الاسلام من الخارج : جغرافية الامة وتاريخ عقائدها
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 22/9/1437 هـ
تعريف:


22- الإسلام من الخارج جغرافية الأُمَّة

وتاريخُ مَذَاهِبِه

 

صياغة الأخ الفاضل لؤي يوسف طرَّادة

"إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ"[1]

يجب علينا أن ننظر للإسلام من خارجه، وذلك بتعريف حالة الأُمَّة والمسلمين, والمسلمون هم الذين يحملون المقوِّمات الأساسية للإسلام، وهم الذين يشهدون بأنْ لا إله إلا الله, ويشهدون بأنَّ محمدًا رسول الله، ويؤمنون باليوم الآخر.

والمسلمون يشكِّلون الأُمَّة الإسلامية، فهذه الأُمَّة اليوم تشكِّل جزءًا من عالم البشر، حيثُ يقدَّرُ المسلمون في العالم بمليار وست مئة مليون مسلم يتوزَّعون في سبعة وخمسين دولة مسلمة، والدولة المسلمة هي التي يتجاوز عدد المسلمين فيها الخمسين بالمئة حتى وإن كانت حكومة هذه الدولة ونظامها من غير المسلمين, كلبنان مثلاً.

كما إنَّ بعض المراكز الإسلامية في العالم في تقديرات أخرى وصل بها العدد إلى ما يقارب 2 مليار مسلم في العالم, وحيثُ إنَّ عدد سُكَّان العالم ما يقارب ثماني مليارات؛ فبذلك يمثِّل المسلمون رُبْعَ العالم.

وعلى كُلِّ حالٍ فإنَّ هذه الإحصائيَّات تقديريَّة, ولا توجد إحصائيَّة دقيقة جِدًّا يمكنها أنْ تحدِّدَ عددَ المسلمين في العالم؛ حيث إنَّ العدد في زيادة ونقصان، وبذلك يكون مجال الاختلاف في هذا الباب واسعًا.

ولكنْ من المؤكَّد أنَّ المسلمين يشكِّلون أكثر من عشرين بالمئة من سُكَّان الكرة الأرضية, وبذلك يُصبح الإسلام من أكبر الأديان في العالم من حيثُ التَّابعين، إضافةً إلى ذلك فإنَّ الإسلام هو الدِّين الأسرع انتشارًا في العالم من الديانات الأخرى، سواء كانت ديانات سماوية كالمسيحية واليهودية، أو ديانات غير سماوية كالبوذية والهندوسية, وبهذه الخاصِّيَّة من المحتمل أنْ يتجاوزَ الإسلام الدِّيانة المسيحية التي تعتبر الدِّيانة الأكبر من حيث عدد التَّابعين في العالم.

السنة والشيعة :

يمكن أنْ يُقَسَّمَ الإسلام إلى عِدَّة أقسامٍ, ولكنَّ أهمَّ تصنيفٍ وتقسيمٍ كان من السَّابق وإلى الآن لا يزال مشهورًا ومعروفًا بمصطلح (الشِّيعة) و (أهل السنة), حتَّى وإن كانوا يستخدمون مصطلح (أتباع مدرسة اهل البيت) و (أتباع مدرسة الخلفاء).

ويكون هذا الانقسام مُهِمًّا جِدًّا مِن عِدَّةِ جوانب:
1.كان هذا الانقسام من السَّابق ولا يزال مستمرًّا.
2.هو انقسام ذو أثر مهم, فالانقسام من جوانب مُهِمَّة جِدًّا كالمفاهيم العقائدية والفقهية والفهميَّة, وذلك له آثار فكرية وسلوكية وعملية.

الناظر إلى تاريخ المسلمين وحاضرهم يلاحظ بأنَّ هناك انقسامًا بين الشيعة والسنة. والشِّيعة تعني أتباع الشَّخص، فعندما نقول فلان من شيعته؛ أي من أتباعه. وعلى ذلك فإن نبيَّ الله نوح (عليه السلام) بعدما دعا قومَه وصمد وصبر أمام التَّكذيب؛ اتَّبعه على ذلك نبي الله إبراهيم (عليه السلام), كما جاء في القرآن الكريم: "وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ"[2].

