التشيع من التأسيس إلى نهاية القرن الرابع 13
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 13/9/1438 هـ
تعريف:

التشيع من التأسيس إلى نهاية القرن الرابع


تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال


قال سيدنا ومولانا رسول الله (ص)، لما نزل قوله تعالى: (أولئك هم خير البرية)، قال: "والذي نفسي بيده، يا علي، أنت وشيعتك الفائزون"،   
بعد أن انتهينا من الحديث حول المذاهب الأربعة، نشرع في الحديث عن الإمامية أو الجعفرية أو الشيعة، وكلها أسماء المقصود منها مذهب معين. في البداية، سوف نحاول أن نعطي تعريفا لهذه اللفظة، ثم الأسس التي دعت إلى انبثاق التشيع والشيعة، وبعد ذلك نمر مرورا سريعا على تاريخ هذا المذهب. إن اتسع الوقت. إلى القرن الرابع الهجري، إن شاء الله تعالى.
من الواضح، وهذا قد ذكرناها في أول الأحاديث، أن الأمة الإسلامية، فيها طائفتان كبيرتان، هما أهل السنة، والشيعة. فما هي هذه الفئة التي تجاور أهل السنة، أتباع مدرسة الخلفاء، في مناطق العالم الإسلامي المختلفة. وكيف تأسست، على أي أساس؟ وما هو تاريخها.
في اللغة يعرفون الشيعة بالمعنى اللغوي، بمعنى الأنصار. شيعة الرجل: أنصاره، أتباعه، من يكونون حوله، وسموا بشيعة علي، ضمن هذا الإطار اللغوي، القرآن الكريم، استخدم هذه اللفظة، أيضا بهذا المعنى، بمعنى: الأنصار، الجماعة، المحيطون بالشخص، الأتباع، في قول الله عز وجل، بعد أن حكى قصة نبي الله نوح، على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، تعقب ذلك الحديث عن نوح، بقوله: (وإن من شيعته لإبراهيم)، يعني من شيعة نوح، من أتباعه، من أنصاره، ممن هو على منهجه، إبراهيم. وهكذا في قصة نبي الله موسى، عندما جاء إلى اثنين يعتركان، واحد من بني إسرائيل، وهم أنصاره، وقومه، وآخر من الأقباط، وهم قوم فرعون. يقول القرآن الكريم: (فاستغاثه الذي هو من شيعته على الذي هو من عدوه)، يعني هذا الذي هو من جماعته، استنجد بموسى، استغاث به. وأيضا في كلمات المعصومين، أيضا جاءت بعنوان الأنصار، والجماعة والأتباع. ففي خطاب الإمام الحسين (ع) للجيش الأموي، قال: "يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم". يعني يا أنصار آل أبي سفيان، يا جماعة الأمويين، فهذا هو المعنى اللغوي.
يوجد معنى اصطلاحي، يرتبط بعلم الرجال، في الأفق غير الشيعي، فعندما يوصف عندهم شخص بأنه يتشيع، أو شيعي، أحيانا يجي يوصفه مثلا أنه ثقة أو صدوق، أو غير ذلك. أحيانا يضيف هذه الكلمة، أو يجعلها بديلا عن تلك الكلمات. في اصطلاح الرجاليين غير الشيعة، يعبرون عن الشيعي بمن لا يميل إلى بني أمي، ومن يفضل عليا على عثمان. إذا واحد ما يؤمن بالتسلسل في التفضيل على أن أبا بكر وعمر ثم عثمان ثم علي هو ترتيب الفضيلة، فيخربط في هذا مثلا، فيجعل عليا أفضل من عثمان، يقولون هذا شيعي، أو يتشيع. وبعضهم يعد هذا مثلبة.
