مع المعتزلة في آرائهم وأفكارهم 26
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 26/9/1438 هـ
تعريف:

  26مع المعتزلة في آرائهم و أفكارهم


تفريغ نصي / الفاضلة سكينة نسيم آل عباس


حديثنا بإذن الله تعالى يتناول في هذا الليلة وبدأً منها بعض المدارس الكلامية المناهج العقدية بعدما تحدثنا في ليال سبقت عن المذاهب الفقهية ، ومن الواضح أن هناك فرقا بين الإثنين .

المذهب الفقهي هدفه عادة أن يستدل على الفروع الفقهية وما يرتبط بأفعال الجوارح ، يقول لك يجب عليك الصلاة ويحرم عليك شرب الخمر ويستحب لك غسل الجمعة وهكذا ، فهو يتحدث عن فعلك أنت المكلف وما يرتبط به من أحكام شرعية ، المذهب الفقهي يعنى بالاستدلال على هذه الأمور ،.

وأما المذهب الكلامي والمذهب العقائدي فهو يتناول ما يرتبط بعقائد الإنسان ، كيف يعتقد في الله عز وجل ، و ما هو الرابط بين ذاته وصفاته ، و هل أن عدل الله أصل من الأصول ، وهل أن الإنسان مسؤول عن أعماله أو أن الله يخلقها وهكذا ، من يرتكب الكبائر مثلا ما هو موقعه في الدين ، هل هو كافر ، مسلم ، بين بين ، هل أن الله يجب أن يفي بوعده ووعيده أم لا ، هذه كلها اعتقادات ، الإنسان عندما يريد أن يلاحظ المذهب الكلامي والعقدي ، يقول أنا أعتقد أن الله واحد ، وأعتقد أنه عادل ، وأعتقد أن الإنسان مسؤول عن أقواله وأفعاله و هكذا ، هذا المذهب العقدي والمنهج الكلامي ،أما في المذهب الفقهي فيقال يجب عليك الصلاة ، يحرم عليك شرب الخمر وهكذا ، هذا لفرق الواضح بين الأمرين .
وقد سبق أن تحدثنا عن عدد من المذاهب الفقهية المشهورة صاحبة الأتباع في هذا الأزمنة التي نعيش فيها ، من مذاهب المسلمين ، وذكرنا في كثير منها شيئا عن شخصيات  مؤسسي هذه المذاهب الفقهية وحديثا في هذا الليلة سوف يتناول المذاهب الكلامية من المعتزلة والأشاعرة والإمامية  والماتوريدية وأهل الحديث .
أول حديثنا عن المعتزلة ، المعتزلة الآن في عالم المسلمين لا يوجد لهم حضور اجتماعي ، يعني لو أردت أن تحدد مثلا تقول الأشاعرة هم غالب المسلمين من أتباع مدرسة الخلفاء ، المالكية أشاعرة ، الشافعية أشاعرة ، غالبا هكذا ، فأنت تستطيع أن تقول أتباع هذا المذهب الفقهي ينتمون إلى هذا المنهج الكلامي ، أهل الحديث مثلا تستطيع أن تقول  أن غالب الحنابل  إن لم يكن كلهم ينتمون إلى منهج ومذهب أهل الحديث في العقائد ، الأحناف تستطيع أن تقول إن غالب الأحناف في الفقه ينتمون إلى المنهج الماتوريدي في العقائد ، الإمامية تستطيع أن تقول شيعة أهل البيت الجعفرية هم أصحاب هذه المدرسة الكلامية الخاصة بهم ، أما المعتزلة في هذه الأزمنة التي نعيش بها لا يوجد لهم جمهور ، لا يوجد لهم أتباع ، ربما يوجد بعض المفكرين ، بعضا المثقفين ، يميلون إلى الاعتزال ويناصرون فكرة المعتزلة ، لكن لا يشكلون حالة حضور اجتماعي و أتباع ، ولكن المعتزلة كفكرة كنظرية كمنهج كتراث في العالم الإسلامي يعتبر شيئا ضخما وقويا ومؤسسا على أصول قوية بحسب آرائهم ، وهم في قسم من عقائدهم وأصولهم يشتركون مع الإمامية  ، يشتركون أو يشترك معهم الإباضية ، يشتركون أو يشترك معهم الزيدية ، فمن حيث النظرية والأفكار والتراث الكلامي  والبراهين والاعتقادات ، تعتبر المعتزلة مدرسة قوية و مؤسسة كبيرة ، كيف بدأت هذه الفكرة وهذا المنهج ؟
في زمان الحسن البصري المعروف كان لديه أحد التلامذة واسمه واصل بن عطاء المخزومي ،هذا توفي سنة 131هـ في تلك الفترة كانت احدي المسائل الإشكالية في الساحة الإسلامية كانت مسألة مرتكب الكبيرة ، هل هذا مؤمن مطلقا أو كافر مطلقا أو لا هذا ولا ذاك ، هناك شخص مارس الزنا ، والزنا إحدى الكبائر والمحرمات العظيمة ، او شرب الخمر ، الآن هذا أصبح مرتكب للكبيرة ، هل يبقى بعده عنوانه مؤمن ، أو عنوانه كافر ؟، الخوارج ذهبوا إلى أن مرتكب الكبيرة يعتبر كافرا ، لا يمكن  لأن الإسلام والأيمان لديهم ليس فقط ادعاء وإنما لابد من تطبيق ما يتطلبه الإيمان ، فمثلا هذا شارب الخمر مرتكب الكبيرة وفاعل الزنا خرج عن الإيمان صار كافرا ، هذا رأي الخوارج .
