شرح دعاء الافتتاح 7
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/10/1435 هـ
تعريف:

(7) إضاءات من دعاء الافتتاح

تحرير الفاضل أحمد الحسين

لانزال في رحاب دعاء الافتتاح الذي يروى عن الامام صاحب العصر والزمان الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 يفتتح الدعاء بهذه العبارات "اللّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النِّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ. اللّهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ، فأَسْمَعْ ياسَمِيعُ مِدْحَتِي، وَأَجِبْ يارَحِيمُ دَعْوَتِي وَأَقِلْ ياغَفُورُ عَثْرَتِي، فَكَمْ ياإِلهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها، وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاٍ قَدْ فَكَكْتَها". 

يبدأ هذا الدعاء الشريف منطلقا من يقين الانسان بحكمة الله سبحانه وتعالى الذي يضع الاشياء في مواضعها، " وَأَيْقَنْتُ " المطلوب في العقائد درجة اليقين، المطلوب في العقائد العلم الراسخ الذي يُشهد الانسان ربه عليه، انا متيقن يا رب انك بالغ الحكمه، فلا تضع الرحمة موضع العذاب، ولا تضع النقمة موضع الرحمة. "وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النِّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ" لا شك أنّ مقام الداعي هو مقام استرحام واستعطاف لله سبحانه وتعالى، ولذلك يخاطب الله بما عهد الداعي عنه من حكمة في انه يضع رحمته موضعها، ويضع عطفه موضعه، متيقن بذلك شاهدا عليه معتقدا تمام الاعتقاد به، وانا يا رب في موضع العفو والرحمة في موضع الاسترحام في موضع الاستعطاف؛ لذلك انتظر منك عفوا ورحمة ومغفرة 

القرآن الكريم والروايات تتحدث عن صفات الله سبحانه وتعالى و لكنها تجعل كل شيء في موضعه، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ) في نفس الوقت الذي هو رحيم، غفور، هو ايضا في الطرف الاخر شديد العقاب، قويٌ، متجبر، قادرٌ على انفاذ ما يريد، ولهذا ينبغي ان لا يطمئن هذا المتحدي لله تعالى بأن الله غفور رحيم. الله غفور رحيم ولكن في موضع الرحمه، اما عندما يتحدّ العبد ربه بالمعصية ويجاهر بالذنب فان الدور حينئذ لا يكون دور العفو والرحمة؛ لأن ذلك خلاف الحكمة، وانما يكون دور الكبرياء، دور العظمة، دور العقاب (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ)، لهذا ما يمارسه بعض هؤلاء العباد الذين هم عباد تكوينا وخلقا، ولكنهم متمردون نفسا وعملا، ينبغي عليهم ان يفكروا انهم إنما يخادعون انفسهم عندما يقولون: إن الله غفور رحيم وان الله رحمته وسعت كل شيء، نعم هو كذلك ولكن حكمته هي التي تدير هذه المسألة، تدير الرحمة وتدير النقمة وتدير الكبرياء، فتضع كل شيء موضعه. فاذا كان هناك عبد مستعطف خاضع اذا كان هناك عبد مستغفر طالب، فإن الحكمة تقتضي ان يعامله الله بالرحمة، بينما اذا كان هناك طاغوت يعذب الناس، او ظالم يظلم العباد، او سارق، هذا يغرر بنفسه ويخدع ذاته اذا تصور ان الله بالنسبه له ولأعماله غفور رحيم. الله غفور رحيم ولكنه ايضا حكيم، و بحكمته يضع هذه الاشياء مواضعها، فلا يلبس الانسان على نفسه هذه الامور. الله سبحانه وتعالى يصرح في القران الكريم بهذه الجهات يقول (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ذلك  مقام العطاء، مقام التفضل، والاحسان، ولكن (وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

اذا كان الانسان يتحدى ربه فلا ينبغي ان يخدع نفسه برحمة الله، وانما عليه ان يتذكر شدة عقاب الله ودقة حساب الله سبحانه وتعالى. " وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النِّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ. اللّهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ، فأَسْمَعْ ياسَمِيعُ مِدْحَتِي" يا رب، كان ينبغي ان استأذن وان لا اتجرأ في الحديث معك، انت الرب المطلق، انت القادر المطلق، انت الاله العظيم، من انا وماذا اكون حتى اخاطبك؟ بلساني هذا الذي عصيتك اخاطبك، ام بعيني ارنو اليك و قد اذنبت وتجرات، ام بماذا؟ لكنك يا رب انت اذِنت، انت تفضلت، انت تكرمت، انت دعوتني لكي ادعوك، وإلا لم اكن اهلا بما انا عليه من العصيان والصغار والذنب، لم اكن اهلا لمخاطبتك، لكنك تفضلت و اذنت لي في دعائك و مسألتك، قلت لي: ادعوني، وانا ممن شملهم ذلك الخطاب فكان ذلك تفضلا منك علي وعلى جميع الناس، قلت لي يا رب على لساني رسولك: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) وقد استجبت اليك يارب على مستوى ان اطلب منك وان اتضرع اليك وان اثني عليك، "فاسمع ياسميع مدحتي"، هذا حمدي هذا ثنائي عليك   … هذا توصيف اياك مقدمة لطلبي، "فاسمع يا سميع مدحتي" واجب على اثر ذلك "يارحيم دعوتي واقِل ياغفور عثرتي فكم يا الهي من كربت قد فرجتها".

 يبدا الداعي الان في تعداد النعم الالهية عليه على شكل عناوين سواء تلك النعم المباشره مثل الرحمة التي ينشرها ربنا و الرزق الذي يرزقه ويعطيه لهذا العبد، ومثل الجهات السلبيه وهي دفع البلاء، يدفع البلاء الذي يكون قد احاط بالانسان كإحاطة الحلقة الدائرية فاذا به ينجي هذا الانسان من تلك الحلقة الابتلائية؛ لكي ينعمه ولكي ينجيه.  "فكم يا الهي من كربة قد فرجتها" تحدق بي الهموم والمشاكل سواء كانت مالية او اسرية او اجتماعية او غير ذلك، فتضيق بي السبل ولا اجد الا ربي سبحانه وتعالى كاشف لها ومفرج لها، فتفرّج ذلك يا رب وتكشفه عني من دون ان يكون لي دور مباشر في تفريج تلك الكربات، ليست واحده ولا اثنتين وانما كم من الكربات يارب قد فرجتها، ولو اراد انسان ان يحسب خلال سنة واحده عدد الكربات و المشاكل والقضايا التي احاطت به ثم فرجها الله سبحانه و تعالى و يسرها وسهل اسبابها لأعياه الحساب، فكيف اذا كان ذلك في جميع عمره؟! يبدا الانسان بالحديث عن مقدار النعم التي انعم الله بها عليه فيبتدئ بتفريج الكربات ثم يعطف بعد ذلك على الهموم وسائر النعم الاخرى نسال الله سبحانه و تعالى ان يواصل نعمته علينا وان يفرج عنا همومنا وغمومنا وكرباتنا بمحمد وال محمد الطيبين الطاهرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



مرات العرض: 3433
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2584) حجم الملف: 14602.53 KB
تشغيل:

شرح دعاء الافتتاح 9
شرح دعاء الافتتاح 10