التأسيس النظري لمسألة الخمس عند الشيعة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 4/1/1438 هـ
تعريف:


‫التأسيس النظري لمسألة الخمس عند الشيعة


تفريغ نصي الفاضلة ليلى أم أحمد ياسر

يكتسب هذا الموضوع أهمية لأكثر من جهة

—جهة أهمية الخمس نفسه بما هو واجبٌ إلهي وشرعي على كل المؤمنين ،حيث أن بيان هذا الواجب من الأمور المهمة .

— أهمية خاصة باعتبار موقع الخمس في الحفاظ على القرار الشيعي والمرجعية الدينية، والتحصيل العلمي .

— دور الخمس في تغطية الحاجات الأساسية التي تعد من ضرورات المؤمنين ،ويشملها عنوان ( سبيل الله ) ويصرف لها من سهم الإمام .

ولعل هذا الموقع المهم جعل الأطراف التي تريد إضعاف المذهب والكيان التابع لأهل البيت عليهم السلام تركز على ضرب هذا الجانب، إما بطريقة إلقاء الأسئلة ومحاولة التشكيك في أمر الخمس . أو كما وجدنا أحياناً وفي بعض الفترات الزمنية في زمن الأئمة حيث تحارب هذه الأطراف جانب الخمس بطريقة عملية،وتترصد لقضية دفع الناس أموالهم للأئمة وتمنع ذلك . لهذا ينبغي أن نتحدث عن هذا الأمر وسيكون حديثنا في الجانب النظري للخمس.

وسنبدأ بمقدمة سريعة عن موقع الحق المالي الإلهي في الديانات السماوية الثلاث الباقية ، اليهودية ،والنصرانية والإسلام.

أولاً في الديانة اليهودية .. يلحظ في الديانة اليهودية بحسب أحكامهم أن هناك حقين الحق الاول هو حق مالي على سبيل الإستحباب، وهو أنهم يوصَوْن بترك شئٍ من الزرع والثمار في البساتين ، ويعتبر نصيب الفقراء والمحتاجين ، والجائعين . ويسمونه ( صدقة ) والحق الثاني هو ما يسمى بالتعشير حيث يُفرَض على كل رجل يهودي في كل ثلاث سنوات أن يخرج عشر ماله ويعطي هذا العشر لفئة اللاويين الذين هم من ذرية لاوي ( سبط لاوي ) سبط لاوي في الديانة اليهوذية يشبه في موقعه موقع اهل البيت عليهم السلام عند الإمامية، حيث أن المرجعية الدينية وخَدَمة المعبد والإفتاء وما يرتبط بالقرابين كلها في أسرة لاوي وامتداده ، وهذا العشر يدفع كل ثلاث سنوات لهذه الفئة، وإذا زاد وفاض فإنه يعطى لعامة الفقراء.

ثانياً الديانة المسيحية تعتبر الديانة المسيحية حاشية لأن الإنجيل جاء حاشية على التوراة، وهي العقد القديم ، ويؤمن به المسيحيون ويعتبرونه أرضية الديانة ، ولكن أضيفت له أمور ، ونقصت منه أمور أخرى حيث ركزوا على بعض الأمور وخففوا من التركيز على أمور أخرى، ولكن بقيت التوراة والعهد القديم هي الأساس الديني لدى المسيحيين . وفي هذه الطائفة نجد أيضاً أن الحق المالي موجوداً ولكن مع إضافة شيئ أخلاقي كما جاء في إنجيل متَّا ولوقا ، أنه إذا دفعت ما عليك فلا تعلم يسارك ما أعطت يمينك، وهو نوع من الإخفاء لدفع المال والتصدق ، حيث يكون هذا أقرب إلى الإخلاص .

ثالثاً  الإسلام نرى أن الدين الإسلامي يتحدث في القرآن الكريم عن صفات المومنين وأنهم في أموالهم حقٌ معلم ( معينٌ ) (كانو قليلاً من الليل مايهجعون  وبالأسحار هم يستغفرون ، وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحروم) وفي آية أخرى ( حقٌ معلوم للسائل والمحروم ) .