قسم من المسلمين قالوا كافر ولكن ليس كفر ملة وإنما كفر نعمة كما ذهب إلية الإباضية مثلا ، كافر ولكن كفر نعمة لأنهم يقسمون الكفر إلى قسمين ، هذا الرأي الذي ذهب إلى أن مرتكب الكبيرة كشارب الخمر وفاعل الزنا أو اللواط أو من شابه هذا يعتبر كافر خرج من الإيمان ، قسم آخر من المسلمين ولا سيما الرأي الغالب عند المرجئة ، وهذا أيضا بعضهم يشير إلى أنه بتشجيع أموي ، قالوا لا هذا ما خرج من الإيمان و إنما باق على أيمانه ، بعده لا يزال يعتقد بالشهادتين وما خرج من الإيمان ، هذا إذا صح ما ذكر عن بعض الباحثين ، هذا في مصلحة الحكام الأمويين ،رجل خليفة و والي مع ذلك يشرب الخمر ، فإذا قالوا أنه كافر فلا يصبح واليا على المسلمين فمن مصلحتهم أن يشجعوا القول بأنه مؤمن ،يقولوا هذا حسابه في يوم القيامة أمره  مرجى إلى الله ، فجاء أحدهم و سأل الحسن البصري عن هذه المسألة أن فاعل الكبيرة ماذا يكون شأنه ؟ ، فأجاب واصل بن عطاء وسبق الحسن البصري :هذا في منزلة بين المنزلتين ، لا هو مؤمن و لا هو كافر، كيف يكون مؤمن وقد زنا وقد شرب الخمر وقد فعل اللواط ، ولا هو أيضا كافر لأنه لا زال يتشهد يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، و قام هذا من حلقة الحسن البصري حتى يشرح لذلك السائل ، ذهب إلى اسطوانة أخري في المسجد ، قال حسن البصري : اعتزلنا واصل ، فمنذ ذلك الوقت سموا بالمعتزلة .
هذه كانت بدايتهم ،هم ينسبون أفكارهم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، يقولون نحن أخذنا أفكارنا هذه من واصل بن عطاء و واصل بن عطاء من أحد أساتذته عبدالله بن محمد بن الحنفية ، معروف بأبي هاشم  ، هذا كان واحد من العلماء ، حفيد الإمام علي عليه السلام ، ابن محمد بن الحنفية ، هذا عبد الله أبو هاشم أخذ العلم من أبيه محمد بن الحنفية ، محمد بن الحنفية أخذ التوحيد والمبادئ العامة عن أبيه علي بن أبي طالب ، فهم يقولون بناء على ذلك نحن أفكارنا آرائنا مذهبنا في الاعتزال راجع إلى علي بن أبي طالب ويفتخرون بذلك وسيأتي حديث ، هؤلاء لما أتوا صار عندهم أفكار كثيرة جدا أهمها خمسة أصول سوف نعرض لها ونعرض إلى مقدار التواصل بينهم وبين الإمامية وبينهم وبين سائر المذاهب الكلامية .