خارج هذا الإطار، في الاصطلاح، الشيعة، هم، إذا الشيعة على نحو الإطلاق، عادة ينظر إليهم على أنهم الإمامية أو الجعفرية. عندما يقال رأي الشيعة كذا، عقيدة الشيعة كذا، فالمقصود أولا وبالذات، الشيعة الإمامية، الذين يؤمنون باثني عشر إماما، وقد يعبر عنهم بالجعفرية، بالرغم من أن كلمة الشيعة تشمل أيضا بعض المذاهب التي لا تزال موجودة. مثل: الزيدية، ومثل الإسماعيلية. في بعض فرقهم، هؤلاء ضمن الشيعة بالمعنى العام. وهم الذين يؤمنون بعلي (ع)، وبالحسنين، ثم بعلي بن الحسين. وبعد ذلك، مثل الزيدية، يأخذون الإمامة في زيد الشهيد، والإسماعيلية يواصلون إلى الإمام الصادق، ومن الإمام الصادق يذهبون إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق. أيضا هؤلاء شيعة بالمعنى الأعم، تشملهم. ولكن الشيعة بالمعنى الأخص، وأحيانا إذا أطلق، لأنه صار علما على الإمامية، والجعفرية، يقال: هذا شيعي، يعني إمامي. إمامي، يعني جعفري، وهكذا، هذا في الاصطلاح الآن: ممن يقدمون عليا (ع) على سائر الخلفاء، ويرون أنه الأجدر بالخلافة، إما بالنصب والنص والتعيين، كما هو رأي الإمامية، أو بالإشارة وعدم التصريح، كما في بعض فرق الزيدية، وهذا يحتاج له حديث خاص.
كيف وجد التشيع ومتى وما هي المبررات؟
تارة نتحدث عن المبررات التي ترتبط بحديث النبي (ص)، وأخرى نتحدث عن تاريخ النشأة، وسنعرض إلى كل منهما بشكل مختصر. مبررات نشوء هذا التوجه، من أيام رسول الله (ص)، كما سيأتي في القضية التاريخية، أن فئة من المسلمين، الذين التفوا حول رسول الله، وحول علي بن أبي طالب (ع)، وعليهما السلام، رأوا أن هناك أحاديث عن النبي (ص) ملزمة لهم لا يستطيعون عنها محيدا. فمن ذلك، حديث الثقلين، الذي رواه المسلمون، بفرقهم المختلفة، يعني موجود في صحيح مسلم هذا الحديث، في مسند أحمد، في صحيح البخاري، بل نقل عن ابن حجر في الصواعق المحرقة، أن لهذا الحديث قريب من 20 طريق. وبالتالي يعتبر من الأحاديث القوية، ومن المتأخرين، صرح الباني أن هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة، وبأسانيده وبشواهده. وقد ذكرنا في وقت سابق ماذا معنى أن يكون الحديث صحيحا بالسند، وبالشواهد.
في هذا الحديث يصرح النبي، بأنه سيترك في الأمة، ويخلف في الأمة، ثقلين، إن تمسكت الأمة بهما، لن تضل من بعده أبدا. وأن هذين الثقلين لن يفترقا إلى يوم القيامة. عندما سمع من النبي بعض أصحابه، مثل هذا الحديث، وجدوا أن أعناقهم مرهونة، بهذا الحديث، ما يقدرون بعد يتحركون، لأن فيه نص، على أن النجاة متوقفة على الثقلين، لا على واحد منهما، لا على طريقة: حسبنا كتاب الله، وإنما على طريقة: ما إن تمسكت بهما، مو به. وهذا الفرق، ذا منهج، وهذا منهج آخر. هنا بهما، لن تضلوا. يعني لو تمسكتم بواحد منهما دون الآخر، ستضلون. لو لم تتمسكوا بأي منهما، أيضا سوف تضلون. الحالة الوحيدة التي ستحصل فيها النجاة وعدم الضلال، هو أن تتمسكوا بهما معا.
وأيضا فيه إشارة، إلى عدم الافتراق بينهما، ومعنى ذلك: عصمة العترة عن الخطأ، وعن الذنب، لأن أي خطأ في حكم شرعي، يعني الافتراق والانفصال عن القرآن. أنت تقول، أنه أنا أمشي على هذا الدستور، لو مرة وحدة خالفت، يقال لك: خالفت الدستور، وافترقت عنه، يقول النبي: لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. فلو حصل من واحد من العترة المقصودة، خلاف في حكم واحد للقرآن، فإنه يكون قد افترق وهذا ينتهي إلى تكذيب حديث رسول الله (ص)، وهو الصادق المصدق. فلن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وهناك بحوث كثيرة في قضية الثقلين، حديث الثقلين، بعضها يرتبط بالمهدي، بعضها يرتبط بالعصمة، بعضها يرتبط بموقع الأئمة والعترة من الإسلام، وغير ذلك، الآن لا نستطيع الحديث عنها كلها، ولذلك كان تركيز مرجع زمانه، السيد الطباطبائي البروجردي، رضوان الله تعالى عليه، السيد حسين، كان مرجع الطائفة في زمانه، قبيل زمان السيد الحكيم، رحمة الله عليه، كان تركيزه على هذا الحديث، وأنه يجب أن يركز على هذا الحديث، لأن المشكلة الأساس الآن في الأمة، هي مشكلة المرجعية الدينية، من أين تأخذ؟ الحديث هذا، يعين لها من أين تأخذ: من الكتاب، ومن العترة، عين لها، إلى يوم القيامة. هذا الأمر موجود.
