المجوس هل هم أهل كتاب سماوي ؟
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 26/9/1437 هـ
تعريف:


المجوس هل هم أهل كتاب سماوي؟

تفريغ نصي الفاضلة أم هادي / نيوزلندة

تصحيح الأخ الفاضل سعيد ارهين

                              

" إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد " الحج 17

المجوسية :

ديانةٌ توجد في عالمنا الإسلامي بالإضافة إلى الهند . عددُ أتباعها في العالم قرابة مئتي ألف . النسبةُ الكبرى للمجوس في الهند ، تليها إيران ثمّ أفغانستان ، ثم أقليةً مجوسية في شمال العراق من القومية الكردية .

 المجوس / الزرادشتيون :على قولٍ : إنّ المجوسية هي ذاتها الزرادشتية ( وهذا هو الرأي الشائع ) . وعلى قولٍ آخر : إنّ الزرادشتية فرقة من المجوسية .  سيتواصل البحث هنا بناءً على الرأي المشهور من اعتبار المجوسية والزرادشتية تعبيرانِ عن فرقةٍ دينيةٍ واحدة .

اعتقادهم في زرادشيت ( زرتوشت بالفارسية )   :

يقولون إن زرادشت كان قبل ميلاد السيد المسيح بخمسة قرون - ، وأن هذا الرجل في زعمهم تجلّى له جبريل – عليه السلام - وأمره بخلع جسده ( خلع البدن) والانطلاق بالروح نحو السماء

( فكرة خلع الجسد موجودة عند فئة معينة من العرفاء المسلمين ) . وحين وصل إلى السماء اجتمع مع إله الخير ( آروها مازدا ) وتعلّم منه الأحكام والشرائع ، ثم نزل إلى الأرض وبدأ يدعو لهذه الأفكار والعقائد . وتعرّف على أحد الأمراء وكان في شرق إيران (خراسان والمنطقة المحاذية لأفغانستان)، فأعجب الأمير بزرادشت وزوّجه إحدى أميرات الأسرة ؛ فأصبحت له حظوة عند الأمير ، مما مكنه من بثّ دعوته .

كانت عبادة زرادشت مقابل النارإلى أنْ توفي ودُفن في بلخ (إحدى المناطق الأفغانية ؛ إذ كان محور نشاطه في هذه المنطقة وقد توسعت دعوته تجاه الهند) ؛ و لذلك إلى اليوم الجالية الأكبر للمجوس في الهند . أما من ناحية نبوته ؛ ليس هناك من نصٍ أو موروثٍ ديني يثبتُ أنّ زرادشت كان نبيًّا .

والمجوسية ديانةٌ لا تنحصر في قومية عرقية أو سلالةٍ معينة . ونعتُ المنتمين للعرق الفارسي بالمجوس ؛ لا يعدو ضربًا من التهريج المنطلق من نفسٍ طائفي .

احتلّ الإسكندر المقدوني بلاد فارس بعد ظهور زرادشت بثلاث مئةِ سنة ؛ فقضى على الديانة المجوسية مؤقتاً وأتلف كتبها ولم يسمح للناس بالاستمرارعليها . وبعد زوال حكم الاسكندر عاد الناس لممارسة المجوسية وإعادة كتابة كتبها المعتمدة ككتاب (ايفستا) .

عقائد الزرادشتيين الموجودة للآن :

1) ا الثنوية : يعتقد المجوس بثنائية الخالق لا بتوحيده.

فخالق الخير والجمال والكمال والرحمة والنعمة والعطف هو (آهورا مازدا). وخالق الشروروالميكروبات والأمراض والموت وكلَّ شيءٍ سيءٍ هو (آهريمن). يحكم هذان الخالقان العالم وبالتالي الصراع ( بينهما ) بين الخير والشر مستمر.

كيف يُعامَلُ المجوسُ معاملة أهل الكتاب وهم يعتقدون بخالقين اثنين ؟!