أصول المعتزلة العقائدية :

أهم أصل وأول أصل عندهم التوحيد ، الأصل الثاني العدل ، الأصل الثالث الوعد والوعيد ، الأصل الرابع المنزلة بين المنزلتين ، الأصل الخامس الأمر بالمعروف ، الأمر بالمعروف واضح ، المنزلة بين المنزلتين تحدثنا عنها فيما يرتبط بمرتكبي الكبيرة هل هو مسلم أو هو مؤمن أو كافر مطلقا أو هو في الوسط ،بعضهم عبر عنه بأنه مؤمن فاسق  وبعضهم قال مسلم فاسق وبعضهم قال منافق ، لكن لا هو كافر ولا مؤمن ، وعندهم قضية الوعد والوعيد التي سبق وتحدثنا عنها وقلنا أنهم يقولون بأن الله سبحانه وتعالى إذا وعد عباده الصالحين بالجنة على أثر أعمالهم فلابد أن يفي لهم لأنه لو لم يفي لهم بهذا يكون كاذبا والعياذ بالله ، وأيضا لو توعد الفساق العاملين للسيئات بنار جهنم فلابد أن يدخلهم نار جهنم لأنه لو لم يفعل ذلك لكذب في وعيده ، فلا بد أن يدخلهم في نار جهنم ، ومن هنا نشأت فكرة أن الشفاعة لا تنال الإنسان الذي هو من هذا النوع ، وإنما تنال الإنسان المؤمن الذي هو في الجنة تصعد درجته ،أما إنسان يفترض أنه عمل سيئات ولابد أن يذهب نار جهنم لا ينال الشفاعة ، و سيأتي هذا خلاف لأكثر المسلمين سواء كانوا الإمامية أو غير الإمامية ، أهم الأصول عندهم أصل التوحيد ،لأجل هذين الأصلين التوحيد والعدل واشتراك الإمامية معهم سمّوا في الاصطلاح ( العدلية ) ، في موضوع أصل التوحيد بعد الاعتقاد يحتوي على عدد كبير من المسائل سأشير إليها ، أول شيء ما يرتبط بأن الله واحد أحد ، فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، هذا كل المسلمين يقولون به ، عندهم نقاط يختلفون بها مع بعض المسلمين ، النقطة الأولى ما يرتبط برؤية الله ،المعتزلة من اللذين يقولون بأن رؤية الله مستحيلة في الدنيا وفي الآخرة ، للأولياء وللأشقياء ، وهم في هذا يشتركون مع الأمامية ويشتركون مع الزيدية ويشتركون مع الإباضية ، أن الله سبحانه و تعالى لا يرى في الآخرة لا من الأولياء ولا من الأنبياء ولا من الصالحين ولا إلى غير ذلك ..
مخالفة الأشاعرة للمعتزلة :

خالفهم في هذا تقريبا عموم المدرسة التي تنسب إلى الصحابة ، عموم المدرسة السنية يخالفون المعتزلة في هذا ، فإن الأشاعرة الأكثر منهم لو لم يكمن كلهم وأهل الحديث قاطبة يقولون برؤية الله في يوم القيامة ، أن الله يُرى في يوم القيامة ،هم وغيرهم يستدلون على ذلك ببعض الأدلة العقلية ، لأنهم أي المعتزلة يعطون للعقيل مساحة واسعة جدا ولا سيما في العقائد فضلا عن معالجة النصوص ونقد المتون ، في العقائد الفارس الأكبر عندهم هو العقل ، ولو أن حصل أن تعارض نقل خبر صحيح 100% مثلا في صحيح البخاري ،في صحيح مسلم فيما يؤدي إليه البرهان العقلي ، المعتزلة يقولون لا نعمل بهذا الخبر وإن كان في الصحيحين وليس في صحيح واحد ،لأن متنه ومضمونه لا يطابق العقل ، وقضية رؤية الله من هذا النوع ،ولو أنه أتي في الأحاديث الصحاح أن الله سبحانه و تعالى يُرى يوم القيامة ولكن هذا يعارض أدلة عقلية لأنه لو فرضنا أن الله يُرى فهذا يلزم منه الجهة ، يعني الآن أنا لكي أرى هذه الساعة التي أمامي لابد أن تكون في جهتي ، فلو كانت خلفي هل أستطيع أن أراها ؟ ،لا ، أي شيء تريد أن تراه لابد أن يكون في جهة النظر ، إذا أراد المؤمنون أن ينظروا إلى ربهم في يوم القيامة فلابد أن يكون في جهة معينة ، وإذا صار في جهة معينة فإذن في باقي الجهات ليس موجود، إلا أن تكون نسخ متكررة فيكون تعدد في الآلهة ، فلابد أن يكون في جهة ، وإذا كان في جهة خليت منه سائر الجهات وهذا غير ممكن ، الله سبحانه وتعالى إله في السماء ، إله في الأرض ،إله في كل الجهات ، لا يمكن أن يخلو منه سبحانه وتعالى شيء ولا مكان ولا أعلى ولا أسفل ولا شمال ولا جنوب ولا غير ذلك ، إذا قلت أنك ترى الله فيعني أنه أمامي ،ليس خلفي ، ولاعن يميني ولاعن شمالي ، يلزم منه المحدودية ، وذلك أنه أنت لكي ترى شيئا إما ان عينك تحيط به بالكامل أو تحيط ببعض أجزائه ، فإذا أصبحت عيني تحيط بالله عز وجل فمعنى ذلك أن الله والعياذ بالله أصبح محاطا ، وأن عيني محيطة به ، بينما الله يقول " ولا يحيطون به علما " ولا شك بان النظر من الإحاطة العلمية ،إلى غير ذلك من الأدلة التي ساقوها ، لذلك قالوا أن الدليل العقلي يقول أن رؤية الله غير ممكنة حتى لو جاءت رواية أو حديث صحيح لا نقبلها ، لأننا نحاكم هذه الأحاديث بالنقد العقلي للمتون ولو صحّت أسانيدها لا نقبلها ، طبعا هذه يتفق معهم فيها الإمامية والزيدية ، الإباضية.
من ذلك أيضا ما يرتبط بالعلاقة بين الذات والصفات ، ذات الله وصفات الله ،وأنا أشير إليه إشارة سريعة لأن البحث طويل ، إذا أحد أراد أن  شيء مفصل عن هذا فيمكن أن يرجع إلى البحث القيّم والكتب البديعة التي ألفها المرجع الديني الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله بعنوان (بحوث في الملل ولنحل) أجزاء متعددة أحد الأجزاء بحث فيه فيما يرتبط بالمعتزلة بتحقيق جميل ورشيق .مسألة أخرى مسألة العاقة بين الذات ، الذات الإلهية وبين الصفات ، عندما أقول فلان دكتور أو فلان تاجر أو فلان مهندس ، هذا من أول ما خلق كان طبيبا أو مهندسا أو عالما ، عندما خرج من بطن أمه " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا " ، تعلم هذا الإنسان بالتدريج ، صار عالما ، صفة العلم صارت زيادة على شخصيته وعلى ذاته ، أضيفت إليه ، ثم درس هندسة أضيفت إليه هذه الصفو على هذا المعدل .
الله سبحانه وتعالى في صفاته هل هو هكذا ؟ ،يعني علاقة الله بصفاته هكذا ؟ مستحيل ، الإمامية والمعتزلة يقولون بعينية الذات والصفات ، يعني أن الصفات كأنها تنمحي في ذات الله عز وجل ، تكون عين ذاته ، ليس أنها كانت شيء فزادت عليه، فطرأت عليه ، يلزم في هذا أنه في وقت ما من الأوقات هذه الصفة لم تكن موجودة عند الله ، العلم مثلا ، إذا أقول أنا عالم ، أنا أول ما خرجت من بطن أمي لم أكن عالما ،تعلمت فصرت عالما ،خلال الفترة التي كنت فيها لاتزال لم تتعلم كنت جاهلا ، هل بالنسبة لله ممكن أن يكون هكذا ؟ لا ، فإذا تقول أن هذه الصفات زائدة وطارئة على الله معنى ذلك أنه كان الله في بعض الأوقات ولم يكن عالما ، كان الله ولم يكن خالقا ، كان الله ولم يكن رازقا ، ول يكن حيا ، هذا كفر ،ومن هذا نشأت بعض المشاكل التي من جملتها قضية خلق القرآن ، الفتنة التي صارت في فيما بعد ، ولهذا بحث طويل .
غير المعتزلة لا يقولون بعينية الصفات مع الذات ، ويلزم ذلك بعض المحاضير التي اجتنبوها ، الحق هو ما ذهب إليه الإمامية في هذه الجهة وأكثر المعتزلة ، لأن المعتزلة على قسمين في هذا الباب ، بعضهم ذهب إلى عينية الذات والصفات وهو الصحيح ، وبعضهم قالوا بنيابة الصفات عن الذات وهذا أمر فيه كلام .
