الامام الرضا شخصية اسلامية جامعة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/8/1436 هـ
تعريف:

الامام علي بن موسى الرضا شخصية اسلامية جامعة


تحرير الفاضل السيد أمجد  الشاخوري

 هذا اليوم يصادف مناسبة ميلاد الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله وسلامه عليه ثامن أئمة أهل البيت الطاهرين، وبهذه المناسبة نهنئ رسول الله صلى الله عليه واله والمعصومين ونسأل الله سبحانه وتعالى أن بأئمتنا معرفة وولاء وأن يرزقنا شفاعتهم إنه على كل شيء قدير. 

ونتحدث في بعض جوانب حياته المباركة آملين الاستفادة منها في حاضرنا معرفة أو اقتداءً. 

في البداية لا بد أن نشير إلى أن هناك نظرة غير صحيحة تجاه أئمة أهل البيت عليهم السلام وهي تلك النظرة التي تتعامل معهم بصورة نمطية واحدة لا تتغير، قالب يصنعه الإنسان ويدخل فيه الامام، فمثلا الإمام زين العابدين عنده هو الإمام العليل، إمام مريض ولذلك إذا دعي الله سبحانه وتعالى لشفاء لمريض فإنما يدعى بزين العابدين عليل كربلا مريض كربلا، فتترسخ هذه الصورة في ذهن البعض بحيث يتصور أن الإمام الإمام السجاد طول عمره كان عليلا ومريضا ولا يستطيع الحركة وإلى غير ذلك. هذي نسميها صورة نمطية قالب معين مخليه للإمام وعندما يرد ذكر الإمام المعين بسرعة مجهزين له هذا القالب.

الامام الحسين عند قسم من الناس هو الإمام الثائر الشهيد فقط، إذا ذكر الإمام الحسين يعني إمام قد رفع السيف وهو يقاتل لا منحى آخر عند الامام الحسين غير القتال وغير المواجهة وغير الثورة وما شابه ذلك. 

و اذا ذكر مثلا الإمام الحسن عليه السلام فإنما هو ذلك الإمام المسالم والمهادن وطيب القلب والذي لا يحب العنف ولا إراقة الدماء وما شابه، وهكذا إلى أن تأتي إلى سائر أئمة أهل البيت. 

الإمام الرضا هو ذلك الإمام الذي تولى عهد المأمون فقط، لذلك عندما مثلا يذكر الإمام الرضا سلام الله عليه تصير مناسبة وفاته مناسبة شهادته، مناسبة ميلاده، لا يجد البعض كلاما إلا ولاية العهد! لماذا تولى الإمام الرضا العهد؟ وماهي الأسباب؟ وهل أجبر على ذلك؟ وما شابه ذلك.

كأنما الإمام الرضا عليه السلام كل حياته هي كانت ولاية العهد مع أنها لم تستمر أكثر من سنتين وأشهر من عمره المبارك الشريف. 

هنا ينبغي أن نشير إلى أن هذه الطريقة طريقة غير صحيحة، الإمام عليه السلام، كل الأئمة عالم رحيم من المعاني والأدوار والعلوم والمفاهيم والأخلاق والمعاجز. نعم قد يحصل أن الإمام عليه السلام يرى هذا الظرف المعين مناسبا لهذا الأسلوب فيذهب إليه وقد يرى في وقت آخر ذلك الأسلوب غير مناسب نفس الإمام لكنه لا يذهب إليه ولا يقوم به تبعا لتغير الظروف. 