مثل هذا الحديث جعل فئة من أصحاب رسول الله (ص)، يرون أن النجاة هي في الالتزام بالقرآن الكريم، وفي الانسجام مع العترة والأخذ منها. شافوا حديث آخر أيضا، وأحاديث أخر. مثل: حديث السفينة، "مثل أهل بيته فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق"، وفي بعض النسخ: "غرق وهوى". رأوا أن هذا التشبيه لم يأت من فراغ، الآن سفينة في البحر تنكسر، الغرق مو حتمي، ممكن تحصل لك لوح وتركبه، ممكن تحصل لك جذع وتركبه، ممكن كذا، لكن مع ملاحظة سفينة نوح، سفينة نوح النجاة فيها محصور بركوبها، حتى الجبل العالي، اللي بالمقاييس العادية أكثر أمانا من السفينة لا ينجي في ذلك اليوم. قال: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) القضايا العادية تفيد أن الجبل أكثر أمانا من السفينة، لأن الجبل ثابت، مستقر، السفينة ممكن تنقلب، الجبل ما ينخرق، السفينة ممكن أن تنخرق، بعدين لا يصل الماء إلى الجبل المرتفع، ممكن يغطي السفينة، لكن هناك قال: لا، النجاة، سبيل النجاة، في زمان نوح، في هذه القضية، فقط في ركوب السفينة، واللي يركب فوق أعلى جبل أيضا، ما يقدر ينجو، لازم فقط، في هذه السفينة. وشبه النبي (ص) أهل بيته بسفينة نوح، باقي السفن، ما تمشي هناك، باقي الجبال ما تنفع، باقي الأشجار اللي تركبها ما تفيد. إنما ينفع سفينة نوح، وشبه النبي أهل بيته بعده بسفينة نوح. ورتب عليها أن الوحيد اللي ينجو، من ركبها، من ركبها نجا، ومن لم يركبها لم ينج، من ركب غيرها لا ينجو.
فمثل هذا الحديُ، وغيره، مثل: "النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض" حصر قضية الأمن في الأرض بأهل بيته، الأمن الفكري، الأمن العقائدي، الأمن الديني، هذه الأحاديث وأشباهها وهي كثيرة، جعلت هذه الفئة من المسلمين، يلتفون إلى أن هذه العترة الممثلة الآن، في علي بن أبي طالب، هي الأحرى بالالتفاف، وهي الأحرى بالاتباع، وهي الأحرى بالطاعة، فالتفوا حول الإمام علي (ع) ووالوه، وأول تعبير عن مذهب وعن جماعة، قاله رسول الله في مقام المدح والثناء، كان التعبير عن شيعة علي (ع). لما نزلت هذه الآية المباركة: (أولئك هم خير البرية). (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)، قال: "علي، والذي نفسي بيده، أنت وشيعتك الفائزون".
فمن ذاك الوقت، عين النبي (ص)، وجود شيعة له، وأتباع، وجماعة يلتفون حوله، ووصفهم بالفوز، طبعا في نفس الوقت، عظَّم مسؤوليتهم. أكو قسم من الناس، يأخذ هذا على أنه مدح، ويفخفخه، وكشخة، وإي بعد، احنا ما ورانا شيء، لا، لا، ترا دير بالك، كل ما زاد وصفك، زادت المسؤولية عليك. تارة الإنسان يدعي يقول: أنا خريج ابتدائية، ما حد رح يسأله أسئلة من الجامعة، صحيح؟ لكن، إذا قال: أنا إنسان جامعي، خل يبرز نفسه إلى أسئلة صعبة. فإذا قال: أنا دكتور، يخلي نفسه، كل ما عظَّمت الصفة، لازم تتوقع شنو؟ مسؤولية أكبر. إذا قلت أنا من شيعة علي، هذي مرتبة مو مرتبة سهلة، يقول: الفائزون، ولكن الفائزون مو بالكلام، وإنما تطلب منك ميزات عظيمة وكبيرة، وهذا ما فهمه العارفون المؤمنون.