فنبيُّ الله إبراهيم اتَّبَع نبيَّ اللهِ نوحًا فصار من شيعته والتابعين له في أفعاله وأقواله, وذلك من العناصر المشتركة بين الأنبياء (عليهم السلام).

ووردت هذه الكلمة (الشِّيعة) في مَن كان مواليًّا لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) والتَّابعين له والسَّائرين على خطاه في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم), وكان هناك قسم من الصَّحابة منسجمين مع علي بن ابي طالب ومتَّبعين له لقناعتهم بأنَّه المثل الأكمل لشخصيَّة الإسلام. وورد عند الإمامية وأيضا عند أهل السنة أحاديث ذكر فيها مصطلح (الشيعة) أو (شيعتك يا علي) وغير ذلك.

وأصل هذا الانقسام هو بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلَّم), فكان السؤال: هل كلَّف رسولُ الله أحدًا من بعده كَوَلِيٍّ وإمامٍ وَوَصِيّ؟.

يقول الإماميَّة بأنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عَيَّنَ بالنَّصِّ وبالاسم أميرَ المؤمنين عليًّا (عليه السلام) تعيينًا عامًّا وخاصًّا وشخصيًّا من بداية البعثة وإلى وفاته بمختلف العبارات والأساليب, بل لم يكتفِ بالقول فحسب، وإنَّما بالفعل أيضًا حيثُ نَصَّبَه فِعلاً وأمر النَّاس بمبايعته في يوم الغدير. وعلى هذا الرَّأي يعتقدُ الإماميَّةُ بأنَّه كان من المفروض أن يتمَّ مبايعةُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ (عليه السلام) وتقليده مقاليدَ الخلافة واتِّباعه.

الرَّأي الثاني هو لأهل السنة، والذين صاروا فيما بعد يُسَمَّونَ بأهل السُّنَّة والجماعة, ( وقد يعبر عنهم بمدرسة الخلفاء ) حيثُ يعتقدون بأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن له رأيٌ خاصٌّ في تعيين الوليِّ من بعده, بل ترك الأمرَ للأُمَّةِ الذين اختاروا في المرحلة الأولى الخليفةَ الأول بطريقةٍ, والخليفة الثاني بطريقةٍ أخرى, والخليفة الثالث بطريقةٍ ثالثةٍ, والخليفةَ الرَّابع بطريقةٍ رابعةٍ, ولم يَنُصَّ على أحدٍ باسمه أو يُنَصِّب أحدًا من بعده, ويرَونَ بأنَّ هذا الأمرَ هو أمرٌ طَبِيْعِيٌّ.

هذا الموضوع هو بداية الانقسام الأصليّ بين المذهبين, إمَّا من نصف القرن الأوَّل للإسلام في سنة خمسين للهجرة، ونتيجةً لتطوُّر المجتمعات الطبيعيِّ ظَهَرَتْ أسئلٌة تنتظر إجاباتٍ, أسئلةٌ مختلفة عن بداية الدَّعوة؛ حيثُ كانت الأسئلة آنذاك بسيطةً وابتدائيَّة نظرًا للمجتمع المعاصر، أسئلة عن صفات الله (عزَّ وجلَّ) وعدالة الله (عزَّ وجلَّ) وعن القرآن الكريم والأنبياء والمرسلين. وهذه الأسئلة التي تعتبر مختلفة وأكبر من سابقتها جاءت بسبب النُّمُوِّ التدريجي للمجتمع, وحين توسَّع الإسلام وأسلم بعض أهل الكتاب كاليهود والمسيح أدخلوا ثقافات وآراء مختلفة, فكانوا يعتقدون في كتبهم أنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يغضب ويحزن ويبكي -والعياذ بالله-, فأثاروا بذلك أسئلة عن صفات الله (عزَّ وجلَّ), فهل الله في التوراة هو المقصود في الإسلام؟

هذه الأسئلة جعلت القِسْمَين (الشيعة) و (أهل السنة) مضطرين للإجابة على هذه الأسئلة، كلٌّ بطريقته. الشِّيعة أخذوا أجوبتهم من أئمَّتِهم، وعلى الخصوص أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أكثر من الخطب التي تُنَزِّهُ اللهَ (عزَّ وجلَّ) وتُوَحِّدُهُ وتُجِيبُ على هذه الأسئلة، ومنها المذكور في كتاب (نهج البلاغة)؛ الذي هو بعضٌ من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام), حيث ورد الكثير من أحاديثه، ولم ينقلها الشَّريف الرَّضي في كتاب نهج البلاغة.

