الامام السيد محمد الشيرازي: سلطان القلم
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 28/9/1434 هـ
تعريف:

الإمَام السيّد محمد الشيرَازي (سُلطان القلمْ)

 

كتابة الأخت الفاضلة سلمى آل حمود

 

 "وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا"  صَدق الله العليْ العَظيمْ.

يَتناولْ بإذن الله تعَالى حَديثُنا في هَذه المُحاضَرة، شخصيّة منْ أحدْ أعْلام الطائفَة الإمَامية والتيْ أثرَت تأثيراً كبيرَاً في وضعْ هذه الطائفَة الأماميّة وفي مَنطقتنا على وَجه الخُصوصْ وهيَ شخصيّة آية الله العُظمى الإمامْ السيّد محمد بنْ السيد مَهدي الحُسيني الشيرازي تغمّده الله بالرّحمة والذي تُوفي فيْ سَنة 1422هـ عنْ عُمر يُناهزْ 73عاماً قضَاها في كثيرْ منْ النشاطْ والجهَاد والعلمْ والقيادَة.

نتناوَل فيْ بَادئ الأمرْ مُروراً إجْمالياً على الوَضعْ التاريخيْ الذيْ عاصَره الإمامْ الشيرَازي رَحمَه الله وبعدْ ذلك نتعَرّض إلى مَيزاتْ هذا العَالم الجَليل.

كانتْ الولادَة فيْ النّجف الأشرَف ولكنْ النّشأة والبيئة كانتْ فيْ كرْبلاء حَيث كانْ والدُه المَرحُوم آية الله العظمى السيّد مَهديْ الشيرَازي رَحمَه الله وهُو منْ أقرانْ وطبَقة المَرْجع السيّد مُحسن الحَكيم رَحمَه الله. كانْ والدُه فيْ كرْبلاء مرْجعاً دينياً يَرْجع إليه كثيرٌ من أهلْ كرْبلاء ونشأ ضمْن تلك البيئة العلميّة وَعندَما تُوفي والده سَنة1380هـ وتبعَه أيضاً آية الله العُظمى السيّد حسينْ القمي. فكانتْ السّاحة في كرْبلاء تحْملْ دوراً مُهماً يَقوم به هَذا السيّد الجَليلْ الذيْ أخذَ هذا الدّور بكفَاءة فقام بتوَلي العَمَل الدينيْ والاجْتماعيْ والسياسيْ في تلكَ البلادْ الطيبَة.

النشَاطاتْ المُتنوعة فيْ كرْبلاءْ.

في تلك الفترة، شَهدَت كرْبلاء نشاطاً مُتعددْ الأبعادْ إذْ وَجَدْنا مَدارسْ وحَوزات علميّة ونشاطاً دينياً مُرافقاً لهَا فوَجدنا شيئاً لمْ يكنْ مَألوفا فيْ عالمْ التشيعْ ولعَله الى الآن ليسَ بمَألوف للأسف!! وهو وجودْ مدارسْ حُفاظ وحَافظات القرْآن الكرَيم وكانْ هُناكْ قسمٌ من الطلابْ و قسمٌ للطالباتْ و كلاّ في مَدرَسة مُنفصلة و يحْفظون القرآنْ الكريمْ ويَتخرَجونْ حفظةً وحافظاتْ.

شهدْنا أيضاً نشاطا ثقافياً يَقوْمْ به العُلماء والكتابْ فيمَا عُرف بمَنابعْ الثقافة الإسْلامية وهي عبَارَة عنْ سلسلة كُتبْ تصدُر في كلْ شهرْ مرّة واحدة وكانتْ تصْدر كتاباّ مُوجّه باتجاه الشبابْ والفتياتْ و إذْ يتضمنْ ردٌ على المَبادئ المُنحرفَة ويتضمنْ كذلك توضيحَاً للثقافة الدينيّة المَطلوبة، فكانتْ توَزعْ على نطاقْ واسعْ. ويُشيرْ بعضْ البَاحثين في هذا إلى جانب مُهم ويرْتبط بطبيعَة المُجتمع العرَاقي آنذاك فكان هذا الباحث يقولْ: أنّ طبيعيّة المُجتمع العَام كانتْ طبيعيّة شعريّة إذْ تميلْ إلى الشعرْ والنظم وكانْ هوَ السائد فيهَا، فتحويلهُ منْ الشعرْ الذيْ لا يَستوعبْ القضَايا الثقافيّة والمُناقشات العَقائدية وبثْ الرُؤية الصّحيحة ... فالشعرْ لا يسْتطيع أن يَصنعْ هذا....وتحويلْ مَذاق المُجتمعْ منْ حَالة شعريّة إلى تعْويده إلى الحَالة النثريّة وقرَاءة الكتابْ والاطلاع على الثقافة منْ خلال الكتابْ هذا أمرٌ مُهم وجيّد ولكي يُقبلْ المُجتمعْ على الجَانب الثقافي، وبالفعلْ هذا الذي حَصْل فنحنُ كنّا أمامْ برامجْ دينيّة وثقافيّة تهدفْ إلى التوعيّة و تهدفْ إلى التثقيفْ، فمنها كانْ مُتمثلاً في هذه الكتب أيّ  في سلسلة مَنابع الثقافة الإسْلامية التي استمرتْ لسَنوات طويلة.