سوف نجد في داخل الدائرة الإسلامية أن هذا الحق المالي الذي جعله الله سبحانه وتعالى في أموال عباده كأنه نوع من الإشتراط في التملك. وكأن الله عز وجل يقول لنا

أنا أبيح لكم أن تأكلو من كل ما آتيتكم، تستحلوا من الطبيعة ما شئتم، تستخرجوا البترول من الأرض كيف شئتم،تستفيدون من المياه التي خلقتها أنا ربكم، ولكن بشرط وذلك الشرط هو أن تدفعوا قسماً من المال.. وهذا الحق المالي يتعنون بعنوانين

-قسمٌ بعنوان مستحب وهو الصدقة الجارية وغير الجارية ، والثلث ، وغير ذلك.

وقسم بعنوان واجب إلزامي  وهذا الواجب له عناوين متعددة ١— قد يكون هذا الحق المالي الواجب باعتبار أنه تكفير وتغطية على ذنب ارتكبه الإنسان ، وغسل لهذا الذنب ، كما هو الحال في الكفَّارات ومثالٌ على ذلك من يذهب للحج ويضلل فيكتسب بذلك إثماً، وذلك أن التضليل يحرم في الحج ( وهذا ما ينبغي أن ينتبه له أصحاب الحملات والحجاج) فلو أتى صاحب الحملة ولكي يوفر لنفسه بعض المال فيطلب من الحجاج أن يضللوا حال الإحرام أو يلبسوا الثياب ثم بعد ذلك يكفروافهذا غير جائز ، ويعد فاعله مرتكباً لفعلٍ محرم ذلك أن التضليل ولبس المخيط حال الإحرام حرام أولاً ثم بعد ذلك فيه كفارة  ،ولو كان الحاج مظطراً لذلك يرتفع عنه الإثم ، وأما إذاكان مختاراً فإن فإن ذلك غير سائغاً له .ويكون قد ارتكب حراماً .

فلا يجوز للإنسان أن يسوغ هذا الأمر لنفسه.  فهذا المال إذاً تكفير وتغطية على ذنب وإثم ارتكبه الإنسان كما هو الحال في الكفارات ، ككفارات الحج ، وكفارات النذر ، وكفارات اليمين إلى غير ذلك . ٢— قد يكون هذا المال باعتبار أن الإنسان يملك أعياناً وتسمى الأعين الزكوية،  وإذا دار عليها حولاً كاملاً وجب فيها مقداراً من المال فإذا كان لديه على سبيل المثال مقدارً من الغنم أو الأبل أو البقر وتوفرت بها الشروط ودار عليها حولاً كاملاً وجب عليه أن يخرج زكاتها .

٣—قد تكون هذه الأموال ما زاد على المؤونة السنوية للإنسان ، أو ما حصل عليه من الطبيعة من دون إعمال جهدٍ استثنائي، كما هو الحال في الكنز . وعلى سببل المثال من يشتري أرضاً ليبنيها ثم حصل على كنز فيها ( كجرة ذهب مثلاً ) ، فهنا تجب عليه الزكاة فيه، أو كمن يغوص ثم يحصل على لؤلؤاً فهذا يعد أيضاً كنز  يجب فيه الخمس لأنه حصل عليه بدون جهداً استثنائياً في صناعته.

وكذلك يجب الخمس في مايزيد على المؤونة مما يكتسبه الإنسان خلال السنة ومثال ذلك من كانت لديه تجارة فيصرف على نفسه وأهله منها  ، ويعطي الهدايا ويتنعم فيسافر ويأكل ويشرب ويلبس ،ويصرف على من يعولهم ويرتبطون به بحسب شأنه ،وإذا ما بقي من ذلك شيئ وزاد عن مؤونة السنة فآن إذٍ يجب فيه الخمس ...

فهذا الحق الواجب  الذي تتعدد عناوينه في زكاة أو خمس أو في  نذر أو كفارة ، كل ذلك يدخل في إطار الحق المعلوم في أموال الناس. وتشريع هذا الواجب مع إذن الله تعالى للإنسان أن يستثمر في الطبيعة ما يستثمر وأن يأخذ مما أنعم الله تعالى.. وهذا الأمر يمارسه الناس فيما بينهم كذلك ، كمن يسمح لك أن تدخل مزرعته بشرط كذا وكذا .. فالله تعالى قد سمح للعبد أن يستغل خيرات الطبيعة وأن يثري وأن يكون له المال، ولكن بشرط أن يكون هناك حق معلوم في هذه الأموال .. هذه رؤية إجمالية عن هذا العنوان ( الحق المالي )في الديانات .