أما أن يتصور الإنسان أن الأئمة عليهم السلام هم عبارة عن قوالب جامدة، قوالب متكلسة، قوالب صلبة لا تتحرك هنا أو هناك وإنما لهم عنواين: الحسين يعني ثورة، الحسن يعني ثورة، السجاد يعني مرض ودعاء، الرضا يعني ولاية العهد وكذا، الجواد يعني واحد صغير السن أبو تسع سنوات وجاوب على أسئلة فقط لا غير !. هذه صورة غير كاملة، صورة غير تامة، كل إمام نعتقد أنه كما ذكرت أنه عالم واسع ورحب من العلوم، من المعاجز، من الأخلاق، من العلوم، ولكن قد يقتضي ظرف من الظروف تقديم هذا الجانب على ذلك الجانب. وتبقى أحيانا بعض الجهات في حياة الأئمة مغفلة تبعا لأنه ليست هي الظاهرة، مثلا نحن نعتقد أن إنتشار علم أهل البيت عليهم السلام كان على ثلاث مراحل كبيرة: 

المرحلة الأولى كانت في زمان أمير المؤمنين عليه السلام. 

المرحلة الثانية في زمان الإمامين الباقر والصادق. 

والمرحلة الثالثة كانت في زمان الإمام الرضا سلام الله عليه.

يعني ما انتشر من العلوم في العقائد وفي الفقه وفي الأخلاق وفي المناظرات على لسان الامام الرضا عليه السلام هو أضعاف مضاعفة للدور الذي يتحدث عن ولاية العهد. ولاية العهد فد ظرف سياسي معين في فترة خاصة قصيرة جدا كما قلت سنتان وأشهر ليس أكثر من ذلك، نهايتها كان أُغتيل الإمام الرضا عليه السلام بالسم على ما هو المعروف عند الإمامية من قبل المأمون، لكن خلال هذه الفترة الإمام الرضا عليه السلام خلف مقدارا من العلم يعد المؤسس الثالث فيه لمذهب أهل البيت عليهم السلام. 

ولذلك لو نظرنا إلى التراث الحديثي الذي خلفه الإمام عليه السلام لوجدناه يقترب مما خلّفه الإمام الباقر والصادق وهو أكثر مما أُثر عن الإمام علي عليه السلام، الإمام علي هو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه واله، مقدار العلم الذي بقي عنه، لا نقول مقدار العلم الواقعي الذي لديه، الذي بقي عنه الآن الموجود بين أيدينا،  الموجود في نهج البلاغة، الموجود في أحاديث العقائد، الموجود في أحاديث الفروع الفقهية لا يصل إلى مقدار ما أثر عن الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه من جهات العلم. لا لأن الإمام الرضا أكثر علما من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؛ كلا وإنما نتحدث عن الشيء الباقي المنقول. الإمام أمير المؤمنين كان في ظرف يقول فيه ( أما إنّ ها هنا لعلما جما لو أصبت له حملا) ما كان هناك حملة أمناء ونقلة ثقات ومجتمع يستطيع أن يتلقى كل علوم أمير المؤمنين عليه السلام، لكن وجد بنحو من الأنحاء هذا هؤلاء الحملة، هؤلاء النقلة وجدوا أيام الامام الرضا عليه السلام فاستطاع الإمام أن يُحمّلهم هذا العلم وأن ينقل إليهم هذه المعرفة ولهذا نجد شيئا كثيرا من أبواب العلم تم الحديث فيه من قبل الإمام الرضا سلام الله عليه.

فإذاً هذا يشير لنا إلى أنّ مثلا الدور الثقافي الذي قام به الإمام عليه السلام كان أوضح وأكبر و أكثر أهمية من دور ولاية العهد الذي لم يكن لا من حيث الفترة الزمنية طويلة ولا من حيث النتائج والآثار التي ترتبت عليه كمثل الآثار والنتائج التي ترتبت على نشر الإمام الرضا عليه السلام للعلم.

جهة أخرى مثلا اللي هي هم في تقديرنا من الجهات غير الواضحة جدا ما جاء في سبب تسمية الإمام الرضا عليه السلام.