كرْبلاء، شهدت أيضاً نشاطَاتْ إضافيّة على مُسْتوى التثقيفْ وهو  ما سُميّ بالتبليغْ السيّار. كانتْ أطرَاف كرْبلاء وأطرَاف النّجف و الكثيرْ منْ القرَى والمناطقْ البَعيدة لمْ يكنْ بهَا مُبلغُون ولا عُلمَاء دينْ فكانت هذه المُبادرَة التي ترَأسها المَرحوم السيّد الشيرازيْ تسْعى باتجاه إرْسال المُبلغين والعُلماء في كلْ أسْبوع وأيام العطلْ في شهرُ رَمضان وكذلك في شهرُ مُحرم الحرامْ وأياماً منْ شهرْ صَفر. تتجه السيّارة إلى تلك المَناطق لو إلى القرى والأريافْ وكانتْ تتجه في عدة اتجاهاتْ ويكونْ داخلها  اثنين أو ثلاثة من العُلماء إلى الجهة  الشرقية ومثلها في الجهَة الغربيّة وهكذا في سائرْ الاتجاهاتْ، مما كان يُوصلْ الوَعي والمَعرفة عبرَ هؤلاء المُبلغينْ إلى سائرْ القرَى والبُلدان البَعيدة.

 نجدْ كذلك نشاط المَكتبة السيّارة  فيْ كرْبلاءْ، وهيَ عبارَة عنْ مَكتبة مُتكاملة تأخذْ الكتبْ للتوزيعْ العَام وللتوزيعْ الخاصْ وتنتقلْ إلى المَناطق البعيدة في أطرَاف كرْبلاء، فكانْ منها ما هُو مُخصصْ  لتوصيلْ الكتبْ الدّينية إلى الشبابْ والمُثقفين. وأيضاً كان هذا النشاط الثقافي يتعاظم عندْ النساء إذْ كانت تُقامْ احتفالاتْ على مُستوى مَهرجَانات كبيرَة ولاسيمَا فيْ مهرَجان ميلادْ أميرْ المُؤمنينْ عليّه السّلام إذْ كان يُقامْ على مُستوى عَالمي فيْ بعضْ المَجالات وليسْ على مُستوى مَحلي أو عرَاقي إذْ كانْ يُدعى إليّه شخصياتٌ عظيمَة وخاصّة في ميلادْ أميرْ المُؤمنين سَلام الله عليّه تُرافق هذا النشاطْ الثقافيْ والعَملْ الدينيْ إلى جانبْ عملٌ اجتماعيْ يستهدفْ النهُوض بالمُجتمعْ في تلك المَنطقة عبرَ بناءْ المُؤسساتْ لدعمْ القرْض الحَسن إذْ كانتْ قضيّة البنوك  شائعة لأجلْ وضعَها الربوي الذي لا يقبلْ عليها المُؤمنون ولا يتعاملون معها فما كان هو البديل عن ذلك؟

شُكلتْ مؤسسَاتْ ( قرْض الحَسَنة ) وهي عبَارة عنْ مَراكز ماليّة تحتويْ على مَبالغ ورَأس مَال يُشرف عليّه التجارْ المُتدينونْ وتتكفلْ بإقراضْ المُؤمنينْ والمُحتاجينْ ضمْن عَمل غيرُ رَبويْ و كأنّه بديل إسْلامي للبُنوك الرّبوية . فأصبَحْنا نشهَد هَيئاتْ لقضَايا الزّواجْ منْ الزّواج المُيسرْ من تيسرْ الزّواج منْ الشفاعَة بينْ طرفينْ من أجلْ اتمامْ الزّواجْ عَلى هَذا المُعدّل هذه مؤسَسات اجتماعيّة تحفّز عَلى افتتاحْ مُستوْصفاتْ تطوعيّة وشبْه خيريّة وذلكْ لأجلْ النُّهوضْ بتلكْ البلدة نظراً للإهمالْ المُتعمَّد الذي كانْ سَائداً آنذاكْ ولاسيمَا أمامْ حُكومة (عبدْ السّلام عارفْ) التيْ كانتْ في الظاهرْ علمَانية وفيْ الوَاقعْ طائفية إلى (العَظمة) لمّا يَتجلى الأمرْ إلى قضيّة الشيعة تنْسَى علمَانيتها وتنسى قوْميتها وتنسى كل تلك الأمورْ لتصبحْ بعد ذلكْ طائفية إلى أسْوأ الدّرجاتْ منْ إهمَال وإقصَاء وإبْعاد وما إلى ذلك من الأمورْ. كانْ هناكْ مُتعهدْ في هذا الاتجَاه حتى صارَتْ هذه الأعْمَال وهذه الأمُور أقوى مثالْ على الإهمَال السلطوي. إضافة إلى ذلك، كانْ المَرحُوم السيّد الشيرازيْ مع مَجموعته ومنْ يسيرْ في فلكه كانوا يتوجّهونْ بالتواصلْ مع السّلطة القائمَة ويشكلونْ ضَغطاً على مُتصرفيْ كربلاءْ على المُحافظة على وَزارة الأوقافْ بإرسالْ الوُفود إلى بَعضْ الوزراءْ باتجاه بأنْ تُعْطى الشيعَة ما يَنبغي منْ الحُقوق ولعلّ الذي يُراجعْ كتابْ الإمَام الشيرازيْ رَحمَه الله كتابه (تلك الأيامْ)  يَجدْ فيه تدوينْ لتلك المَرحلَة منْ النشاط السيَاسي الذي كانُوا يتواصلونْ فيه معَ الحُكومة العرَاقية منْ رئيسْ الجُمهورية والوُزراء إلى الوزراءْ و إلى مَنْ دونهمْ بغرَض تحصيلْ الحُقوق لأهلْ كربلاءْ ولعُموم الشيعَة.

هجمَة البَعثيينْ.

