حذيفة بن اليمان راصد الخط المنحرف
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 18/9/1435 هـ
تعريف:

 حذيفة بن اليمان العنسي راصد الخط المنحرف

 

تفريغ نصي : الفاضلة فاطمة الخضراوي

تصحيح الأخت الفاضلة زهرة اليوسف

 

تمهيد:

                                                                                                                                                                           " يحذرُ المنافقون أن تنزل عليهم سورةٌ تنبئهم بما في قلوبهم * قل استهزئوا إن الله مخرجٌ ما كنتم تحذرون " [1]

حديثنا يتناول بإذن الله شخصية الراصد للخطوط المنحرفة والفئات المنافقة , و صاحب سر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم و هو :

حذيفة بن حسيل اليمان العنسي المعروف بـ ( حذيفة بن اليمان ) صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وآله .

هناك بعض الحقائق لا يستطيع كثير من الناس أن يتحملوها , وهناك أوعية للعلم و المعرفة تستطيع تحمل هذه المعلومات , هذا الرجل شخصية فريدة , فقد أخبره رسول الله بأمور يصعب إخبار سائر المسلمين والأصحاب بها , وهذا يبين سعة أفقٍ حذيفة وتمتعه بشرح الصدر .

وجود المنافقين حول رسول الله :                                                                          

 

من هذه المعارف والمعلومات وجود منافقين حول رسول الله صلى الله عليه وآله أشار إليهم القرآن الكريم   في قوله تعالى: " و من حولك منافقون و من أهل المدينة مردوا على النفاق " [2]

يظهر أن :" ومن أهل المدينة " , غير أولئك : " ومن حولك منافقون " و إلا لما كان معنى للعطف , يعني يفترض أن من بين المهاجرين , من بين القادمين من مكة , كان هناك أشخاصٌ منافقين على خلاف ما زعمه بعض المحدثين من أنه : لم يكن هناك منافقون من قريش , و هذه أحاديث لا أصل لها .

فالنفاق لا يُعرفُ في منطقة دون أخرى , إذ لو كانوا قسمًا واحدًا و هم أهلُ المدينة , لما كان هناك نحوُ بلاغةٍ في عطف أهل المدينة على الجملة الأولى , فهذا المجموع المنافق الذي كان موجودًا بين من جاء من مكة و كان موجودًا أيضًا بين من كان من أهل المدينة .

يحذِّرُ القرآن الكريم منهم ,هذا من الطعون القرآنية التي وجهت إلى نظرية عدالة الصحابة [3].

إن القرآن الكريم قد أثبت وجود المنافقين في أصحاب رسول الله , من أهل مكة المهاجرين و من أهل المدينة القاطنين , فلا معنى للقول : إن كل أصحاب رسول الله عدولٌ ثقاةٌ , وأنهم كلهم من أصحاب الجنة قطعًا , وأنهم كلهم أفضل البشر بعد رسول الله , هذا الكلام معارض للقرآن الكريم.

من اطلع على هؤلاء ؟ من بيده الملفات ؟ من بيده الأسماء ؟ من بيده التمييز بين الشخصيات ؟

لم يكن من المصلحة إفشاء الأسماء لعامة الناس , وإنما كان هناك خزنةٌ لهذا السر, وأوعية خاصة تحتفظ بهذه الملفات الخطيرة , و كان حذيفة بن اليمان العبسي أهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين اطلعوا على هؤلاء وأدوارهم , فلنبدأ مع هذا الرجل الموالي لأهل البيت عليهم السلام , السائر على خط أمير المؤمنين بعد رسول الله .

  البداية :

كيف كانت بدايته ؟ و ما هي محطات حياته ؟

يبدأ الأمر بإسلام حذيفة مع أبيه حِسل أو حُسيل -على اختلاف في ذكر اسمه - آمنا برسول الله صلى الله عليه وآله و كانا في أماكنهم في بني عبس , مع إن أباه لم يكن في مكة لكنه رجع إليها , ولما بدأ رسول الله الدعوة و أعلنها آمن الوالد و الولد بدعوته صلى الله عليه وآله .

هاجر النبي إلى المدينة , و صارت التحضيرات قائمة لغزوة بدر, إلى ذلك الوقت لم يكن حذيفة و لا أبوه قد هاجرا إلى المدينة , كانا لا يزالان في قومهما في بني عبس , وتواردت الأخبار أن قريشًا تعدُ العدة لقتال رسول الله , وأن النبي – صلى الله عليه واله - أيضًا يستعد للمواجهة الأولى في تاريخ الإسلام , فلما وصلت الأخبار لحذيفة وأبيه ,عقدا العزم على الهجرة .

