عن حياة العقيلة زينب
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/8/1436 هـ
تعريف:

 

من حياة العقيلة زينب بنت علي عليهما السلام 


تحرير الفاضل السيد أمجد الشاخوري

يصادف هذا اليوم ذكرى ميلاد عقيلة الطالبيين زينب بنت علي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما ويحسن بنا أن نشير في هذه المناسبة إلى بعض جوانب الاقتداء في حياتها.

هناك أمور شخصية في كل إنسان لا يمكن أن تتكرر ولا يمكن تتمثل لأنها خاصة بتلك الشخصية، نسب الإنسان من ذلك، أن يكون مولودا لهذا الأب المعين ولتلك الأم المعينة، هذا من الأمور التي لا تتكرر ولا يمكن أن تتمثل. أنت لا تستطيع أن يكون أبوك علي بن أبي طالب عليه السلام ولا أن تكون أمك فاطمة الزهراء عليها السلام، لأن هذه من الأمور الشخصية الخاصة بأبناء علي وأنت لا تستطيع أن تغير نسبك ولا تنتمي لغير أبيك وأمك. 

وهكذا أيضا زمان الإنسان. أن يأتي هذا الإنسان في زمان معين كأن يأتي في القرن الهجري الأول أو في القرن الهجري الثاني أو في القرن الخامس عشر الهجري، هذه أمور ليست باستطاعة الإنسان ولا يملك إزاءها شيء. أنت جئت إلى هذه الحياة، في هذا القرن ولم يكن باستطاعتك أن تبكر في مجيئك، لم يكن بإمكانك أن تأتي في زمان رسول الله أو زمان علي أو زمان الصادق أو زمان الهادي، وإنما جئت في زمن غيبة الإمام المهدي -عليه السلام وعجل الله فرجه- الكبرى. فهذه أيضا من الأمور التي لا يمكن للإنسان أن يصنع فيها شيئا. 

قسم من الناس يتصور أن الفخر والذم يرتبط بهذه الأمور، والحال أن الأمر ليس كذلك. يعني مثلا يقول لو كنا في زمان رسول الله لكنّا كذا وكذا، ولو كنّا من أسرة بني هاشم لكنا كذا وكذا، ولو جئنا في الحادثة الفلانية وكنا موجودين لكان موقفنا شيئا آخر؛ وهذا غير صحيح !. 

أي إنسان كان سيقف مع رسول الله لو كان مثلما ما هو الآن واقف ! الآن في هذا الزمان هل هو على خط الهداية أو خط الضلالة؟ على خط الهداية بمقدار ٢٠% ؟ أو بمقدار ٩٠% ؟ أو ما بينهما، نفس الموقف كان سيقفه عندما يكون في زمان رسول الله صلى الله عليه واله، ونفس الموقف كان سيقفه لو كان في زمان علي والحسين عليهما السلام. 

ولذلك ينبغي ألا يلتفت الإنسان إلى القضايا المختصة بالناس، لو كان أبي علي بن أبي طالب لكنت كالحسين! ولو كانت أمي فاطمة لكنت كالحسن ! ليس هذا صحيحا ولا ينبغي أن يكون السؤال بهذا النحو وإنما علينا أن ننظر إلى ماهو ممكن الاقتداء في حياة هذه الشخصيات. 

لا يمكن للإنسان أن يغير نسبه ولا زمانه ولا طوله وعرضه وإنما يستطيع أن يغير أخلاقه، يستطيع أن يغير علمه، يستطيع أن يحسن شخصيته وأن يقتدي بأولئك النفر المتقدمين في هذا الجانب. 

ينظر إلى سيدة وعقيلة الطالبيين زينب عليها السلام، المرأة لا تستطيع أن تكون زينبا بمعنى الأب والأم والنسب والزمن ولكن تستطيع أن تسير في درب علم سارت عليه زينب حتى وصلت إلى ما روي عن المعصوم عليه السلام في حقها على بعض الروايات :( وأنتي بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة) و اذا صحت هذه الرواية فإنها تشير إلى جانبين:جانب العلم، وجانب الفهم. وكل منهما يختلف عن الآخر وله مسار غير المسار الذي للآخر، يستطيع الإنسان، تستطيع المرأة في هذا الزمان أن تسير في طريق العلم حتى تصبح عالمة كبيرة، فقيهة، واعية. 

يوجد لدينا في تاريخ العلماء عالمات فقيهات على مستوى الاجتهاد، بل نقل في حق بعضهن أن واحدة منهن وكان زوجها أحد كبار علمائنا اذا استعصت عليه المسائل ونام عنها على أساس أن يجلس صباحا ليجدد النظر فيها وصادف قيامها لوردها في الليل أنها تأتي وتشرح المسألة بحيث يجد هذا العالم الجليل المسألة جاهزة مع الفجر وقد حلت اشكالاتها. يوجد لدينا عالمان بهذا المستوى سلكن نفس هذا الطريق فصارت عالمة.

يمكن للمرأة أن تسلك طريق الفهم والذكاء والوعي والمعرفة بحيث إذا رأت بداية الشيء تستطيع أن تنظر إلى نهايته، حالة بصيرة و وعي و معرفة وذلك من خلال الاهتمام بالقضايا العالية. الإنسان رجلا كان أو امرأة اذا صارت اهتماماته اهتمامات عالية، آن إذٍ يتفتح ذهنه وتزداد بصيرته، وأما إذا كان كل همه وغمه في الصغائر. 