تزامنتْ هذه الفَترة معْ بداية هَجمَة للبَعثيين في صُورتهم الطَائفيّة ومُحاوَلة هَؤلاء تصْفية الحَوزة العلميّة وقدْ ذكرْنا شيئاً منْ ذلكْ عندَ حَديثنا عنْ مرْجعيّة السيّد الحَكيم رَحمَه الله وحَديثنا عنْ شخصيّة آية الله العُظمَى الشهيدْ الصّدر رَحمَة الله عليّه. فشهدَت  هذه المرْحلة لهَذا النمُو وهَذا النشاطْ الثقافيْ والعَملْ الاجْتماعيْ والتحرّك السيَاسي  حيثُ شهدَ في الوقتْ ذاته حَركة باتجاه استئصَال الوُجود الحَوزويْ. هؤلاء البعثيونْ يُريدونْ أنْ يَستأصلوا والشيعة يُريدونْ أنْ يَبنوا قوّة للمُجتمعْ وللقيادَة الدينيّة فما كانْ إلا أنْ حَدَث الاصْطدام وبدأ البَعثيون بافتعال تهْمة الجَاسوسيةّ للمَرحوم السيّد حسن الشيرازيْ أخ الأمامْ الشيرازي وأعتقلَ على أثرْ هذه التُهْمة و أعتُقل أيْضاً في فترَة سبقتْ المَرْحُوم السيّد مَهدي الحَكيم نجلْ السيد الحَكيم رَحمة الله عليّه ضمْن الاتجَاه ذَاته وفيْ هذه الأثناءْ أعْتقلَ لفَترَة طوَيلَة تقْريباً لمُدة سَنة كاملة، و لكنْ ضَغطْ الحَوزاتْ العلميّة والمَرجعيّات، إضافةً إلى حَرَكة الخارجْ والإعْلام، وتململْ  الناسْ أجبرَ السُلطات البَعثيّة  أنْ تُفرجْ عنه مُؤقتاً لكنّها لمْ تُغير مُخططها في الهُجومْ على الحَالة الدينيّة والمَرجعيّة الشيعيّة. بَعَدها بفترَة، قررْ البَعثيونْ أنْ يستأصُلوا هذا الوُجودْ فتسرَبْ الخبرْ بَشكل مَا منْ الأشكالْ بأنّه هُناك نيّة مَبنيّة عنْد الحُكومة البَعثية في استئصَال هذَا الوُجودْ ورُبما الحُكم بالإعدامْ على قيادَات العَملْ الدينيْ في كَربلاءْ وعلى طليعَتها المَرحُوم السيّد الشيرازيْ وهذا العَمل الذي جَعلَ البعضْ بالاضطرارْ للرحيْل و قبلْ أنْ يَبدأ أولئك البعثيونْ بعمَلهمْ  فقرروا أنْ يَتفرّقوا ويُهاجروا وأنْ يَختفوا حَتى خرَجوا منْ العرَاق إذْ أنّ البَعضْ ذهَبَ إلى سُوريا البَعضْ الآخرْ إلى إيرانْ البَعضْ الآخرْ إلى الكُويتْ إذْ كانْ الإمَام الشيرازيْ رَحمَه الله عليّه في ضمنْ الذينْ سَافرُوا إلى الكويتْ في سَنة 1391للهجْرَة.

هجْرَة السيّد الشيرازيْ إلى الكُويتْ.

 واصَل السيّد الشيرازيْ رَحمَة الله عليّه العَمل فيْ الكُويتْ و فيْ اتجَاهاتْ الكتابَة والتأليفْ وَسَنأتي بالحَديث عنْ هذه المَيزَة التيْ كانتْ لديّه لاحقاً. كان لديّه جوانبْ مُحفزة أيضاً فيْ اتجَاه الكتابَة والقُدرة على تحفيزْ النّاسْ وتحفيزْ شيعَة أهلْ البيتْ فيْ الكويتْ عَلى إقامَة المُؤسسَات وبناءْ الحُسينياتْ والمَآتم باعتبارْ أنّ الوَضعْ وضعْ حُر وأنّ الحُكومَة الكويتية نظراً لثقتهَا التامَة فيْ شيعَة أهلْ البيتْ لمْ تكُنْ تمَانعْ في مثلْ هَذه الأمُورْ فينبغيْ أنْ يَتحرك الشيعَة فيْ الكويتْ ضمْن الأطرْ الرّسميّة لتحصيْل حُقوقهُم وترسيمْ هذه الحُقوق وأوضَاعهَا ثمّ الدّفع باتجَاه المُشارَكة السياسيّة. إذْ قام بالتبيانْ لهم بأنّه أنتمْ تشكلونْ نسْبة مُهمة فيْ المُجتمعْ الكوَيتي وأنتمْ أصْليونْ في هَذا المُجتمع والحُكومَة أيضاً لا تُمَانع فيْ مثل هذا الأمرْ فلمَاذا لا تشاركُونْ في الجَانب السيَاسي ؟ لمَاذا لا تدْخلون البَرلمَان ؟ لمَاذا لا تدْخلونْ فيْ الاتحاداتْ الطُلابيّة ؟ لمَاذا لا تدْخلونْ في المُؤسسَات المُختلفة وتُسَاهمُون في بناءْ البلدْ بصفتكُمْ أتباعْ وأبناءْ هذه الطَائفة؟  فهُنا ضخّتْ رُوحاً جَديدة بالذاتْ فيمَن يتبعُ السيّد الشيرَازيْ منْ الكويتينْ باتجاه المُشارَكة السيَاسيّة والعَملْ الرَّسمي العَلني الظاهريْ في الكويتْ كانْ يَسْمح بذلك، و المُؤسَساتْ أصْبَحتْ مُعلنة مَكتباتْ باسمْ مَكتبة الرّسولْ الأعظمْ وحُسينياتٌ أقيمَتْ هيئاتٌ دينيّة لتثقيفْ الشّبابْ تَوسعتْ وكان فيْ هذَه الاتجَاه أكثرْ منْ هذه الأمُورْ أيضاً إذْ تأثرتْ المَنطقة الخليجيّة بوُجودْ السيّد الشيرازيْ رَحمَه الله فيْ الكويتْ على أكثرْ منْ صَعيد فإذا بَهذه المَنطقة الخليجيّة والمُنطقة الشرقيّة فيْ السُّعوديَة، وكذلك فيْ البَحرينْ وفي عُمَان، وفيْ سَائر المَناطقْ الأخرَى كانتْ تسْتقبلْ الكتابْ الذيْ كانْ يُوجهه الإمَام الشيرازيْ إلى شبابْ المُسلمينْ وكان يَصلْ هذا الكتابْ ويَجد تفاعلاً جَيداً.