ما يرتبط في قضية الخمس وهو الحق المالي الواجب (المعلوم) أجمع المسلمون على وجوب الخمس في كثير من الأمور مثل الغنيمة الحربية والكنز ، والمعدن ( التعدين )والركاز والغنائم ، والغوص ، هذه كلها متفق عليها بين المسلمين. ولدى الإمامية عنوان لا يتفق معهم فيه بقية المذاهب وهو ( أرباح المكاسب) وهو ما يكسبه الإنسان خلال سنته من أي مصدر من المصادر كان من وظيفة ، أو من تجارة أو المصروف الذي تحصل عليه الزوجة من زوجها ويبقى عندها.هذه الأمور كلها تجب فيها الخمس اذا زاد عن المؤونة.

وفي قضية أرباح المكاسب يجب الخمس ما لم يكن ميراث ، فالميراث لا يجب فيه الخمس . هناك بعض الأسئلة تُوَجَّه للإمامية من غير الإمامية وأيضاً من مذهب الإمامية، أحد هذه الأسئلة :

من أين جاء هذا التشريع ؟ إن كان جاء من الآية المباركة ( واعلمو أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ) فإن هذه الآية ( وبحسب رأيهم ) إنما هي ناظرة إلى غنائم الحرب ، وإن كان كذلك فلايجب علي الخمس لإني لست بمحارب.؟!

 يذكر الإمامية في هذا المعنى عدة أمور فيقولون أن كلمة غنِم ومفرداتها قد استعملت فيما هو أعم من الغنائم الحربية ( فعند الله مغانم كثيرة )واستعملت في حديث رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غير نظرٍ إلى غنيمة الحرب ، كقوله صلى الله عليه وآله ( رحم الله امرءٍ قال خيراً فغنم ، أو سكت فسلم ) وغنم هنا تعني أن من قال كلاماً حسناً فإنه يغنم الأجر ، والسمعة الحسنة وما شابه ذلك.

فاستخدم معنى الغنيمة هنا بمعنى مطلق الغنيمة ، من الربح والكسب وقد يكون هذا الكسب دنيوياً وقد يكون أخروياً. قد يكون كسباً في الحرب وهي الغنائم المعروفة ،وقد يكون كسباً في السلم وهي الأموال وما شابه.وكذلك ما يستخدمه أهل اللغة ، كما يقول الشاعر

لقد طوَّفت في الآفاق حتى                         قنعت من الغنيمة بالإياب

فاستعملت الغيمة هنا بالمعنى العام لا في خصوص المعنى الحربي،. وأمثال ذلك من الروايات كرواية ( الصوم في الشتاء غنيمة باردة) ذلك أن النهار في الشتاء قصير والشمس ليست حارة كما في الصيف وهذا يعين الانسان على الصوم فلو صام في هذا الوقت فإنه يحصل على ثواب الصوم كاملاً ويحصل على الغيمة الباردة وهو لم يبذل جهداً في الصوم كما يبذله في شهر رمضان لو كان في الصيف ومع ذلك فإنه يغنم هذا الثواب أي أنه يكسب ويربح في هذا الحال . فاللغة العربية مليئة بهذه الإستعمالات وهذه الإستخدامات.

من الأسئلة كذلك إذا كان هذا الواجب هو واجب عل كل أحد ، فلماذا لم تنزل إلا آية واحدة في القرآن الكريم؟ ،لماذا مع هذا الواجب العظيم ، ومع هذه النسبة الكبيرة من المال وهي عشرون بالمئة مما يزيد على مؤونة الإنسان ؟!! الجواب على ذلك جوابان

