النبي موسى حياته وعصره
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/9/1437 هـ
تعريف:

النبي موسى عليه السلام حياته وعصره

 

تفريغ نصي الفاضلة أم عبد الجليل الرميح

تصحيح الأخ الفاضل أبي محمد

 

المقدمة:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( نَتْلُوعَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ( (5)[1]

صدق الله العلي العظيم

 

سنتحدث في بحثنا هذا - بإذن الله تعالى – عن الآيات التي وردت في سورة القصص والتي تناولت ولادته ونشأته وما لاقاه في سبيل نشر الدعوة إلى الله تعالى.

النبي موسى بن وهيب بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم عليه السلام، له منزلة عظيمة بين الأنبياء، حيث يُعد واحد من أولي العزم، وصاحب شريعة من الشرائع السماوية التي ظل واستمر تأثيرها إلى يومنا هذا، فهي مؤثرة جداً في الديانة المسيحية، بل تعتبر القاعدة الأساسية للعقيدة والثقافة المسيحية، ولهذه الديانة كتابها السماوي وهو التوراة أو ما يسمى بالعهد القديم.

 

كيف جاء الإسرائيليون إلى مصر ولماذا أقاموا في هذا البلد؟

 

لو أردنا أن نلقي صورة مختصرة بين موسى عليه السلام وما قبله من الأنبياء سنعود إلى أيام النبي يعقوب عليه السلام والذي يسمى بـ ( إسرائيل ) أو عبدالله في أحد الترجمات، وكما يعلم القارئ العزيز أن نبي الله يوسف عليه السلام عندما أصبح عزيز مصر وأنقذها من كارثة محدقة، استجلب والده واخوته وعشيرته من أرض كنعان أو فلسطين، حيث كانت أن أرض الكنعانيين وأرض فلسطين قد أصابتها المجاعة، وأرض مصر لا تعتمد اعتماداً كبيراً على الأمطار، بل كان لوجود نهر النيل دور رئيسي في مواجهة حالات الجفاف، فجلب هذه الأسرة الإسرائيلية -إن صح التعبير -إلى مصر واستمر هذا الحال على زمان الملوك الهكسوس.

هذه الأسرة الإسرائيلية مع أنها لا تنسجم في عبادتها مع المصريين إلا أن هؤلاء الملوك الهكسوس كانوا يحسنون جوارهم، فارتاح هؤلاء الاسرائيليين في مصر واتخذوها مكاناً لإقامتهم، فتكاثرت هذه الأسرة وتناسلت خلال قرن ونصف من الزمان أو أكثر فتحسنت أوضاعهم مع مرور الزمن.

 

بداية عصر الفراعنة وانتهاء مرحلة الاستقرار النفسي والاجتماعي للإسرائيليين

 

فيما بعد حصلت ثورة ضد هؤلاء الملوك الهكسوس لأنهم في الأصل ليسوا مصريين فأسقط هذا الحكم، وجاء حكم الفراعنة، ولو تلاحظون في القرآن الكريم في مرحلة نبي الله يوسف ( قَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي )[2] بينما يتحدث في زمان موسى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ)[3] فهنا بين اختلاف النظاميين السياسيين والحاكمين من تلك الفترة إلى الفترة الآخرى كما يرى الباحثين.

