يستطيعون خطاب العامة .
 لكن مذهبه يستطيع أن يخاطب عامة الناس لكنه يحتاج إلى تشذيب وإصلاح وبرهان وترتيبه بحذف الأفكار المستنكرة والاستدلال عليه بأدلة ووجوه عقلية مناسبة .
      فحاول الاشعري إصلاح عقيدة أهل الحديث وترتيبه بحذف الأفكار المتطرفة والإبقاء على بعض الأفكار التي ممكن أن يستدل عليها وإيجاد أدلة لها ، وقد وفق في بعضها فقط وبعضها لم يوفق.
نورد بعض المسائل التي تطرق لها:

شبهة خلق القرآن :

   المسألة الأولى: شبهة خلق القرآن، من المشاكل الضخمة بين المعتزلة وغيرهم، ففي زمان المعتصم والواثق ذبح عليها أناس .وفي زمن المتوكل انعكست المسألة . فالمعتزلة ومعهم الأباضية والإمامية والزيدية يقولون أن القرآن مخلوق بهذا المعنى لأن كل ماعدا الله مخلوق والقرآن جزء من ذلك البعض .
فالقرآن إما لفظ أو كتابة، عندما جاء به جبرئيل وقرأه على النبي فهذا ملفوظ، وحين يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم ) فهو متدرج في الوجود فلا بد أن يقرأ الكلمة الأولى قبل الثانية والحرف الأول قبل الثاني فهي تخلق متدرجة متتابعة فهو خلق بشكل متتابع من أول نزوله وكذلك لو كان مكتوبا
هذا رأي المعتزلة مختصرا جدا
   أما أهل الحديث فيقولون :هو ليس مخلوق بل قديم مع الله، وحين نسألهم كيف غير مخلوق هل وجد مع الله ؟ وكيف كان قديمًا وغير مخلوق ؟ فلا رد عندهم . فهم يجرون الأمر على ظاهره.
   وجاء الأشعري بفكرة قريبةًً للقبول وقوى هذا الاتجاه فقال: هو قديم وليس مخلوق ،حيث أن عندنا كلام لفظي وكلام نفسي.
    فحين ألفظ كلمات فهو كلام لفظي  ، ولكن هناك شيئٌ وراء ذلك فأنا حين أتكلم معك فيكون عندي مخزون من الأفكار وأخرجه بالتدريج فهذا يسمى كلام نفسي أو يكون عندي مخزون معلومات وعلم يسميه كلام نفسي وأخرجه إما بالكتابة أو بالحديث  . فيقول أن الله عنده كلام نفسي أي علم وهو قديم معه حيث أنه من صفات الله . هنا صار الكلام معقولًا وليس مستنكرًا كما لو قال أحد أن القرآن الذي عندنا قديم مع الله.
     قدم الأشعري هذه الفكرة واستدل عليها وقدمها بثوب جديد وقد أفلح فيها. لكن بعض الأمور الأخرى لم يستطع أن يقدم جواب إقناعي جيد مثل الصفات الخبرية.

شبهة تجسيم الله :

    المعتزلة و الإباضية والعدلية والزيدية قالوا: أن بعض الكلمات في القرآن مثل: " ويبقى وجه ربك" " بأعيننا" كلها مجازات لا حقائق، لأن القران نزل على منهاج اللغة العربية وأجمل شيءٌ في اللغة العربية وتميزها أنها تستخدم المجاز وتتميز به، فالشعر جميل لكونه مليء بالمجاز والبلاغة. فالقرآن الذي فيه صلاح وبلاغة لابد يكون فيه تشبيهات ومجاز وكناية ، أما لو خلت اللغة العربية من هذا لصارت هندسة !
فحين يقول خلقت بيدي، كما يقول الحاكم: كل هذه المناطق بيدي يقصد أنها تحت سلطتي وهيمنتي. هذا الانسان يده معطاءة" فمعناها أنه كريم وسخي.
" دير بالك على ابنك" فتقول :" هو بعيني" يقصد تحت رقابتي وضمن حفظي وهذا أجمل وأحسن في التعبير.
لذا يلجأ البعض لهذا التأويل.
 يقولون جاء في القران: " الرحمن على العرش استوى"  أي سيطر وهيمن، والعرش ليس شيء مادي بل مركز الهيمنة والسيطرة على كل الكون.
" اصنع الفلك بأعيننا" لا تعني أن تدق المسمار بواسطة عيني " وإنك بأعيننا" لست داخل عيني لكن أنت تحت حفظنا ورقابتنا المباشرة. " لما خلقت بيدي" أي بقدرتي وامكاناتي.
أما أهل الحديث يقولون: معنى " بيدي" أي بيدي. عجنت العجينة ونفخت فيها الروح فصار إنسانًا.
 أبو الحسن الأشعري وجدها مشكلة لو قال بمقولة أهل الحديث فإنه سينتهي للتجسيم، ولا سيما في " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام" أن كل شيء سيختفي يده ورجله وغيرها إلا وجهه، فقال: نحن نثبت الأشياء كما جاءت في القرآن لكن بلا تكييف ولا نقول مثل أيدينا وعيننا، نسأله مثل ماذا ؟ لا جواب عنده.
 فله يد وينزل ويصعد ويتحرك لكن كيف؟ جوابه: بلا تكييف، كيف ننظر إليه؟ جوابه : بلا تكييف. هذه المحاولة لكنها محاولة غير موفقة. مع أنه حاول ترتيب الأمر والخروج من حالة التشنيع والتجسيد إلى محاولة التنزيه وعدم التشبيه لكن لم يحل المشكلة الحقيقية.
    ونفس الشي قال برؤية الله بالأبصار يوم القيامة. قال: ليس مثل رؤية الأشياء في الدنيا كأن يكون في جهتنا و يتخلل الهواء بيننا وبينه وكيف أن النور يسقط عليه " حيث أنها نظريتان هل النور يطلع من العين للمرئي أو العكس" فليس بالضرورة تحدث هذه الأشياء لكن بشيء آخر . ماهو : جوابه : بلا كيف.