بعض أصحاب الإمام الصادق (ع) في زمان الإمام الصادق، من خيرة الرواة، نظير محمد بن مسلم الثقفي وأمثاله، طيب، علماء، جهابذة، ومتورعون، راحوا يشهدوا في قضية، عند ابن أبي ليلى، ابن أبي ليلى الأنصاري، هذا كان صاحب مذهب، كان مزامن لأبي حنيفة، بس مذهبه اندثر كباقي المذاهب. وكان بينه وبين أبي حنيفة، نقاشات وكلام، وأخذ ورد، ومذهبه كان من ضمن المذاهب الممنوعة والمنقرضة. هذا كان قاضي في زمان الكوفة، فذهب اثنان من أصحاب الإمام الصادق (ع) نظراء محمد بن مسلم الثقفي وأمثاله، فذاك القاضي، لأي سبب، رد شهادتهما وقال: شيعيان، فاطميان، علويان، لعل القضية كان أيضا لواحد من الشيعة، فما قبل شهادتهما. أحدهما تأذى، وحزن، وبين عليه هذال أمر، فهذا التفت إله، وقال له: هالسا ما خسران شيء أنت، إنما ردت شهادتك، ما سوينا لك شيء، قال: لا، أنا مو لأن شهادتي ردت، حزين وزعلان، وإنما لأنك نسبتنا إلى أناس هم أعلى مما نحن عليه، أنت تقول أن هذولا فاطميان، علويان، شيعيان، هذولا الشيعة الفاطميين، العلويين، من أعلى الدرجات، احنا مو هذا المستوى، احنا مو هذا المستوى، احنا زعلانين ليش خليتنا في رتبة مو رتبتنا، احنا أنزل بكثير من ذلك، هذا مع أنهم رواة وفقهاء وإلى آخره.
على أي حال، فهالفئة من الناس، في زمان رسول الله (ص) رأت أن مثل هذه الأحاديث، وهذه الروايات، الإشارة الدائمة إلى أمير المؤمنين (ع) بأنه هو الوصي، وبأنه هو الخليفة، وبأنه منهج الهدى، وبأنه، وبأنه، بالإضافة إلى دوره، جعلت هؤلاء يلتفون حول الإمام سلام الله عليه. وتكاثروا هذولا، حتى، لقد عد، الدكتور المرحوم، الشيخ الوائلي، رضوان الله تعالى عليه، في كتابه، هوية التشيع، وهو كتاب قيم. الشيخ الوائلي معروف، بخطابته البارعة المتقنة، رضوان الله تعالى، نفع هذا المذهب نفعا عظيما جدا. أيضا له كتب ليست في الاشتهار بمثل اشتهار خطاباته، ولكن بعضها قيم، مثل كتاب هوية التشيع، يذكر فيه: أن في تلك الفترة، المحسوبون على علي (ع)، قد يصلون إلى 130، شخص، كانوا معروفين، هذولا جماعة علي بن أبي طالب، والتفوا حوله. وبعضهم لما صار قضية الخلافة، وولي غير علي (ع)، بعض هؤلاء، كما تثبت التواريخ، جاؤوا واحتجوا في المسجد على الخلافة الأولى، وتكلموا هناك، على أن الإمام هو الأولى بالخلافة والأجدر بها، أنه محل اهتمام رسول الله، لذكره الشرف والصلاة. اللهم صل على محمد وآل محمد.
أشار النبي (ص)، في أكثر من حديث مخاطبا أمير المؤمنين (ع)، بعنوان: شيعتك. كما في هذه الآية، عندما نزلت، قال: " يا علي أنت وشيعتك الفائزون"، جعلنا الله وإياكم من هؤلاء، والسامعين.
أيضا في حديث آخر، يتحدث عن يوم القيامة، يقول: "يا علي، أنت وشيعتك على منابر من النور في يوم القيامة"، طبعا هذه تحتاج إلى جهد، كما قلنا، وسعي، وأن يصعد الإنسان بأخلاقه وعلمه، وعبادته، وورعه، إلى هذا المستوى. فبدأ هذا الجمع، شيعة علي (ع)، يتكون بالتدريج. يلتف حول الإمام، وكلما صارت حادثة من الحوادث، كان هذا الجمع، يعرب عن نفسه في ولائه لأمير المؤمنين (ع).
