المتلاعبون بالعقول
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/1/1437 هـ
تعريف:

المتلاعبون بالعقول

تفريغ نصي الفاضلة فاطمة الخويلدي

تصحيح الفاضلة فاطمة الشيخ منصور
      قال الله في كتابه العزيز(وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) 137الأنعام
     تقوم بعض التوجهات بتسخير الأفراد والجماعات بحيث يساقون إلى القيام بأعمال ترفضها الطبيعة الإنسانية والقيم الدينية دون تفكير أو تردد في صحة هذه الأعمال أو فسادها، والآية المباركة تشير إلى حالة من هذه الحالات في الأزمنة السابقة، حيث كان كهنة المعابد وسدنة الأصنام يقنعون سائر الناس بأن طريق التقرب إلى الآلهة والأصنام يمر عبر قتل الأولاد، فإذا أردت أن تتقرب للآلهة فاقتل أجمل أبنائك وأكبرهم، وكلما كانت تضحيتك أكثر كنت للآلهة أقرب.
طرفان:
     ويشترك في هذه العملية طرفان أحدهما مؤثر في الخطاب، قادر على الإقناع والسيطرة على العقل كما جاء في القرآن الكريم (وعزني في الخطاب)، والآخر طرف متأثر وهم الجموع الغفيرة التي تساق إلى حتفها ونهايتها السيئة متأثرة بتوجيهات المؤثرين.
     ولا يقتصر الأمر على الأزمنة السابقة والسحيقة  لنقول أنها مجتمعات تأخر عنها العلم، بل في زمان انتشار العلم وإلى الآن تحصل أمور كذلك.
انتحار جماعي:
     في سنة ألف وتسعمائة وثمان وسبعين حصلت في أمريكا حادثة انتحار جماعي بتوجيه من زعيم الطائفة تاون جونس الذي جمع حوله جماعة وأخترع لهم طريقة في الحياة وأسس كنيسة الشعب، وأقنع جماعته بالانفراد عن المجتمع الأمريكي المنحرف، فاخذوا لهم قطعة أرض كبيرة وبنوا لهم مساكن وأصبح لهم تعليم خاص وكنيسة خاصة، وبعد سنوات من بداية هذه العملية أمرهم بالانتحار الجماعي قربة للرب الذي يعبدونه وفعلًا بدأ كل منهم بحقن أطفاله بسم السيانيت وبعدها حقنوا أنفسهم بنفس السم وكان نتيجة ذلك أن مات في يوم واحد تسعمائة وثلاثة عشر نفرًا منهم.
وهنا يتسائل العاقل كيف لهولاء أن يستجيبوا لشخص يأمرهم بقتل أولادهم وأنفسهم، وكيف لخطاب فرد أو جهة أن يسطير على عقل إنسان ويوصله إلى أن يستسهل القبيح البشع بفطرة الإنسان وتؤيد هذه الفطرة التوجيهات الدينية.
التلاعب بالعقول في الوسط الإسلامي:
     يبدو واضحا في شكلين أحدهما الجماعات المسلحة  التي تتفنن في قتل الرجال بشتى الوسائل البشعة من النحر ذبحا والإحراق في الأقفاص والشوايات والتغريق  في الأقفاص والقتل بالقذائف المعدة لتدمير الدبابات، كما تفننوا في الزنا باسم السبي فهم يهاجمون أماكن النساء المسلمات وغير المسلمات، وثانيهما في هجوم بعض الفئات على علماء الدين ومراجع التقليد وهم من نفتخر بوجودهم وجهودهم في استنباط الاحكام وحفظ الدين والمذهب، و اتهامهم بتهم باطلة كالارتداد والانحراف والتخاذل إلى غيرها من الشتائم الأخلاقية التي يترفع عنها حتى الإنسان السوقي، ويكون ذلك دون أدنى تفكير في مقام العلماء ومكانتهم وأنهم ورثة الأنبياء.
اتصال مباشر:
     وهناك تلاعب آخر بالعقول وهو ما تدعيه بعض الجماعات من الاتصال المباشر بالإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وهنا أنقل هذه الحادثة كمثال على ذلك فقد نقل لي أحدهم عن ابنته وهي متزوجة منذ عشر سنوات وأنجبت أولادًا وحياتها هانئة ومستقرة، وفجأة قالت لزوجها أنت حرام عليَّ ويجب أن أتحجب عنك لأنني البارحة رأيت الإمام المهدي وأخبرني أنك شخص منحرف عن طريقته، لذا لابد من الانفصال وأما الأولاد فقد أخبرني أنهم سيلحقون بي، وأما عن زوجها فقد تفاجأ من كلامها وظنها هازلة وأخبر والدها لكنها أصرت على أن هذا الكلام بأمر من الإمام المهدي.