في رواياتنا أن الإمام الرضا سمّي باسم الرضا لجهات متعددة منها أنه رضي به المآلف و المخالف. يعني شخصية بحسب تعبيرنا شخصية محل إجماع بين المسلمين ولهذا ينقل حتى عن بعض أعمدة البيت العباسي كلمات ثناء ومدح كبير للإمام الرضا فضلا عن فقهاء مدرسة الخلفاء، فضلا عن سائر الناس. أن يكون شخص محل إجماع في مجتمع من المجتمعات بين طرق مختلفة وجهات متباينة هذا يحتاج له إلى عمل استثنائي. انت اليوم لاحظه في مجتمعك هذا المحل، هذا على مستوى هالبلدة الذي تعيش فيها أنت، وهي بلدة متفقة دينيا ومذهبيا ومشاكلة وما شابه ذلك، إذا وُجد شخص محل إجماع من قبل أبناء البلد كلها هذا يحتاج إلى موافقات استثنائية التي تستحوذ على إعجاب هالفريق وذاك الفريق، هالجهة وتلك الجهة. فكيف اذا كان تلك الجهات مختلفة على مستوى المذاهب إلى حد الإختلاف في العقائد واختلاف في الفقه، يعني ما بين مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت عليهم السلام بل ما بين العباسيين على وجه التحديد وبين العلويين، ذلك المقدار من العداء والتصفيات التي مارسها العباسييون تجاه العلويين، يعني شدة التشنج والعنف والمواجهة كانت قد بلغت أقصاها. اذا جا شخص في هالأثناء وأصبح محورا يجتمع على جلالته وعلى فضله وعلى احترامه بل والرضا به من قِبَلِ هذه الطرق المختلفة من قبل مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت، من قبل العباسيين العلويين، إذا وجد شخص بهذه المواصفات اللي يكون محل إجماع، محل رضا، محل توافق. هذا يعني أنه يحتوي مميزات استثنائية جدا وأنه قام بأعمال كثيرة استطاعت إقناع جميع الأطراف بفضله وجلالته ومكانته، الإمام عليه السلام نحن نعتقد أنه كان بهذا المستوى.

ولهذا المأمون أصر على أن يكون هو ولي العهد. يعني مرة احنا مرة نهنأ فيه نقول أن الإمام الرضا جابه المأمون  تتولى الخلافة والا تنقتل، مرة نأتي ونقول لماذا اختار هذا الرجل الامام الرضا عليه السلام وهو بحسب النظرة المعروفة لم يكن يعتقد بإمامته لكن وجود هذا الشخص في هذه الحكومة وفي هذا الركاب وفي هذا الديوان يصنع قوة لها بحسب نظر المأمون. ما ممكن أن واحد يصنع قوة لشيء إلا أن يكون قويا، ما ممكن واحد أن يصنع إضافة وميزات إلى جهاز إلا بأن يكون الناس مؤمنين به، بأن يكون عامة المجتمع معتقدين به، بأن يكون له مؤهلات استثنائية في نظر الناس دع عنك الجانب الغيبي والالهي نحن نعتقد أنّ الإمام الرضا عليه السلام هو أسمى من كل هذه الأمور ولكن حتى في نظر الناس، الخلفاء العباسيين في نظر الطبقة السياسية كان هذا الشخص يحتوي على مقومات كبيرة إذا جاء وأصبح جزءا من النظام -حسب التعبير- من الممكن أن ينفع النظام. 

نفس حركة الإمام باتجاه ولاية العهد، هذا يعني أن الإمام لا يعتقد فيما نرى به، نظرية القوالب الجبسية والمحكمة اللي ما يطلع الواحد منها، لا هذا مادام أنا إمام معصوم وهذا المأمون كذا وكذا فإذاً ما لازم أقترب منه بالغاً ما بلغ، لا الإمام حكيم وهذه نقطة أحب أن أنبه عليها أننا أحيانا نقول لماذا صنع الإمام هكذا؟ الإمام الفلاني قام بهذا، قال لازم نسوي كذا وكذا. 