     انطلقوا و صادف مسيرهم الإلتقاء مع الكفار الذاهبين إلى المدينة , شاهد الجيش القرشي أن شخصين خارجين من مكة , متجهين إلى المدينة , فسألوهم : إلى أين ؟ قالا : إلى المدينة , ماذا تريدون من المدينة ؟ قالا : عندنا أعمال في المدينة , نريد أن نقضيها .                                        و أخفيا عن القرشيين أنهما مسلمَين و أنهما ذاهبيَن للقتال إلى جانب رسول الله ضد قريش , القرشيون شكوا في أمرهما فأخذوا عليهما المواثيق و العهود أنكما إذا ذهبتما إلى المدينة لا تقاتلان إلى جانب محمد صلى الله عليه وآله , فأعطياهما ذلك , و ذهبا .                                                           عندما وصلا إلى المدينة , كان النبي - صلى الله عليه واله وسلم - يتجهز لتعبئة الجيش ضد الكفار , فقالا : يا رسول الله , نحن رأينا في الطريق هؤلاء الجماعة , كفار قريش و قد أخذوا علينا المواثيق و العهود ألا نقاتلهم , فماذا ترى ؟ نحن طوع أمرك فأمرهم رسول الله ( ص ) بأن يلتزما بما تعهدا به .                                                                                                      

       بالرغم من أن ذاك الطرف طرف كافر , و بالرغم من أنهما تعهدا بتلك المواثيق و العهود وهما مكرهين , ويوجد عندنا روايات تقول أن الوفاء لأهل الغدر غدرٌ عند الله سبحانه و تعالى , و لكن ؛ كأن النبي صلى الله عليه وآله أراد أن يقدم نموذجًا أعلى في احترام الإنسان المسلم لكلمته و في بقاءه على عهده , و لذلك أمرهما بأن يفيا للكفار بهذا الأمر و ألا يخرجا إلى القتال .                                            

       لذلك لم يشهد حذيفة ولا أبوه غزوة بدر بناءً على هذه الجهة .

 موقف حذيفة في معركة أحد:

 

     في غزوة أحد كلاهما قاتلا و كان لهما دور كبير , والد حذيفة لم يكن معروفًا كثيرًا بين المسلمين واختلط بالمقاتلين في أثناء المعركة فحسبه بعض المسلمين أنه من الكفار , فشد عليه , وحذيفة ينادي من بعيد : أيها المسلمون إنه أبي , إنه أبي . ضاعت صرخات حذيفة بين صليل السيوف و بين أصوات المتقاتلين , فضُرب أبوه عدة ضربات من قبل المسلمين و استشهد في معركة أحد و لكن بالخطأ على يد المسلمين و من غير تعمد .  النبي صلى الله عليه وآله جاء و نظر في القضية ,  أن القضية كانت ضمن معركةٍ إسلامية و أن أحد المسلمين قتله اشتباهًا , هنا من الذي يدفع الدية ؟ أراد - النبي صلى الله عليه واله وسلم - أن يعطي ديته من بيت مال المسلمين , لأن بيت المال - الميزانية العامة - هي التي تحمل مثل هذه الديات , و مثل هذه التكاليف , فالنبي صلى الله عليه وآله عرض على حذيفة هذا الأمر و قال له : والدك قتل خطأ , وهو إن شاء الله في الجنة , و لكن دمه أيضًا لن يذهب هدرًا , وسوف نعطي ديته.                                  

 

وقف حذيفة موقفًا ساميًا وقال : الدية لي أنا و لكني أهبها , وأتصدقُ بها على جميع المسلمين . فأكبر فيه النبي صلى الله عليه وآله هذا الأمر وأعظم فيه هذا الخُلق .                                                                      هذا الإنسان لم يأخذه الغضب , بخلاف حذيفة , أحد المسلمين قتل واحد من الكفار , فقام ابن ذلك الكافر وهو مسلم واعتدا على هذا لكي يضربه , يعني أن هذه النفوس أحيانًا تنفعل وتشتعل عصبيتها . أما هذا الرجل – حذيفة - فكان لسان حاله : " لا تثريب عليكم , يغفرُ الله لكم "[4]                                                                                                                               

   هذا من المواقف التي أظهرت من البداية : أن حذيفة يمتلك شخصيةً متعاليةً على الأحقاد و على الضغينة و على الإحن .

