انفضوا اليها وتركوك قائما
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/8/1436 هـ
تعريف:

انفضّوا إليها وتركوك قائماً


تحرير الفاضلة أم سيد رضا

قال الله العظيم في كتابه الكريم: ((يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون * وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين)).

 الآية الأخرة من سورة الجمعة تلخص قصة نزول هذه السورة والأحكام التي وردت فيها، ينقل المفسرون في سبب نزول الآية المباركة هو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد شرع في صلاة الجمعة ببداية الخطبة، فالجمعة تبدأ بخطبتين ثم الصلاة، ولموقع خطبة الجمعة أصبحت صلاة الجمعة وهي ركعتان فقط ومعها خطبتان قبل ذلك هما بمثابة ركعتين.

في هذه الأثناء والنبي يخطب في الناس وإذا بقافلة قد أقبلت على أطراف المدينة وقيل أنها من الشام وكان من المعتاد أن هذه القافلة ترسل أشخاصاً ليدقوا الطبول حتى يخبروا الناس بأن هناك قافلة على مشارف المدينة، فعلم الحاضرون من المسلمين الذين يسمعون خطبة النبي أن هناك قافلة قد أقبلت وكثير منهم تركوا خطبة النبي وصلاة الجمعة وقاموا ذاهبين إلى الشراء وإلى البيع، وعند المدرستين أن الحضور في جمعة النبي واجب عيناً وقد يختلف فيها المسلمون إذا كانت الصلاة ليست في زمن النبي أو المعصوم كزماننا هذا، ولكن في وجود النبي أو وجود المعصوم فلا يختلف المسلمون في أن الحضور للجمعة واجب على كل مسلم في المدينة وأطرافها القريبة، ولهذا السبب نزلت هذه الآية المباركة ((وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين)).

نلاحظ هنا أن الفقرة الأولى من الآية  (( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها ))، والفقرة الثانية من الآية ((قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة))، ففي الفقرة الأولى قدم التجارة وأخر اللهو وفي الفقرة الثانية أخر التجارة وقدم اللهو مع أن هذا لا يفترض أن يكون بحسب الوضع الطبيعي، يقال السبب هو أن الفقرة الأولى يوجد فيها سبب عقلائي في التجارة بحيث أصبح اللهو مؤخر، بينما القسم الآخر صنع إضراباً بأن ما عند الله ليس خيرٌ من اللهو فقط بل وخيرٌ من التجارة.

نجد في هذا المقطع فوائد كثيرة ومنها: 

أنه يقال كثيراً لا سيما من غير مدرسة الإمامة أن الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم أفضل البشر وأفضل القرون وأفضل الناس منذ زمان النبي إلى زماننا هذا، ولكن هذا الكلام لا يساعده القرآن الكريم بل كما ان القرآن الكريم مدح أناساً فقد ذم أناساً آخرين في مواطن كثيرة ومنها هذا الموطن الذي كان فيه النبي يخطب فقاموا عندما سمعوا الطبول ومجيء القافلة بينما كانوا مشغلون بالواجب وهي خطبة النبي، فما عند الله هو خير من اللهو ومن التجارة، وحتى من لديه مصالح مادية فالله هو الرزاق.

نعود للآية المباركة التي ذكرت أحد التشريعات والأحكام ((إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)) ، معنى وذروا البيع أي اتركوا البيع ودعوا البيع وهنا معاملة منهي عنها، فأحياناً تأتي نواهي حول العبادة واحياناً حول المعالة، فمثلاً من النواهي التي تأتي حول العبادة ما يستفاد منها في بعض الروايات أن لا تتوضأ بماء ضار أو لا تتوضأ بماء مغصوب وهكذا فقد توجه النهي إلى العبادة.

 يقول العلماء هنا أنه إذا جاء نهي وتوجه إلى العبادة فهذا دليل على فساد تلك العبادة فمثلاً لو ان إنساناً صام وكان الصوم يضره حتماً لمرض فيه فهذا الصوم منهي عنه كما لو صام إنسان في السفر فهذا الصوم أيضاً منهي عنه وقد توجه إلى العبادة وينتهي إلى ان العمل العبادي فاسد.

وأما بالنسبة إلى النهي عن المعاملة كما جاء في الآية (( واسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ))، فهنا يقول العلماء ان من يمارس المعاملة بعد وجوب صلاة الجمعة على الفرد في زمن الحضور فقد فعل حراماً، ولكن إن قال شخص ان هذه الفرصة لا تعوض وذهب للتجارة وترك الخطبة فقد فعل حراماً ولكن المعاملة هنا ليست فاسدة وليست باطلة، فعندما ينهى الإسلام عن بيع المصحف على الكافر ثم يبيعه أحدهم على شخص مسيحي أو يهودي أو غير ذلك  فإن هذه   المعاملة باطلة، وهذا يوضح الإختلاف بين المعاملة والعبادة، فلو باع إنسان في زمان وجوب حضور الجمعة عليه في يوم الجمعة فقد ارتكب حراماً ولكن معاملته صحيحة.

 

 

 

مرات العرض: 3395
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2585) حجم الملف: 2525.46 KB
تشغيل:

الامام الرضا شخصية اسلامية جامعة
تجلي عبادات المعصومين في شهر شعبان