شبهة خلق المعاصي :

وقد تطرق لمسألة ثانية: مسؤولية العبد تجاه أفعاله، هل خلق الله المعاصي أم لا.
أهل الحديث قالوا:" والله خلقكم وما تعملون" فالله هو خلقكم وخلق أعمالكم خالق المعاصي. فلو أن أحدًا زنى فالله خلقه وخلق الزنا.
نتساءل مادام خلقها الله فلم يعاقبنا عليها؟
الإمامية والعدلية قالوا: الله خالق وعالم بكل شيء لكن العبد هو المسؤول المباشر وهو الذي أوجد المعصية في الخارج.فهو مسؤول تمام المسؤولية عن ذلك.
فمن هنا ابن زياد قال: أوليس قتل الله عليًا(فالله هو الذي خلق القتل )
قال الإمام السجاد: كان لي أخ يسمى عليًا قتله الناس.
    جاء الأشعري لهذه المسألة ووجد الحيرة فمن جهة القرآن يقول: والله خلقكم وما تعملون ،وأهل الحديث يقولون : كما خلق الله الإنسان خلق أعماله الصالحة  والفاسدة فكما خلق صلاتك خلق زنا ذلك العبد الطالح .
نتساءل كيف يعاقبه وهو من عملها فإذن المفروض أن يعاقبه نصف العقاب. أو هو الذي يأخذ النصيب الأكبر من العقاب لأنه هو الذي خلقه .
الأشعري فرق بين أمرين :الله هو الخالق للفعل والعبد هو الكاسب، فالذي اكتسب الإثم. لوكان هذا الكلام مثل كلام العدلية فإذن العبد هو الفاعل الحقيقي للطاعة فيثاب عليها وهو الفاعل الحقيقي للمعصية فيعاقب عليها مع أن الله خلقها لكن لم يجبره عليها. لكن إن كان يقصد معنى آخر ، فلا نعرف ماذا يقصد.
   إذن إذا كان يقصد أن الله هو الخالق والمؤثر في خلق الزنى نرجع لنفس الاشكال.

شبهة الغاية من الأوامر والنواهي :