وقدْ ربّى وتبنّى مَجمُوعَة منْ الكفَاءاتْ الخطابيّة ومنْ الوُكلاء ومنْ الكتابْ فيْ اتجَاه أنْ يَبلغُوا أفكارْ السّلام بالنّحوْ العَصري والحَديث إلى الشبَابْ الخليجيْ فيْ مُختلفْ الأماكنْ ضمْنْ حَالة منْ العَقلانيّة والتوْجيه المُناسبْ المُعتدلْ فيْ هَذه المَناطقْ، فحَقق هَذا الاتجَاه قدْراً كَبيرَاً منْ النّجاحْ منْ قبلْ هَذه المَرجعيّة إذْ كانتْ رَحمَة على صَاحبهَا وأنشغلَ أيضاً بالكتابْ كمَا ذكرْنا آنفاً ثمّ بَقيَ خلاْل هَذه المُدة وهيَ قرابة تسْع سَنوات يَعني منْ 1391الى 1399 وعندَمَا انتصرتْ الثوُرة الإسْلامية في إيرانْ، غادرَ الشيرازيْ الكويتْ باتجاه إيرانْ حيثُ أسْتقرّ في قمْ ممارساً دوْره العلمائي منْ البَحث والتدريسْ والتأليفْ إلى أخرْ عُمره في سَنة 1422هـ. كانْ هذا إجْمَالاً للصُورَة التاريخيّة ونحنُ لا نستطيعْ أنْ نتحدّثْ عنْ تفاصيلْ الحَوادث التاريخيّة وهي كثيرةٌ جداّ ومُفصَّلة ولكننا أردنا فقطْ أنْ نوَضح لمْحة مُختصرَة عنْ هذا التاريخْ.

 

من صفَات وانجَازاتْ السيّدْ الشيرازيْ .

عندَمَا نأتي إلى صفَات وخَصَائص المَرْحُوم السيّد الشيرازيْ رُضوانْ الله عليّه فإننا نَجدْ هُناك الكثيرْ منْ المَلامحْ الخاصّة بهَذا العَالمْ الجَليل. أولْ الخصَائصْ المُميزة لديه هي التأليفْ المَوسوعْي الغزير إذْ يندُر عندَنا فيمَا نعْلمْ فيْ تاريخْ الشيعَة بل وغيْرُ الشيعَة أيضاً فإنّه يندرْ بأنْ يكتبْ كاتباً منْ الكتابْ عدداً منْ العَناوينْ ممَا يَتجاوزْ الألفْ عنوانْ إذْ أنّ هَذا قليلٌ جداً بلْ إنّه أمراً نادراً. السيّد الشيرازيْ رَحمَة الله عليّه ونَظراً لأنّه كانْ يَرَى بأنّ قضيّة التأليفْ وبثْ الفكرْ ليسَ أمراً ترفياً وإنمَا هو خطة ضَروريّة للنهْضة الحَضارية في الأّمّة، وهنا يَختلفْ النظرْ بينْ شخص وآخرْ إذ أننا نجدْ كاتباً يكتب كتاباً منْ بابْ تخليد أسمُه، وأحياناً نجدْ كاتباً يكتُبْ كتاباً منْ أجلْ دافعْ منْ الدوافعْ، وفي أحيانْ أخرَى نجدْ كاتباً يَكتُب كتاباً باعتبارْ أنّ لديّه نظريّةٌ جَديدة و يُريد كشفهَا للناس إذْ يكفينا فيْ حصرْ ذلك كتاباً واحداً لو أرَدنا الكتابة حَتى نُخبرْ الناس عنْ نظرياتنا. نجدْ في أحيانْ أخرَى بوجودْ مؤلفاً يرى أن التأليف أحدْ شروط النهْضة الحضَارية لأن الأمة تعيش تخلفاً ثقافياً في مختلفْ المَجالاتْ فلابُد أن نرفع هذا التخلف، فيرفعْ هذا التخَلف ليس عبرَ إعطاءوتقديمْ حُبوباً مغذية أو عبرَ إعطاء إبرَه لكيْ يرتفع هذا التخلف الثقافيْ، وإنما عبرَ مُمارسَة التثقيف والكتابَة والتأليفْ ودعْوة الأمّة إلى أنْ تتفاعل مع الثقافة لأنها شيءٌ ضروريْ  لا على أنّه شيء ترَفي مُستحب ولوقت الفراغْ فقطْ،  وإنمّا هو أمرٌ سياسيْ وهذه كانتْ نظرَة المَرحوم الشيرازيْ إلى قضيّة التأليفْ على كل المُستويات. لعلّه إذا رَأى منْ وقته مقْدار نصْف سَاعة أيضاً يُخيرْ نفسَه بينْ أنْ يعمَل هذا العمَل أو ذاك العَمل، فيَرى أنّ عَمل التأليف بمَا هوَ مُقدمة للتثقيفْ أوْلى وأهمْ وهذا ممَا جَعَله يؤلفْ على مُختلف المُستويات وفي مُختلف المَجالات، والحقْ والانصَاف بالمقدارْ الذي كتبَه وألفَّ فيه شيءٌ مُذْهل منْ حيث العددْ والكميّة والتنوعْ.