 أخبرها والدها أنه سيطلب من العلماء الحديث إليها قالت أن هؤلاء العلماء كفرة وهم الذين يؤخرون الظهور المبارك ولا اعتبار لهم عندي، وأما المراجع فهم أسوأ من العلماء وسيحاربهم الإمام المهدي حال ظهوره، وهنا سألها أبوها: لو جاءك من تزعمين أنه المهدي وطلب منك أن تقتليني فهل تفعلين ذلك؟ فكان جوابها نعم لو طلب مني الإمام قتلك فسأقتلك ولا يهمني إن كنت والدي أمام أمر الإمام المهدي فأنت والدي وهو إمامي وتجب عليّ إطاعة أوامره، وبعد ذلك عرف والدها أن لها تواصلًا ضمن مواقع التواصل الاجتماعي مع هذه الفئة التي تدعي أن لها علاقة خاصة بالإمام المهدي وعندهم شخص مرسول من قبله، وبناء على أنها رأت من تتوهم أنه الإمام المهدي فإنها مستعدة لقتل أبيها وبالفعل فارقت زوجها ولا تقبل العودة له وكل ذلك نتيجة سيطرة جماعة بحيث توجه العقل لفعل أمر واضح الشناعة فالله سبحانه يقول: (وقضى ربك ) في حق الوالدين، وأما الميثاق الغليظ فلا قيمة  له أمام رؤية من تزعم أنه الإمام المهدي.
كيف يحصل التلاعب بالعقول؟
     يوجد حول هذا الموضوع كلام مفصل بعنوان غسيل الدماغ، وهو موجود منذ القدم وقد تبلور وصار له هذا الاسم بعد الحرب الكورية سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسين، وتواجهت فيها الكوريتان وكان الاتحاد السوفييتي إلى جانب كوريا الشمالية وأمريكا  في صف كوريا الجنوبية، وفي تلك الحرم أسر جنود أمريكيون، وقد لاحظ المجتمع أن هؤلاء الجنود المأسورين يعودون بأشد العداء لمجتمعهم وحكومتهم، وبأشد درجات التأييد للاتحاد السوفيتيي والعقيدة الشيوعية، ومن هناك برز هذا المصطلح وهو غسيل الدماغ.
غسيل الدماغ حديثًا:
    وفيما يتعلق بزماننا يحدث غسيل الدماغ والتلاعب بالعقول بعدة خطوات هي:
أولًا: قطع الإنسان عن المحيط المعرفي العام:  
         جعل الله عند الإنسان قدرة أولية على تميز الأفكار الصحيحة من الخاطئة بدرجة معينة قال تعالى (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) وإذا لم يتمكن الإنسان من التمييز أرشده القرآن الكريم لسؤال أهل العلم والخبرة بقوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وإن تعذر السؤال يصل للمرحلة الأخيرة وهي العمل بالمعروف والمشهور وهو العمل بقول الإمام (خذ مااشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر) فيكون أوضح مصداق للقاعدتين يد الله مع الجماعة وإنما يأكل الذئب الغنم القاصية، فمثلث المحيط المعرفي العام للإنسان  هو التمييز بالقواعد العقلية ثم بالسؤال من أهل الخبرة ثم الأخذ بما هو مشهور ومعروف، ويعمل هؤلاء المتلاعبون على عزل الإنسان عن محيطه المعرفي العام إلى محيط يتوافق مع توجهاتهم، وذلك بالهجرة الجغرافية إلى أماكن حكمهم، أو بالهجرة النفسية فلا يقرأ ولا يشاهد إلا ما يخدم توجهاتهم وأفكارهم، ولذا فإنهم يعملون على تحطيم سمعة المتخصصين الثقاة فمراجع التقليد لا قيمة لهم والمفكرون الثقاة أهل ضلال فلا تأخذوا بتوجيهاتهم، فهم يعملون على فصل الإنسان عن محيطاته المعرفية ليكون معهم في توجهاتهم وفي خطهم.
ثانيًا: إعادة التعريف وإنشاء منظومة جديدة:
     حين توجه لأي فرد من المسلمين سؤالًا عن كيفية تحقق الإسلام سيكون جوابه السريع بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن قالها  أي مسلم عصم ماله وعرضه ودمه وأصبحت له حقوق المسلمين وعليه ما عليهم من الواجبات، وما بعد ذلك من تطبيق الأحكام والالتزام بالواجبات يدخل ضمن دائرة الإيمان ودرجاته وليس في درجات الإسلام، وهنا يقوم المتلاعبون بالعقول بإعادة التعريف فالإسلام عندهم هو الشهادة التي لا تشتمل على زيارة القبور لإنها شرك والمشرك ليس موحدًا فهو غير مسلم فيجوز قتله وسبي نسائه، ولايمكن أن تصدر فتوى القتل والسبي إلا بعد صياغة جديدة لتعريف الإسلام.
     وفي محيط الشيعة من المعروف أن للعلماء ومراجع التقليد مكانة واحترام، وهم ورثة الأنبياء وحفظة المذهب وضمانة الطائفة، وهم امتداد للوجود المقدس لذا فهم الوكلاء العامون عن الإمام المهدي عجل الله فرجه، وهنا يأتي المتلاعبون بالعقول فيعيدون الصياغة ليسلبوا العلماء مكانتهم واحترامهم، فالبتريون ليسو علماء فلا يجب احترامهم، ومن يقولون بوحدة الوجوب مرتدون ويجب إقامة الحد عليهم وغيرهم من المفكرين إنبطاحيون أمام التيارات الأخرى فلا تقدير لهم.
فإعادة التعريف والصياغة تنتج عند أتباع هذه الفئات منظومة فكرية جديدة فلا يستبشعون ما يفعلون تجاه إخوانهم المسلمين أو العلماء.
كذب صريح:
       تنتشر فكرة أن الإرهاب لا دين له وهذا كذب صريح على الناس، الإرهاب له دين ومذهب وتوجه فكري، وله قاعدة دينية يتقوم عليها، وعقيدة كتب تغذيه، وله علماء ومفكرون يتبع آرائهم وأفكارهم، فالإرهاب له دين ومذهب وأفكار تنتقل للجماعات المسلحة فتقتل وتذبح ، وهذه الفكرة - الإرهاب لا دين له- تهدف لإعادة التعريف لتشكيل منظومة فكرية عند أتباعها.
ثالثًا: التوريط في الشبكات:
      وهذا ما تقوم به العصابات المسلحة عند انضمام فرد جديد لها فتعمل على توريطه بجريمة قتل حتى تقطع عليه طريق العودة، وكذلك يفعل المتلاعبون بالعقول في توريط الأفراد في كتابة مقالات السب والشتم لجهات أخرى وبالاسم الصريح أيضًا ليقطع عليه خط التراجع والعودة إلى الطريق الصحيح، وهذا الأمر ليس جديدًا وقد مارسه بنو أمية باحتراف تجاه عمر ابن سعد حيث كان يعيش صراعًا داخليًا بين ولاية الري وقتل الحسين عليه السلام، فقد أعطاه ابن زياد حكمًا بولاية الري وأمره أن يتوجه إلى كربلاء أولًا وينهي المهمة ثم يتوجه إلى الري، وقد رفض عمر ابن سعد التوجه لقتال الحسين في البداية وقال لابن زياد أنا شيخ من أشياخ قريش ولا يناسب أن أذهب للقتال في كربلاء وإن أردت سأقترح من يذهب إلى كربلاء فقال له ابن زياد نحن أعلم بالرجال فإما أن تذهب بنفسك أوسلمنا الحكم بولاية الري، عرف ابن زياد كيف يورط ابن سعد في الجريمة النكراء فقد ضرب على الوتر الحساس وهو حب المال والسلطة التي لم يكن له حظ منها.
     وفي مقابله من عرض عليه ذاك وخير نفسه بين الجنة والنار إنه الحر الرياحي، وضمن هذا المنطق الباهت الفاسد تصور شمر ابن ذي الجوشن-وكان طامعًا في رئاسة الجيش- أن بإمكانه توريط العباس ابن علي في قتال الحسين، فأراد أن يفصل العباس عن الحسين ويجعله قائدا على قطعة من الجيش، فأصدر لذلك كتاب أمان من عبيدالله ابن زياد ولما علم العباس بالأمان وولاية الجيش قال له لعنك الله يا شمر ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له أرجع قبحك الله وقبح ما جئت به لا نريدك ولا نريد أمانك أبدًا فرجع شمر خائبًا، ولم يخضع العباس لتلاعب شمر وأمانه بل كان البطل الباسل الذي ضحى بنفسه لأجل بقاء الدين.

 


 

مرات العرض: 3394
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 44415.96 KB
تشغيل:

التقاعد نهاية .. أو هو بداية العمل الحقيقي ؟
عقائد الأحلام والمنام