دين الاسلام : رؤية من الداخل
التاريخ: 24/9/1437 هـ
تعريف:

18- دين الإسلام رؤية من الداخل

تفريغ نصي الفاضل علي حسن حبيب الجمريّ

تصحيح الأخ الفاضل سعيد ارهين


          بسم الله الرحمن الرحيم

{ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران84-85

                            مقدمة البحث :

هناك ثنائياتٌ تعتبرمعضلةً في سائر المناهج ، بينما الإسلام يوازن بينها ؛ فتبدو منسجمةً و متآخية ... من ذلك :
   مسألة العقل أو النقل :
السؤال المطروح حول هذه الثنائية :
 هل نعتمد في أحكامنا العقائدية أو أحكامنا الشرعية على ما يصل إليه عقل الإنسان عبر القواعد والبراهين العقلية  ؛ أو أننا نذهب إلى ماجاء به النقل سواءً كان عبر القرآن الكريم أو كان عبر سنة رسول الله (ص) .

التعارض بين أمر النقل وأمر العقل قضيته محلولةٌ في الإسلام ؛ وذلك لأن الأدلة الأربعة التي يعتمدها علماءُ الإسلام في الاستنباط الفقهي تضم الجانبين النقلي العقلي .

وكذلك بالنسبة للعقائدالإسلامية ؛ لا توجد عقيدةٌ إسلاميةٌ واحدة تصطدم بالعقل وتقريراته ؛ بل إنّ المنهج العقلي جليُّ واضحٌ -على صعيد العقيدة – في إثباتات وبراهين القران الكريم .
على سبيل المثال ... نلحظ في القران الكريم جداله العقلي مع المشركين بالله إلهًا خالقًا رازقًا غيره – تعالى الله عما يقولون – أنْ لو كان إلهين خالقين؛ لحاول كلُّ إلهٍ الانفراد بما خلق ، وحاول التسلّط على منافسه .

يقول الله تعالى :( مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍۢ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ ۚ سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُون)المؤمنون91

  التعارض أو التضاد بين الدنيا والآخرة :
الإسلام دينُ الوسطية والموازنة في كلّ شيء . أوجد الله الإنسان على هذه الأرض ، وأمره بتعميرها واكتشاف كنوزها ، وتسخير مدخراتها لخدمته  .
فليس مقبولاً في المنهج الإسلامي من الفرد أنْ يُهملَ معاشه وحاجاته الطبيعية بحجةِ انصرافه للآخرة وزهده في الدنيا ، كما في المقابل ليس مقبولاً منه أنْ ينغمس في الدنيا فتكون أكبرَ همّه ؛ منصرفًا عن الهدف الأساس لوجوده . (( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ)) القصص 77

 يريد الإسلام للإنسان أنْ يحيا حياةً كريمةً متمتِّعًا بنعم الله عليه دون طغيانٍ أو إسرافٍ ؛ إذ يَعدُ القران الممتثلَ بالمنهج القويم بقوله :{فلنحيينه حياةً طيبة } أي في هذه الدنيا . وكذلك يعده بقوله  { ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعملون} أي في الآخرة .
 فيما يرتبط بالمناهج الاجتماعية :
مثالٌ على ذلك جدلية التفاضل بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع:

هل أنّ الأولوية المطلقة للفرد ؟ ، وبالتالي فإنّ القوانين التي تخدم الفرد بشكل أساس؛ تعطي له الحرية الكاملة على الصعيد الشخصي والحرية الاقتصادية في الاستثمار ، وغير ذلك من الأمور .

أم أنّ العكس هو الصحيح ؛ فتوضع القوانينُ مفصَّلةً لخدمة المجتمع وإنْ أضرّت بالفرد وسحقته وضيّعتْ حقوقه  .
الإسلام يراعي مصلحةَ الفرد في إطار مصلحة المجتمع ؛ يضع على الفرد مسؤليات معينة ، ويهبه حريةً مؤطَّرةً بقوانين منها قانون ( لا ضرر ولا ضرار )) . وكذلك على الأمة والمجتمع أن لا تطغى على حقوق فردٍ من أفرادها بذريعةِ مصلحةٍ عامة ؛ بل يُصدِّر الإسلامُ خطابًا للمجتمع فيجعل من خلاله المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ ، يسيرون في حركة متسقة ؛ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
 
                            بعد هذه المقدمة نتحدث عن ماهو الإسلام من الداخل  .