 نجدْ عندَنا مثلاً فيْ الفقه دورتهُ ومَوسُوعتهُ الفقهيّة تصل إلى 150 جزءاً و رُبمَا لا يَكونْ فيهَا شيءٌ منْ التركيزْ الكبيرْ وهذا هو مَنهَجْ السيّد الشيرازيْ أنّه كانْ في اختيارَاته الفقهيّة  وفي النهاياتْ (مشهوريا) حسَبْ التعبيرْ يَعني رأيُه غالباً أيّ رأي المَشهورْ. في الاستدلالاتْ كان طريقُه كانْ طريق الخبَر المَوثوق لا خبر الثقة وهذا يعُطيه مَساحة واسعَة مما يجعله يتقيد أكثرْ بأمر علمْ الرجال كما يتقيد به أصْحاب المَدرسة الأخرى وهي (مَدرسَة خبرْ الثقة) ولكنّه لديه مجالاً واسعاً هنا لكي يورد أدلة مُتعددة ويحصُد الكثير من الاستشهادات على مُختاراته ولكنْ من حيث الاستيعاب، والإحاطَة، والتتبع والحالة الموسوعية، نجدْ أنّ الأمرْ بالنسبة إلى هذا السيّد الجَليل كانتْ أمراً مذهلاً. كتابُه فيْ الفقه كانْ عبَارة عنْ 150 مُجلداً إذْ يُعتبر شيئاً كبير اً جداً وكمَا كان يؤلفْ هذا العددْ الكبيرْ أيضاً كانْ يؤلفْ إلى طُلابْ السُطوح في الحَوزات العلميّة إيصَال الطالبْ إلى المَكاسب في حَوالي 16 مجلدْ.

(الوَصائل إلى الرّسائل) إذْ أخرَجَ فيه إلى الآنْ سبْعة أجزاءْ وأيضاً (الوُصُول إلى كفاية الأصُول) كان قريباً منْ هذا فشرح منظوُمَة السبزواري في الفلسَفة والحكمَة.

إضافةً إلى تأليفه في كلْ هذه الجوانبْ، نجده أيضاً يُؤلف مؤلفات إلى مُستوى الأطفالْ مثل كتابْ ( القصصْ الحَق) وهو مَكتوب بلغة الأبناءْ 8 سَنوات و9 سنَوات و10 سَنوات حول قصصْ الأنبياء وما بين هذا المُستوى وذاك المُستوى فإنّه كوّن منْ الكتبْ المُختلفة والمُتعددة منهجاً وأسلوباً وموضوعاً ولكنها تدل على مَوسُوعية وغزارة في التأليفْ. نجد مثلاً: في مَوضوعْ السياسَة والدولة الإسْلامية وما يرتبط بهَا ويوجدْ لديّه قرابة  41 عنواناً عنْ حوار حوْل تطبيق الإسلام نظريّة  العُنفْ في الإسلامْ والسّبيلْ إلى إنهَاض المُسلمين الصيَاغة الجَديدة إلى عَالم الحريّة إلى غيرْ ذلك منْ الكتبْ في هذا الاتجاه، فهُناك تنوعْ كبيرْ وغزارة فيْ التأليفْ يلحَظها الناظرْ لعَمل هذا المَرجعْ والإمامْ العظيمْ رحْمَة الله عليّه هذا كان جانباً من جَوانب التميز لديّه.

السمو الأخلاقيْ للسيّدْ الشيرازيْ

جَانبْ آخرْ كان مُتميزاً لدَى السيّد رَحمَه الله وهُو المُستوَى الأخلاقيْ الشخصيْ الذي يُؤثر تأثيراً كبيْراً في مُلاحظته ومُرافقته والجَالسين مَعه وعندَما كانْ يقولْ خاطرة يُسجلونها. أكثْر اللذينَ معه يذهبُوا إلى زيارَة السيّد الشيرازيْ رَحمَة الله عليّه ويُسجلونْ هذه الزيارَة عادَةً باعتبارَها فيهَا جانبْ أهميّة أمّا تحريضْ على فعلْ خيْر يجيْ. فمثلاً: عندما يأتيه تاجراً جا ويتحدّث إليه وإذا به يُحرضه ويُشوقه إلى أنْ يكونْ تاجراً منْ مُستوى (رولا فلر ) لأن رولا فلر بدَأ حَياته بهَذه الطريقة واشتغلَ كثيراً وكانَ كثيرْ القراءة ومَوسُوعي الاطلاعْ فيعرّفه  كيف صار هذا الرجلْ ومنْ أينَ بدأ ويسردْ إليه تجارباً مُفيدة عن ذلك التاجر وكيف وصل إلى هذا المُستوى وأنه بمَاله وبُقدرته هذه أستطاعْ أن يَحمي وأنْ يدعَم الكيانْ اليهُودي ونحنُ المُسلمونْ نحتاجْ إلى أمثالْ هذه التجربَة وليكونْ تاجراً، ينبغي أنْ لا يتكلمْ بمئاتْ الألوفْ والمَلايين وإنمَا يتكلم على مستوى مئات المَلايين والملياراتْ وتلك النماذجْ الناجحة لمْ تأتيْ بدْعة منْ الزّمان ويحفزه بقولْ أنت تستطيع أن تكونْ كذلك.