المدارس الكلامية في المسلمين :

في القرن الثاني للهجرة ومع تطور الزَّمان استمرَّت هذه الأسئلة ولم تختفِ, مِمَّا سَبَّبَ انقساماتٍ جديدةً؛ فظهرت مدارس كلامٍ جديدة، فصارت هناك ثلاثة مدارس كلاميَّة معروفة:
1.الأشاعرة 2. المعتزلة   3. الشيعة

وتعتبر فرقتَي الأشاعرة والمعتزلة من فرق أهل السُّنَّة والجماعة, والأشاعرة هُمُ الفئة العامَّة من أهل السنة، وهم الذين يجرون الصفات الإلهية كما ورد بها الخبر، فيعتقدون بأنَّ لله يَدًا، ويستدلُّون بالآية: "يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ"[3]، وله وجه: "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"[4]، ولكن يعتقدون بالاختلاف، كاختلاف أعضاء الطِّفل عن الرجل الكبير حسب الحجم، فمثلاً يد الله تناسب عظمته، ووجه الله يناسب قدرته وهيبته.

أمَّا فرقة المعتزلة فقد تشابهوا كثيرًا في أصول أجوبتهم مع الشيعة, حتى ذكروا أنهم أخذوا الاعتزال من أمير المؤمنين عن محمد بن الحنفية عن ابنه أبي هاشم، ثم امتدَّت سلسلتهم بعد ذلك, وهم يعتقدون بذلك بأنَّ أصولهم شيعية.

ومن أمثلة ما يتشابهون مع الشيعة هو ما يرتبط في صفات الله الخبرية، وصفات الله الخبرية تعني التي جاء النقل بها، فهم يعتقدون مثل أتباع أهل البيت (عليهم السَّلام) في أنَّه لا يمكن حمل بعض الآيات على ظاهرها على الجوارح والأعضاء، بل لها تأويلٌ آخرُ إذ لا يمكن القول بأنَّ لله يدًا أو وجهًا أو رِجْلاً.

ومن الأمثلة أيضًا، أنَّ المعتزلة ترى نفس الرَّأي في عدل الله؛ حيثُ تعتقد بأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) جعل على نفسه العدل ولم يلزمه أحد على ذلك، فيما يرى الأشاعرةُ بأنَّ الله غيرُ مُلْزَمٍ بالعدل، فيستطيع أنْ يرمي مؤمنًا في النَّار وأنْ يُدْخِلَ قاتِلاً مُجْرِمًا الجَّنَةَ.

وتتفرَّعُ من هذا الموضوع مسائلُ كثيرة، ولذلك يجعل الإمامية (العدل) واحدًا من أصول المذهب، كما تَتَّفقُ معهم فرقةُ المعتزلة أيضًا.ولهذا عرفوا ( الامامية والمعتزلة ) بالعدلية.

إلى الآن رأينا بأنَّ هناك انقسامين, الأول: بين الفرقتين المشهورتين (الشيعة والسنة) في مسألة تحديد الإمامة, والانقسام الثاني: في الإجابة على الأسئلة عن صفات الله وعدل الله بين (الأشاعرة والمعتزلة والشيعة). يوجد أيضا انقسام ثالث وهو

الانقسامٌ الفقهيٌّ في المذهب.

