فهم الحديث ودوره في ثقافة الأمة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/1/1438 هـ
تعريف:

فهم الحديث و دوره في ثقافة الامة

تفريغ نصي الفاضلة ازهار نجيب
تصحيح الفاضلة أفراح ال ابراهيم
قال الله العظيم في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم ( و ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إنّ الله شديد العقاب )1.
وقال سيدنا و مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله ( إني مخلّف فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا من بعدي أبدَا كتاب الله وعترتي أهل بيتي )2 . صدق الله العظيم و صدق النبي الكريم.
حديثنا بإذن الله تعالى سيكون بعنوان ( فهم الحديث و دوره في ثقافة الأمة ) حيث يظهر في الآونة الأخيرة الانفتاح  على المصادر الحديثية من قبل أبناء الأمة ، وهذا يلحظ في المدرسة الإمامية كما يلحظ أيضًا في مدرسة الخلفاء.
نحن نتلقّى يوميًا الكثير من  الأحاديث و الروايات حول مختلف المسائل وغالبًا عندما يذكر حدث من الأحداث أول ما يتبادر إلى الذهن أن ينظر إلى التراث الحديثي هل تحدّث عنه أم لا ؟ فيستدعى ذلك التراث من المصادر الحديثية و يحاول تطبيقه على هذه القضية أو تلك ، هل هذا الأمر شىء حسن و جيدٌ أم لا  ، و إن كان جيد هل هو على نحو الإطلاق  حسن  أم لا .
 لاريب أنّ الانفتاح على القرآن الكريم مطلوب من المؤمنين وهي دعوة الله عز وجل لهم أن يقرؤوا القرآن الكريم بتأمل ، وأن يكثروا من التدبر في معانيه و آياته ، و هكذا الحال  بالنسبة لما صحّ من أحاديث رسول الله ، فقد حثّ على مطالعتها وحفظها ونقلها وقد  أكّد على استحباب هذا الأمر ،
وكذلك بالنسبة لحديث المعصومين عليهم السلام إذ أنّ كلام المعصوم شارح للقرآن الكريم ومفسّرٌ ومبيّن لما هو مجمل ومبهم  فيه ، بل إنّ أحاديث أهل البيت عليهم السلام تفتح تلك القضايا التي يعرضها القرآن الكريم مجملة وتتعرّض لها على التفصيل وفيها أبواب من العلم كثيرة ، إلا أنه ينبغي أن لا يكون هذا على نحو الإطلاق و في كل شئ حيث أنّه يوجد في الحديث ما هو متشابه كما يوجد في القرآن متشابه .
حيث وردت الآيات تؤكد أنّ فيه آيات محكمات و أخر متشابهات ، لذا نجد أنّ مرضى القلوب هم من يتتبّعون المتشابه ، بينما الراسخون في العلم يعرفون تأويل المحكم و المتشابه و يردّون المتشابه إلى المحكم و في هذا دعوة لأصحاب المستوى المتوسط أن يلجؤوا إلى الراسخين في العلم فيما يرتبط بالمتشابهات وهذا أمر عقلي .

أين يكون الانفتاح محمودًا؟

الجميع لديه مستوى معين من المعرفة الصحية و الطبية كأن يقول أنّ الإكثار من السكر ضار بالصحة وكذلك الإكثار من الدهنيات يضر بالصحة ، و هذا المستوى من المعلومات الصحية و الطبية متوفر لدى متوسطي الثقافة بشكل عام ، لكن عندما يأتي الأمر إلى تشخيص الأمراض و إلى تشابه الأدوية فيما بينها وفي تأثيرها الجانبي على صحة الإنسان فإنّ ذلك يحتاج إلى متخصّص وإلى صيدلاني مثلا أو يحتاج إلى طبيب. .
كذلك الحال هنا في أمر الأحاديث ،  ولهذا فالحديث  الذي لا إشكال فيه  ينبغي الانفتاح عليه ما لم يكن متشابه ، فعلى سبيل المثال الأحاديث التي وردت حول التوجيهات الأخلاقية بشكل عام يستطيع الإنسان أن ينفتح عليها كأبواب  الحلم و الكرم و السيطرة على الغضب و ما شابه ذلك من التوجيهات الأخلاقية لأنّها تخلو من العقد الفكرية ، وكذلك  الأمور الوعظية على سبيل المثال كالتذكير بالآخرة وما يرتبط بها من قضايا .