سنوات الخلافة، قبل أمير المؤمنين (ع)، كانت تبرهن، بما احتوت من مشاكل وأمور، على أنه لو قلدوها علي بن أبي طالب (ع)، لسارت الأمور، كما تقول فاطمة الزهراء، "سيرا سجحا"، كانت تصير مشاكل فقهية، يصعب عليهم التعرف عليها، إلا علي (ع). مسائل مختلفة، حدود، غير ذلك، وكان المجيب فيها، في كلها أمير المؤمنين، وإذا أجاب غيره أيضا، لم يُعلم أن إجابته كانت صحيحة أو لا. حتى إذا جاء علي (ع)، كان صاحب منبر: "سلوني قبل أن تفقدوني". فهذا الجمع، صار حول الإمام سلام الله عليه. بدأ يتشكل في الأمة، تيار معروف، أن هذا يقتدي بعلي، ويقتفي إثر علي (ع)، ويأخذ من علي (ع)، إلى أن صار وقت خلافة الإمام صلوات الله عليه. حتى بعض الذين مثلا ثاروا في عهد الخليفة الثالث، كان الخليفة الثالث يريد من علي أن يتوسط بينه وبينهم، لما له من تأثير ولو معنوي، على بعض هؤلاء. هالسا هذولا لم يكونوا بمعنى شيعة علي، بالمعنى المصطلح، ولكن كان مكانة علي (ع)، ووجوده، كان من الممكن أن يؤثر في تهدئة الأمور، وبالفعل حصل هذا من الإمام سلام الله عليه، إذا صار فرصة إن شاء نتحدث عن تفاصيل هذه الفترة التاريخية.
صارت خلافة الإمام سلام الله عليه، وما إن بدأ، حتى قام الحلق القرشي، الذي كان من البداية ليس مع علي بن أبي طالب، ولم يكن ينظر إليه بعين الرضا، أساسا، نفس كلام النبي، أيها الأخوة، لما يجي يقول: "من ركبها"، "ومن تخلف" هذا معناه: أكو فئتين في الأمة. إما الآن أو بتصير بعد شوي. صحيح ولا لأ؟
لما يقول: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي، معنى ذلك: أن هناك من يختار التمسك، وهناك من سيختار التمرد. طيب. أمان لأهل الأرض، سيكون هناك من يتخذهم معتصما وأمانا، وهناك من لن يشير إليهم، ولن يعتني بهم. وهذا بالفعل هو الذي صار. لكن في زمان الإمام (ع)، تحول هذا، إلى شيء أكثر من مجرد عدم الإيمان، بالإمام علي (ع)، وبتوجهاته إلى حالة حرب أعلنت عليه، فقاسطون، ومارقون، وناكثون، وغيرهم، كما تحدث صلوات الله عليه، في الخطبة الشقشقية، المعروفة، إلى هنا، كنا في المرحلة الأولى لتشكل وتكون هذا الاتجاه في الدين، الاتجاه في الإسلام، ما عرف فيما بعد بالولاء لأهل البيت (ع)، التشيع لعلي (ع) وذريته، في مقابل من لم يصنع ذلك، هاي كلها كانت المرحلة الأولى.
المرحلة الثاني، اللي كانت مؤثرة في هذا التوجه بشكل واضح، كانت شهادة الإمام الحسين (ع)، وما أعقبها وما لازمها من أحداث. هذا الحدث اللي صار، شهادة الإمام الحسي، على يد الخلافة، اللي يفترض أنها تنتمي إلى رسول الله (ص)، يفترض أن هذا البناء على ذلك الأساس، وإن كان تأسيس رسول الله (ص): عترتي أهل بيتي، ووين صار البناء الذي بني عليه. وين سفينة نوح، ووين واقعة كربلاء. كان من الواضح أن الاتجاه الرسمي الذي لم يكن على انسجام تام معه، ولاية أهل البيت (ع)، والتشيع لعلي، كان من الطبيعي أن يمشي في المسار الذي مشى فيه إلى أن وصل إلى معاوية، ومعاوية يوصلها إلى يزيد. هذا التسلسل طبيعي تماما.
المشكلة أنت عندما تلف بمقدار 10 سنتمتر، ثم تسير 60 سنة، لا تتصور أن هذي اللفة تبقى فقط 20 سنتمتر. لا، رح تصير مئات الكيلومترات. أنت الآن تمشي في طريق، تنحرف بمقدار بسيط، تطلع عن الشارع، وهذا تظل ماشي فيه، أول ما تطلع، تطلع بمقدار نص متر عن الشارع، ولكن بعد ما تمشي 300 كيلو رح تشوف نفسك جدا بعيد عن الطريق الأصلي. أول ما تترك علي بن أبي طالب وتنعطف يمينا أو شمالا، بعد 60 سنة، لازم تتوقع أن حاكم المسلمين هو يزيد بن معاوية، هذا طبيعي. وبعد 70 سنة، يصير الوليد بن يزيد المتهتك. وهكذا. هذا أمر طبيعي. فكان زمان الإمام الحسين (ع)، ونهضته المباركة.
