في رحاب خطبة النبي الرمضانية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/8/1436 هـ
تعريف:

في رحاب خطبة النبي الرمضانية 


تحرير الفاضل السيد أمجد الشاخوري

 

شهر رمضان وأيامه لا تقتصر بركاته على الجانب الأخروي وارتفاع المنزلة وعظمة الثواب، مع أن هذا هو شيء جليل وكبير.

في خطبة رسول الله صلى الله عليه واله ( أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ).

الرحمة والمغفرة غالبا ما تتجه جهة الآخرة من حط الأوزار ومن إعلاء المنزلة وارتفاع الدرجة، لكن لفظ البركة عندما يأتي فهو غالبا مشير إلى السعة الدنيوية، تقول مثلا أسألك أن تنزل علينا من بركاتك؛ يعني أن توسع علينا في أمورنا، تقول هذا الأمر الفلاني مبارك غالبا ما يكون ذلك ناظرا إلى الجهة الدنيوية. 

النبي المصطفى صلى الله عليه واله عندما يقول أن شهر رمضان شهر الله قد أقبل إليكم بالبركة، البركة هنا كأنها ناظرة إلى جهات دنيوية من التوسعة، من النمو، من الازدياد والمغفرة والرحمة ناظرة إلى جهات أخروية غالبا. فشهر رمضان هو شهر فيه بركة، فيه توسعة، فيه نماء، فيه تطور، أول ما يلحظ الإنسان هذه البركة و هذا النماء، لو أحسن الاستفادة منه ينبغي أن يكون ناظرا إلى نفسه كيف يتصور الإنسان، كيف ينمو الانسان، كيف يتعالى ويتكامل بكلمة واحدة عندما يغير نفسه، بل كيف يتطور المجتمع وينمو ويتعالى عندما يتغير وتتغير نفوس الناس من قول الله عز وجل:( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). 

 

الله لا يغير حال أحد فردا كان أو مجتمعا إلا عندما يغير نفسه، اتخاذ قرار التغيير في نفس الإنسان هي الخطوة الأولى لتغيير واقعه الخارجي وحاله المادي وسلوكه الأخلاقي ووضعه السياسي وكل تلك الأمور تبدأ من نقطة مركزية واحدة وهو تغيير الذات.

عندما يقتنع الإنسان أنّ بإمكانه أن يغير نفسه فقد بدأ المشوار، المشكلة أنّ كثيرا من الناس لا يعتقدون أنّ بإمكانهم تغيير أنفسهم، يقول لك أنا هكذا وضعي عصبي طبيعتي هالشكل ما أقدر أغير وضعي، أنا بهالشخصية تكونت، والدي في البيت كان عصبي، أمي في البيت كانت عصبية، تربيت في بيئة انفعالية خلاص تقولبت بهذا القالب، أنا إنسان لا أستطيع أن أكون سخيا لأن طيلة حياتي كنت قابضا ليدي، الآن بعد تقولبت شخصيتي صار منتصف العمر قد قضى، أواخر العمر قد بدأت ما يمكن بعد أتغير شنو باقي في هذا العمر حتى واحد يبدأ من جديد، لو أنا بعدني شاب، لو كنت لا أزال شابا أو طفلا تقدر تغير وتقدر تبدل لكن الآن انتهى الموضوع ما يمكن أن اتغير، كيف أقدر أغير حياتي!.