أين يكون الانفتاح مذمومًا؟

بعض المسائل العقائدية   قد يكون فيها من التشابك و الاشتباه ما يحتاج فيه الإنسان إما إلى التخصّص من قبله أو الرجوع إلى المتخصّص في مسائل الأحكام و الإفتاء ،  فهو لا يستطيع كإنسان متوسط الثقافة الدينية أن يقول رأيت الرواية الفلانية  وهي تحرّم كذا أو تحلّل كذا أو تبيح كذا و بناءً عليه أنا اعمل بمضمونها ؛ لأنّ الغالب فيي مثل هذه الأحكام أنّها تحتاج إلى علاجات ، ولا يستطيع الإنسان هنا أن ينفتح على مثل هذه الروايات التي  تتضمّن أحكامًا متشابهة أو ذات ارتباط وتشابك. وهذا هو منهج أهل البيت عليهم السلام ورأيهم.

من هم القرآنيون ؟
من مدرسة الخلفاء كوّنوا تيارًا عرف بالقرآنيين ، وهذا التيار ينتهي إلى القول بأنّنا لا نعتمد على السنة أصلا لا في ثقافتنا العقائدية و لا في أحكامنا الشرعية ولا فيما يرتبط  بسائر الأمور، إذ أنّ القرآن الكريم كافٍ ومغني عن ذلك لأنّ السنة تتضمّن تناقضات واختلافات كثيرة ، وأحاديثها تعارض العقل وبعضها مخالف للقرآن الكريم، لذا من الأفضل للإنسان حسب رأيهم أن يترك كلّ ما ورد في السنة النبوية.
وقد ظهر هذا التيار أولاً في الهند وباكستان قبل حوالي ثمانين سنة أو أكثر،  
كان هناك رجل اسمه أحمد خان  الذي تبنّى بعض الآراء وكانت في نظره تناقضات بين القرآن والسنة ، و قد طرح رأيه حول الآية المباركة ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرّأه الله مما قالوا و كان عند الله وجيها ) 3  فقد ذهب للروايات الصحيحة لدى مدرسة الخلفاء والتي تعتبر لديهم بمنزلة  القرآن في ثبوتها ولا يوجد بعد القرآن أصدق من هذا الصحيح كما قالوا ، فقد رأى رواية مفادها ( أنّ بني إسرائيل  لما رأوا نبي الله موسى يبالغ في الاستتار عند ستر عورته وهذا  يعتبر من الأصول الدينية في كل الديانات ( ستر العورة ) قالوا  أنّه من المؤكد أنّ لديه مشكلة في جهازه التناسلي ولا بدّ من الكشف عليه ولأنّ الله أراد أن يبرّأه جعله يذهب للنهر وينزع ملابسه كلها وينزل إلى النهر ، حيث ترك ملابسه على الحجر وأمر الله الحجر أن يهرب بملابسه فلما رأى موسى ذلك لحق به  إلى أن وصل اليه وأخذ حجرًا آخر و استمرّ يضرب عليه عقوبةً له، يقول الحديث في زعمهم فكأني انظر إلى ندوب في الحجر يعني أنّ هذا الحجر قد تأثّر وأصبح مثلومًا)
هذا الحديث غير موجود عندنا ولا نعتقد به ، يقول هذا الرجل إنّ الحجر بحسب رواية الحديث إما مأمور من قبل الله و إما من اختياره ، وكيف يعقل ويصح هذا الكلام أيهرب الحجر ، وإذا هو مأمور من قبل الله فحساب موسى ليس معه بل مع الله ، هذا الحديث ليس مما يقبل وليس عليه شاهد صدق ، وقد نظر لهذا الحديث ولأمثاله وانتهى إلى نتيجة أنّنا لسنا بحاجة لمثل هذه الأحاديث وإلى السنة!
هذا المسلك مسلك خاطئ لأنّه يعارض صريح القرآن الكريم في قوله (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
 لا شك ولا ريب أنّه صح عن النبي صلى الله عليه وآاله الكثير من الأحاديث و ينطبق عليها عنوان ( ما آتاكم الرسول ) لذا يجب الأخذ به ولا معنى لأن نرفض سنة النبي ونكتفي بالقرآن الكريم ، لأنّه لو اكتفيت بالقرآن كان ينبغي أن تعمل بالسنة بناء على الآية (ما آتاكم الرسول فخذوه ) أي ما أمركم به من أمر  فنفّذوه  و ما نهاكم عنه من نهيٍ فاجتنبوه ، فإن كنا نعمل بالقرآن كما ندّعي فيلزم أن نقبل سنة رسول الله ، ويوجد فيها من الصحيح الذي يجب قبوله ، وغير الصحيح ممّا يجب تجنّبه ، و يوجد وسائل وطرق لتشخيص ما يظنون بصحته أو يوجد حجة شرعية على صحته ، ولكن التخلي عن التراث النبوي بأكمله غير مقبول ، والبعض يقول نحن نريد إسلام القرآن لا  إسلام الأحاديث ونحن نقول أنّ هذا الكلام لا معنى له إذ  أنّ الحديث النبوي في قوته التشريعية كالقرآن الكريم ومتى ما كان ذلك الحديث صحيح النسبة للمعصوم وخلا من الاشكالات التي تعرض عليه كان معتبرًا وذا قيمة كبيرة.