موضوع التوحيد فيه عدد من المسائل التي تقريرها من قبلهم يجعلهم يتفقون مع فريق من المسلمين ويختلفون مع فريق آخر ، أما موضوع العدل ، العدل الإلهي عند المعتزلة وعند الإمامية له مركزية كبيرة وأهمية عالية ، لأنه هل يدخل الله المؤمنين النار ؟ كمت قلنا بعض أهل الحديث يقولون نعم العبد عبده والجنة والنار لله وليس للعبد أن يعترض على مولاه في شيء ، المعتزلة والإمامية يقولون لا ، الله عادل ومقتضى العدل أن يدخل المحسن جنته ، فلو خالف في ذلك يكون خالف في لأصل أصيل وهو العدل ، جعل العدل قانون الكون ، الكون قائم على العدل ،"ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه "،فالله سبحانه وتعالى لو أدخل المطيع نار جهنم خالف العدل ، وهذا لا يمكن أبدا ، لو كلّف بما لا يطاق ، هذه مسألة أخرى ، هل يستطيع الله أن يكلف عباده بما لا يطاق ؟ ،لنفترض ولو أنك لا تستطيع الطيران فأنا أوجب عليك الطيران ، لا ، الله لا يكلف بما لا يطاق ، لأن هذا خلاف العدل ، العدل يعتمد على أن الظلم قبيح والعدل حسن ، وهذا يرتبط بمسألة تسمى مسألة التحسين والتقبيح  العقليين ، أن الأفعال يمكن الحكم عليها بأنها حسنة من قبل العقل أو أنها قبيحة من قبل العقل ، الظلم أي عقل من العقول يحكم بأن الظلم قبيح ، لا يوجد عقل سليم يحكم بأن الظلم شيء طيب وممتاز ،والعقول كلها تحكم بأن العدل حسن ومطلوب وجيد ، لا يوجد عقل سليم يحكم بأن العدل شيء سيء ، حتى اللصوص فيما بينهم  لما أحدهم يأخذ زيادة على حقه يقول لا اعدل فيما بيننا ، يرى أن العدل لازم ، فضلا عما كان في سائر الأماكن ، العقل السليم والفطرة النظيفة تنتهي إلى أن العدل حسن ، فإذا العدل حسن فإذن تكليف الله عباده بما لا يطاق هذا قبيح ، يترتب عليها مسألة أخرى ، حرية الإنسان ومسؤوليته اتجاه أفعاله ، أهل الحديث وبعض الأشاعرة قالوا أن الله هو الذي يخلق العبد ومعصيته " والله خلقكم وما تعملون " فالله سبحانه وتعالى خلقك وخلق فعلك ، خلقك وخلق زنا ذلك البعيد  ، خلق وخلق شربه للخمر ، المعتزلة والإمامية يقولوا لا هذه مغالطة ، الذي فعل الزنا  وفعل شرب الخمر هو هذا الإنسان وهو مسؤول عنه ، لأن من الظلم أن الله يخلق الفعل ويعاقب العبد ، وهناك عدد من الأمور والمسائل العقائدية كلها ترتبط بمسألة العدل ، الإمامية أيضا يعتقدون بهذا ويجرون على وفقها وطبقها ، وفي هذا المعنى بالذات في هذين الأصلين يمكن تصديق الفكرة القائلة بأن المعتزلة قد أخذوا عن أمير المؤمنين عليه السلام ، بل بعضهم يسلسل الأمر هكذا ، يقول نحن أخذنا عن فلان عن فلان عن واصل بن عطاء عن أبي هاشم عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
إذا هذه الفكرة صحيحة فهي صحيحة في خصوص هذين الأصلين ، العدل والتوحيد ، باقي الأصول يمكن النقاش فيها كثيرا ويرد عليها اشكالات ، من أهم موارد الافتراق بين المعتزلة وبين الإمامية ما يرتبط بنظرية الإمامة ،المعتزلة لا يرون الإمامة في ولد رسول الله ، ولا في ذرية فاطمة ، ولا يرون الإمامة بالنص والنصب ، وإنما يرون أن من كان من المسلمين  قرشيا و اجتمعت فيه صفات العلم والعمل يمكن أن يكون إماما ولا حاجة إلى النص وليس الأمر محصورا في أسرة معينة  وهم بهذا يشابهون كما ذكرنا في وقت سابق  من الإباضية  ويختلفون مع الزيدية والإمامية والإسماعيلية اللذين يقولون هؤلاء