هل الإسلام هو الصلاة والصيام؟
هل الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (ص) .
ما هو الإسلام الذي نحن بصدد الحديث عنه؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسلام لغةً :الاستسلام لله. قال تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن} يعني أطاع الله خاضعًا مستسلمًا .

الإسلام في الاصطلاح :  دينٌ سماوي أنزله الله سبحانه وتعالى ليكون لعامة البشر؛ فهو الدين الخاتم للديانات السماوية، وارتضاه الله تعالى لخاتم الأنبياء والرسل، نبينا محمد صلى الله عليه وآله .

الإسلامُ عبارة عن مثلثٍ ، أضلاعه الثلاثة تمثّل الآتي :

الضلع الأول : يرتبط بالإيمان العقدي - وهذا الأمر محله قلب ُالإنسان - ويحتوي على جملة عقائد أساسية ومركزية  ، ويتبعها عدد من العقائد الفرعية .

 وأول العقائد الأساسية الاعتقاد بالله  - عز وجل -  والإيمان بأنّه واحدٌ  أحدًا فردًا صمدًا  .

و ليس التوحيد الاعتقاد بوحدانية الله فحسب ؛ بل لا بد مع ذلك من توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال وتوحيد التدبير وتوحيد التقنين وتوحيد الرازقية وتوحيد الطاعة وتوحيد العبادة ؛ فكل ذلك يدخل ضمن التوحيد.

توحيد الذات : بمعنى أن يعتقد الإنسان أنّ الله واحد ٌأحدٌ لا شريك له ولا ندَّ له ولا ضدَّ له ولا مثيل وليس له ابن أو زوجة .
توحيد الصفات : يعني الاعتقادُ أنّ صفات الله - عز وجل - عينُ ذاته ؛ وليست زائدةً عليه.
يعني لا توجد صفةٌ لله طارئة ؛ لم تكن موجودةً ثم وُجدتْ ؛ بل هو السميع ، وهو الغني ... سمعًا وغنىً لا ينفكان عنه - تعالى – ولا يطرأ عليهما زيادةٌ ولا نقصان ؛ فهما – كما بقية صفاته – عين ذاته .

 توحيد الأفعال  :
بمعنى أنّ الفاعلَ في هذا الكون هو الله وحده لا شريك له ، هو الخالق و الرازق و المدبر و الآمر و الناهي ، لا يوجد أحدٌ إلى جنب الله عز وجل يفعل فعلًا ، بل الله هوالفاعل الحقيقي دون سواه  .
ولا تناقض بين وجودالأسباب الطبيعية وبين كون الله تعالى هو الفاعل ؛ فالله  هو الذي خلق الأسباب ، وأعطى للموادِ خواصها .
بل إنّ الله سبحانه قد يمنُّ على بعض عباده لغايةٍ بأنْ يمنحه قدرةً من قدرته ؛ كما أعطى لنبيه عيسى – ع- القدرة على إحياء الموتى ، كما قال الله في كتابه الكريم على لسان عيسى :{ أبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله وأحيي الموتى بإذن الله }  .

توحيد التدبير:
الاعتقادُ أنْ ليس من مدبرٍ للكون وما فيه إلا الله تعالى .
ومن العقائد الأساس الإيمان بنبوة الأنبياء وفي طليعتهم نبينا محمد (ص) .
  يقول الله تعالى: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد من رسله } آل عمران 84.

نعتقد أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل إلى الخلائق لهدايتهم ، وأنّ رسالة رسول الله (ص) خاتمة الرسالات ؛ ناسخةٌ لما قبلها ؛ لا يجوز التعبدّ لله – ممّن وصل إليهم البلاغ – إلا وفقها.

