25 الصابئة عقائدهم والموقف الاسلامي منهم
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 25/9/1437 هـ
تعريف:


25 - الصابئة عقائدهم والموقف الإسلامي منها


تفريغ نصي الفاضل/ لؤي يوسف طرَّادة

 تصحيح الأخ الفاضل سعيد ارهين

التعريف اللغوي والاصطلاحي للصابئة : الصابئة لغةً : من (صبأ) ؛ يعني انتقل من دين إلى دين آخر .

الصابئةُ اصطلاحًا: تُطلق على جماعةٍ يؤمنون بعقائد معينة ويتواجدون في مناطق محددة .

ــــــــــ
الصابئة من الديانات التي توجد في العالم الإسلامي ولها أتباع ، ولها أيضًا شبهة كتاب سماوي .

ليس لهم تعداد كبير في العالم . يتواجدون بمحاذاة بعض المياه الجارية ؛ لارتباط ديانتهم بموضوع الماء الجاري ؛ إذ إنّ تواجدهم بشكلٍ أساس في مناطق شاطئي نهر الفرات ودجلة بالعراق . ولهم تواجدٌ في منطقة الأهواز الإيرانية على ضفاف نهر (كارون) . وكذلك لهم تواجدٌ – بحسب ما نُقل - قرب نهر (بردى) بالشام .

ورد ذكرُ (الصابئين) في القرآن الكريم ثلاثَ مرات ؛ ذُكروا في آيتين بأنهم من ضمن الذين لهم  أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ، وفي آية ثالثة ذكروا باعتبار أنهم من ضمن الذين سيفصل الله بينهم يومَ القيامة إلى جانب اليهود والنصارى والمجوس .

يقول الله تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" البقرة 62

نحصر أسئلة البحث في الآتي :

أولاً : هل في الآية الكريمة السابقة دلالة على جواز التعدّد الديني ؟

ثانيًا : ماهي العقائد الأساس للصابئة ؟

ثالثًـا : ما هو الموقف الإسلامي من دين الصابئة ؟

أولاً : في شبهة دلالة الآية على جواز التعدّد الديني :

ظاهرُ الآية الكريمة أنّ المؤمنين من أتباعِ الشريعة المحمدية ، واليهود ، والنصار ، والصابئين ؛ مُبشرون بالفوز يومَ القيامة ؛ لا يصيبهم حزنٌ ولا خوفٌ ؛ وبالتالي – حسب الظاهر – يمكن لليهودي والنصراني والصابئي البقاء على ديانته ؛ وضمان النجاة في الآخرة .

ردّ الشبهة :

 صريح الآية الكريمة في قوله تعالى : ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))آل عمران:85
1.دعوةُ النبي – صلّ الله عليه وآله – لليهود والنصارى للدخول في دين الله الخاتم ؛ إذ لو كان بقاؤهم على دينهم ينجيهم لكانتْ دعوتهم إلى غير دينهم فضلةٌ ، بل لغو .

وفي الجمع بين الآيتين ، نستعرض تفاسير الآية الكريمة : (( إنّ الذين آمنوا والذين هادوا ... ) . البقرة 62

التفسير الأول: تتحدث الآيةُ عن المؤمنين والمسلمين حاليًا، وعن اليهود والنصارى والصابئة قبل بزوغ شمس الإسلام .

أي أنّ أصحاب الديانات المذكورة – ممن لم يُدركوا الإسلام – إنْ آمنوا بالله وباليوم الآخر وعملوا الصالحات ؛ فهم موعودون بالفلاح والفوز يومَ القيامة .أما مَن أدرك الإسلامَ منهم أو وُلد في زمان الإسلام ؛ لا يسعه – إنْ أراد النجاة - إلا اتباعُ الإسلام .

 ومما يؤيد هذا التفسير ماورد من سبب نزول الآية المباركة ؛ إذ كانت جوابَ السماءِ على سؤالٍ وجهه سلمانُ المحمدي (رضوان الله عليه) للنبي ( ص ) لخصوص نجاةِ أو هلاك أتباعِ الدياناتِ السابقة( اليهود والنصارى والصابئين) ممن لم يدركوا بعثة النبي ؛ فكان نزول الآيةِ تقريرًا أنّ أولئك إنْ صدقَ إيمانهم بالله وباليوم الآخر وجمعوا مع ذلك الصالح من العمل فهم في ركبِ الناجين يوم القيامة .