بدرجة متفاوتة بأن الإمامة هي في ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابنته فاطمة ولا بد أن تكون أيضا بالنص من رسول الله والنصب منه ، لا سيما بالنسبة للأئمة الأوائل على رأي باقي المذاهب من غير الإمامية ، الإمامية يقولون النص في كل الأئمة إلى الإمام  المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، من المسائل التي يختلفون فيها  مع سائر المسلمين وفرقهم قضية الإحباط ، وهذه أيضا يخالفهم فيها الإمامية ، هناك فركة خاطئة عند بعض الباحثين عندما يبحث في هذا الموضوع يقول أن الشيعة أو الإمامية لا يوجد عندهم مدرسة عقائدية ، لا يوجد عندهم منهج كلامي ، وإنما  هم عيال على المعتزلة ، نقول أولا  أن المعتزلة يأخذون من علي بن أبي طالب ، الإمامية أيضا يقولون نحن أصولنا ترجع إلى الأئمة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهناك مشتركات بيننا وبين المعتزلة نظرا للمصدر الواحد الذي أخذنا منه في قسم ، ولكن هناك قسم آخر قد يكون أساسيا لا نتفق معهم فيه ، مثل قضية الإمامة ، الإمامية أهم شيء بعد الأصول التوحيد والنبوة والمعاد ويلحق بالتوحيد العدل ، أهم أصل بعد هذا هو الإمامة ، وإلى هذا الأصل نسبوا ،، الإمامية نسبة إلى الأئمة الاثني عشر ، لو أزلت قضية الإمامة من الإمامية يصبح مذهبهم شديد الشبه بسائر المذاهب الأخرى ، يقولون نحن نختلف مع المعتزلة في عدد غير قليل من المسائل ولنا منهجنا الخاص ولنا أدلتنا ، من ذلك مثلا أن المعتزلة قالوا بالإحباط ، الإحباط يعني لو أن إنسانا عمل سيئات لا سيما كبائر بعدما كان قد عمل حسنات ثم توفي وقد عمل السيئات فهل هذا يمحي ما عمل من الحسنات السابقة أو لا ؟ هذا يسمى الإحباط ، أن السيئات هل هي تحبط الحسنات ، واضح أن الحسنات يذهبن السيئات ، هل تحبط السيئات الحسنات ؟ المعتزلة يقولون نعم ، مثل ما الحسنات تزيل أثر السيئات ، السيئات تزيل أثر الحسنات على تفصيل عندهم ، بعضهم يقول إذا السيئات كبيرة  من الكبائر فتزيل الصغائر وبعضهم قال لا ، تزيل الحسنات الكبيرة والصغيرة إذا أنهى خاتمته بأنه شرب الخمر أو زنى أو لاط أو غير ذلك ، هذا رأي المعتزلة ، الإمامية ومعهم كثير من المسلمين يقولون لا ، بعض الأشياء فعلا تحبط مثل الشرك وهذا بنص القرآن الكريم " لئن أشركت ليحبطن عملك " مثلا شخص قضى خمسين سنة من عمره يصلي ويصوم ويعمل الصالحات آخر سنة قال أنا لا أعترف بوجود الله ، كفر ، أو أشرك وقال أنا لا أعتقد أن هناك إلها واحدا وإنما اثنان ثلاثة أربعة ، هذا الشرك أو ذاك الكفر عند الإمامية وعند سائر المسلمين محبط للأعمال السابقة بنص القرآن الكريم ، وأما سائر الأمور ، شرب الخمر وآخر سنة صار مدمن على الخمر والعياذ بالله ،آخر سنة صار يعمل الفواحش ، يعاقب على هذه الأمور ولكن هذا السيئات لا تمسح سبعين سنة من الأعمال الصالحة التي قام بعملها ، إلا أذا في آخر عمره كفر أو ارتد أو أشرك أو ما شابه ذلك ، هناك بعض الموارد المستثناة ،هذا مما يختلف فيه الإمامية مع المعتزلة وهناك أمور أخرى غيرها لا نتعرض إليها ، الغريب أن هذه المدرسة والحق أنها مدرسة محترمة من جهة أنها كانت تعلي من شأن العقل ، تحث على التدبر على التأمل ، على البرهنة ، لا تقبل بأي حديث ، ليس كمثل هذه الأيام بمجرد رسالة واتس أب أجري ورائها ، إنما تأمل ، تفكر ،  انظر هل العقل يساعدك على قبوله أم يصادم بديهة العقول ؟ حتى لو أتى به راوي ثقة وعدل و مروي في الصحاح ، لا بد من أن يعرض عرضا مثنيا ، تنقده نقدا مثنيا وعقليا ، ولا بد أن يكون للعقل فرصة واسعة للحركة لا سيما في ميدان العقائد فضلا عن الفقه ، هذه الفكرة عندهم كانت فكرة رائعة  ورائدة وعظيمة جدا ، الإمامية كذلك تقبل هذا الكلام ، الاتجاه الحر في الإسلام ينتهي إلى هذا ، اتجاه التنوير ما يسمونه في الأمة الإسلامية يؤمن بهذا ، لكن هؤلاء بعد ما بدأو في زمان المأمون صار هناك مجال للمناقشة والحديث والأخذ والرد ومناظرات واحتجاجات وتشجيع على ابداء الأفكار ، في الأواخر تدخلت السلطة السياسية في فرض الأفكار المعتزلية على الناس ، بدأً من قضية خلق القرآن ، أي شخص لا يؤمن بخلق القرآن يعاقب ، سجنوا ، اضطهدوا ، عذبوا ، قتلوا أيضا على هذا ، هناك أسماء يذكرها التاريخ انضربت و انسجنت مثل أحمد بن حنبل إمام المذهب المعروف وهناك أشخاص قتلوا في داخل السجن ، أحدهم بقي ثلاث سنوات في داخل السجن حتى مات ، لماذا لا تقول القرآن مخلوق ؟ ،، أنتم دعاة الحرية الفكرية واعمار العقل وحرية الرأي ما لذي يجعلكم تذهبون وراء هذا القضية السلطوية ، تحلوا للأسف واستقووا بالسلطات ، هذه طامة من الطامات ، إذا مذهب من المذاهب ، فكرة من الأفكار صار سلاحها قوة السلطة وليس قوة البرهان ، هذه تدمر الأمة ، تدمر فكرها وتدمر أشخاصها وتدمر مستقبلها ، وهذا الذي حصل للمعتزلة .
لما أتى زمان المعتصم أخ المأمون ، هذا بالغ في الاضطهاد لمن يخالف أفكار المعتزلة , وحصل على بعض القضاة مثل أحمد بن أبي دئاد كان معاصر للإمام الجواد عليه السلام ، هذا القاضي كان قاسي في معاقبة من يخالف أفكاره ، وأتى الوافق وزاد الطين بلة ، والقسوة شدة إلى أن ضجت الناس ، أتى المتوكل العباسي وهو شخص متهتك لا هو من هذه الجهة ولا هذه الجهة رأى الكفة في تلك الجهة مع من يخالف التوجه المتشدد الذي أنشأه المعتزلة ، ولو أن بعض الباحثين ، سمعت ذات في محاضرة كان فيها دكاترة و كفاءات علمية يعتذرون للمعتزلة ما فعلوه ، لأن الدولة العباسية في ذلك الوقت شهدت تآمر من قبل أهل الحديث ، لذلك قمعوهم ، هذا كلام كل حاكم يقدمه ، لذلك يقول أنا لابد أن أسجن هذا وأقتل هذا ، ولا يقبل من مثل المعتزلة لأنهم حركة فكرية عقلية منفتحة ، لو استمرت على منهجها الأصلي من دون أن تدخل في الوضع السياسي وتقهر الناس على أفكارها لغيرت وجه الأمة الإسلامية ، صارت ردة فعل ، ذهب الناس إلى أهل الحديث ، النصوص التي بدأت من رؤية الله في يوم القيامة وإلى آخره ، لا يوجد عقل يتحرك ، لا يوجد عقل يتحدث ، أصبح المعتزلة مطرودين من الساحة الفكرية ، صارت الأحلام هي الأدلة ، صارت الأحاديث لا يناقش فيها حتى لو تعارض عشرين عقل مع نص واحد ، لا يقبلون العقل يقبلون النص الذي نقلوه من شخص لا يعلموا هل كان ناسي ، مشتبه ، فتوقف الفكر والعقل الإسلامي هذا من جهة العقائد ،  ومن جهة أخرى الدولة العباسية كما ذكرنا أغلقت باب الاجتهاد في الفقه ،فانتهى الاجتهاد عقيدة وفقها ،العقل اغلق تماما لا يعمل في مجال الفقه و الفروع الفقهية لأنه ممنوع بأمر رسمي ، ولا في مجال العقائد والآراء والمناهج الكلامية لأنه صارت عند الناس ردة فعل مما فعله المعتزلة ، فتوقفت الأمة ، ،في قرنين صار لديهم أنتاج ضخم وجيد ،بعد