في هذا الانقسام يرى أتباع مدرسة الخلفاء بأنه بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توقَّف الوحيُ والنَّص والحديث, ومُنِعَت كتابةُ الحديث النَّبَوِيِّ في أيام بعض الخلفاء؛ لأسباب لا يراها الإماميَّةُ صحيحةً، ومنها: تجنُّب اختلاط القرآن الكريم مع حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكتب الحديث ويدون إلاَّ في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز. أما في مدرسة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فلم تتوقَّفِ كتابةُ الحديث, كما أنهم يجعلون حديثَ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في الحُجِّيَّة كحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعتنون به ويُدَوِّنُونَه تَمَامًا كحديث الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلم).

وبهذا فإنه ومن وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سنة 11 للهجرة، وإلى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز سنة 99 أللهجرة لم يُدَوَّن حديثُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، وعندما دُوِّنَ لم يَكُنْ كافيًا لحلِّ المسائل الفقهية التي تَتَجَدَّدُ وتزداد باستمرار، وعلى الخصوص مسائل الحج؛ لهذا كانت لدى أتباع مدرسة الخلفاء مشكلة في هذا الجانب, فقاموا بابتكار أدلَّةٍ جديدةٍ؛ كأفعال وأقوال الصَّحابة حتى وإنْ لم يسندوها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو قياس الأشياء ببعضها البعض، أو الاستحسان، أو المصالح المرسلة، بل قاموا يأخذون الأدلَّة من أفعال أو أقوال أهل المدينةأ حتى كَثُرَ الفقهاء وكثرت المدارس المختلفة والآراء, فكانت هناك أكثر من اثنين وعشرين مدرسة فقهيَّة في زمن الإمام الصادق (عليه السلام) والخمسين أو الستين سنة التي تليها, حتى انتهى الأمر بهم إلى تحديد أربعة مذاهب وكان ترتيبها حسب الزمن التاريخي, فكان أولها:
1.مذهب أبي حنيفة النعمان، والمعروف بالمذهب الحنفي المتوفى عام 150 هـ.
2.مذهب مالك بن أنس الأصبحي المعروف، بالمذهب المالكي المتوفى عام 179 هـ.
3.مذهب محمد بن إدريس الشافعي، المعروف بالمذهب الشافعي المتوفى عام 203 هـ.
4.مذهب أحمد بن حنبل الشيباني، المعروف بالمذهب الحنبلي المتوفى عام 241 هـ.

وقد تحدثنا عن خصائص هذه المذاهب وسيرة أئمتها في سلسلة أخرى تحت عنوان ( من تاريخ المذاهب عند المسلمين ) .. وأصدرت الخلافة العباسية أمرًا باتِّباع أحد هذه الأربعة المذاهب, في حين استمرت الإمامية على ما كانت عليه من استباط الأحكام من القرآن الكريم وأحاديث الرَّسول والأئمة المعصومين (عليهم أفضل الصلاة والسلام), ولم تحدث اختلافات في المذهب الإمامي كما حدثت في المذهب السُّنِّيِّ.

وبهذه الانقسامات يصبح لدينا خمسة انقسامات على المذهب الفقهي (المذهب الحنفي, المالكي, الشافعي, الحنبلي والمذهب الشيعي)

ويعتبر أمير المؤمنين (عليه السلام) هو المؤسِّس لعقائد المذهب الإمامي، حيث يعتبر كتاب (نهج البلاغة) بعد القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية هو المصدر الأساس للعقائد الأساسيَّة، وفيه تفاصيل العقيدة, فأمير المؤمنين (عليه السلام) وكما يطلق عليه (رائد العدل) هو المؤسِّسُ, كما أن فرقة المعتزلة يأخذون من عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) ويعظِّمون من شأنه. ولكنْ مع الأسف إنَّ فرقة المعتزلة الذين كانوا أصحاب تَوَجُّهٍ عقلي ينسجم مع الحالة الشيعية طُرِدُوا من الإسلام, فلا نجد اليومَ أحدَ المسلمين يُطْلِقُ على نفسه أنه صاحب تفكيرٍ معتزلي.

 

[1] الأنبياء: 92

[2] الصافات: 83

[3] الفتح: 10

[4] الرحمن: 27

 

مرات العرض: 3383
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2554) حجم الملف: 61008.74 KB
تشغيل:

النبي الشهيد يحيى بن زكريا
المجوس هل هم أهل كتاب سماوي ؟