شرح دعاء الافتتاح 9
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/10/1435 هـ
تعريف:

شرح دعاء الافتتاح (9) 

النعم الالهية ... صراط للهداية

تحرير الفاضل أحمد الحسين

"الحَمْدُ للهِ بِجَمِيِعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلى جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّها. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا مُضادَّ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلامُنازِعَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَلاشَبِيهَ لَهُ فِي عَظَمَتِهِ، الحَمْدُ للهِ الفاشِي فِي الخَلْقِ أَمْرُهُ وَحَمْدُهُ، الظاهِرِ بالكَرَمِ مَجْدُهُ، الباسِطِ بالجُودِ يَدَهُ، الَّذِي لاتَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلايَزِيدُهُ كَثرَةُ العَطاءِ إِلاّ جُوداً وَكَرَما، إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الوَهَّابُ".

يعود الدعاء مرة اخرى لكي يوجز ما ذكره بشيء من التفصيل من نعم الله، قبل قليل كان الدعاء قد ذكر بعض النعم على هذا الانسان، " فَكَمْ ياإِلهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها، وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاٍ قَدْ فَكَكْتَها" تعداد نعم الله سبحانه وتعالى على الانسان مصداق من مصاديق الحمد والشكر، فأنت عندما تواجه ربك تقول: يا رب لك الحمد على ماعطيتني من النعم، انظر اخي المؤمن/ اختي المؤمنة إلى ما حولكما من النعم وقل يا رب وهبت لي الحياة وكان من الممكن ان لا أوجد في هذه الحياة، نعمة الحياة اعطيتني اياها فصرت موجودا بعد ان كنت في وقت من الاوقات شيء لست بمذكور، كنت عَدَمًا فأنعمت عليّ بأن اخرجتني الى هذه الحياة ضمن أسرة مؤمنة، موحدة، متدينة، رعتني تلك الاسرة وحافظت عليّ إلى ان بلغت مبالغ الرجال، هديتني ووفقتني وسهلت الي المطالب.

أنعمت علي بما حولي من نعم الطبيعة فهذا الهواء الذي اتنفسه و لم يكن لي اي جهد فيه، وانما هي نعمتك يارب علي ولم ادفع فيه شيئا ولا ثمنا، ولم اسعى اليه وانما هو نعمة مفاضة منك علي، يا رب هذه الشمس التي تشرق علي في كل يوم لكي تغمرني بالضياء و لكي تساعد بدني على النمو ولكي تنمي النباتات التي آكلها واستطعمها ولكي تستمر الحياه في هذا الكون ويعود مردود ذلك اليّ.  يا رب .. اعطيتني الصحة والعافية، انعمت علي بالمال، سهلت لي سبل الرزق، ثم ما دفعت عني من الضر والضراء اكبر مما ظهر لي من العافيه والرخاء.

 تأملوا أيها الاخوة في دعاء الإمام الحسين عليه السلام في عرفة الذي بدأ يعدد فيه النعم نعمة نعمة، حتى اذا ببلاغة كلامه احاط  بالكثير، لكنه بعد ذلك وهو البليغ و المحيط بتلك النعم، وهو الواعي العارف بها، اعترف بعدم قدرته على تعداد هذه النعم، تماما كما قال الله تعالى (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) ذلك ان النعم قسم منها ظاهرة وقسم منها باطنة، وقسم منها مباشرة وقسم منها غير مباشرة، قسم منها اتعرف عليها وقسم منها اتأثر بها من دون ان اتعرف عليها؛ لذلك يوجز الدعاء بعد هذا الكلام ... هذه النعم التي قلتها و تلك النعم التي لم اقلها، تلك النعم المباشرة والاخرى غير المباشرة، تلك النعم الظاهرة والاخرى الباطنة، انا لا استطيع ان اعددها حتى احمدك يا ربي و اشكرك يا ربي على كل نعمه من هذه النعم .. لذلك اقول: "الحَمْدُ للهِ بِجَمِيِعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلى جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّها" كل ما يتصور من اصناف المدح والحمد والثناء، سواء منه اللفظي او العملي او حتى القلبي، فإن حركة القلب ايضا من دون ان يتحرك اللسان عندما يستحضر الانسان مدى نعمة الله فيبخع في نفسه ويقر في داخل قلبه بأن الله واسع النعمة و عظيم النعمة ومتطول على العباد، عندما يتحرك قلبه بذلك هذا حمد قلبي و شكر قلبي وثناء قلبي، اضافة الى الحمد والثناء اللفظي كما هو الحال في هذا الدعاء، هناك ايضا شكر عملي وحمد عملي عندما يلتزم الانسان بما اوجبه الله عليه، وبما الزمه من الفرائض.