سنة 500 هـ حالة من النوم والخمود النهائي ، وللأسف أن الأمة خسرت هذا المنهج الذي لو كان هو المنهج السائد في الأمة لم ترى حركات التطرف التي تعتمد على أخبار ونصوص ، الآن أصبح النص والحديث عند قسم الناس إلها يعبد ، انظر للذي أمامك أنه يصلي ويصوم ، يقول لا لدينا حديث يقول أن القدرية مجوس هذه الأمة ، الرافضة كذا هذه الأمة ، الفلان جماعة كذا وكذا ، انظر أمامك ، قرآنه ، عبادته ، صلاته ، صيامه ، يقول لا أنا لدي حديث ، فأصبح هذا النص من جديد كأنه معبود يعبد من دون الله ، وتخدرت الأمة للأسف الشديد ، سوى أنه خلف المعتزلة ترثا علميا ضخما ، الآن كما ذكرنا في أول الحديث ليس لديهم حضور اجتماعي ، لكن لديهم حضور فكري ككتب ، كآراء ، كنظريات قوية جدا ، أي شخص يريد أن يبحث في العقائد لا بد أن يناقش آراء المعتزلة لأن بعضها آراء متينة وقوية ، ذات برهان وتنفتح على آفاق واسعة ، فيما يرتبط ، ابن ابي الحديد المعتزلي ليس شيعيا، لكنه لعله من أفضل شروح نهج البلاغة ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي يعد من الشروح التي في الدرجة الأولى ، مع ما فيه من أنه يعكس آرائه الإعتزالية ، ولأنه من معتزلة بغداد ، معتزلة بغداد يرون أن عليا بن أبي طالب أفضل من كل الصحابة ، رجل يسأل أحدهم علي بن أبي طالب أفضل أم فلان خليفة ؟ يقول علي بن أبي طالب ضربة واحدة منه تعدل أعمال المهاجرين والأنصار كلهم ، ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين ، فكان معتزلة بغداد يجلون عليا غاية الإجلال ، ويعظمونه ، هذا ابن أبي الحديد لديه سبع قصائد تسمى العلويات من أروع القصائد في حق أمير المؤمنين ، منها القصيدة المعروفة :
يا برق إن جئت الغري فقل له أتراك تعلم من بأرضــك مودع
فيك ابن عمران الكليــــم وبعده عيسى يقفـــــــيه وأحمد يتـــبع
بل فيك نور الله جلّ جلاله لذوي البصائر يستشف فيــــــــــلمع
فيك الإمام المرتضى فيك الوصي المجتبى فيك البطين الأنزع
يا قالع الباب الذي عن هـــــزه عجزت أكف أربــــعون وأربع
أ أقول فيك سميــدع حاشــى لمـــــــــثلك أن يقــال ســـــــميدع
ويستمر على هذا المعدل إلى درجة من الارتفاع والسمو والتعظيم لأمير المؤمنين عليه السلام ، هذه الا تزال في تراث معتزلة بغداد باقية ، سبع قصائد هذه بعضها ، وهي في القمة من حيث الأدب والبلاغة والمعاني القوية ، علي عليه السلام من الذي لم يتعشقه إلا منتكس البصيرة ، من الذي لم يعجب به ، ذاك الشاعر يقول حتى عبدوك وما عرفوا فيك السر اللغز المضمر ، ذاك المسيحي بول السلامة يقول :
جلجل الحب في فؤاد المسيح حتى عد من فرط حبه علويا
لا تقــــــل شيــعة هواة علـــي إن في كل منصف شيعيـــا
هذا علي وهذه صفاته من الذي يحصيها وكيف يمكن للإنسان أن يستقصيها ؟رحمة الله على الشاعر الشفهين الحلي أحد شعراء أهل البيت الذي اختصر هذا المعنى ، قال مخاطبا أمير المؤمنين عليه السلام  :
يا من  إذا عدت مناقب غيره رجحت مناقبه وكـــان الافضــل
إني لأعذر حاسديك على الذي أولاك ربك ذو الجلال وفضــل
إي يحسدوك على علاك فإنما متسافل الدرجات يحسد من علا 

 

مرات العرض: 3389
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2553) حجم الملف: 61942.06 KB
تشغيل:

الشهيد زيد بن علي رمز المذهب الزيدي 22
مع الأشاعرة في آرائهم وأفكارهم 27