الجواب الأول متى كانت كثرة الذكر علامة على الأهمية؟ ومن يقول بهذا الأمر؟ إن هذا ليس بشرط ،فإننا نجد في القرآن أن أسم نبي الله موسى قد تكرر مائة وثلاثون مرة، بينما لم يذكر إسم سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا أربع أو خمسات مرات (على بعض التفاسير)وذلك للإختلاف في أن ( يـــس ، وطه  )إسمٌ أو لا ، فهل يدل هذا على أهمية نبي الله موسى وعلى علو منزلته على رسول الله صلى الله عليه وآله؟!! لم تكن الكثرة دليلاً ولم تكن القلة في الذكر دليلاً على عدم الأهمية الجواب الثاني ان مجيئ آية واحدة في حكم من الأحكام لا يعد فقط كافياً بل أنه لو جاء حديث واحد بحكم شرعييٍ وكان هذا الحديث صحيحاً ، فإنه يجب الإلتزام بهذ الحكم حتى لو لم ينزل فيه آية قرآنية . وعلى فرض أنه لم تنزل آية في شأن الخمس أصلاً ، ووردت رواية عن رسول الله في الخمس وكانت هذه الرواية صحيحة، أو جاءتنا رواية عن أمير المؤمنين وعلمنا صحتها ، أو عن أحد الأئمة عليهم السلام وهي صحيحة، وجب الإلتزام بها ولا يشترط نزول آية في القرآن بشأن هذا الحكم ، فكيف لو نزلت فيه آية !!

فلا يختلف الحال بين أن تكون آية واحدة أو عشر آيات ، ولا بين أن تكون آية وحديث واحد عن المعصوم في أن تصنع وجوباً على هذا الحكم بالنسبة للإنسان . ومن المؤسف حقاً أن بعض الناس يلتزمون بتقليد المرجع الفلاني باعتباره الأعلم والأفضل في كل شيئ ، ولكن في مسألة الخمس تراه يبحث عن آخر لا يقول بالخمس .

ولكن تجد بعض المؤمنين كما يلتزم بصلاته وصومه وحجه فهو يلتزم بخمسه باعتبارها أنها جميعاً واجبات إلهية ..

يطرح هنا سؤال آخر .. وهو لماذا لم يكن هذا الأمر موجوداً في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟، إن كان حكماً ثابتاً ولازماً ، ولماذا لم نسمع أن النبي قام بجمع الأخماس من الناس  ؟! هناك ثلاثة أجوبة للإجابة على هذا السؤال ، نذكرها باختصار ،

الأول جواب قدمه سيد الطائفة الإمام الخوئي رضوان الله عليه في بعض كتبه الإستدلالية فيقول ( كما يرى)   بناءً على ما سلكناه من تدريجية الأحكام فإن الأمر في هذا واضح المعنى ، فالرسول محمد صلى الله عليه وآله ، جاء وبين أصول المبادئ، والقرآن بين القواعد العامة، ولكن لم يتم بيان الحكم في بعض المسائل إما لأنه لم تكن مسائل إبتلائية وكمثال الإستنساخ البشري ليس موجوداً في ذاك الزمان وليس من العقل أن يكون الحديث عنه في غير زمانه ، وأمثال كثيرة من هذا القبيل .

والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد بين الأصول العامة والقواعد الأساسية ، ثم أوكل بيان ذلك  وتشريحه ،وتفصيله إلى أئمة الهدى صلوات الله عليهم. وفي هذا يتضح قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب . فلو قيل أن رسول الله صلى الله عليه وآله بين كل شيئ وذكر كل شيئ بتفاصيله لكان كل الصحابة عالمين وبالتالي فإنه لا معنى لأن يكون أمير المؤمنين عليه السلام أعلم من غيره.!

ولكن مع هذا الحديث لأمير المؤمنين عليه السلام يتبيَّن لنا أن هناك قسمٌ من الأحكام لم يخبر بها سائر الناس واختص بها النبيُ علياً وأهل البيت من بعده .. وفيما بعد جاء الأئمة عليهم السلام ليبنوا هذه الأحكام . وعلى سبيل المثال نذكر بعض ما كان في زمان أمير المؤمنين ( ويذكره غير الشيعة أيضاً ) ، أنه إذا تحارب فئتان من المسلمين ، فهل يجوز للغالب أن يسلب من المغلوب أم لا ؟ فهذه المسألة لم تبين في زمان النبي لأنها لم تكن مسألة إبتلائية،