الجوابُ هوأنّ أصل المجوسية كانت دينًا توحيدياً ، ثم على أثر إتلاف الكتب (أو ربما حتى من أيام زرادشت) حدث انحرافٌ عقدي وسلوكي . فعَدُّ المجوسِ من أهل الكتاب كان بلحاظ أصل الديانة قبل أن يطرأ عليها التحريف وابتداعُ الثنوية ؛ تمامًا كما حدث في المسيحية من ظهور فرقٍ تؤمن بالتثليث (الأب والإبن وروح القدس) ؛ ولم يمنعْ ذلك الانحراف من النظرإلى المسيحين باعتبارهم أهل كتاب سماوي في الأصل . 

2) تقديس النار: يرى المجوسُ في النار مصدرالإشراق والطهارة . فهي مُطهِّرةٌ لغيرها ، لا ينالها نجاسةٌ أو رجسٌ ؛ لذا تستحقُّ التقديس والتكريم . ومن هنا عدّوها أصلَ العناصر الأساسية الموجودة في الكون ( التراب والماء والنار) .

ومن مظاهر تكريمها وتقديسها أنهم يبقونها متقدة دائماً لهم في أماكن يخدمها سدنةٌ موكّلون بها ؛ كي لا تنطفئ ، لاسيما في الجبال المرتفعة وهي من مظاهر الإله . وهذا من الأفكار البعيدة عن الوسط التوحيدي والسماوي عندهم.

3) نكاح المحارم : يعتبرونه من الأمور المستحبة ! .

كتبَ أحدُ المعاصرين منهم : (( بحسبِ كتبِ المجوسيةِ القديمة أنّ من يتزوج أمه سنةً كاملةً كأنه زرع ثلث الأرض! ، فإنّ تزوجها سنتين فقد زرع ثلثي الأرض ، ومن تزوجها ثلاثَ سنواتٍ فقد زرعَ الأرض كلّها . وإذا أنجب منها نالَ أعلى الدرجات ! )) .

يفسرون ويبررون لهذه الممارسة بأنّ العلاقة الزوجية تهدف إلى الراحة ؛ لذا فإنّ الأم والبنت والأخت أولى الناس بالراحة والبِر ، وإنّ الزواج من المحارم نوعٌ من صلة الرحم !.

ويدعّمون منهجهم بالكلامِ في العمليات التناسلية الأولى للبشرية ؛ أي كيفية تكاثر أبناءِ آدم المباشرين .

 بدء تناسل البشرية :

 النظرية الأولى :

إنّ آدمَ كان يُنجب ذكرًا وأنثى في كلّ بطن ، ويتزوّج الذكرمن الأنثى التي جاءت من غيرِ البطن الذي جاء منه . وهما في النهاية إخوة . فيسأل المجوس : لماذا الاستنكار عليهم في نكاح الأخت – بالتحديد – وهذا هو الأصل في تناسل البشرية ؟.

  النظرية الثانية:

الرأي المحقّق من روايات أهل البيت - عليهم السلام - أنّ الأسر البشرية الأولى التي تكونت بعد آدم وحواء ، كانت من ذكورٍ أنجبهم آدم ، وخلق الله لهم أزواجًا إناثـًا ؛ كما خلق حواءَ لآدم أبيهم .

 وحتى بناءً على النظرية الأولى ؛ أي تناسل البشرية بزواج أبناء آدم من أخواتهم لغير البطون التي ينتمون إليها (( وهي تمثّل الرأي المشهور في مدرسة الخلفاء و يشترك معهم فيه بعضُ علمائنا )) يردُّ القائلين بها من علماء المسلمين : بأنّ التحليل والتحريم يدور مدار تشريع ذلك ؛ فمتى ما أحلّ الله أمرًا كان حلالًا ، ومتى ما حرّمه كان حراماً. فجوازُ ذلك في الأسر الأولى الملاصقة لآدم ؛ لا يعني ديمومة جوازه لاحقًا وقد جاءت الشرائع السماوية اللاحقة لآدم بتحريم نكاح المحارم من الأم والأخت والبنت .... .