فهذا الحكم الجديد والذي على رأسه الفراعنة، أحيط الحكم فيه بفئة سئية جداً، وبعض هؤلاء الفراعنة كما قيل ( رمسيس ) كان لديه طموحات عمرانية كبيرة كعمل الطرق والبنايات والترع وإنشاء التماثيل كتمثال أبو الهول وكذلك إنشاء المعابد الضخمة وما شابه ذلك، فهذه المنشآت تحتاج إلى قوة عاملة كادحة قليلة الأجر، وأنت تلاحظ الآن في بعض الدول يقومون بإنشاء ملاعب رياضية لبعض الدورات العالمية فيستجلبون عمالة أجنبية بأزهد الأثمان، فالحكام الفراعنة في ذلك الزمان رأوا المجتمع الإسرائيلي الموجود بينهم ليسوا من أهل البلد فهم أجانب وغير منسجمين من الناحية الدينية مع الأكثرية الموجودة في مصر، وفي نفس الوقت هم قوة بشرية يمكن أن تسخر في بعض الأمور، فصار هناك توجه من خلال تسخيرهم بالقوة في هذه الأعمال كاقتطاع الصخر في الجبل المعظم ونقلها من هناك إلى عاصمة الفراعنة في ذلك الوقت، فكم من الآلاف الذين ذهبوا في هذه الأعمال في الشمس الحارقة، فالأعمال شاقة والمسافات طويلة والطعام قليل والعمل بالقوة، فبالنسبة إلى هؤلاء الحكام لا يعتبرون هؤلاء بشر بل يعتبرونهم أرقام، ورجال الدين المحيطين بهؤلاء، قالوا لهم: هذه الفئة تستحق أكثر من ذلك لابد أن نقتل أبناءهم وأن لا يكون فيهم إنجاب.  

البعض يقول لم يكن الذبح بشكل واسع وإنما كان بالإغراق في نهر النيل، لكن القران الكريم يريد ان يعرض الصورة الابشع فيما يقوم به هؤلاء من ذبح للأطفال.

 

النيل مركب نجاة لموسى عليه السلام:

 

   في هذه الفترة وفي هذه البيئة ولد النبي موسى عليه السلام، وسبحان الله العظيم في قدرته وإرادته، النيل الذي كان وسيلة قتل واغراقاً للأطفال، هو نفسه يكون وسيلة مركب نجاة للنبي الله موسى عليه السلام، فإذا اراد الله عز وجل أن يجعله وسيلة للقتل أو أن يجعله وسيلة للنجاة، فولد نبي الله موسى كما تحدث به القرآن الكريم ضمن ظروف سرية خفية، جعلته أمه في مهد ووضعته في النهر وسلمته إلى الله تعالى، في ضمن المقاييس الاعتيادية يقتضي أن يموت هذا الطفل ويغرق وسط الماء، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل هذا النهر له وسيلة نجاة وأن يكون وسيلة للوصول إلى عقر دار فرعون ويتربى هناك.

   فلما رأته زوجة فرعون ( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ )[4]، بالفعل تربى في داخل قصر فرعون، إلى أن نمى وكبر وصار شاباً يافعاً.

 

موسى يطلع على أحوال الإسرائيليين في ظل الحكم الفرعوني:

نظر موسى عليه السلام في حالة القبيلة التي ينتمي إليها الإسرائيليين وهي في أسوأ درجات الاضطهاد والظلم، ومن الطبيعي أن يستثير موسى مشاهد السخرة ومشاهد العمل المجهد تحت السياط ومشاهد الظلم الصريح لأبناء هذه القبيلة الذين لم يكن لهم ذنبا إلا إنهم على منهاج آباءهم من التوحيد.

   ففي أحد الأيام حدثت قضية مفصلية داخل المدينة ( ودَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا)[5] ، قبل أن يبعث موسى بالنبوة هو تحت عين الله وحفظه ورعايته وهذه هي عقيدتنا في الأنبياء فهم أنوار خلقهم الله في أرحام مطهرات حيث يقول تعالى: ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )[6] فينتخب الله تعالى للأنبياء أحسن البيئات وأحسن الأرحام والأصلاب وذلك ضمن رعاية إلهية خاصة .

القضية كما يحكي القرآن الكريم ( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ )[7] ، النبي موسى عليه السلام رأى أحدهم من أعوان فرعون يظلم ويضطهد ويضرب رجلاً من بني إسرائيل فجاءه نبي الله موسى عليه السلام ودفعه بوكزه فقضى عليه، فتبين أن نبي الله موسى عليه السلام كان قوياً جداً، لأنه بمجرد ضربة واحدة انتهى بالجندي إلى الموت ومن المفترض أن يكون هذا الجندي قوي البنية، فقال موسى عليه السلام (هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ)[8]، قسم من الناس يقول كيف لنبي الله موسى أن يقتل شخصاً ويقول إنه من عمل الشيطان؟ هو لم يكن قاصد أن يقتل ذلك الفرعوني، وإنما يقصد أن يدافع عن هذا المظلوم الذي يتلوى بالسياط فدفع ووكز موسى هذا الظالم الضارب، وهذه الوكزة أدت إلى مقتل الرجل، ففعله كان دفاع عن المظلوم إذن كيف يكون من عمل الشيطان؟! 