 التفسير الثاني: مؤداه أنّ إيمانَ النصارى واليهود والصابئة بالله واليوم الآخر ؛ يقتضي ويستلزم التصديق بنبوة محمد (ص) ؛ ذلك أنّ كتبهم السماوية غير المحرّفة تُبشّر بولادة الدينٍ الذي يختم الله به الأديان ، ويكون مهيمنًا عليها ، وتذكرُ صفات النبي المبعوث بذلك الدين . وعليه... فإنّ المدار والمعوّلَ ليس على إدّعاءِ الإيمان بدينٍ من الأديان ؛ إنّما المدار على الإيمان الحقيقي الذي يقود إلى الالتزامِ بتعاليم ووصايا ذلك الدين.

 نخلص إلى أنّ الآية بعيدةٌ عن أيّ دلالة على إجازة التعددية الدينية ؛ وإنّما مجالُ حديثها عن أولئك الذين قضوا قبل بعثة النبي – ص- وهم مؤمنون بالله واليوم الآخر وكان عملهم صالحًا .

أمّا بالنسبة للمعاصرين للإسلام منهم ؛ فلابد أنْ يدخلوا في دين الله الخاتم ؛ إذ إنّ شريعة الإسلام نسختْ الشرائع السماوية قبلها .

قال تعالى : "فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا" البقرة  137

 ثانيًا : العقائد الأساسية للصابئة :

                            عقائدهم التي تتوافق مع عقيدة المسلمين :

1.الاعتقاد في الله :

يؤمنون – بحسب حديثهم - بالإله الواحد الأحد الذي لا مثيلَ ولا نظيرَ له ، والذي ليس بجسم .

    بيانٌ لابدَّ منه :

تقديس الصابئةُ للكواكب: يقول بعض الكتاب : إن الصابئةيُقدّسون الكواكبَ والنجوم والأفلاك ، وينسبون إليها تدبير الكون ؛ من مطرٍ ، ورزقٍ ، ويستفيدون من حركتها في استشرافِ المستقبل. وعلى الرغم من أنهم ينكرون عبادة تلك الأجرام والأفلاك ؛ إلا أنّ ممارستهم تجاهها ولّدتْ عند بعض المسلمين فكرةً مفادها أنّ الصابئةَ يعبدون الكواكب و النجوم . لكن الصابئة ينفون ذلك بقوة .

نظرتهم للملائكة : يقدسونهم، وينسبون إليهم بعض الأمور الكونية، و يذكرونهم بأسمائهم في أدعيتهم .

 التعاليم الأخلاقية والدينية :

تشريعات الصابئةِ- في هذا المجال - تتفق كثيرًا مع المسلمين ؛ ففي الحياة الزوجية وبالتحديد في العلاقات الجنسية ؛ يحرمون اللواط والزنا ، ونكاح المحارم ( الأم والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ... ) .

وفي ما يرتبط بصيانة النفس المحترمة وتحريم قتلها والاعتداء عليها ، والنظرة إلى الصدق ، وحرمة الكذب والأمانة.... ؛ ذلك أنّ هذه التعاليم الأخلاقية أمورٌ مشتركة بين الديانات السماوية جميعها .

          العقائد التي تخالف عقيدة المسلمين :

 ذبح الحيوان:

يتأففون من ذبح الحيوان حلالَ الأكل ، ويعتبرونه شيئًا غيرَ جيدٍ ، وغيرَ محبّذ . وإذا أرادوا أن يذبحوا حيوانًا استغفروا ربهم ؛ وكأنهم يمارسون اعتداءً على هذا الحيوان .

ويتوجه الصابئةُ في ذبحهم ، وفي صلاتهم -التي يؤدونها في ثلاثة أوقاتٍ بأذكارٍ مخصوصة - جهةَ الشمال . ولهم في ذلك فلسفة خاصة .

الماء والطهارة والتعميد :

الماءُ الجاري بارزٌ في عقائدهم ؛ كماءِ النهرِ أو البحرِ . أمّا مياه الإسالة فغيرُ مجزيةٍ  ، وهذا - ربما - أحدُ الأسباب التي جعلت بعضَ أتباعِ هذه الديانة ينفضوا عنها ؛ لِما في لزومِ الأنهارِ وتكرار الغطس من حرجٍ ومشقة ، خاصةً على من نزحوا إلى المدن وألِفوا الحياة الحضرية .