الأئمة عليهم السلام غير أنهم أولياء من قبل الله، هم حكماء في التصرف، لو كان هناك شخص حكيم مو إمام افترض، وكان بالخيار بين أن يتولى ظاهراً ولاية العهد؛ ومن خلالها ينشر أيضا علوم أهل البيت عليهم السلام، من خلالها يصون أتباعه عن التصفيات الجسدية، من خلالها يقضي بعض حاجات المؤمنين. طيب وفي المقابل اذا رفض من الممكن أن يؤذى، يهدد، يقتل، يسجن ...الخ. حتى إذا ماكان هذا الشخص إمام لازم يعمل طبق مقتضى الحكمة، ماهي الحكمة هنا.

فنحن نعتقد أن أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يكونوا ضمن هذه القوالب التي نحن نصنعها له، لازم هالشكل كيف يسوي هكذا ! مو صحيح مالازم يتحرك كذا أنا الآن إمام، كيف يقول لهذا الشخص السلام عليك يا أمير المؤمنين ؟!. طيب هذا ما يناسب أداء أذواقنا أو ما نعرفه. طيب هذا ضمن نظرية القوالب الجاهزة والتي يحاصر الإمام وشخصيته الدينية في إطارها، الإمام حكيم يرى أن السلام بهذه الكيفية في هذا المكان هو المناسب، بل يرى الإفطار في يوم شهر رمضان - كما ينقل عن الإمام الصادق عليه السلام- الرواية تقول هكذا أن الإمام الصادق عليه السلام طُلب إلى المنصور العباسي في وقته و كان أيام شهر رمضان، عند الإمام لا يزال اليوم آخر الشهر وعند الخلفاء اليوم هو يوم العيد. فاستدعي إلى ديوان الخلافة العباسي. واحد يقول شلون يروح الامام؟ لازم يبقى هالشكل وما يقبل ويرفض وإلى آخره. طيب الإمام يرى من الحكمة أن يذهب، ذهب إلى هناك  وهناك شاف المائدة مبسوطة والماء مقدم والطعام جاهز، فقال له المنصور العباسي قال يا أبا عبدالله هلّم تقرّب - تفضل- يعني كل، فقدم إليه المنصور شيئا من الطعام وأكله الإمام عليه السلام.

لما طلع واحد من أصحابه كأنما كان معه أو شهد المشهد قال له يا سيدي يا أبا عبدالله اليوم عندك آخر شهر رمضان مو يوم عيد كيف أكلت ؟ قال ( لأن أُفطر يوما وأقضي يوما مكانه أحب إلي من ضرب عنقي) يعني اذا واحد عاقل يستعمل هذه المعادلة أو حكيم يفكر بهذه الطريقة ما راح يتخذ إلا نفس الموقف. يقول لا الإمام ما لازم وشلون يفطر وهذا الإفطار كذا   ولا يقاوم ولازم يقول كذا وإلى آخره. لا الإمام هو سيد الحكماء.

فأحيانا النظر ضمن قالب معين نحن نصنعه للأئمة عليهم السلام يبعّد علينا صورة شخصياتهم الحقيقية، بينما اذا نظرنا إليهم خارج هذا القالب، نرى أنّ الإمام الرضا عليه السلام أيضا كان له من الدعاء ما يشبه زين العابدين، وله من العلم ما يشبه أمير المؤمنين، وله من الشجاعة ما يشبه الحسين، وله من الكياسة والسياسة ما يشبه آباءه الطاهرين، ويستخدم كل جانب من الجوانب في موقعه المناسب. 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من التابعين لأئمتنا والمشاهرين لهم وأن يرزقنا شفاعتهم إنه على كل شيء قدير.

مرات العرض: 3392
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2580) حجم الملف: 2692.62 KB
تشغيل:

عن حياة العقيلة زينب
انفضوا اليها وتركوك قائما