فيما ورد في الحديث فيما يبغضه الله :( إن الله يبغض سفاسف الأمور) الأمور البسيطة أن يقضي الإنسان عمره بالكامل فيها وأن يُستفرغ فيها، وقسم من الناس عندما ترى حياته تجد جانبا كبيرا منها مربوطا بهذه السفاسف والقضايا البسيطة؛ هذا لا يستطيع أن يكون صاحب بصيرة، لا يمكن أن يكون صاحب فهم، لا يمكن أن يكون صاحب رؤية، عندما يكون له اهتمامات عالية، توجهات كبيرة، يكبر الفهم الإنساني وفقه الإنسان وإدراكه وذكاؤه بنفس هذا المقدار و على قدر أهل العزم تأتي العزائم - كما يقول الشاعر- بمقدار ما تفكر تنتج.

تفكر في اشياء تافهة وبسيطة تنتج بهذا المقدار، أو تفكر بشيء عظيم وخطير آن إذٍ تنتج بذلك المقدار. 

زينب سلام الله عليها وصلت إلى هذه المرتبة أنها عالمة غير معلمة -كما ورد- وفهمة غير مفهمة ويمكن للإنسان المسلم إن كان رجلا أو إمرأة لو سلك هذا الطريق أن يصل إلى درجات عالية من العلم ومن الفهم، هذا يمكن للإنسان أن يتبصر في هذا المعنى.

ولذلك نقل عنها أيضا أنها في أيام شبابها كانت تفسر القرآن وكان لها مجلس في الكوفة أيام حكومة أبيها أمير المؤمنين عليه السلام بحيث كانت تعرف الناس مبادئ القرآن، ومفسر القرآن - كما تعلمون - إذا كان بحقٍّ مفسرا هو محيط بمجموعة المعارف الدينية، لا يمكن أن يكون شخص مفسرا للقرآن وهو غير خبير في الفقه. ماذا يصنع في آيات الميراث؟ ماذا يصنع في آيات النفقة؟  ماذا يصنع في آيات الوصية؟ ماذا يصنع في آيات الوضوء؟ وفي آيات التيمم والغسل؟ وهكذا سائر الأمور لابد أن يكون المفسر فقيها حتى يتعرف على هذه الأحكام الشرعية والآيات القرآنية الواردة في القرآن الكريم في موضوع الفقه. لابد أن يكون عارفا أيضا بالعقائد، إذ أنّ قسما كبيرا من آيات القرآن الكريم يرتبط بأمور العقيدة في الله، قضايا التوحيد، صفات الله عز وجل، قضايا العصمة في الأنبياء، ما ظاهره خلاف العصمة آيات كثيرة لابد أن يجيب عليها وإلا لم يكن مفسرا، إذا مرت عليه آيات توهم بعدم العصمة لابد أن يكون له جواب حاضر، وإذا قام بالنسخ من هنا والأخذ من هناك لم يعد هذا مفسرا في الدرجة المطلوبة. لابد أن يكون عالما بالعقائد، لابد أن يكون عالما بمقدار بالتاريخ وقصص الأنبياء وهكذا. فضلا عن نفس علوم القرآن وفضلا عن علوم اللغة العربية وإعرابها، كل هذا وغيره لابد أن يكون المفسر محيطا به وإلا لا يستطيع أن يفسر القرآن.

فإذا قيل لنا أن زينب عليها السلام كانت تفسر القرآن الكريم وتُدرّس ذلك أمكن لنا أن نتفهم أن لدى هذه السيدة علما كبيرا واسعا يتطلبه علم التفسير. 

وهكذا ما ورد في كلماتها وخطبها وأقوالها ينبئك ذلك عن علم كبير وواسع ولو أن إنسانا أراد أن يحلل كلمات العقيلة زينب ولو بهذا المقدار القليل خطبها بعد كربلاء إلى رجوعها إلى المدينة، سوف يجد نفسه أمام خُطب ناضجة للغاية، أمام أساليب أدبية متفوقة وعالية السبق والصياغة وتحتاج إلى دراسات أدبية مهمة وقد قالت هذه الخطب على السليقة والسجية لم يكن هناك تحضير وإعداد ولم تكن الظروف أيضا ظروفا مناسبة، ظروف جوع وعطش وسبي ومشاكل وثكل وترمّل و و والى غير ذلك من الأمور.

فعندما يخرج من هذا المعدن مثل هذا هذه الخطب القوية والمؤثرة معنىً وسبكا وصياغة هذا ينبؤك عن مستوى عال من العلم، يمكن للإنسان المؤمن سواء كان رجلا أو كان امرأة إن تأخر في أن يكون ابنا لهذه الذرية، ابنا لعلي، ابنا لفاطمة، يمكن له أن يفتح بابا آخر هو باب الاقتداء في الصفات التي يمكن تكرارها كالعلم والمعرفة والفهم والتفقه. 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتبنا وإياكم من العارفين بهم ومن السائرين على منهاجهم وأن ينفعنا بهم ويحشرنا معهم إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين.

مرات العرض: 3390
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2576) حجم الملف: 2274.08 KB
تشغيل:

رجب والتصعيد الروحي
الامام الرضا شخصية اسلامية جامعة