 وفي كثيرٌ منْ الأحيانْ كانتْ تقدحْ زناد العزْ بما في نفسْ السّامع وتجعله يتوجه إلى آفاق رحيبَة. فيأتيه أحدْ الأشخاص يقول له: أنا أشتغلْ مثلاً في استديو و عندي خبرة في التصْوير فيُجيبه بأنّ هذا جيدْ و لكنْ ينبغيْ أن تفكر خلال خمس سنوات قادمة و ليس على مُستوى الاستديُو وإنما ينبغيْ أنْ تفكرْ في أنْ تنشئ فضائية باللغة العبريّة حتى تخاطبْ اليهود (ونفهَمهم) آرائنا وأفكارَنا وأنتَ باعتبارك لا تعيشْ في الخارجْ  فبإمكانك هذا،  فلماذا اليَهود يَستمعونْ إلى بَعضُهم البَعضْ وهمْ يتحدثونْ مع المُؤمنين ومعْ المُسلمين عبرَ فضائياتهم في أمريكا وفرَنسا وسَائر الأماكنْ. فينصحه بتأسيسْ تعال فضائية باللغة العبرية لمُخاطبة اليَهود ولإيضاح حُقوق المُسلمينْ في المُستوى الثقافيْ والسياسيْ. فكما نلاحظ كيف هذا التحفيزْ من أستوديو وطبيعة عمله هي بأنْ يُفكر فقط كيفية استخراج وطباعة  الورقْ،  وإذا به يتحَدث مَعه على المُستوى الأعلى. وهذا نُلاحظه أيضاً عندما يأتيْ  إليه طالباً من طلابْ العلمْ يستقصيْ حالة مُعينة و يسْألهُ عنْ ماذا يصنع؟! فيوجهُه إلى القرآنْ الكريمْ ويقول: ما رأيك أنْ تفتحْ ملفاً في قضيّة القرآنْ الكريمْ وتجْعله خطاً في حياتك؟ وكانْ بعض الذينَ أنتجوا انجازاتْ في علم التفسيرْ يوضحونْ أنه كلْ ذلك كانْ من خلال تشجيعْ مثل هذا السيّد رحمَة الله عليّه وأمثاله  كثيرٌ جداً لوْ انّ أنساناً بدأ بهذا الشكل من  البرامج و كتب كتابْ عنْ تشجيعْ السيّد وعلى من الأعمالْ سوف ينتجْ لنا كتاباً كبيرَ الحجم وعظيم المَنفعة وهَذا يُبين أثرْ التحريضْ والتشجيعْ كما قال الله العظيم: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ"

فليكنْ عندنا أيضاً وعلى وجه العُمومْ سَواء عَالم دينْ أو إنساناً مثقفاً أو شخصيّة اجتماعية عنصراً  للتحريضْ والتشجيعْ على فعل الخيرْ إذ لنْ نخسر شيئاً. وأنتَ أيها الكرمْ فلتُحرضْ و أنت تعبأ، و أنت تتكلم قد تصَادف نفساً قابلة وعَزيمة تحتاجْ إلى إيقاظ فإذا به تكونْ أنتَ المُشجع و بالتالي ستكونْ الدّال على الخيْر كفاعله. وكانتْ هذه أحد خصائص السيّد رحمة الله عليّه التي نشهَدها في حياته.