هذا يعني أن هذا الإنسان لم يتخذ قرارا بالتغيير، شهر رمضان يقنع الإنسان لو توجه أنّ بإمكانه أن يغير حياته ١٨٠ درجة وفجأة أيضا! فجأة يتغير برنامج الإنسان في شهر رمضان، طريقة حياته، يترك أشياء محببة جدا لديه، ويغير زمانه ووقته وطريقة حياته كلها مباشرة أيضا بس قالوا له البارحة صار الهلال، اليوم هو غيّر حياته بالكامل. هذا يقول لك أنا ما أقدر ساعتين أترك السيجارة، لا أستطيع أن أترك التدخين، كيف اقدر! أنا الآن صار لي أربعين سنة مدخن كيف أقدر أترك هذا !. خلاص خلي الأمور تمشي على حالها، شهر رمضان يجي يقول لك فورا الليلة الهلال باجر انت تارك التدخين مو ساعتين ١٦ ساعة لازم تتركها. ويلتزم الإنسان بذلك أيضا مما يعني أن بإمكانه أن يتغير، لو ما كان يتغير لو ما بإمكانه يتغير كان يقول لا أنا هذا لست مستطيعا للصيام، ما أقدر أصوم لأنه لازم ادخن، فذاك الوقت هم لازم يقضي وهم لازم يدفع كفارة.

 

تغييره أيضا تغيير فجائي وهذا أمر له محل تأمل عادة التغييرت تبدأ تدريجية، شهر رمضان صارم، يريد يقول للإنسان بحزم أنت بإمكانك أن تغير ذاتك متى قررت. 

بالفعل قسم من الناس أيضا هكذا. ينقل عن المرحوم السيد الحكيم السيد محسن الطبطبائي الحكيم رحمة الله عليه مرجع الطائفة في زمانه وكان مدخنا، في أواخر حياته صار عنده مرض، تعرض إلى مرض ودوه إلى بغداد و في أثناء مراجعة الطبيب له كان يدخن، الطبيب واحد من مقلديه أيضا يذكرون اسمه، فقال له سيدنا مرضك هذا أحد الأسباب الأساسية فيه هذه السيجارة، هالتدخين هذا. وأنا كطبيب أقول لك لازم تترك التدخين، كانت على النص السيد طفاها وخلاص إنتهى بعد إلى آخر عمره لم يدخن سيجارة واحدة. 

 

شهر رمضان يسوي نفس هذا الأمر ويا الأذان، قبيل الآذان يقول للإنسان اطفي هذي السيجارة خلاص ١٦ ساعة ماكو، يبا ما أقدر ما أستطيع راسي يدوخ غير ذلك، هذا الكلام لا يعبؤ به.

يعلم شهر رمضان هذا الإنسان أن بإمكانه أن يتغير لو أراد حتى في آخر عمره وفجأة أيضا فورا، أنا الآن صار لي خمسين سنة أدخن، خمسين والا ستين فورا لازم تترك التدخين خلال هذه الفترة الزمنية، يعني أنك تستطيع أن تتركها فكيف إذا كان أمر التغيير تدريجيا؟. النظام الحياتي العادي متعود الإنسان طوال أحد عشر شهرا أن يبدأ يومه مثلا بطعام الإفطار و الظهر لازم يتغذى هذا إذا ما تغذى أول الوقت الساعة ثنتين، الساعة ثلاث، الساعة أربع، إذا فد يوم من الأيام ما صار هالبرنامج يشوف أن وضع برنامجه غير طبيعي، يروح يدور من هنا وهناك حتى يعبئ هذا الفراغ. 

شهر رمضان يقوله هذا النظام اللي مشيت عليه أحد عشر شهرا في السنة طول عمرك إحنا نغيره بقرار واحد هو مجيء الهلال وثبوت الشهر، باجر ماكو فطور الصبح، باجر الظهر ماكو غدا وانت هم لازم تتكيف على هذا الأساس.

 بدن الإنسان الداخلي هم يتكيف، هذا اللي امس، أول امس صعب عليه يصبر مادري ثلاث ساعات، أربع ساعات من دون أن يشرب الماء الآن صار قدامه الماء وموفر و ١٦ ساعة لازم ما يشرب قطرة واحدة. 

 

شهر رمضان شهر فيه البركة، البركة تعني النماء، تعني الزيادة، تعني التطور، تعني السعة في الحالة الدنيوية. هذه الأمور كلها لا تتيسر للإنسان إلا إذا قرر أن يغير من نفسه، يغير من أخلاقياته، يغير من طريقة حياته نحو الأفضل، يقلل من كسله يبدله إلى نشاط، يقلل من جهله يبدله إلى علم، يقلله كن انكفاءه يبدله إلى مساهمة وتفاعل، يتغير بذلك نفسه ثم تتغير بعد ذلك حياته ثم تتغير حياة المجتمع بهذه الطريقة. 