 

سورة التوبة ( الفاضحة ):

 

لعل مثل هذه الشخصية , و ما برز منها ؛ هو الذي دعا النبي – صلى الله عليه واله وسلم - أن يعطيهُ هذا الملف , ملف أسرار المنافقين الذين يقول عنهم القرآن الكريم :

" يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورةٌ تنبئهم بما في قلوبهم "

مع أن سورة التوبة أيضًا التي لها عدة أسماء منها : ( الفاضحة ) التي تفضح الخطوط المائلة من ضمن أصحاب رسول الله , تفضح المنافقين , تفضح الماديين, تفضح أولئك الذين اتخذوا من الدين مطيةً للأهواء . السورة لم تذكر أسماء المنافقين و إنما الله سبحانه و تعالى يقول :

" إن الله مخرجٌ ما تحذرون"[5]   فهو تعالى سوف يبين صفاتهم العامة :                             " و منهم من يقولُ ائذن لي و لا تفتني , ألا في الفتنة سقطوا " و: " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله"  .                                                                                          

هذه الملفات والأسماء والتفاصيل كان النبي صلى الله عليه وآله يعلمها بإخبار الله عز وجل له , أصبحت مشخصاتهم و علاماتهم و أسماؤهم واضحة و حول كل هذا الملف إلى حذيفة .

 

مهمة حذيفة في غزوة الخندق:

 

     في غزوة الخندق , بعدما قَتل أمير المؤمنين (ع) عمرَ بن عبدِ ود الذي كان علامة المعسكر و بطل الجيش في الطرف المقابل , وصار الليل - على أساس تبدأ جولة ثانية في اليوم الثاني - الله سبحانه و تعالى أرسل على معسكر المشركين ريحًا قوية ,وباتت الأجواء غير طبيعية , وكانت ليلة بردٍ شاتية إلى درجةٍ كبيرة و مظلمة , لدرجة أنه قيل : أن الشخص لا يرى من كان قريبًا منه .

في هذه الأثناء أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يعرف أوضاع معسكر القرشيين , تقول الرواية : أنه نادى بعض الأصحاب بأسمائهم يا فلان قم حتى تأتي لنا بخبر كفار قريش في الطرف الآخر , فقال بعضهم : استغفرُ الله و رسوله , هذا موجود بحسب النقل , أي أنا أقعد هنا و أستغفر الله أحسن من أن أذهب لمعسكر المشركين في هذه الأجواء . إلى أن نادى رسول الله صلى الله عليه وآله حذيفة .

ينقل حذيفة هذه الرواية , يقول : كانت الليلة ليلة صرٍ شاتية , و قال صلى الله عليه وآله لي : يا حذيفة اذهب إلى القوم و انظر حالهم , وما هو شأنهم , ولا تُحدث حدثًا – أي لا تقم بأي حركة غير طبيعية - يقول : فلما قمت وضع يده على كتفي فشعرتُ و كأنني في حمّام – أي أصبحت حرارة في بدني و لم أعد أشعر بذلك البرد - يقول : رحت أتخطى إلى أن وصلت إليهم , فرأيت أن الرياح من شدتها , لم تبقِ خيمةً في وتد إلا قلعتها ,وأطفأت نيران القدور .

 

     لا مأوى ولا طعام بقي لهم , لأن الريح ريح شديدة و أطفأت النيران وقلعت الخيام - وهذا أمر معجز فالرياح عادة تزيد من اشعال النار , لكن هذه الرياح أطفأتها , فصار الظلام دامس , يقول حذيفة: جئت و رأيت أبا سفيان جالس هناك , فوضعت سهم في كبد قوسي , و كنت قريب منه , قلت : الآن أرميه و أنهي الموضوع , فذكرت كلام رسول الله صلى الله عليه وآله عندما قال لي : لا تُحدث حدثًا , فسحبت السهم و لم أصنع شيئًا , هنا أبو سفيان قال : يا قوم نحنُ لا نعلم ماذا يدبر لنا محمد و أصحابه , فلينظر كل شخصٍ منكم إلى من هو إلى جانبه , من هو هذا اللي بجنبه ؟ يقول : فوضعت يدي على من هو بجانبي قلت له : من أنت ؟ قال : أنا فلان , وكذلك على الجهة الأخرى , ولم يسألني أحد عن اسمي , فلما اشتد الامر ركب أبو سفيان على ناقتهِ ووكزها و هي ما تزال معقولة ـ أي مربوطة ـ وقد أناخها - لما نقلت إلى رسول الله ما فعله أبو سفيان؛ أخذ رسول الله يضحك, حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وآله – يكمل حذيفة : أخذت الوضع العام عن المعسكر وعما فيه و رجعت إلى رسول الله , و أخبرته بما جرى , وقد انتهى أمرهم [6].                         