"الحَمْدُ للهِ بِجَمِيِعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلى جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّها. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا مُضادَّ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلامُنازِعَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَلاشَبِيهَ لَهُ فِي عَظَمَتِهِ" 

كانت الفقرة السابقة "الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً" تتكلم عن استغناء الله تعالى حتى عن المنسجمين معه، هناك قسم آخر وهو المنازع والمضاد. هذا قد يعارض الانسان مثلا في اموره و يعيق حركته، الدعاء يقول: الله سبحانه و تعالى منزه عن الشريك وعن الولد وعن الصاحبة الذين يفترض ان يكون دورهم ايجابيا بالنسبة لي المحتاج، ومنزه ايضا عن وجود المضاد والمعاند والمنافس، الله له الملك وحده لا شريك له حتى يحتاج الى معونته، ولا منازع له حتى يغير ما يريده الله سبحانه وتعالى، او يضاده فيما صنع، لا شريك فيرفده فيما ابتدع ولا مضاد في مصنع، وانما الله سبحانه وتعالى يتصرف في هذا الكون بإرادته من غير حاجة الى احد ومن غير منازعة من احد. 

في بعض الروايات التي تفسر الاية المباركة في نفخة الصور ورد في  الحديث ان الله سبحانه وتعالى عندما ينفخ نفخة الاماته (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّه) الجميع بعد تلك النفخة يموتون، تصور ان ترليونات الاحياء الدقيقة و المجهرية والكبيرة، وما في البحار ومن في البحار، وما في الارض ومن في الارض، وما في السماء ومن في السماء، كل أولئك يصعقون بنفخة واحدة الا بعض الملائكة .. وهؤلاء ايضا بدورهم في الاخير يموتون بامر الله سبحانه و تعالى .. آنئذ ينادي الله سبحانه و تعالى - كما في الرواية وقد فُني الجميع حيث لا حياة ولا احياء، و لا وجود ولا موجودات - لمن الملك اليوم؟ فلا احد يجيب، فيجيب الله نفسه ويقول: لله الواحد القهار.  لا يوجد احد حتى يجيب، ولا يوجد مخلوق، ولا يوجد من عند الله لا شريك ولا مضاد ولا منازع ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل.

" الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا مُضادَّ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلامُنازِعَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ"

 لماذا يُحتاج الى الشريك؟ وجود الشريك يدل على ان هذا الواحد لا يستطيع القيام بكل الامور بمفرده فيحتاج الى الشريك، والله سبحانه وتعالى هو المتصرف وهو القادر. "الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَلاشَبِيهَ لَهُ فِي عَظَمَتِهِ، الحَمْدُ للهِ الفاشِي فِي الخَلْقِ أَمْرُهُ وَحَمْدُهُ" امر الله يسري ويفشو ويتوغل في جميع الخلائق على حد سواء، بل وفي اكمل مخلوق وهو رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - يفشو فيه ويتوغل فيه امر الله سبحانه و تعالى، و اصغر مخلوق واحقر مخلوق يتوغل فيه امر الله، و يخضعه لإرادته ولأمره. " الحَمْدُ للهِ الظاهِرِ بالكَرَمِ مَجْدُهُ، الباسِطِ بالجُودِ يَدَهُ، الَّذِي لاتَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلايَزِيدُهُ كَثرَةُ العَطاءِ إِلاّ جُوداً وَكَرَما، إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الوَهَّابُ " وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين.


مرات العرض: 3410
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2578) حجم الملف: 14530.53 KB
تشغيل:

شرح دعاء الافتتاح 6
شرح دعاء الافتتاح 7