هذه النهضة جاءت بقضية التشيع لأهل البيت (ع) في الواجهة خلتها، خلتها في محور الاهتمام، التنقل اللي صار، بالسبايا، نقل القضية، من أنها كانت في حدود المدينة، وربما في الكوفة أيضا في زمان علي بن أبي طالب، صارت الآن، في كل العالم الإسلامي، والقضية أصبحت محل حوار ونقاش عند الجميع، وهذا جر إلى الحديث عن التشيع لأهل البيت (ع).
في نفس الوقت، كان هناك الاتجاه الآخر الرسمي للخلافة، سادرا في موبقاته، لا سيما مع يزيد، ومن بعده ممن جاؤوا. الأئمة (ع)، من زمان الإمام الحسين، إلى نهاية الإمامة، رأوا أن المشكلة الحقيقية في الأمة، هي مشكلة دينية، يعني أصل الاتجاه، اتجاه غير صحيح. أنت تجي تصلح الحكومة فوق، ولكن المنهج الفقهي، غير صحيح، المنهج العقائدي غير صحيح، التربية الروحية غير صحيحة. لازم أنت تعيد بناء الأمة، من هناك. في منهجها الفقهي، في منهجها الكلامي، في تربيتها الروحية والأخلاقية. وهذا ما مارسه الأئمة (ع)، بدءا من الإمام زين العابدين (ع).
الإمام زين العابدين، اشتغل كثير في الجانب العلمي، جدا كثير، وأثر أيضا على بعض فقهاء المدارس الأخرى، بمقدار من المقادير، غير توجهه الروحي، غير ما أبداه من آراء في الموضوع العقيدي، شرحوا كلمات أمير المؤمنين (ع) التي لم تجد لها مشترين كثر في زمانه، الآن دا يعيدوها أئمة أهل البيت (ع)، ويبنون عليها منهج عقائدي وإيماني سليم.
فيما يرتبط بقضية الاتجاه الروحي والأخلاقي، وبناء النفس، الأمر مع زين العابدين واضح، وعادة الأخوة المؤمنون يستمعون إلى مثل هذا الحديث في مناسبة زين العابدين سلام الله عليه. استمر هذا، تطور في زمان الباقرين، والكاظم، والرضا، في الموضوع العلمي. انتشر عنهم العلم بشكل كبير جدا، والغرض منه كان تصحيح هذه القاعدة العلمية، لا أقل، إذا مو كل الأمة تلتزم بهذا المنهج، على الأقل يكون هناك منهج رديف، لا يصير الأمة، كلها تصير ذات منهج واحد، وذاك المنهج الواحد منهج غير صحيح. في الفقه عنده عثرات، في العقائد عنده عثرات، في التربية الروحية عنده عثرات. لو لم يقم الأئمة (ع) بمثل هذا الأمر إلى زمان الإمام الحجة، عجل الله تعالى فرجه الشريف، لكانت هناك نسخة واحدة للإسلام هي النسخة الرسمية التي أشاعتها ونشرتها مؤسسة الخلافة الرسمية، وهذا فيه مشكلة كبيرة جدا. الأئمة (ع) حاولوا أن يؤثروا في اتجاه الأمة ككل. فانفتحوا حتى على بقية الفقهاء، وهاللي تسمعونه مثلا، من كلمات بعض الفقهاء، في تعظيم شأن الأئمة الباقر، والصادق، والإمام زين العابدين، وغيرهم، وأن هؤلاء كانوا علماء، وذاك يقول: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد. كان محاولة أيضا، لكي يبني الأئمة لأولئك، أيضا منهجا سليما. كان يبينون خطأ تلك الأفكار، إن أفلحوا، فبها المراد، إذا ما أفلحوا، فهو عندهم منهج أهل البيت منهج متمايز، منهج معروف، وواضح، ليس جزءا من هذا المنهج الذي تروج له مؤسسة الخلافة الرسمية وتشيعه، هذي نسخة أخرى، غير تلك النسخة، وهي النسخة التي تنسجم مع: لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
استمر هذا، في حديث مفصل، لا يتسع إليه، إلى أن صرنا في زمان الإمام الحجة (عج)، الآن هناك مرحلة جديدة، بعد أن كانت المرحلة السائدة أن الشيعة يتعاملون مع إمام حاضر ظاهر، يباشرونه أسئلتهم وقضاياهم، الآن ستقتضي الظروف، أن يتعاملوا مع نواب خاصين، للإمام، الذي لم يباشرون السؤال منه، فصارت فترة الغيبة الصغرى وعين فيها أربعة من السفراء الخاصين بأسمائهم، وبأعيانهم، حتى إذا انتهت هذه الفترة، 69 سنة، بعد هذه الفترة صارت مرحلة النيابة العامة، بعد الآن، ماكو نائب خاص، وشخص معين، وإنما من كان الفقهاء، صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه.