       مع أن عددًا من المسلمين قد دعاهم رسول الله بأسمائهم لكي يقوموا بهذه المهمة إلا أنهم لم يستجيبوا , و لعل هذه المهمة تحتاج إلى ظرافة و إلى ذكاء و قدرة على التخفي و حسن تصرف , وكان حذيفة الذي استجاب لرسول الله مؤهلَا لهذا الأمر , حسب تعبير المعاصرين الآن       ( رجل المهمات السرية ) هكذا كان حذيفة بن اليمان .

 

مؤامرة المنافقين بعد غزوة تبوك :

 

عندما نأتي إلى قضية العقبة نرى نفس الكلام , رجع النبي صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك , في أثناء رجوعه يوجد - بحسب الوضع الجغرافي الذي يرد في كتب التاريخ - منطقة مرتفعة وضيقة في نفس الوقت , تحتاج أن يتسلق القادم هذا المكان المرتفع ويكون على حذر من السقوط في الهاوية   - مثل جبال الهدا بالمدينة على الطريق القديم - يظهر أن هذه المنطقة , هي التي صارت فيها مؤامرة العقبة من قبل المنافقين الذين كانوا ضمن ركاب رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم - كانت خطة المنافقين ؛ أن النبي صلى الله عليه وآله في أثناء رجوعه من تبوك إلى المدينة – في منطقة خطرة من الناحية الجغرافية – وفي وسط الظلام , تأتي جماعة[7] تخفي نفسها , تنفر دابة رسول الله تُحدث أصوات , أو ترميها بأشياء بحيث تتفاجأ الدابة و تجفل , فتلقي بالنبي صلى الله عليه وآله فيسقط في الوادي , ومقتضى الأمور الطبيعية أن النبي قد يقتل أو ما شابه ذلك , لكن النبي صلى الله عليه وآله عندما وصل إلى هذه المنطقة ومعهُ حذيفة بن اليمان و بعضُ أصحابهِ الخلص كان قد نبأهم بما سيجري – بعد أن أخبره الله عز وجل بالمؤامرة - فبدأ النبي يخففُ المشي ووضع يده على الدابة التي يركبها فاستقرت – أي أنها لن تتفاجأ او تجفل - بالإضافة إلى ذلك حسب الرواية أنهُ في تلك اللحظة برقت برقة – كما ينقل حذيفة - كانوا اثني عشر شخصًا ثم برقت برقة فأضأت ما ظهر من وجوههم رغم الظلام . قسم من هؤلاء انكشفوا , و عرّف النبي صلى الله عليه وآله حذيفة من خفي منهم , و قال : هذا فلان و فلان و فلان .                                                                                                                        

     هذه المكانة التي أعطاها النبي صلى الله عليه وآله لحذيفة تبين ؛ كيف أن هذا الرجل كان أمينًا على ما لم يؤتمن عليه غيرُه و كان حاملًا لعلمٍ لم يطلع عليهِ أحدٌ من الناس .

       يوجد اجماع بين المسلمين سواء في مدرسة الخلفاء أو في مدرسة أهل البيت (ع) على أن حذيفة , كان يعرفُ أسرار المنافقين و أسمائهم , ومن كان من الصحابة سيئًا .

بل كان بعض الصحابة يسألونه : هل أنا من المنافقين أم لا . بل رُويَ أنه إذا واحد توفي ينظرون حذيفة , هل يقبل أن يصلي عليه أم لا ؟ إذا لم يصل عليه علموا أنه من المنافقين [8], إذا صلى عليه برأ من هذه الفئة .

                                                 -4-

 

وبالطبع فإن وجود حذيفة , ودوره الاستثنائي يؤكد بما لا مجال للشك فيه على أن نظرية – عدالة الصحابة - والتي ليس لها مصداقية حقيقية قد صيغت في بعد .