مسلك أهل البيت عليهم السلام
مسلك أهل البيت ومنهجهم ينبغي أن يكون هو السائد حتى لا يحرم المؤمنون من هذا العلم الإلهي الذي جرى على ألسنة المعصومين بدأً بالنبي محمد صلى الله عليه واله
وهذا يحتاج إلى خطوات ومنهج وبرنامج  يلزم توضيحه باعتبار أنّ الكثير من المثقفين ينظرون إلى أحاديث أهل البيت ، فكيف يكون النظر إلى هذه الأحاديث والتسليم بصحتها؟؟

المنهج الصحيح عند النظر للأحاديث
1/  عند التفكّر في الحديث للعمل به وتطبيقه ينبغي أن يكون مستندًا إلى المعصوم ، لأنّ كلام المعصوم ليس ككلام أي شخص من الناس ، فكلام المعصوم بمنزلة قوله تعالى ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه )4  فلا بدّ أن يتحرّز الناقل عند نقل أيّ حديث ويتأكّد أنّه صادر عن المعصوم ، إذ أنّ الكثير من الادعاءات حدثت و الوضع للأحاديث ، وفي زمن الأمويين يأتي أحدهم ويختلق حديثًا عن الإمام علي عليه السلام باعتبار أنّه ثقة ويتقوّل عليه ويظهر من أسلوب الحديث أنّه ليس كلام الإمام عليه السلام وليست طريقة حديثه، ومن أمثال ما زعموه عنه عليه السلام ( إذا اشتدّت حرارة الصيف فاجعل اناء به ماء في شباك غرفتك لتشرب وتتبرد بها الطيور ) هذا الكلام يظهر أنّه لأحد الكتّاب المعاصرين ، وأحدهم يكتب قواعد السعادة السبع وينسبها للإمام علي عليه السلام وكذلك البرمجة اللغوية ، والكثير مما ينسب للمعصومين والذي يعتبر حرامًا وافتراءً على المعصوم.
ومن أمثال ذلك بعض الأحاديث التي وردت في تحذير النساء من كشف الشعر و تناقل البعض حديثًا غير موجود في مصادر الفريقين من السنة والشيعة فيقولون  أنّه جاءت لرسول الله امرأة وسألت : يا رسول الله كيف أخرج من الدين قال لها أخرجي شعرة من رأسك ليراها رجل
فتخرجي من الدين ، هذا كلام موضوع ولم يأتِ به رسول الله ، إنما هو كلام شخص ظنّ به أنّه قد يؤثر في النساء ويجعلهن يلتزمن بالحجاب،
ومن أمثال هذا الحديث الكثير مما يروى في عصرنا الحاضر وكذلك في الدائرة الشيعية .