فإجت فترة العلماء والمراجع المحدثين، تأسيس البنية الجديدة للتشيع، على أساس الارتباط بالمرجعية الدينية العامة، عن الإمام المعصوم (عج). فصرنا في زمان الشيخ الكليني رضوان الله تعالى عليه، متوفى في نفس فترة الغيبة، وكان يرجع إليه الناس، الكليني صاحب كتاب الكافي، في نفس الفترة كان أيضا، الفقيه العماني، الشيخ أبو الحسن، العماني، رضوان الله تعالى عليه، واللي كان إذا واحد أراد أن يذهب إلى الحج، من خراسان، كان يستصحب معه كتاب المستمسك، بحبل آل الرسول، وهو كتاب مناسك الحج على طبق فتاوى الفقيه العماني. كانوا يأخذونه ككتاب منسك للحج، يذهبون ويحجون على طبقه، هذا بحدود سنة 310، 315، هجرية. كما تشير بعض التواريخ، وبعده كان الشيخ الصدوق، اللي صارت عنده حالة مرجعية واسعة، وكبيرة، يظهر من خلال الرسائل اللي ترسل إله، أنه كان كذلك، وقبله الشيخ المفيد، أيضا نفس الكلام، فهذا كان الفترة.
أيضا، شهدت هذه الفترة، قيام عدد من الدول المتأثرة، بالتشيع، إما بالتشيع الإمامي، أو بأحد فروعه، مثلا، الدولة البويهية، التي كانت دولة شيعية، أول من أظهر، حتى في مثل بغداد، غير خراسان اللي كانت تحت يدهم، وإيران بشكل عام، وصل نفوذ البويهيين إلى بغداد، وفي بعض هذه الفترات، أظهر شعار التشيع، في مناسبات مثل الغدير، وفي مناسبات الحزن، مثل: عاشوراء، العزاء، والسواد، وتعطيل الدكاكين، وغير ذلك، وفي نفس الوقت، حافظوا على أن بقية المذاهب أيضا تكون غير مضطهدة وغير مظلومة، وهذا مما يحسب  من حسنات البويهيين، حتى هذي الفترة يسميها أحد المستشرقين، وهو آدم ميتز، في كتابه، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، يقول: هذي فترة النشاط العلمي الكبير والحرية الفكرية، الكل قاعد يشتغل فيها، من حنابلة، ما حد قاعد يوقف قدامهم، شوافعة ماحد يوقف قدامهم، أحناف ماحد يوقف قدامهم، الشيعة ماحد يوقف قدامهم، موالك، المعتزلة، غير هؤلاء، الكل كان يشتغل في مجاله، فكانت فترة ازدهار، في هذه المنطقة. وهذا من نتائج ترى الحرية، إذا أتاحت السلطات السياسية حرية للمذاهب ضمن ضوابط معينة، الكل ينتج علم من جانبه، فالدولة البويهية كانت، وهي شيعية، عند بعض الباحثين زيدية، ولكن على الأكثر الباحثين يذهبون إلى أنهم إماميون.
غير هذولا، كان في حلب والموصل، شمال سوريا، والموصل في العراق، كانت دولة بني حمدان، بدأوا من أواخر 290، واستمروا أقل من 100 سنة، وكانت هذي فترة الحمدانيين، لا سيما سيف الدولة، وأمثاله، أيضا، فترة مزدهرة من الناحية العلمية، وكانوا شيعة إماميين أيضا، في نفس هذه الفترة، كان هناك الدولة الفاطمية اللي بدأت من المغرب، ثم تمددت إلى أن وصلت إلى القاهرة، وأسسوا الجامع الأزهر، وسائر العمارات العلمية والثقافية في مصر، ثم وصلوا إلى دمشق، وكان في أيام الفاطميين، أحد القضاة، والقاضي النعمان المصري، صاحب كتاب دعائم الإسلام، فتاواه هي فتاوى إمامية، لكن النظام العام في الدولة الفاطمية، ينتمي إلى الحالة الإسماعيلية، وبقوا فترة طويلة من الزمان ضمن هذا الإطار، إلى أن جاء الأيوبيون وأزالوهم.