   إن معنى هذا من عمل الشيطان، هو أن فعل ذلك القبط الفرعوني والمنتمي إلى جهة السلطة في ظلمه إلى ذلك الاسرائيلي وتعذيبه من غير وجه حق هو من عمل الشيطان وليس فعل نبي الله موسى من الشيطان، بل فعل نبي الله موسى عليه السلام هو الموقف الطبيعي ، فالذي يفرضه العقل السليم وتفرضه التوجهات الدينية هو لزوم الدفاع عن المظلومين والمستضعفين ( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ )[9]، فلم يكن نبي الله موسى عليه متعمداً في قتله وإنما وكزه ليمنع الظلم من هذا الانسان، ولكن تلك انتهت بالموت.

فجاء اليوم التالي فوجد شخص آخر يستغيث بالنبي موسى عليه السلام، فجاء إليه النبي ليدفع هذا الجندي الفرعوني وقد علم بالقضية الماضية، (قَا لَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ)[10] هنا اتضحت القضية له، أنه ليس له مكان أن يبقى في مصر بعد هذه الحادثة.

 

خروج موسى عليه السلام من مصر خائفاً:

   السلطة الآن تلاحق موسى وتريد القبض عليه، فعرف بالأمر، فخرج من مصر وهنا بالمناسبة وجه تشابه بين خروج الإمام الحسين عليه السلام وخروج نبي الله موسى عليه السلام فكانت أمامه ثلاثة طرق كما يقص القرآن الكريم ( ولَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)[11]، هو لا يعلم أي طريق يسلك للنجاة، فسلك طريقاً، ودعا ربه أن يهديه سواء السبيل وبالفعل هُدي إلى جهة مدين - منطقة قريبة من الأردن - فهُدي الى لقاء نبي من أنبياء الله وهُدي إلى ما هو أعظم من كل ذلك وهو أن يبعث بالنبوة.

وصول موسى عليه السلام إلى مدين:

   بعد رحلة طويلة وصل إلى أرض مدين، فوجد مجموعة من الناس يسقون ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[12] فسأل موسى عليه السلام المرأتين لماذا خروجكما في وسط الرجال، فبينا له أن هذا الأمر هو جهة اضطرار ، فعندنا أغنام وتحتاج إلى رعي وسقي وأبونا من كان يقوم بهذا الأمر سابقاً فأصبح الآن شيخاً كبيراً وضعيف البصر، في بعض الروايات فسقى لهما شهامة ومروءة، فبدل من أن ينظر إليهما نظرة الاشتهاء ونظرة الفريسة، نظر إليهما نظرة الرجولة والشهامة وسقى لهما ولم يطلب منهما شيئاً، حيث تولى إلى الظل (فقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ )[13]، (فجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا )[14] ، هو لم ينتظر أجر على هذه السقاية فعمله منطلقاً من شهامته ومن أجل الله، لكنه كان يبحث عن أنس فهو مطارد ويخشى أن يقبض عليه، فوصل الى ذلك المكان ووجد انه نبي الله شعيب عليه السلام فسأله ما هي قضيتك وما الذي أتى بك إلى هنا؟ فقص عليه موسى القصص.

 

إمضاء شعيب لما فعله موسى في القضاء على الجندي الفرعوني:

 

قال شعيب لموسى بعد أن قصّ القصص عليه: ( لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  )[15] هنا كلمة شعيب ( لا تخف نجوت ) يبين لنا ان فعل نبي الله موسى عليه السلام لم يكن ينطبق عليه هذا من عمل الشيطان، فلو كان كذلك فمن مسئولية نبي الله شعيب عليه السلام أن يقول له: ما قمت به خطأ لكن إمضاء النبي يفيد أنه أمر حق.