ولكن بينها أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل ، ولذلك طلبت فئة من المسلمين ممن كانوا مع أمير المؤمنين أن يستحلو أموال الفئة الأخرى ، وبعض من قال بهذا الأمر كانوا من الصحابة، ولكن أمير المؤمنين عليه السلام رفض ذلك ،وأمر بهذا التشريع الذي يحرم بأن يسبى المسلم وأن يؤخذ ماله . ولذلك يذكر بعض العلماء حتى من غير الإمامية أن هذا الحكم لم يُسْبق قبل أمير المؤمنين وأنه عليه السلام قد ستر على هذه الأمة ، ولولا هذا الحكم الذي أعلنه أمير المؤمنين لكان السبي في هذا الزمان قانوناً مفروضاً كما يفعل بعض التكفيريين اليوم ..

فيقول الإمام الخوئي أن المعنى من تدريجية الأحكام أن البعض منها يُبيَن في زمان رسول الله وقسم آخره أوكل النبي بيانه إلى أمير الامؤمنين والأئمة عليهم السلام ، بحسب اقتضاء الزمان وتطورات المستقبل ، وإذا كان كذلك فلا إشكال أن الرسول لم يبين حكم من الأحكام ليبينه الائمة من بعده .

الجواب الثاني  وهو جواب متقن.. يقول أن هناك فرق بين الزكاة وبين الخمس فالزكاة قال الله فيها ( خذ من أموالهم صدقة) وإن لم يعطي الإنسان فإنه يذُم في ذلك ، وإن قصر أو أعطى شيئاً معيبا فإنه يُذم كذلك ويُنتقد . أما الخمس فهو يختلف في ذلك لأمور أولها أنه قال في الزكاة ( خذ) وفي الخمس قال ( وفي أموالهم حق معلوم ) وقال ( فأن لله خمسه ) أي أن أصله لله  ويقول العلماء أن التعبير في آية الخمس أقوى ذلك لأنك امتلكت المال وأصبح بحوزتك فوجب عليك أن تخرجه( وآتوا الزكاة )

 أما مال الخمس فإنه لم يدخل بحوزتك  لأنك إنما غنمته وقسمٌ منه لله فلا يحق لك التصرف فيه بغير إذن أصحابه ، ولهذا ينبغي الإلتفات إلى الأمر العبادي في هذا المعنى إذ يُحكم بالإشكال على من يصلي بلباس غير مخمس ،كما لو  كنت تسكن في منزلٍ  لك فيه من الحق نسبة ثمانين بالمئة ، فلا يمكنك التصرف فيه كله بدون إذن أصحاب النسبة الباقية.

وأهمية هذا الجواب في الفرق بين الزكاة والخمس وهي أن الخمس في زمان رسول الله كان له ولأهل بيته ، علي وحمزة وجعفر ومن شابههم ،ولو أن الرسول قام بمطالبة الناس بحقه وألزمهم بذلك بشدة ،فما الذي سيقوله الناس ؟ وكيف ستكون نظرتهم لرسول الله ؟، وهو الذي لم يسلم منهم حتى مع قوله لهم ( لا أسألكم عليه أجر إلا المودة في القربى ) ؟!!!لم يكن مناسباً من النبي ومن شخصيته أن يطالب كل إنسان بحقه صلى الله عليه وآله  وحق أهل بيته في الخمس لما في ذلك من حرج عليه  أما الزكاة فلا حرج في ذلك ، لأن الزكاة في الأصل تحرم على رسول الله وعلى أهل بيته،  فلو سعى في أخذها فإنهم يعلمون أنه يريد بها الفقراء ومستحقيها وذلك خلاف الخمس الذي يكون له ولأقاربه ولو طالب به لكان في ذلك حرج عليه من الناس لأنهم يعتبرون ذلك نوعاً من أنواع الجشع ولهذا أغضى عنه النبي.

الجواب الثالث أنه لو افترضنا أن الرسول لم يقل بهذا الأمر فلا فرق عندنا نحن الإمامية في مقام التشريع بين الرسول صلى الله عليه وآله وبين عليٍ عليه السلام ، أو بين علي وبين جعفر ابن محمد ، أو بين جعفر ابن محمد وبين محمد الجواد، فلو جاء حكم من أي أحد من الأئمة عليهم السلام فكأنما جاءنا من رسول الله صلى الله عليه وآله،  بل كأنه جاءنا من الله عز وجل .