 نشهد فيه أيضاً حًالة التواضعْ وعَدمْ الاكتراث لمَا هُو فيْ الذّاتْ. عندَما يُخبرونهُ أنّه هناكَ أحداً يتحدّثْ عنك، بلْ و عندَما يُهاجم ويُتحدث عليّه أمَامه  لا يكترثْ لذلكْ و حَتى بعْض أتبَاعه وتلامذته كانُوا يقولونْ إليه لماذا لا ترُد على زيدْ وعبيدْ وفلانْ و فلانْ فإنّهم يُهاجمونك ويتكلمونَ ضدك فقال: (ْأنا عنْدي وقتاً واحداً فإمّا  أنْ أصرفُه في الرّد على ذا وذاك أو أصْرفه في التأليفْ فيما ينفع الناسْ) أيّ إذا صار عندي وقتين وعُمرين سأنتهي من هذا وأذهبْ إلى ذاك ولكن ليس عندي إلا عُمراً واحداً ووقتاً واحداً فأنا إنْ أْصْرفه فيمَا ينفعْ وفيما يبْقى وفيمَا يُفيد للمُجتمع منْ الكتابة أجْدى وأنفعْ و أكثر ثواباً. فما كان يَرى لذاته فيْ هَذا الجَانب مدخليّه كبيرة أو شيئاً مُهما وكانْ متواضعاً بلْ غايةً التّواضعْ وخاصّة عندَ مُباشرَته إلى اسْتقبالْ النّاس وإقباله عليّهم وتفقده حَالهم وهذا أمرٌ مَشهودْ. أنا أذكرْ حَادثة شخصيّة غيرتْ الكثيرْ في مَسار حياتي:  إذْ كنّا عائدينْ من العرَاق معَ المَرحُوم والدُنا رَحمَة الله عليهّ وعلى أمْواتكم والسّامعينْ جميعاً و رُبما كانْ عُمري في ذلكَ الوَقت  ما بينْ 13 إلى 14سَنة و قدْ رَجعْنا منْ النّجف الأشرَف. و في ذلك السنْ لمْ أقبلْ بالدرَاسة الدينيّة ولا أريد أنْ أدرسْ إذ كنتُ في سن صغيرْ وكان عمرْ عدَم فهم ودرايّة بأفضلياتْ الأمورْ، فقلنا لوالدنا: لا نريد أنْ ندرسْ ونريدْ أنْ ونرجعْ إلى بلادنا وينتهيْ الأمرْ، فأعادنا والدُنا رَحمة الله عليّه وقدْ علّمَنا جزاه الله خيرْ بأنّ كلْ العُلماء نور وهو كانْ من مقلدي السيد الخوئي رحمَة الله عليّه فكان يُقدر الوالدْ ويَعرفه فكانْ يُقسم خمْسَه أثلاثاً و يرْسل قسماً إلى الشهيد الصّدر رَحمة الله عليه وقسماً إلى السيّد مُوسى الصدرْ في لبنانْ وقسماً إلى السيّد محمد الشيرازي رَحمَة الله عليهّم أجمعينْ، فكانْ لديه نظرية وهي أنّه لو أنّ هؤلاء الثلاثة يتوافقوا في العَمل لأخذنا الدنيّا كلها و عالمْ التشيعْ الشاهد على ذلك، وأثناءْ عودتنا قال والديْ رحمه الله دعونا نمر على السيّد الشيرازيْ لأنّ الطريقْ يكونْ عادةً من العرَاق بواسطة السيّارة  فيكونْ منْ العراق إلى الكويتْ ومنْ الكويتْ إلى بلادنا. فقال والدي:  يكونْ طريقُنا بمرُورنا على السيّد الشيرازيْ ونسلمْ عليّه، فذهبنا عنده قبل الظهر وقبل الصّلاة و جلسنا عنده في المجلسْ، وأنا كنتُ حاسراً آنذاكْ أيّ (بالثياب العاديّة) فشهدتْ أنّ لهذا السيّد الجليل الكبيرْ علماّ وسناّ وقدراّ و أقبلَ عليّ بكلمَة وأخَذ يتفقد الأحوالْ فسَألنيْ ماذا تدرس في المَدرسة الرسْميّة؟  وإلى أينْ وصلتْ في المدرسة الحَوزوية؟ و إلى أينْ وصلتْ في الدرُوس؟ ألا تعْجبك ؟ وماهي الدروس التيْ لا تعجبك؟ ثمّ إنّه بدأ يقترحْ علي اقتراحاتْ في الدرُوس فيْ كلا الأمرَينْ وأخذَ يشجعْ ويُحرضْ على أهميّة ولزومْ  الصعودْ إلى  أعلى المُستويات وكذا و كذا. فأنا ذُهلتْ لأنّني و لأول مرّة أشهدْ هذا المشهَد من عالمْ كبيرْ ثمّ ينْصَرف بنفسه إلى صبيْ وعمره 13سنة 14 سنة ليتفقد أحواله، فهذا أمرٌ مفاجئ وغريب بالنّسبة ليْ والأمرْ الأكثر توَاضعاً هو أننا عندما خرَجنا إلى الصّلاة فمرَّ على جَماعة أولادْ في عُمر 12،13 سَنة وكانوا يلعبونْ بالكرَة قريباً المسجد فأقبلَ يُسلم عليهّم وقال إليهم: ما رأيكم بمَجيئكم معي إلى المسجدْ وتصلوا وبَعد ذلك تكملوا اللعب ؟ فكان هذا الأمرْ هو الواقعْ في تعامله الطيبْ والمُتواضعْ، فترسخَ هذا التعاملْ في ذهني وفي ذاكرتيْ أيّ أنّه كيفَ هذا العالمْ الجليلْ و بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب. وبعد ما صليتْ الّصلاة مَعه و والدُنا معنا أيضاً قلت للوالد رَحمَة الله عليّه: أنا سأبقى للدرَاسة الدينيّة لكنّي أريدْ البقاء هنا، فقال: كنت بالأمس تقول بلزومْ العَودة فما الذي حصلْ؟ قلتْ: أنا قررتْ أنْ أبقى هُنا وذلك لمَا رأيتُه منْ هَذه الأخلاقْ المُتواضعَة وهذه النفسيّة الكبيرة التيْ تنزل إلى مُستوى الصغارْ. فلوْلا ذلكَ اليومْ وذلك المَشهدْ لكانْ المُتكلم بينْ يديكمْ الآن لعلّه عاملٌ من عُمال أرامكو، فقد فكان عنده هذه الحالة من التواضع ومن إنكار الذاتْ ومن الخلق الطيبْ و كلْ منْ اعترضَ عليّه لمْ يقلْ بأنه في أخلاقه خللاً أبداً و حتى أعداءه ومُخالفوه وَ كل عُلماء الدينْ، و بالتالي فإنّ جميعهمْ كانوا يشيرونْ إلى هذه الجهَة وكانتْ جهَة واضحَة في شخصيته رَحمَة الله عليّه.

براعَته في مُختَلفْ المَجالاتْ.