وإلى جانب الإيمان بالله والإيمان برسول الله ؛ يضمُ هذا الضلع الإيمانَ باليوم الآخر و المعاد وما فيه من حشرٍ وحسابٍ وجنةٍ ونار .

كذلك يتفرّع عن العقائد الأساس المذكورة أعلاه عقائدُ – في مدرسة أهل البيت - كالاعتقاد بالأئمة الاثني عشر  المتفرّع من الاعتقاد بالنبوة  . كما توجد  تفاصيل في العقائد ترتبط بيوم القيامة وبعصمة الأنبياء والائمة وغير ذلك  .

الضلع الثاني :التشريع الفقهي بشقيه العبادي والمعاملاتي .

فالتشريع العبادي يعبّد الطريق للإنسان كي يصل إلى جنةِ الله تعالى . وعلى الإنسان أنْ يسير وفق هذا التشريع ؛ ولا يجوزُ له ابتكارعباداتٍ من عندياته ؛ فالعبادةُ توقيفية ؛ نقف فيها على ماجاء به الشرع ؛ إذ لا يجوز لأحدٍ أنْ يزيد في صلاة العشاء – مثلاً – ركعةً أو يُنقص منها ركعة .
كما لا يُقبل من أحدٍ إسقاط العبادات بحجةٍ إمكانية الوصول لجوهرها دون الحاجة للالتزام بمظهرها – كما سلك بعض المتصوفة - ؛ إذ قالوا : طالما أنّ القلب عامرٌ بحبّ الله والإيمان به ؛ فلا حاجةَ للمظهر العبادي الذي لا يعدو كونه طقسًا .
الله تعالى هو المشرّع ، وهو الذي جعل الوصول إلى رضوانه يمرُّ عبر الالتزام بأوامره ومنها تأدية العبادات وفق تشريعه تعالى .

أما التشريع المعاملاتي :

فهومجموعة من القوانين التي تنظّم علاقة الإنسان بما حوله وبمن حوله ؛ تنظم علاقته بالجماد والحيوان والنبات ، وكلّ الموجودات التي يتصل بها ؛ وعلى رأسها أخيه الإنسان .
فيهدف الشارع المقدّس  من خلال هذا التنظيم إلى إلى الوصول بالإنسان للحياة الطيبة .
تتصل هذه القوانين بكلّ شؤون الحياة من بيعٍ وشراءٍ أو زواجٍ وطلاقٍ أو علاقةٍ والديةٍ أو ذبحِ حيوانٍ أوتعاملٍ مع البيئةِ والطبيعةِ من بحارٍ وشجرٍ  ....
فالله تعالى هو الخالقُ ، وهو المالكُ الحقيقي ؛ لذا وجب على مَن أراد رضاه وجنته أنْ يسير وفق منهجه . وليس للعبد حتى التصرّف في جسده إلا بمراعات تشريع خالق ومالك ذلك الجسد وهو الله جلّ شأنه .

الضلع الثالث : النظام الأخلاقي وهو على مستويين ؛ إلزاميٌ وجوبي ، ومستحبٌ ترغيبي ( وهو الأكثر ) .

من ذلك - مثلاً – وجوب النفقةِ على الوالدين حال فقرهما وحاجتهما ، وصيرورة ذلك الوجوب إلى الاستحباب حال اكتفائهما وغناهما ؛ حيث يُعدّ من صلة الرحم .
الحالة الأخلاقية تحفظ التشريع وتحفظ العقيدة ، ولذلك لا ينبغي أن يتخلى الإنسان  عنها .

كلُّ ما انضوى تحت الأضلاع الثالثة - من عقيدةٍ وعبادةٍ ومعاملاتٍ وأخلاق - احتضن أصوله القرآن الكريم دون التفاصيل ، وكان عبءُ التفصيل على السنة الشريفة ، ومن ثمّ على كاهل العلماء المختصين في استنطاق النصوص المقدّسة  .
فالإسلام تشريعٌ متكاملٌ ؛ يهدف إلى خلق حياةِ طيبةٍ ترضاها السماء للإنسان  في هذه الدنيا ، كما يهدف إلى الأخذ بيد هذا الإنسان إلى رضا الله وجنته – إنْ التزم الإنسان بالمنهج الذي رسمه الله له –