 وتوجدُ أمثلةٌ على إباحةِ أعقبها تحريم لذات الموضوع في الشريعة الواحدة ؛ بغيةَ التدرّج في الحرمة ؛ ومن ذلك حرمة الخمر التي جاءت بالتدرّج ؛ حيث حُرّم بدايةً وقتَ الصلاة ، كما في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى  )) النساء 43

، ثم جاء التحريم المطلق له في قوله تعالى : ((   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  )) . المائدة 90

 ملحوظة : قضية النسب أمرٌ معقدٌ يرتبط فيما يرتبط بالميراث . والمجوس بفعلَتهم في نكاح المحارم إضافةً إلى مخالفتهم للذوق والفطرة السليمة ناهيك عن مخالفة الدين والشرائع ؛ عقّدوا مسألة الميراث بينهم ؛ حيث اختلطتْ أنسابهم . ومن هنا برز في الفقه الإسلامي مبحثٌ بعنوان : كيف يتوارث المجوس ؟

 4 - ترك جثث الموتى للافتراس:

لا يدفن المجوسُ موتاهم في الأرض ؛ لئلا يُسببوا إفسادًا للطبيعة بالقذارة والنجاسة. وكذلك لا ينتهجون طريقةَ الهندوس الذين يُحرقون موتاهم بالنار! ؛ بل يُلقى الميت بحسب الديانة المجوسية في أماكن عالية كي تأكله الغربان والطيور المفترسة الجارحة ؛ وفي ذلك امتهانٌ لكرامة الإنسان من جهة ، وتعكيرٌ لنقاء الطبيعة بالرائحةِ الكريهة والأشلاء المتعفّنة من جهةٍ أخرى .

 
لماذا عدّ أكثرُ العلماء المجوسَ ضمن أهل الكتاب ؟

 ذكرنا آنفًا أنّ رأي مَن عدهم أصحابَ كتابٍ سماوي ؛ هو أنّ ( الثنوية ) مبتدعَةٌ طارئةٌ على دينهم ، ، والأصل كون الديانة المجوسية ديانةً سماويةً توحيدية قبل الانحراف العقدي الطارئ على أتباعها.
•يوجد رأيٌ غيرُ مشهورٍ لقلةٍ من العلماء من المدرستين ( مدرسة أهل البيت ومدرسة الخلفاء ) مفاده أنّ المجوسَ ليسوا من ضمن أهل الكتاب ؛ مستدلين بقوله تعالى:

 ( أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين (    الأنعام 156

فقالوا : تدّل الآيةُ على أن هناك طائفتين من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) ولم يأتِ ذكرُ طائفةٍ ثالثة .

إضافةً إلى أنه لم يُعرف أن لدى المجوسِ كتابا ، أوبُعثَ إليهم نبيٌّ .

 الرأي الشائع عند علماء المسلمين في المدرستين (مدرسة أهل البيت ومدرسة الخلفاء) أنّ المجوس يعاملون معاملةَ أهل الكتاب ؛اعتماداً على رواية للرسول الأكرم -ص- من أنه قال:   سُنّوا بهم سُنّة أهل الكتاب 

وهذا بأحد معنيين :

١) الأمر بمعاملتهم كأهل الكتاب ؛ وإنْ لم يكونوامن ضمنهم ؛ أي الحكم عليهم بالطهارة ، وجواز النكاح منهم ، وقبض الجزية منهم مقابل حمايتهم في البلاد الإسلامية ، والسماح لهم بممارسة شعائرهم العبادية ، وإباحة ذبائحهم (وهذا الأخيربحسب مدرسة الخلفاء فقط ؛ بينما لا يحلْ ذلك في مدرسة أهل البيت ).