وفي مسالة ثالثة: هل أوامر الله وأحكامه تابعة للأغراض والأهداف؟ هل ممكن أن يأمر بأمر ليس فيها فائدة ولا مصلحة أو ينهى عن أمر ليس فيه مفسدة.
رأي الإمامية والعدلية:  أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد. فالله يعلم أن حركات الصلاة من تكبير وركوع وسجود فيها مصلحة تصنع للإنسان تكاملًا، فالله يعلم بهذه الأمور ويأمر بها فتصبح الصلاة واجبة. وكذلك يعلم الله أن الخمر بما فيه من أخطار صحية وآثار اجتماعية فيه فساد كبير يعلم بذلك فيقول بحرمته.
 لأن أحكامه ليست عبثية بل تتبع الأهداف والمصالح يريد منك أن ترتقي بإنسانيتك فيأمرك بالعبادة وينهاك عن المحرمات لأن الطاعة فيها تربية للوجدان والمحرمات فيها العكس.
ورأي أهل الحديث العكس: أن الله خالق يعمل ما يشاء ويحكم بما يريد سواء فيه مصلحة أم لا. فقد يأمر بشيء لا مصلحة فيه وقد ينهى عن شيء لا مفسدة فيه، من أنت لتسأل الله عما يفعل. فالله لا يسأل عما يفعل، فقد يحكم على أحد بالهلاك وهو من الناجين وقد يحكم على أحد بالنجاة وهو من الهالكين. لامشكلة عندهم.
العدلية والإمامية لا يقبلون هذا الرأي بل يجدوا الأول ظلما والأخر عبثا، فلو أنا العبد العادي أمرت ولدي اذهب وتعال واذهب وتعال للصباح .يأتي الناس فيسألوني  مالفائدة التي تترتب على هذا الأمر ؟ تارة أريد أن أربيه على الطاعة أو أريد أن يعمل رياضة ، أما لو هكذا فقط بلا غاية لن يعتبروني الناس حكيما، هذا بالنسبة للعبد فكيف بالله. يخلق مليارات البشر ويشرع شرائع ثم لا يكون فيها حكمة ولا مصلحة إذن هذه لعبة لا تليق بالإنسان الحكيم فكيف بالخالق الحكيم.
لقد قالوا هكذا ليفروا من مسألة أن بعض الأمور لا تبدو عدلًا فكيف يأمر بها.
شبهة الثواب والعقاب :
    مثل لو أن الله عاقب الطائع وجزى العاصي عندهم ليس مشكلة
فأنت من ستحاسب ربك؟
 لكن عند العدلية هذا مخالف للعدل والله أوجب على نفسه العدل، فالله أخذ على نفسه أن ينشئ الكون على أساس العدل في التكوين وأن يجري التشريع على أساس العدل الذي يعبر عنه بالحق " بالحق قامت السموات والأرض وبالحق جاءت التشريعات فالعدل بناء نظام الكون ونظام التشريع ولا يعقل أن يمارس الله أو يفعل شيئا على خلاف العدالة .
عند أهل الحديث قد تورط فيها الأشعري أن لاشيء ملزم لله .
لذا مسكوا عليهم لو ان الله أدخل كل الأنبياء نار جهنم فهو ليس خطأ فلا يمكن الجزم بعدم دخول الانبياء النار و بدخول العباد الصالحين الجنة ، فبإمكانه إدخال الطائع النار وهو لا يعمل خطأ هنا فكل ما يفعله صحيح .
عند العدلية الله جعل أفعاله على وفق العدل فهو وضع القانون وأمر العباد أن يجروا عليه فلا يمكن أن يكون ظالم للعباد.
لذا عندما ينقضون عليهم بهذا يقولون أنت الذي تقول أنك من أهل الحديث لا تستطيع أن تجزم بأن النبي محمد في الجنة ولا إبراهيم وعيسى وموسى وسائر الانبياء في الجنة، لأنا اذا قلنا لا فإننا نجزم بانهم في الجنة لأنه لو لم يدخلهم الجنة فقد خالف العدل ذلك وقد جعل العدل ميزانا وإدخالهم للنار فيه ظلم،وقد منع الظلم على نفسه وعلى و العباد. لكنهم يقولون كل ما يفعله الله عدل.
فمن الممكن أن يكون الأنبياء في النار ولا تستطيع أن تقول أن الظلمة والطواغيت والفراعنة والقياصرة يدخلون الجنة فهو بكيفه وأن الصالحين والأولياء يذهبون للنار فهو بكيفه مع جنته وناره. هل تستطيع أن تقول هذا الكلام؟
فالذي لا يعتقد بقضية العدل وحسنه والظلم وقبحه. يلزم بمثل هذا الأمر.
أما العدلية والامامية فيقولون: نحن نؤمن بالعدل وأن الله جعل العدل وجعل فعله في الخلق على موازين العدل وكره الظلم وأمر عباده بأن يجتنبوه  فلا يمكن أن يدخل الطائع النار لأنه ظلم وأنه على خلاف العدل.
ويترتب عليه أنك لو لم تكن  متأكدًا أن الطائع يدخل الجنة والظالم يدخل النارإذن لا قيمة للترهيب والترغيب. فلو قلت لأحد أن يعمل صالحًا سيقول ما يعلمك قد أدخل أنا الظالم الجنة وأنت تدخل النار.والقرآن مشحون بالآيات التي تبين مصير المتقين ( إن المتقين في جناتٍ وعيون ) وفي موضع آخر ( إن هذا كان لكم جزاءًا وكان سعيكم مشكورًا ) وفي الطرف الآخر تهديد للظلمة والطواغيت ومعنى ذلك أن هذا سيحصل .
ولا يمكن القول بهذا إلا حين نؤمن بالعدل وحسنه بالظلم وقبحه والجزاء بهذا الميزان.
ولذا زينب بنة علي "ع" هددت يزيد بن معاوية هددته بالقران ،أن الظالم يذهب للنار  :" ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين"
فلو كانت فكرة الأشاعرة وأهل الحديث صادقة لرد عليها يزيد: قد أدخل الجنة وإن كنت ظالمًا وقد يدخلك الله النار مع أنك بنت علي.
تهديد الظلمة والطواغيت والفراعنة والمنحرفين بالنار لا معنى له إلا اذا قلنا بفكرة العدل وحسنه والظلم وقبحه والمحاسبة على وفق هذا الميزان.

‫‬‬

مرات العرض: 3404
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 61199.55 KB
تشغيل:

مع المعتزلة في آرائهم وأفكارهم 26
أحكام زكاة الفطرة في المذاهب الاسلامية