الإمام الصادق عليه السلام ووضّاع الحديث

 ينقل تاريخيًا أنّ جماعة استأذنوا للدخول على الإمام الصادق عليه السلام وأرادوا نقل الحديث وأخذه عنه فطلب منهم أولاً أن يسمعوه بعض ما يحفظونه من أحاديث ، فقال أحدهم عن فلان عن فلان عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد  ( وهم لا يعلمون أنّه جعفر الصادق ع ) ( ثلاث لا يتركهن إلا صاحب بدعة من لم يمسح على الخف ومن اجتنب الجريث و من لم يشرب النبيذ ) هذه المسائل الثلاث ظهرت  فتوى أهل البيت بتحريمها  ، ابتسم الامام وهو يسمع هذه الرواية الموضوعة عنه وسألهم عن المزيد ، قالوا عن فلان عن سفيان الثوري عن جعفر ابن محمد عن علي بن أبي طالب قال ( لا أوتى برجل يفضلني على فلان وفلان إلا جلدته  )  فزاد تبسم الإمام عليه السلام وطلب المزيد فقالوا ا عن فلان عن فلان عن أبي جعفر الباقر عن آبائه أنّ عليا ندم وبكى على خروجه في حرب الجمل ، فقال له ابنه الحسن ألم أنهك عن ذلك ؟ فقال له  لم أكن أعلم أنّ الأمر يبلغ ما بلغ ، كل هذا  والإمام الصادق عليه السلام يسمعهم ، وظلّوا ينقلون الكثير من أمثال هذه  الأحاديث  فسأل أحدهم  هل تعرف جعفر بن محمد الصادق وهل سمعت الحديث عنه مباشرة ، قال لا ، قال له لو جلست معه وقال لك أنّه لم يقل مثل هذه الأحاديث فهل تصدقه ، قال لا أصدّقه ، قال له الإمام عليه السلام ولماذا ؟ قال لأن الثقة أخبرني بمثل هذه الأحاديث ، ومثل هذا الكثير من الناس يتساهلون في نقل الحديث وعدم التأكد من صدق النقل للأحاديث ، وهذا ليس أسلوب المثقف المفكّر الذي يطلب المعرفة ، لذلك ينبغي أن يفكّر الإنسان  قبل أن ينقل أي حديث ويتحقّق من مصدره الصحيح هل هو معتبر أم لا .
ينبغي على المؤمنين أن يتحرّزوا من نقل أي حديث وإرساله دون تحقّق وعدم المساهمة في تعميم الجهل والجهالة ، ينبغي أن لا نكون مصداقًا من مصاديق الافتراء و الكذب على المعصومين عليهم السلام ، هل تعلم أنّ الكذب والتقوّل على المعصوم في نهار شهر رمضان يبطل الصوم ؟، لذا إن أردنا نقل أي حديث ونحن لم نكن متأكدين من هوية القائل فلا ننقله أو نرسله باسمه لكي لا نقع في سلسلة المفترين على أهل البيت عليهم السلام.

