شرح دعاء الافتتاح 6
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/10/1435 هـ
تعريف:

(6) إضاءات من دعاء الافتتاح  

تحرير الفاضل أحمد الحسين

كان حديثنا في ما سبق يتناول فهرسة اجمالية لفصول الدعاء الشريف المروي عن الامام الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه و المسمى بدعاء الافتتاح، وقلنا ان هذا الدعاء يتناول في البداية - اضافة الى حمد الانسان لربه وبدئه بالحمد - يتناول اسماء الله وصفاته الحسنى كما يتناول ايضا موقف الانسان الداعي في ضراعته و تخضعه وسؤاله لله عز وجل. 

ثم يتناول ايضا بعض سنن الله سبحانه و نعمه في المجتمع والكون، ويعطف بعد ذلك على موضوع الصلاة على النبي وعلى اله؛ لكي يُعرّف بهذه الصفوة الطاهرة ويزيد من انتماء الانسان اليهم، فيبدأ بالصلاة على النبي محمد  ثم يعطف  ذلك بالصلاة على المعصومين عليهم السلام، و يخص في اخر المطاف الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف بمزيد من العناية  والمد حة والصلاة عليه. 

وقد يقول قائل كيف يصلي الامام الحجة على نفسه اذا كان الدعاء مرويا عنه؟ فنقول في اجابة سريعة قبل ان نصل الى ذلك المورد، ان هذا غير ممتنعا بل هو واقع في الادعية كثيرا، فلقد علّم النبي صلى الله عليه واله اصحابه كيفية الصلاة عليه نفسِه وعلى آل بيته. وورد ايضا في كلام امير المؤمنين عليه السلام وفي كلام الامام الصادق عليه السلام ما فيه صلاة وسلام على نفس الامام بإسمه.

بعد هذا يتحدث الدعاء الشريف عن مطالب الانسان التي ينبغي ان يطمح اليها، فهو يطمح في ما يرتبط بالاخرة الى مغفرة الله والى جنته ويسأل الله بالنسبة الى الدنيا ان يرزقه الدولة الكريمة التي يُعز بها الاسلام ويُعز بها اهله، ويُذل بها النفاق ويُذل بها اهله، وسنأتي في الكلام ان شاء الله على هذه المفردات فيما بعد.

ثم اخيرا ينتهي الدعاء الى ان يدعو الداعي الى نفسه بالجنة ونعيمها في ضمن هذا المجموع المؤمن؛ لكي يحصل على ثواب اشراك سائر المؤمنين في دعائه ولكي يوفر فرصة اضافية لاستجابة دعائه للمؤمنين وهو في ضمن المؤمنين. 

بعد هذا نشرع في هذا الدعاء المبارك، يقول: " اللّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ" الدعاء تارة يكون دعاء مجردا ومباشرا، واخرى يحتاج الى افتتاح و يحتاج الى تمهيد، وقد ورد في روايات المعصومين عليهم السلام ان المدحة قبل المسالة. 

انت عندما تريد ان تسأل احد من الناس شيئا تقدم له بمقدمة كأن تقول: انت من اهل الخير و هذا العمل يتيسر لك و يرجى منك ... ثم بعد ذلك تطلب منه طلبتك، اما لو جئت اليه وقلت افعل لي هذا الامر او قم لي بهذه الطلبه فلا يكون الاثر في انجاز الطلبة كالاثر في السابق، لهذا ورد في الحديث عن امير المؤمنين عليه السلام ان المدحة قبل المسألة. المدحة، التمجيد، الثناء، ففي الخبر ان كل دعاء لا يكون قبله تمجيد فهو ابتر، لذلك يلاحظ الدعاء هذه الجهة، ويلاحظ الداعي هذه الجهة فيقول: " اللّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ" وقضية الحمد لله سبحانه وتعالى قضية مركزية في هذا الدعاء، لو لاحظت اخي المؤمن / اختي المؤمنة كيف ان هذا الدعاء فيه اكثر من تسعة عشر موردا بلفظ الحمد، إما مثل: بحمدك  او الحمد لله ، و يأتي بصفات الله تعالى.