ويعتبرُ الصابئةُ قضيةَ التعميد قضيةً مهمةً جدًا ؛ لايكون الواحدُ منهم مؤمنًا متدينًا دون أنْ يُعمّد .

والتعميد عند الصابئة لابدّ أن يكون بواسطة الكاهن أو رجلِ الدين ؛ إذ يأتي الواحدُ منهم ( رجلاً كان أو امرأة ) وهو لابسٌ ثيابًا بيضاءَ وينزل في الماء ،ويتولى الكاهن تعميده والمسح على وجهه وجبينه ورقبته ورأسه .

     ثالثًا :الموقف الإسلامي العام من الصابئة

                       ثلاثةُ آراءٍ حول عقائد الصابئة :

الرأي الأول فيهم :( رأيٌ لبعض مراجع التقليد المعاصرين ويتوافق مع رأي مدرسة الخلفاء )

مؤدّاه أنّ الصابئة أهل كتاب سماوي - سواءً كان محرَّفـًا أو غير محرفٍ -  فالقران عدّهم من ضمن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ، وذكرهم في سياق الحديث عن أهل الكتاب.؛ لذا يترتب عليهم الأحكام التي تترتب على اليهود والنصارى ؛ من أنهم محكومون بالطهارة ، وأنّ التعامل معهم و ملامسةِ أجسامهم لا تنجب نجاسة.

ولهم مجال إقامة شعائرهم ومراسمهم الدينية في البلاد الإسلامية ، ويجوز نكاح نسائهم من المسلمين .

الرأي الثاني:

ينزعُ إلى الاحتياط في التعاطي معهم ، لسبب عدم وضوح عقيدتهم ؛ فهم في الوقت الذي يوحدون الله ؛ تظهر منهم أمورٌ منكرةٌ من الاتجاه ناحية الشمال حال الذبح والصلاة ، وتقديس الكواكب .

ومن هنا فترك الزواج منهم - مثلاً - أحوط .

 الرأي الثالث:

ينظر للصابئةِ باعتبارهم قسمين :

 الأول : الصابئة المندائيون : ديانتهم واضحةٌ ، يعبدون الله تعالى ، ولهم صلواتٌ وأذكارٌ خاصةٌ ، ويصومون ثلاثين يومًا موزَّعةً على السنة كاملةً .

يعتقدون بالآخرة ؛ ويطلقون على الجنة (عالم النور) ، وعلى النار (عالم الظلمات) .

فهؤلاء – بحسب أصحاب هذا الرأي - فرقة مسيحية يكتنف عقائدها بعض الغموض . ويتواجد المندانيون في العراق وجنوب إيران .

 الثاني : الصابئةُ الحرانيون : عقائدهم عبارةٌ عن خليطٍ من عقائدَ يهوديةٍ ومسيحيةٍ ، وأفكارٍ وثنية . لا يمكن إدخالهم في أهل الكتاب ، وبالتالي لا تُجرى عليهم أحكام أهل الكتاب .  يسكنون حرّان من بلاد الشام .

 التعايش مع الصابئة :

 الاحترام والتعايش مع المخالفين لا ضيرَ فيه ؛ خاصةً إذا كان المخالف ممن يتحلّى بميزاتٍ وأخلاقٍ عالية .

ولقد ضربَ لنا الشريفُ الرضي – أعلى الله مقامه – وإبراهيم الصابي ، مثلاً في التعايش والاحترام المتبادل .

كان إبراهيم الصابي حسنَ العشرة ، أديبًا مثقـفًا يحفظ القران ، ويصوم شهر رمضان مع المسلمين ، على الرغم من أنّ صيام الصابئة كان ثلاثين يومًا موزّعةً على السنة وفق نظامٍ معين . فنشأت بين الشريف الرضي وبينه صداقة عظيمة ، دلّ عليها وعلى العلقةِ القوية التي جمعت الرجلين المبرّزين ؛ الرثاءُ الذي سجله الشريف الرضي في حقّ إبراهيم الصابي في قصيدةٍ خالدةٍ ... مطلعها :

 أعَلِمْتَ مَنْ حَمَلُوا عَلى الأعْوَادِ       أرَأيْتَ كَيْفَ خَبَا زنادُ النَّادِي

 

مرات العرض: 3415
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2555) حجم الملف: 49160.81 KB
تشغيل:

13 رمضان / الانجيل في المسيحية وعقائدها
التشيع من التأسيس إلى نهاية القرن الرابع 13