وهذا يفيدنا في الحياة الاجتماعية أنه إذا جاءك شخص ولديه مشكلة وعنده خوف متوسط لا تزيد خوفه بل قم بتهدئته وخفف من روعته وأعطيه الأمل وأعطيه والثقة وشد من عضده، فإذا لم يكن لديك حل هدئه حتى يفكر ويأتي بحل متوازن.

 

نبي الله موسى عمل خادماً عند شعيب عليه السلام:

   نبي الله شعيب عليه السلام ما هي مرتبته من مرتبة نبي الله موسى عليه السلام؟ نبي الله موسى صاحب شريعة ومن أولي العزم، لكنه عمل خادماً عند نبي الله شعيب، الروايات تقول أن نبي الله شعيب كان يبكي كثيراً من حب الله عز وجل وكان مشتاقاً لله تعالى، فمن كثرة بكاءه كانت تذهب عيناه، فجاءه ملك من السماء، فقال له: لماذا تبكي يا شعيب خوفاً من النار فقد أعتقتك منها، شوقاً إلى الجنة فقد أتحتها لك فلماذا تبكي؟ قال: يا رب أنت تعلم أني لا ابكي خوفاً من النار ولا شوقاً الى الجنة ولكن عقد حبك في قلبي ولا عُدّت أقوى على ذاك.

كيف يبكي الانسان من حب الله مناجاة المحسنين للإمام زين العابدين عليه السلام ورد فيها ( إلهي من ذَا الذي ذاق حلاوة محبتك..)

فلما قال ذلك، قال له: لأخدمنك كليمي موسى. 

فقال شعيب: موسى لا يبقى هكذا، فزوجه إحدى بناته على أن يأتي بثمانية حجج وإن أكملها عشرة فمن عند موسى فهو لا يريد أن يشق عليه فأصبح واحداً من أسرة شعيب.

نبي الله موسى كان خائفاً فأصبح آمناً، كان متشرد فأصبح صاحب بيت، كان عازباً فأصبح صاحب زوجة. 

فكان كل ليلة يستمع نبي الله موسى من شعيب، فشعيب كبير في السن ولديه من العلوم والمعارف فاستفاد منه نبي الله موسى عليه السلام قبل أن يبعث بالرسالة، فلما بلغ الأجل وأتم عشر سنوات.

 

موسى أثناء عودته إلى مصر يكلمه الله تعالى ويبعثه نبياً:

 

سار موسى بعد أن قضى الأجل بأهله وزوجته وبعض الأغنام ومروا على طور سيناء والجو بارداً فيحتاج إلى تدفئة، فلمح من بعيد ناراً تشتعل فذهب إليها ( لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى)[16]، فلما اقترب منها وجدها شجرة تلتهب فيها النار ولا يحترق منها شيئا أبداً، فهذا شيء غير عادي، فجاءه النداء من الله تعالى، حيث خلق الله له الصوت الذي يسمعه ويكلمه ( إنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى* )[17] ، نبي الله موسى ذهب الى هناك يأخذ قبس من النار، فعاد بالنبوة والرسالة، لذلك ينبغي للإنسان أن يفكر في ما يحتسب اللهم أرزقنا من حيث احتسب ومن حيث لا احتسب واحرسني ومن حيث احترس ومن حيث لا احترس واحفظني من حيث احتفظ ومن حيث لا احتفظ.

 فأمره الله تعالى بأن يلقي عصاه ( وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)[18]

 

مواجهة نبي الله موسى عليه السلام لفرعون وجنوده:

 

   الاسرائيليون كانوا يعيشون مع الفراعنة عذاباً مستمراً، فلما حضر موسى دعوا الله أن يخلصهم من الظلم والاضطهاد، فلما عاد موسى عليه السلام إلى مصر ، صارت هناك المواجهة بين سحرة فرعون وبين موسى فيما تقرونه من القران الكريم وكانت النتيجة أن ( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى )[19]