٢)  هم أهل كتابٍ سماوي بالفعل ؛ إذ لو كانوا وثنيين فلا معنى أن يُعاملوا معاملة أهل الكتاب. الوثني الكافر نجسٌ لا يجوز الحكم بطهارته ! نعم أصاب كتابهم التحريف ، وخالط عقيدتهم وسلوكهم الابتداع ، ولكنهم في أصلهم أهلُ كتاب.

 وتوجد رواياتٌ تعيِّنُ أنهم أهل كتابٍ ولهم نبيٌّ ، ولكنهم قتلوا نبيهم وأحرقوا كتابهم وهذا ما ورد في حديث لرسول الله محمد -ص- حيث جاء في الكافي - وإن كانت رواية مرسلة إلا أنه عُمل بها من قبل العلماء- : سُئل أبو عبدلله الصادق عن المجوس ؛هل كان لهم نبيٌّ؟  فقال عليه السلام : نعم . أما بلغك كتاب رسول الله - ص- إلى أهل مكة أنْ أسلموا وإلا نابذتكم بحرب؟  فكتبوا إلى رسول الله : خذْ منا الجزية ودعنا على عبادة الاصنام.

فكتب إليهم -ص- : إنّي لا آخذُ الجزية إلا من أهل الكتاب .  فكتب كفار قريش - يريدون تكذيبه - : زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب وقد أخذت الجزية من أهل هجر ! (كانت مستعمرة للفُرس من الأحساء للبصرة) .فكتب إليهم النبي : ((إنّ المجوسَ كان لديهم نبيٌّ فقتلوه وكتاب فأحرقوه )).

على هذا فإنّ التحريف أصبح بعد حرق الكتاب المنزل إليهم ؛ لا سيما ذلك التحريف الذي أنتج قضية نكاح المحارم ؛ إذ سنَّ تلك السنةِ فيهم حاكمٌ استهوته أخته فائقةُ الجمال ؛ فسخّررجال البلاط لإصدار فتوى تبيح نكاح المحارم ، وتابعه رعيته في ذلك .

بناء على هذه الرواية وبناء على ما قال العلماء من أن ّ - الله سبحانه وتعالى - مايزَ بين المجوس والذين أشركوا في قول تعالى: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا" فقد عدّ المجوسَ بجانب اليهود والنصارى في مقابل الذين أشركوا؛ مما يعني أنّ أصل ديانتهم ديانة سماويةٌ توحيدية ، والتحريف طارئٌ عليها ؛ فأتباع الديانة المجوسية أهلُ كتابٍ في الأصل .

   ولهذا نعلم أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام .

يقول أمير المؤمنين والإمام الحسين عليهما السلام: ((اعلمْ إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةٌ من أعظم (في نص آخر أعظم) الفرائض" بها يُقام الدين ، بها تُقام الصلاة )) .

 ذلك لأنّ إقرارُ أمرٍ ليس من الدين بالقوة والسلطان إذا لم يصاحبه أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر يبيّن منكره ويحذّرمن احتذاءِ حذوه ؛ يتحوّل المنكر إلى شريعةٍ يُتعبّد بها دون حرج .

 وخلاصة ما ورد في المحاضرة :
•أنّ أتباع المجوسية أقليةٌ ؛ لا يكاد يزيد عددهم على مئتي ألف في العالمِ كله .
•الرأي المشهور لعلماء الإسلام أنّ المجوس يعاملون معاملة أصحابِ الكتاب ؛ وبالتالي هم داخلون في أقسامِ أهل الكتاب إلى جانب اليهود والنصارى .
•عقائدهم التي لا تنسجم مع الشرائع السماوية الأخرى ( كعقيدة الثنوية ، وتقديس النار، و نكاح المحارم ، وترك جثث الموتى للكواسر والجوارح ) كلُّ تلك العقائد طارئةٌ لسبب الانحراف والابتداع .

مرات العرض: 3502
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 57766.3 KB
تشغيل:

الاسلام من الخارج : جغرافية الامة وتاريخ عقائدها
بوذا هل هو نبي ؟