لنتخذ من شهر رمضان فرصة للتغيير، تغيير الداخل وشهر رمضان يقنعنا بأننا قادرون على تغيير كل شيء، تغيير عاداتنا، تغيير طرقنا في الحياة، الضغط على أنفسنا يعلمنا إياه شهر رمضان. اضغط على نفسك وأضغط على نفسي حتى ترتقي في مدارس الكمال.

 

الإنسان أن يترك نفسه مسترسلة هذا شيء سهل، الماء عندما تصبه أول ما يروح يروح إلى المكان المنحدر هذا هو الحالة الطبيعية، لكن إذا تريد تجيبه إلى طابق أول تحتاج إلى قوة دفع، إلى طابق عاشر تحتاج إلى دينمو قوية. 

شبه هذا الأمر بنفسك ونفسي إذا نترك أنفسنا إلى استرسالها نهملها ما نربيها، ما نقويها، ما نغيرها، نرفع درجتها هي تنساق مثل الماء إلى المكان المنحدر، إتباع الشهوة ما يحتاج له لا إلى تربية ولا إلى تحريض ولا إلى تشجيع ولا إلى شجاعة؛ إتباع الشهوة هو طبيعي.

اللي يحتاج إلى تحريض، يحتاج إلى  تغيير، يحتاج إلى دفع، يحتاج إلى توجيه، يحتاج إلى إصرار، يحتاج إلى ضغط؛ هو أن يرتقي الإنسان في أخلاقه، في تعامله، في عطائه، في سخائه، في علمه. هذا اللي يحتاج له إلى تحريك و يحتاجه له إلى ضغط.

 

شهر رمضان المبارك فرصة من الفرص الاستثنائية باتجاه تغيير النفس، تغيير الذات إلى الأفضل. أولا يقنعك كما تغير برنامج طعامك في هذه الأيام، كما تغير برنامج لذاتك في هذه الأيام وتوطنت نفسك عليه واستطعت أن تطويه أيضا مو يوم ولا يومين شهر كامل انت في برنامج جديدة، في دورة جديدة ضاغطة تحرم فيها من كثير من الأمور مثل ما تبين لك أن بإمكانك أن تصنع ذلك، أيضا في الجهات الأخرى في الأخلاق تقدر تغيرها، تقدر في هذا الشهر أن تتحلم تقول أنا مثل ما أمتنع عن الطعام في نهار شهر رمضان خل أمتنع عن الغصب والانفعال، مثل ما أمتنع عن ممارسة اللذة مع الزوجة مثلا خل أصعد باتجاه العلاقة مع الله عز وجل، استحضر وجود الله في قلبي واخلي قلبي قدر الإمكان خاشع ولساني قدر الإمكان رطب بذكر الله عز وجل.

هاي فترة تساعدك فيها الظروف و يعينك فيها هذا الشهر ويعلمك وإياي أن بإمكاننا لو أردنا التغيير أن نتغير. 

هذه من أنحاء البركة التي يأتي بها شهر رمضان كما في حديث رسول الله:( إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة). البركة زيادة، البركة سعة، البركة نماء. فحصل وأحصل هذا النماء وتلك البركة وهذه الزيادة أولا في أنفسنا، في أخلاقنا، في طريقة حياتنا حتى نستفيد منه في الدنيا والآخرة. 

 

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتم علينا هذا الشهر في خير وعافية وأن يتقبل منا أعمالنا وأن يكرمنا بالعتق من النار ودخول الجنة إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين.

مرات العرض: 3404
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2572) حجم الملف: 2340.73 KB
تشغيل:

رسولا منهم يتلو عليهم
كمثل الحمار يحمل أسفارا