ويبرز تساؤلٌ مهمٌ هنا :

إذا كان الإسلامٌ منهجًا متكاملاً ؛ ينظّم حياة المسلم في الدنيا ويسعده ، ويضمن له حياةَ الخلد في جنان الله ومرضاته ؛ فلماذا نرى المسلمين خلاف ما يهدفُ ويوصلُ إليه هذا المنهج ؟

وجوابُ التساؤل ... هو إنّ المنهج عبارةٌ عن طريق ؛ لا يكفي معرفته في الوصول إلى الهدف ؛ بل لابد من السير في ذلك الطريق للوصول .

 ونعتقد أنّه لوالتزم المسلمون بالإسلام حقّ الالتزام  ؛ لتحقّق وعدُ الآية الكريمة { وألّوا استقاموا على الطريقة لأسقيناهُم ماءً غدَقًا } الجن 16 .
 ووعد الآية الكريمة { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم }  المائدة 66.

 لكن للأسف لم يحصل هذا في بواكير هذه الأمة ناهيك عن زماننا هذا .
ـــ-----------------------------------------------------------------------------------

يثير بعض الكتّاب أنّ التوجه الثقافي لأبناء الشيعة دائمًا يتنكر لتاريخ الإسلام ، وينظر لهذا التاريخ بسلبية  . وهذا يقطع الصلة بين المسلمين من هذه الطائفة وبين ذلك التاريخ الذي كان زاهرًا .

والحقيقة ... هذا الكلام غير دقيق؛ فنحن نعتقد أنّ ما تم تطبيقه من الإسلام نسبة قد لا تتجاوز خمسين في المئة ،  ومع ذلك حصل من الخيرات للمسلمين شيءٌ كثير؛ فهذا الحديث عن التقدم العلمي في زمان المسلمين وعن استفادة الغرب من كتب المسلمين ، وعن الأخلاقيات الرائعة التي كانت عندهم ، وعن انتفاء الفقر - في بعض الفترات الزمنية - في مجتمع المسلمين ؛ هذا كله صحيح ، ونعتقد أنه من ثمار نسبةٍ من تطبيق الإسلام في جوانبه المختلفة .
لكن نحن متأسفون على ما تمّ التفريط فيه من إسلامنا العظيم ، متأسفون على النسبة المهدورة التي لم تُلتزم من قِبل الأوائل ؛ حيث بدأ الانحراف وازداد أثره مع كرّ الجديدين وتقدّم الزمان .

وأشارت السيدة الزهراء – عليه السلام –  في خطبتها الفدكية لذلك الانحراف وإلى أثره البالغ ؛ والذي سيظهر على الأمة فيما بعد .
تقول سلامُ الله عليها : ( أما والله لقد لقحت فنظرة ٌريثما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دمًا عبيطًا و ذعافًا ممطرًا مبيدًا ، هنالك يعرف التالون غبّ ما أسس الأولون)

تشبيهًا للحالة التي تمرّ بها الأمة بحال الحامل عندما تلقح تحتاج إلى تسعة شهور ، ثم يكون توقّع مجيءِ الولد وصفاته. فكأنّ الزهراء – عليها السلام – تخبرالأمةَ بفظاعةِ النتيجة المتولّدة عن انحراف الأوائل منها ؛ حين حادوا عن أهل البيت – عليهم السلام- إلى غيرهم .
سيعرف التالون غبّ ما أسس الأولون ، ويدركون أثر انحراف الأولين عن منهج السماء .
والنتيجة : (ثم أبشروا بسيفٍ صارم وسطوة معتدٍ غاشم يدع فيئكم زهيدًا) .

تكونون فقراء مع امتلاككم الثروات ؛ حيث لا قوةَ لكم أمام من ينهبها منكم ؛ فلا تنالون منها إلا الفتات .

 

 

 

مرات العرض: 3386
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2558) حجم الملف: 60893.11 KB
تشغيل:

نساء خالدات في الأديان السماوية
النبي الشهيد يحيى بن زكريا