 

على خط الولاية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله :

 

بعد وفاة النبي –صلى الله عليه واله وسلم - كان من القلائل الذين شهدوا تغسيل فاطمة الزهراء عليها السلام , و الصلاة على جنازتها و دفنها , من ضمن أفراد قلائل , نظرًا لشدة علاقته بأهل البيت (ع) , و لذلك شارك معهم كأنه واحدٌ منهم .

بعد النبي صلى الله عليه وآله حذيفة بقي في المدينة فترةً من الزمان , ثم هاجر إلى الكوفة أوائل تمصير الكوفة واستقر فيها . هناك عقد حلقة تدريس و تعليم وتربية , لمن أراد من أهل الكوفة و غيرها , و يتبين من نهج أحاديثه , أنه كان قد خصصها للتركيز على الخط السليم والمستقيم لولاية آل رسول الله صلى الله عليه وآله , و هو غير متهم في هذا عند أحد , لأنه يعرف أن أعداء آل النبي هم الخطوط المائلة , هم الذين كانوا يغذون المنافقين , و لهذا كان يحدثُ بأحاديث في بعض الأحيان تعظمُ على سامعيها .

ينقل ربيعة السعدي يقول : عندما نتكلم مع أهل البصرة عن فضائل علي ابن أبي طالب عليه السلام يستعظمون علينا ذلك , فسألت حذيفة : أننا عندما نتكلم بهذه الروايات لا يقبلونها منا ,عندهم ترتيب أن الأفضلية هي بحسب ترتيب الخلافة مثلًا , بحسب هذه الأسماء , و أما الإمام علي (ع) فيجي في مرتبةٍ متأخرة , فما رأيك في هذا ؟ علي أفضل أم فلان و فلان , قال لهُ حذيفة : يا هذا , إن عملًا واحدًا من أعمال علي ابن أبي طالب ليرجحُ على أعمالِ الجنِ و الإنس فوقف ربيعة و قال : هذا لا يُحمل !![9] . هذا كلام صعب أن يتحمله أحد , فهم عندما يروون فضائل الإمام علي يعترضون عليهم , فكيف إذا فضلناه على فلان وفلان , أين كان أصحاب رسول الله !!!                                                                                                                           نحن أيضًا نقول له : أين كان أصحاب رسول الله و حذيفة ؟ وفلان وفلان ؟ عندما نادى النبي : من يبرز لعمر ابن عبدُ ود و لهُ على الله الجنة , فلم يقم أحد إلا علي , حتى إذا ذهب لقتال عمر ابن عبد ود قال : برز الإيمانُ كله , إلى الشرك كله , حتى إذا قتله بضربتهِ قال : ضربةُ علي يوم الخندق أفضلُ من عبادةُ الثقلين .لو جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله تضعهم في كفة و علي يأتي بعملٍ واحدٍ , عليٌ يرجحُ بذلك العمل عليهم جميعًا .                                                                                 فكان بهذه الطريقة يتحدث و إذا أراد أحد أن يستهديه في هذا المجال , كان يعبّر بوضوح من غير مواربة , ربما لم يتكلم عن جانب الشر و عن جانب النفاقِ كثيرًا بالصراحة , لكن في جانبِ ولاية أهل البيت لم يتردد أبدًا .

يأتي إليه رجل في جلستهِ تلك , فيقول له : يا حذيفة , أنت صاحبُ رسول الله و قد سمعت منه كثيرًا , فحدثني حديثًا أستهدي به في حياتي و يدخلني الجنة , فقال له : عندك القرآن ,هذا الرجل رفع يدهُ للدعاء و قال : اللهم اشهد أنني قد جئتُ إلى حذيفة صاحب نبيك صلى الله عليه وآله و سألتُ منهُ أن يحدثني عن نبيك حديثًا أهتدي به فكتمني ذلك و منعني ذلك , اشهد عليه يا رب . فقال حذيفة: تعال ارجع , و قال له : اعلم أن آية الجنة و الهداة إلى الحق هم آلُ محمد , و أن آية النار و الدعاة إلى الباطل هم غيرُ آل محمد .

فكان حذيفة في هذا الجانب لا يجاملُ أبدًا , يتحدث بقوة , بعنفوان من دون أي مواربةٍ .

