كمثل الحمار يحمل أسفارا
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/8/1436 هـ
تعريف:

كمثل الحمار يحمل أسفاراً

تحرير الأخت الفاضلة أم سيد رضا

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً * بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين)).

في البداية لا بد أن نشير إلى أن مما يحتويه القرآن الكريم هو ضرب الأمثال كما جاء في قوله تعالى: ((إن الله لا يستحي ان يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها))، فالله سبحانه وتعالى يضرب الامثال للناس ولو تتبعنا أيضاً لوجدنا أمثلة كثيرة منها مثل المنفقين في قوله تعالى: ((مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة))، ومثال آخر أيضاً في سورة البقرة يمثل به حال المنافقين في الإيمان قوله تعالى: ((كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم))، وهناك أيضاً امثلة في الإنفاق الذي لا ينفع ولا يبقى لعدم الإخلاص فيه وهو قوله تعالى: ((كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف))، وهكذا تتعدد الأمثلة، وفي غير سورة البقرة أيضاً في قوله عز وجل: ((كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن اوهن البيوت لبيت العنكبوت))، وأمثلة على من يرجو القوة والعزة من عند غير الله وأنهم ضعفاء ولو سلبهم الذباب شيئاً لما استطاعوا استرجاعه منه، ومثال للإيمان المستقر وفي مقابله الإيمان المستودع، ومثل الكلب في صورة العالم غير العامل بعلمه وغير المهتدي وغيرها من الامثلة الكثيرة.

وفي الآية المباركة: ((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً))، يصور الله مجتمعاً وهناك بحث عن سبب استخدام القرآن الكريم للأمثال وهو بحث فني و أدبي مفصل ولكن هنا نشير غلى بعض الجهات منه:

1 – المثل يقرب الفكرة المجردة إلى واقع حي يراه الإنسان، فعندما يضرب هذا المثل فإن صورته تبقى في الذهن، بينما لو كان الامر نظرياً وفكرياً مجرداً لربما هذه الفكرة تذهب من الذهن، وهذا شيء معاصر الآن فالإعلام المعصار استخدم الصورة لأنها تنطق عن كثير من الأفكار بينما لو استخدم الفكرة المجردة لن يبقى الذهن إلا القليل، ولذلك فإن القرآن الكريم جاء بالكثير من الصور ومنها صور اجتماعية وبيئية طبيعية يتعايش معها الإنسان ويألفها وينفذ إلى ما بعدها وهذه هي الغاية الأساسية من ضرب الامثال في القرآن الكريم، وضمن هذا السياق فإن القرآن الكريم يضرب مثلاً لليهود بقرينة التوراة، فالبعض قالوا بأن اليهود كانوا يفتخرون على العرب قبل مجيء اللإسلام بأنهم أمة ذات كتاب وان العرب ليسوا أمة ذات كتاب فرد عليهم القرآن الكريم بأنه ما نفع هذا الكتاب إن لم يطبق، يصبح وكأنه حمار يحملون عليه مكتبة، فوجود الكتاب السماوي مع عدم العمل بما فيه لا ينفع المجتمع كما أن تحميل الحمار للكتاب لا يؤثر فيه شيئاً ولا يزيده نفعاً.

قوله تعالى: ((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً))، الأسفار هي جمع سِفر بكسر السين أو سَفر بفتحها، وهنا في هذه الآية تأتي بمعنى سِفر.

السِفر هو الكتاب الكبير المفصل، فالقرآن الكريم يريد أن يستنكر على الأمة التي يوجد لديها مخزون علمي وتتفاخر به من دون أن تستطيع الإستفادة منه، وهذا أيضاً ينطبق على بعض المسلمين الذين يشابهونهم في هذه الحالة عندما يقولون نحن أمة القرآن ولدينا تراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولدينا من العلم كذا وكذا، ولكن للأسف لا يظهر ذلك في سلوكهم وفي عملهم وحياتهم فيصبحوا كالذي يحمل الأسفار والكتب ولا ينتفع منه أي نفع، وكذلك بالنسبة لبعض الموالين لأهل البيت عليهم السلام عندما يقولون أن الإمام الصادق عليه السلام كان لديه جامعة وكان لديه من التراث والأحاديث والروايات وبالفعل هذا الكلام صحيح ولكن ينبغي أن يكون لهذا المخزون أثر فعلي في حياتهم بأن يهذب اخلاقهم ويقوم سلوكهم ويفتح لهم أبواب العلم والمعرفة.

الشاهد هنا أن القرآن الكريم يشير إلى تقبيح عمل اليهود بأنهم يفتخرون حيث يكون الذم أولى بهم، وبعد ذلك لديهم فخر آخر بأنهم قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ونحن أولياء الله، وهذه الفكرة العنصرية موجودة ولها تمثلاث في حياة اليهود مثل عندما قالوا ليس علينا في الأميين سبيل أي أن غير اليهود الذين ليسوا لديهم كتاب يستطيعون أن يأخذوا منهم ما يشاؤون وليس لدى أولئك الناس حق في مطالبة اليهود وأيضاً ليس واجباً عليهم رد الأمانة كما جاء في قوله عز وجل: ((ومن أهل الكتاب من أن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً))، القنطار هو ملئ جلد الثور ذهباً ومن يملكه في ذلك الزمان يكون من أثرى الأثرياء وهو يدل على المبالغة والكثرة في المال.

 ((بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين))، فهم ظلموا   أنفسهم عندما تركوا الإهتداء بما لديهم من التوراة غير المحرفة ولم يعملوا بها واكتفوا بمجرد الإفتخار، وهنا يقدم القرآن الكريم اختباراً ويطرح التحدي الثاني عليهم عندما قال لهم: ((يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين))، أي أنه إذا كان ما تقولونه صحيحاًّ بأنكم أولياء الله وأحباؤه وأنكم أبناؤه فاشتاقوا إلى أبيكم وتمنوا الموت ولكن لا يتمنونه أبداً، وفي مكان آخر قال تعالى: (( قل فلم يعذبكم الله بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق)).

وهذه الحالة العنصرية موجودة في كثير من الناس والأغلب منهم لا يعترف ولا يقول بأن فلان أفضل مني، غالباً فإن الإنسان يرى نفسه هو الأفضل والأحسن وهو الذي من أهل الجنة، كما جاء في الحديث الشريف بما معناه أنه إذا رأيت شخصاً أكبر منك فقل هو سبقني في الطاعة وإن رأيت شخصاً أصغر منك فلا تقل انا سبقته في الطاعة وأنا أفضل منه بل قل أن ذنوبه أقل مني وأنا لدي ذنوب كثيرة، نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا بما أعان الصالحين على انفسهم وأن يبعدنا عن كل شر إنه على كل شيء قدير.

 

مرات العرض: 3407
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2579) حجم الملف: 2224.98 KB
تشغيل:

في رحاب خطبة النبي الرمضانية
رجب والتصعيد الروحي