فلما رأى فرعون أن هذا التحدي والهزيمة وصلت إلى قصره وإلى داخل الفئة التي كان يعتمد عليها، قرر شن الحرب على موسى وأتباعه، فأمر نبي الله موسى عليه السلام أتباعه بأن يتجهزوا للخروج ناحية البحر


فلحقهم فرعون وجنوده، فضرب نبي الله موسى عليه السلام البحر بعصاه فصار قسمين، فكان كل فرق كالطود العظيم والأرض بينهما يابسة، فعبر موسى وقومه فلحقهم فرعون وجنوده لكن لم يكن لديهم هذه الصلاحية وهذه النعمة فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى، فخرج نبي الله موسى إلى الطرف الآخر ببني اسرائيل الذين ما إن عبروا البحر حتى وجدوا قوما عاكفين على آلهة ( قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُم آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ* إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[20]  

   فبعد أن جاء موسى بعد ذلك إلى ميقات ربه، عاد من جديد الانحراف السلوكي الى أرض كنعان، فجاء رجل من قرية فلسطين اسمه السامري وغيّر الاتجاه الصحيح لبني اسرائيل ، فوضع لهم عجلاً وجلب له ذهباً وجعل منه ما يشبه الذهب وجعل فيه ثقوب حتى إذا هب الهواء يصدر صوتاً فقال لهم هذا إلهكم. 

فلما جاء نبي الله موسى عليه السلام من الميقات نسف هذا العجل وطرد السامري من هذا المجتمع، وقال له ( فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ )[21] لا ينبغي أن يمسك أحد ولا أحد يتعامل معك، أنت محروم اجتماعي من البقاء في هذا المجتمع.

وبعد ذلك حصلت لهم قضية التيه عندما أمرهم نبيهم أن يرجعوا إلى أرض كنعان الأصليه فرفضوا ذلك فعوقبوا وصاروا في التيه وعذبوا، أن عذب بعضهم بعضاً، وبعد 40 سنة تغيرت أجيال ، فذهب الجيل القديم المنحرف الذي لم يكن على قدر من المسئولية، فجاء جيل جديد استطاع أن يدخل الأرض المقدسة أرض كنعان ولكن لم يكن معهم نبي الله موسى عليه السلام، فالنبي قد توفي في هذا المنطقة قبل فلسطين، قيل إنه صعد على مرتفع جبلي لكي يناجي ربه فقضى الله نحبه، فتولى الأمر بعده نبي الله يوشع الذي أموره تتشابه كثيراً مع أمور مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه وقد كان شجاعاً بطلاً، وهو الذي فتح فلسطين، وهو الذي رُدت له الشمس في رواياتنا وروايات مدرسة الخلفاء، وهناك الكثير من الأمور لو يتتبعها الباحث لو وجد أن هناك رابط بين نبي الله يوشع وصي وفتى موسى، والفتى والوصي أمير المؤمنين، والبطل يوشع والبطل علي، الفارق أن نبي الله لم يدخل إلى أرض كنعان وإنما دخلها سيد الأنبياء محمد صَل الله عليه وآله وسلم هذا مختصر عن حياة النبي موسى عليه الف الصلاة والسلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ) سورة القصص آية 3-5

[2] ) سورة يوسف آية 54

[3] ) سورة يونس 79

[4] ) سورة القصص آية 9

[5] ) سورة القصص آبة 15

[6] ) سورة الشعراء 219

[7] سورة القصص آية 14-15

[8] ) سبق ذكر المصدر

[9] ) سورة النساء آية 75

[10] ) سورة القصص آية 19

[11] ) سورة القصص آية 22

[12] ) سورة القصص آية 23

[13] ) سورة القصص آية 24

[14] ) سورة القصص آية 25

[15] ) المصدر السابق

[16] ) سورة طه آية 10

[17] ) سورة طه آية 12-13

[18] ) سورة القصص آية 31-32

[19] ) سورة طه آية 70

[20] ) سورة الأعراف آية 138-139

[21] ) سورة طه آية 97

مرات العرض: 5732
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 57845.76 KB
تشغيل:

النبي آدم وقصة الخليقة
التوراة تعريفها وتحريفها