 

مشاركة حذيفة في الفتوحات الإسلامية:

 

بقي في الكوفة فترة زمان , شارك أيضًا في بعض الفتوحات في نشر الدين و الإسلام مثل : فتح نهاوند و الري و الدينور في بلاد إيران .

 

يتحدث الذين عندهم تعصب طائفي أن الروافض و كذا و كذا حاقدين على زيد و عبيد لأنه فتح بلادهم ,عليهم الرجوع للتاريخ فالذي فتح بلادهم ؛ حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي و أمثال هؤلاء , و في تلك المعارك استشهد النعمان بن مقرن فأخذ الراية حذيفة بن اليمان و أكمل الفتح و تحقق بذلك دخول الدين و الإسلام إلى تلك المناطق .

هناك رؤية حول الفتوحات لم نتحدث عنها , ولكن بشكلٍ عام كان لهؤلاء مشاركات فيها, وأكثر من ذلك , نقلنا فيما سبق أن الخلافة في عهد الخليفة الثاني بدأوا بتعيين بعض الولاة من أصحاب أمير المؤمنين (ع) كما كان الحال بالنسبة إلى سلمان , وعمار , أيضًا بالنسبة إلى حذيفة فقد تولى ولاية المدائن لبعض الوقت , كان واليًا على المدائن كما كان سلمان في فترةٍ من الفترات واليًا .

كان يتنقل بين المدائن من جهةٍ و بين الكوفة من جهة أخرى يأتي إليها لكي يحدِّث , الكوفة صارت محل مجتمع ديني , يموج بالأحداث , والحركات السياسية , محل للآراء المتصارعة, أما المدائن فكانت قرية بعيدة عن هذا الحراك إلى حد ما , فكان حذيفة يأتي إلى الكوفة كثيرًا و يجلس مع أهلها و يدرِّس و يحدِّث بما كان يعرفهُ رضوان الله تعالى عليه .

 

وفاته :

 

صادفت وفاته بعد تولي أمير المؤمنين (ع) الخلافة الظاهرية ، ويقال إنه لما جاء الإمام الحسنُ المجتبى (ع) و معهُ عمار ابنُ ياسر و بعضُ أصحابِ أمير المؤمنين لاستنهاضِ أهل الكوفة لقتال أهل الجمل , تلك الفترة كان حذيفة موجودا في الكوفة يقول الرواة : بعد أن علم بمجيء الحسن (ع) وعمار إلى المسجد , خرج حذيفة و كان مريضًا يتهادى على رجلين - الظاهر أبنائه - من شدة مرضهِ و ضعفه , حتى إذا وقف في المسجد قال : أيها الناس إني سمعتُ رسول الله يقول : من سرهُ أن ينظر إلى أمير المؤمنين حقًا حقًا فلينظر إلى علي ابن أبي طالب (ع) قوموا رحمكم الله لنصرة علي ابن أبي طالب صلوات الله و سلامهُ عليه .

      بعد ذلك اشتد مرضه وسآءت حالهُ , توفي إلى رضوان الله و إلى جنانه بعد أن سطر آيات من المجد و أوصى ابنيه ؛ أن يكونا مع عليٍ (ع) في كل خطوة , فإنه أميرُ المؤمنين حقًا و إنهُ لا يدعوكم إلا إلى حقٍ ,وإنه لا يُخرجكم إلا من باطل . 

   بالفعل التحقا بالإمام (ع) و استشهدا كلاهما في معركة صفين جنب أمير المؤمنين , و لحقا بأبيهما , يعني الفاصلة بين شهادتهما و بين وفاة أبيهما كانت أقل من سنتين .

 

[1] ) (1) سورة التوبة 64                        

[2] ) سورة التوبة 101

[3] ( راجع موضوع نظرية عدالة الصحابة أدلتها ومبرراتها ..

[4] ) سورة يوسف آية 92

[5] ) الآيات من سورة التوبة

[6] ) تفسير الميزان آية 9 سورة الأحزاب

[7] ) الاحتجاج 388/1

[8] ) سنن البيهقي 200/8 - شذرات الذهب 44/1

 

[9] ) بحار الانوارج23 ص111

مرات العرض: 3428
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2560) حجم الملف: 53019.78 KB
تشغيل:

عدي بن حاتم الطائي ومواقف مبدئية
خالد بن سعيد بن العاص الأموي نسبا العلوي ولاء