 ملاحظة هامة/ للاستفادة من أحاديث أهل البيت لا بدّ من النظر إلى المتن نظرة فاحصة إلى متنها ودلالتها.
سؤال مهم / لماذا لا يوجد لدى الشيعة كتاب صحيح كالذي يوجد لدى المدارس الأخرى مثل صحيح البخاري ومسلم ؟؟
نقول بأنّ هذا ليس نقص لدى الشيعة بل هو كمال ، إذ أنّ المنقصة هو أن يتوقّف البحث والاجتهاد لدى العلماء ، ولنفترض أنّ شخصًا عاش في القرن الثالث أو الرابع الهجري وكتب كتابًا هل يسلّم بصحة ما في الكتاب ولا يناقش ما فيه ؟  بالطبع كلا إنّ الافتخار هو في التحقيق لدى العلماء والفقهاء بحسب ما لديهم من قدرات اجتهادية حيث يعملون أراءهم و أفكارهم ، ويحقّقون في كل حديث وفي كل كلمة من الكلمات.
إنّ مذهب أهل البيت عليهم السلام مذهب متجدّد يتيح لأي إنسان أن يكون مجتهدًا إذا اتّبع الطرق المعتبرة ، وقد ظهرت بعض المحاولات والجهود المشكورة مثل  صحيح الكافي و صحيح الفقيه وصحيح التهذيب والمعتبر من البحار ، وكل هذه جهود مشكورة لكنها ليست نهائية ، لأنّ ما كان في رأي مؤلفها صحيحًا  ممكن أن يكون ليس صحيحًا لدى عامة الشيعة.
مدارس الحديث عند الامامية 
1/ المدرسة الإخبارية
تقول المدرسة الإخبارية أنّ الكتب الأربعة أحاديثها صحيحة ومطمأن بصدورها ولا يجب أن يبحث أو ينتقى منها شيء لأنّ أصحاب هذه الكتب قد حقّقوا في الأحاديث بل أنّ بعضها مقطوع الصدور.
2/ المدرسة الأصولية
هذه المدرسة هي المدرسة الشائعة في هذا الزمان لأنّ مسالكها مختلفة و متعدّدة  بل وشديدة التعدّد ، فعلى سبيل المثال قد يأتي أحدهم ويقول هذا الحديث صحيح ، ويأتي آخر ويقول له إنّه صحيح على مسلكك أنت بينما بالنسبة لمسلكي هو غير صحيح.
إذن قضية عدم وجود الصحيح لدى الشيعة ليست منقصة بل هو كمال إذ أنّ وجود الصحيح يمنع الاجتهاد  وتوقّف البحث وعدم التجدّد والتطور.
2/ عند النظر للحديث ينبغي أن يلقي عليه الناقل نظرة متفحّصة أولية ويجري عليه مجموعة من المقاييس هل هذا الحديث متطابق مع القرآن الكريم ، أم متطابق مع سائر الأحاديث و السنة أ م متطابق مع حكم العقل أم مع أحداث التاريخ ، أم هو مخالف للحدث التاريخي أم الحدث التاريخي مخالف له ، ومن ذلك ما جاء من أحاديث حول سهو النبي ، حيث ورد لدينا نحن الإمامية في بعض الكتب الحديثية أنّ النبي قد سها في الصلاة وقد ورد ذلك في كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) ، وبعض العلماء ردّ هذه الأحاديث مع أنّ بعضها لا بأس به إلا أنّهم قالوا أنّ نسبة ذلك لرسول الله  يعارض الدليل العقلي البرهاني  الذي لا مجال لردّه في أنّ النبي صلى الله عليه و آله لا يمكن أن يسهو ومادام كذلك ف لابدّ من ردّ مثل هذا الحديث، لأنّه حديث وليس قرآن ، فالحديث منقول من شخص لآخر وربما يشتبه عند النقل بكلمة وربما لم يفهم القصد من كلام الإمام ، بعكس القرآن الذي يجب أن يقبل حتى لو خالف الأدلة العقلية والبرهانية ، والحديث قد يعارض أصلاً دينييًا شرعه القرآن الكريم مثلًا لو أنّ حديثًا شرّع الظلم ولم ينه عنه واعتبره شيئًا عاديًا يأتي الفقيه ليقول  بأنّ الحديث نظرًا لأنه يعارض قبح الظلم وأنّ الله سبحانه وتعالى لا يرضى به لنفسه ولا لعباده فلا يمكن أن يكون هذا هو المقصود  فإن  وجدنا له تأويلاً حسنًا كان بها وإن لم نجد نردّه إلى أهله و نتركه ، ومثال ذلك أيضًا تلك الرواية التي ردّها العلماء والتي تجوّز للمرأة أن تبيت وزوجها غاضب عليها لحماية الأسرة ، ولو كان ظالمًا لها فهو معذور هنا ، هذه الرواية في قولهم ولو كان ظالمًا لا يتّفق مع حرمة الظلم ومع قبحه ، وأنّ  الله سبحانه وتعالى لا يرضى  به لنفسه ولا لعباده فيما بين انفسهم فقال العلماء لعل كلمة ولو كان ظالمًا غير موجودة أو قد تحمل على قضية خاصة وليست عامة ، لأنها تخالف الأصول الدينية والعقلية.
والمقصود هنا بحكم العقل ليس عقل الفرد بنفسه ، عندما يعارض أحدهم حكمًا شرعيًا ويقول بأنّه لا يوافق عقلي أو تلك المعجزة لا يصدّقها عقلي ، ليس المطلوب هو حكم عقل الفرد لوحده بل ما يتّفق عليه أصحاب العقول ، فلو افترضنا أنّ أحدهم قال أنّه لدينا غرفة في بيتنا هي أكبر من البيت بمرتين ، أو قال أنّ هذا المنبر أكبر من المسجد بمرتين ، هذا في حكم العقل الجمعي أي مجموع عقول البشر تقول أنّ هذا الكلام غير صحيح وغير ممكن الحدوث .
أما بالنسبة للقضايا الغيبية تختلف العقول فيها ، فما يقبله عقلك قد لا يقبله عقلي ، فهي مسألة ذوقية قد يستهجنها عقل دون عقل آخر ، وفي هذا الزمان أصبح حكم العقل متداولاً بكثرة ، لذا ينبغي أن يلتفت صحيح الدين أنّه دين  عقلي في براهينه وعقلائي في أحكامه  ولكن ليس بمعنى أنّه يجب أن أحكّم عقلي في كل شيء وإن لم يقبله عقلي أتركه ، هنا المقصود حكم العقول عمومًا .
إذن هذا الأمر الثاني الالتفات إلى موافقة الحديث للأصول القرآنية والدينية والبراهين العقلية وكذلك الحقائق التاريخية.