وهُناك جهَة ثالثة نشيرْ إليهَا ونُنهي حَديثنا، وهي جَامعيتُة لأكثرْ منْ اتجَاه ولأكثرْ من جَماعَة ولأكثرْ منْ توَجه، فالناسْ قسمَانْ: قسمٌ أحَادي الاتجاه مثل أحاديْ الخليّة، فالكائناتْ أحاديّة فإذا اعتادَ أن يمشي في اتجاه معينْ  فإنه لا يستطيعْ أنْ يتجه إلى غيره، أيّ إذا اتجه إلى السياسة فإنّه لا يستطيعْ أن يتجه إلى غير السياسة، أو أن يسيرْ في الشعائر فإنّهُ لا يستطيعْ التوجه إلى غيره، وكذلك لو سارَ  في الولائيات  فإنّهُ لا يستطيع ذلك في الشعائر والقضايا الحُسينية فهذا  يُسمى أحادي الاتجاه. فهذا المُجتمع متعددْ الاتجاهات وهناك أشخاصْ ومنْ بينهم المَرحُوم السيّد الشيرازي كانْ مهيمناً على كل هذه الاتجاهات وجاذبٌ لهَا وقادرٌ على التعامل معها وهذه تحتاج إلى انشراح للصَدر وتحتاجْ إلى أفق واسعْ تحتاج إلى إنسانٌ قادرٌ على أن يتعامل مع أصنافْ مختلفة واتجاهات مُختلفة وأدواتُ عمل مُختلفة أيضاً .كان السيّد الشيرازي رَحمة الله عليّه في الوَقت ذاته قادراً على أنْ يَجمَع جَماعة خاصّة بالشعائر والحُسينيات واللطم والإطعامْ ويعتبرون كل ذلك رسالتهُم في هذه الحياة وليس لديهم توجه في أي موضوعاً سياسياً إلا أنّ السيّدْ يجْمعهم ويشجعَهم ويُحركهم ويَجمع إلى جنب هؤلاء أيضاً جَماعة فيْ الحَركات السياسيّة ومنْ مُختلف الأماكنْ ممن عملهُم معَ قضايا العَمل السياسيْ وحثّهم على المُشاركة في الاتجاه الآخرْ والتعبئة الجَماهيريّة، فهؤلاء أدواتْ عَملهم ومَذهبهم وطريقتهم وثقافتهم بشكل آخرْ، ولكنّه يَجمع هذا ويَجمع ذاك وهذه قدْرة لا تتوفر لدى الكثيرين و في الوقتْ ذاته كانْ يكتب كتباً حَول التعريفْ بالتشيعْ والشيعة بخمسْ لغات ويُوزعهَا هو وأتباعه فيْ أيامْ الحجْ وغير الحجْ فكانْ يكتبْ هوية الشيعَة ومنْ همْ الشيعَة؟

كانْ يوردْ شبهاتْ حَول الشيعة و أفكاراً حولْ الشيعة إلى أن أصبَحتْ السلسلة  تضمْ 12 كتاباً صغيراً حولَ الشيعة والتشيعْ وتترجم بخمْس لغات غيرْ العَربية، فكانت لُغاتْ انجليزيّة وفارسيّة وفرنسيّة وأردو و في العادة فإنّ هذه اللغات التي كان يخاطبْ بها أكثرْ المسلمين العالم، فإنه يدْعو إلى التشيعْ ويُبين أفكارْ الشيعة، وفي نفسْ الوقتْ كانْ يركز على أنّ قضية الوحدة الإسلامية هي منْ أهمْ المُهماتْ وشعاره هو الدعوة إلى حُكومة ألفْ مليونْ مُسلم وأنّ في هذه الدّعوة حُقوقاً للأقلياتْ العرَاقية و صيانة حُقوق الأقليّات الدينية. السُّنة و إنْ كانوا أكثريّة أو أقليّة  فإنّ أمُورهم مُصَانة و الشيعة كذلك ضمن النظامْ الذي ذكرُوه ضمْن هذه الكتبْ ففي الوقتْ ذاتهُ الذي لديه دعوة وتحرض باتجاه التبليغْ والتشييعْ. وكانْ السيّدْ يرى أنّ أهم الآيات في القرآنْ الكريم هي قول الله عزّ وجل "إنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" فكانَ جامعاً للمختلف الاتجاهات والشخصيات لذلك فإننا نجدْ أنّه يُحاطْ حَوله مُختلف الاتجاهات التي لا يمُكن أن يجتمعون خارجْ بيتْ السيّد ولكنْ بيت السيّد يجَمعُهم كلهمْ إذْ كانتْ توجيهات السيّد لهمْ تجمَعهم جميعا فرَحمَه الله على هذا العلم العظيمْ والبحرْ الخضمْ الذي كان من مصَاديق المُجاهدين بلسانه وقلمه وعَمله وحَياته التي أنهكهَا فيْ سَبيل نهضة الأمة ولذلك ما إنْ جاءت حَوالي 73سنة إلا وقدْ سَقط هذا البدَن تحتَ ضَغط ذلك العَملْ وتحْت ضَغط تلك المسؤولية رَحمَة الله تعَالى عليّه.

السيّدْ الشيرازيْ إلى رَحمَة الله تَعالى.

فكيف كانَ يَستطيعْ أنْ يكتبْ كلْ هذه الأشياء وفي الوَقتْ ذاته يُركز على القضيّة المرجعيّة، وفي نفس الوقتْ استقبالاتْ، وفي الوقتْ نفسُه انشغاله بالقضايَا الاجتماعيّة وفي نفسْ الوَقت كذا وكذا، فكلْ هذا ومعَ ذلك إلا إنّه بَرَز هذا الإنتاج الثقافي والتأليفْ في الغزيرْ والمَوسُوعي وبالتالي، إلى مَتى يستطيع لهذا البَدَنْ بأنْ يتحمل هذا الضّغط ولذلك وجَدناه فيْ هذه الأيام والتي سَوف تقدمْ عَلينا بعد العيدْ بأيام قلائلْ من سَنة 1422هـ إذْ سَقط هذا البَدن وعُرجتْ هذه الرّوح في اتجاه بارئها وخالقهَا راضيَة مَرضيّة فرَحَمة الله عليّه و شكرّ الله سعيُّه لما قدّم  فقدْ كان كثيراً جداً .الحَنين إلى كرْبلاء رحمَة الله عليّه إذْ كانْ يُعبرْ دائماً بقوله: إنّي اشتقتُ إلى كرْبلاء واشتقتُ إلى حَرَم الإمامْ الحُسينْ عليّه السّلامْ. وكانْ يتمَنى لو أنّ المنيّة توافقهُ وهُو فيْ كرْبلاءْ أو أنْ يَنتقل جُثمانه إلى كْربلاءْ.

مرات العرض: 3428
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2584) حجم الملف: 19567.4 KB
تشغيل:

زين الدين: قديس يخاطب الشباب
الشيخ الوائلي لسان الشيعة الناطق