فالإمامية فيما بينهم لايفرقون بين حديث علي وحديث جعفر ، أو حديث جعفر أو حديث الرسول .  وهذا فيما يخص مقام التشريع لدى الإمامية فقط أما غير الإمامية فيختلف المبحث ليكون مبحثاً عقائدياً .

الجواب الرابع من يقل أن النبي لم يكتب للناس ولم يوصهم ولم يأمرهم؟ لقد ذكر المؤرخون عدداً كبيراً من الكتب التي أشار فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى موضوع الخمس والمغانم والمكاسب في أحاديثه المختلفة ونورد هنا بعض النماذج :

النموذج الأول  ما ينقل في صحيح البخاري عن مقدم عبد القيس كوفد لرسول الله وهذه القبيلة معروفة بولائها لأهل البيت عليهم السلام يقول إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي، سألهم من القوم ؟ فقالو من ربيعة ، فقال مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى، قالو يارسول الله إنا لانستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي وهم كفار مضر ، فأْمُرنا بأمرٍ فصلٍ نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع أمرهم بالإيمان بالله وحده، إلى قوله وأن تعطوا من المغنم الخمس .

وهنا احتمالان للمغنم إما أن يكون من المغانم الحربية أو المكاسب العامة! ولكن كيف ستكون مغانم حربية والحال أنهم قالو لرسول الله أنهم لايستطيعون أن يحضروا إليه إلا مرة واحدة في السنة ومع خطر هؤلاء الكفار من مضر وهم لايستطيعون أن يدافعو عن أنفسهم . فلا معنى أن تكون الغنيمة هنا غنيمة حربية .

بالإضافة الى ذلك أن الحرب والسلم لم يكن يقوم به المسلمون إلا أن يكونوا تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وفي قوله  لهم (ان تعطوا الخمس من المغنم ) فإن ذلك يشير بوضوح الى أنه خمس المغانم .

النموذج الثاني ما كتبه صلى الله عليه وآله لجهينة ابن زيد حيث يقول له ، إن لكم بطون الأرض ،أن تشربو ماءها ،وترعوا نباتها ، على أن تأدوا الخمس ، وفي هذا المقام لامعنى أصلاً للحديث عن الغنائم الحربية. وباختصار فإن هذا الحق الواجب الذي كان موجوداً في الديانات السماوية بدءاً باليهودية ومروراً بالمسيحية وانتهاءاً بالإسلام شُرِع له قرآنياً أولاً،  ثم في كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله في إرسال الرسائل للقبائل ، ثم تحدث عنه الإئمة المعصومون عليهم السلام ولاسيما في زمان الإمام الباقر في عام  ثمانين للهجرة ، وتسعين للهجرة ونعني أرباح المكاسب (خصوصاً ) ، وإلا فإنه وفي سائر الأمور محل اتفاق بين المسلمين.

وأما لماذا لم يذكر الا مرة واحدة فإنه يكفي لو أتى شطر واحد من آية في القرآن الكريم وعَلِمنا أنها تدل على الأمر الفلاني، فهو كافٍ للإلتزام بالحكم الشرعي بل حتى لو جاءت رواية فقط وهي صحيحة السند وشرَّعت حكماً من الأحكام لوجب الإلتزام به . ينبغي للإنسان أن يتغلب على حالة الشخ الداخلي، وهي حالة طبيعية لدى الإنسان ولذلك يمتحن بها ( وإنه لحب الخير لشديد ) ( وتحبون المال حباً جما ) ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة )فهي حالة موجودة لدى الإنسان ولو لم يكن هكذا لكان من السهل أن يُعْطِي ولا يمتحن بذلك.

فهذا كله من اجل الامتحان ليعلم مدى الإلتزام الديني لهذا الإنسان.

مرات العرض: 3392
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2562) حجم الملف: 59286.3 KB
تشغيل:

تاريخ التشيع في آذربايجان
فهم الحديث ودوره في ثقافة الأمة