 ماذا يعني الحمد؟

 العلماء يفرقون بين ثلاث مصطلحات، المصطلح الاول الحمد، والمصطلح الثاني المدح، والمصطلح الثالث الشكر. بالنسبة للمدح يقولون: ان الغالب في المدح انه لا يرتبط بفعل ارادي واختياري، مثلا انت تمدح هذه الشجرة بأنها شجرة خضراء جميله وارفة الظلال، هذا المدح لهذه الشجرة لا يرتبط بفعل ارادي قامت به تلك الشجرة فهي خلقت هكذا، ونبتت بهذه الصورة فلم تمارس فعلا اراديا. فإذا المدح سواء كان لشخص كأن تمدحه بانه جميل المنظر، متناسق القوام ، طويل القامة مثلا، هذه الصفات لا ترتبط بالضرورة بافعاله الاختيارية، فهو لم يختر ان يكون طويلا او قصيرا، ولكن هذه الصفة الجمالية التي وجدت فيه تستوجب منك وتستدعي منك المدح لشكله وجماله وقوامه. وقد يكون المدح بشكل ابتدائي مبادرة من قبل الانسان الملاحظ لجمال شيء فيمدحه. 

بالنسبة للشكر، ايضا ليس بالضرورة ان يكون على اثر فعل اختياري، فقد يكون على اثر فعلا اختياري يقوم به الانسان ويشكره الناظر، وقد لا يكون كذلك. يشكر بشكل ابتدائي كون الامر الفلاني على هذه الشاكلة وعلى هذه الصفة.

أما الحمد فيختلف، يلاحظ الانسان صفة من الصفات الاختيارية غالبا في الطرف المحمود، كأن يكون عالما فيحمد له علمه، او كأن يكون جوادا منفقا فيحمد فيه تلك الصفة، فهكذا الحال لو لاحظ فيه سيرةعملية طيبة. وهذا الحمد ايضا لا يرتبط بفعل مباشر قام به ذلك المحمود لهذا الانسان، فقد تحمد عالما على علمه مع انك لم تكن تلميذا من تلاميذه، ولم تقرا كتابا من كتبه لكنه عالم، تحمد شخصا منفقا وجوادا لانه قام بعملا في المجتمع طيبا مع انه لم يصل لك ذلك العمل واثاره بشكل مباشر. الحمد اذا يختلف عن الشكر و عن المدح، وهو اعظم منهما.

 نحن نجد ان كلمة المدح لم تستعمل في القرآن الكريم بالنسبة لله تعالى، استعملت كلمة الشكر في بعض المواضع واستعمل الحمد في كثير من المواضع بل في اهم المواضع كما نحن نقرأ في سورة الفاتحة التي هي ام الكتاب وفيها اول الآيات ورأس الآيات "الحمد لله رب العالمين" هنا الدعاء الشريف يركز على هذه العلاقة بين الانسان العبد، وبين الرب الخالق المنعم الحكيم القادر، وهي علاقة الحمد. ليست مدحا فقط لان افعال الله افعال ارادية اختيارية، يرفع ويضع ويعطي ويمنع، فهو يستحق الشكر و يستحق فوق ذلك الحمد.

الحمد لله رب العالمين، و الحمد لله كلمة جامعة لكل معاني الثناء والمدح والشكر والتوصيف بوصف عال، فلقد نُقل ان الامام زين العابدين عليه السلام فقد ضالة فاتجه الى السماء وقال: ان رجعت الي لأحمد الله بمحامد يرضاها، فلما وجدها نزل وسجد لله و قال: الحمد لله رب العالمين، فقال له بعض من حضر كيف يكون ولقد قلت لتحمدنه بمحامد ترضاها؟ قال ما مؤدى الحديث: ان كلمة الحمد لله جمعت كل انحاء الحمد فلم تغادر شيئا الا وجعلت فيه وفي ذلك توجيه علمي نشير اليه العله في وقت قادم .


مرات العرض: 3412
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2571) حجم الملف: 14662.53 KB
تشغيل:

شرح دعاء الافتتاح 5
شرح دعاء الافتتاح 9