3/ الالتفات للمقصود من الحديث وماذا يريد أن يقول ، لأنه بعض الأحيان تأتي بعض الأحاديث على سبيل التقية ،
 فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال : دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال : يا أبا عبدالله ما تقول في الصيام اليوم ؟ فقلت: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا فقال: يا غلام عليّ بالمائدة فأكلت معه وأنا أعلم والله إنه يوم من شهر رمضان فكان إفطاري يومًا وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله ) 5
فهذا من التقية ، وقد يكون القصد منه حكم ولائي مرتبط بزمن خاص وليس مستمر أبدي ، وعلى سبيل المثال ما روي عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : سئل أبي عن لحوم الحمر الأهلية ؟ فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن أكلها ، لأنها كانت حمولة الناس يومئذ ، وإنما الحرام ما حرّم الله في القرآن وإلا فلا )6
حيث ينقل الفريقين أنّ رسول الله حرّم أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وفيما بعد اعتبرت مدرسة الخلفاء أنّ هذا التحريم والنهي كلّي إلى أن تقوم الساعة باعتبار أنّ حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، بينما مدرسة أهل البيت استندوا إلى حديث يشرح فيه فعل رسول الله حيث أنّه نهي ولائي من موقع الولاية والحكومة حيث أن تلك الحمر ركوبة الناس تحمل أمتعتهم ، وحيث أنّ خيبر بعيدة عن المدينة ولأن الخيل لا تستطيع حمل الأمتعة فاحتاجوا إلى الحمير الأهلية لحمل الأمتعة ، و حفاظًا على هذه الوسيلة منع من ذبحها وأكلها ، فنهيه هنا نهي ولائي خاص مرتبط بذلك الزمان فقط ، والنتيجة أنّ ليس كلّ نهي للنبي  هو نهي مستمر ودائم .
 وأمثال ذلك من الأحاديث الكثير حيث يروى أنّه صلى الله عليه وآله مرّ على مجموعة من النساء فقال ( أكثركنّ في النار ، فلما سمعن بذلك بكين ثم قامت إليه امرأة منهن فقالت : يا رسول الله في النار مع الكفار؟
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : إنّكن كافرات بحق أزواجكن )7
أي لا تعترفن بحق أزواجكنّ وبجميلهم عليكن، أي لا تعترفن بالمعروف ، وهذا ربما كان شائعًا في ذلك الزمان وليست هذه الرواية تبيّن حكمًا نهائيًا ودائمًا إلى يوم القيامة ، إنما هي قضية شخصية خارجية ضمن ظروف معينة.
 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعرّفنا ما جاء به المعصومون من هدى وبينات وأن يعيننا على فهمها و تطبيقها إنّه على كل شي قدير.
-----------------------------------------
1 سورة الحشر  آية 7
2 عقائد الشيعة الإمامية
3 سورة الأحزاب آية 69
4 سورة فصلت آية 42
5 الكافي ج4 ص82
6 وسائل الشيعة ج24 ص95
7 الكافي ج5 ص514

مرات العرض: 3397
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2558) حجم الملف: 59478.77 KB
تشغيل:

التأسيس النظري لمسألة الخمس عند الشيعة
9الدعوات المهدوية الكاذبة وملامح مشتركة