في شمال شرق إيران، في طبرستان، قيلان، مازندران، هذه المنطقة أيضا، قامت دولة زيدية. بعض أجداد الشريف المرتضى، هو من تلك الأسرة التي قامت وحكمت، ولهم أيضا فضل في نشر جانب من ثقافة هذا المذهب هناك. هذا وغيره من الأماكن، شهدت تلك الفترة، فترة، انتشار للمذهب الشيعي في العالم الإسلامي وصار معرفة إله على مستوى أن دول تتعرف عليه بهذا المقدار وأن يكون حرا في الحركة بهذا النحو. هذا فد صورة إجمالية، طبعا، تعلمون أن الحديث عن 300 سنة أو 400 سنة في خلال 50 دقيقة، أكثر أو أقل، أمر ليس باليسير، إذا واحد أراد أن يعطي البحث حقه، ولكن كما يقولون لا يترك الميسور بالمعسور، إن شاء الله يكون في هذا كعناوين رئيسية، مفاتيح لمن أراد أن يطالع بعض الكتب النافعة والمفيدة، أشرنا إلى كتاب الشيخ الوائلي، كتاب معالم المدرستين للسيد العسكري، وغير هذه الكتب، مما هي كتب نافعة وكثيرة، الحمد لله، وهي موجودة على الانترنت، وفي المكتبات موجودة، ويحتاج الإنسان المؤمن أن يثقف نفسه أيضا. الثقافة جزء من العبادة. المعرفة الدينية جزء من العمل الديني الذي يقوم به الإنسان، لا تتصور أنه إذا انشغلت بعمل عبادي بالمعنى الخاص، أو تنشغل بعمل علمي يعرفك دينك، فقهك عقائدك، الاتجاه الروحي في هذا المبدأ، تاريخ هذا المبدأ، لا تتصور أنه أنت لا تقوم بعمل عبادي، تقول مثلا، أروح أنا أسبح أحسن، هذا عبادة، وهذا عبادة، حتى أنه نقل عن بعض علمائنا، كالشيخ الصدوق، رضوان الله تعالى، أنه كان ينصح ليلة القدر بالانشغال بالعلم وأنه أفضل من غيره، هاي ليلة القدر التي يرجى فيها ما يرجى، يقول: روح انشغل بالعلم، طيب، وهذا يشير إلى عظمة هذا الجانب الإنسان الشاب، الشابة، مطلوب منه أن يخصص جزء من وقته، جزء من عمره، لكي يتعرف على معالم دينه، على تاريخ عقيدته، على ما يرتبط بأمره الأخروي، فإن هذا قد قدم فيه من التضحيات مما لا عد له ولا حصر.
فيما قتل أهل البيت (ع)؟ من اجل مال؟ اللهم إنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا لشيء من فضول الحطام، هذا الحديث، هم منقول عن أمير المؤمنين (ع)، وهم عن الإمام الحسين، "ولكن لنرُدَّ المعالم من دينك"، أو "لنَرِدَ المعالم من دينك" على اختلاف التفسيرين، وتقام المعطلة من حدودك، يعني احنا، هاي التضحيات والأعمال اللي سويناها، مو على أساس نحصل سلطة، ونحكم كم يوم، ما قيمة هذه إلا أن أقيم حقا أو باطلا، أو أدحض باطلا، كما يقول أمير المؤمنين (ع). فإذن هالتضحيات قدموها أولئك، حري بنا نحن على الأقل، أن نتثقف بها، أن نتعرف عليها، أن ننظر إليها، حتى نحمد لهؤلاء صنيعهم، وحتى نترحم عليهم وعلى أفعالهم، ونسأل الله أن يوفقنا للاقتداء بهم.
هذا الحسين سلام الله عليه، وقد أعطى ربه كل شيء.

مرات العرض: 3438
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 57689.26 KB
تشغيل:

25 الصابئة عقائدهم والموقف الاسلامي منهم
الشيعة ونهاية الخلافة العباسية سقوط بغداد 14