العلامة الطباطبائي بين الفلسفة والقرآن
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 24/9/1434 هـ
تعريف:

العَلَّامَةُ الطباطبائي بَيْنَ الفَلْسَفَةِ وَالقُرْآنِ..

 تَصحيح الأخت الفاضلة سلمى آل حمود

 "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا "

يَتَنَاوَلْ حَدِيثِنَا فِيّ هَذِهِ المُحَاضَرَةَ عَنْ أَحَدِ الشَّخْصِيَّاتِ المُهِمَّةِ التي جَمَعْتُ بَيْنَ خُطِينَ مُتَوَازِيَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي العَادَةِ إِلَّا فِي قَلِيلٍ مِنْ العُلَماءِ, وَهِيَ شَخْصِيَّةُ آيَة اللهِ العَلَّامَةِ السَّيِّدِ مُحَمَّدٌ حُسَيْن الطباطبائي رِضْوَانُ اللهُ عَلَيْهِ صَاحَبَ تَفْسِيرَ المِيزَانِ وَالمُتَوَفَّى فِي عَامٍ 1402 عَنْ عَمْر يُنَاهِزُ إِحْدَى وَثَمَانِينَ سَنَةٍ فِي الغَالِبِ فَرَحْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ. كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَدثِنا السَّابِقُ عَنْ المَدْرَسَةِ التفكيكية وَ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ ثَلَاثَ مَدَارِسَ مُتَبَايِنَةٍ  وَهِيَ مَدْرَسَةُ الوَحْيِ وَالقُرْآنُ وَمَدْرَسَةُ العَقْلِ وَالبُرْهَانُ وَمَدْرَسَةُ السُّلُوكِ وَالعِرْفَانُ, وَيَفْتَرِضُ أَنْ تُكَوِّنْ أَدَوَاتُ كُلِّ مَدْرَسَهٍ وَمَنْهَجِ البَحْثِ يَكُونَ فِيهَا مُخْتَلِفًا عَنْ المَدَارِسِ الأُخْرَى لِذَلِكَ, غَالِبًا مَا يَكُونُ اِتِّبَاعٌ كُلُّ مَدْرَسَةٍ يَتَخَصَّصُونَ وَيَتَعَمَّقُونَ فِي مَدْرَسَتِهِمْ الخَاصَّةُ وَخَطُّهِمْ الَّذِي يُوَازِي بَقِيَّةَ الخُطُوطِ وَالمَدَارِسَ وَلَكِنْ فِي شَخْصِيَّةِ السَّيِّدِ الطباطبائي نَجِّدْ اِجْتِمَاعًا قَلِيلَ النَّظِيرُ فِي فَيْلَسُوفٍ مِنْ كِبَارِ فَلَاسِفَةِ الطَّائِفَةِ خِلَالَ الخَمْسِينَ سَنَةً المَاضِيَةُ وَفِي نَفْسِ الوَقْتِ هُوَ مِنْ أَقْدَرِ المُفَسِّرِينَ وَاُكْبُرْهُمْ فِي هَذِهِ الفَتْرَةَ, وَيُعِدُّ تَفْسِيرَهُ مِنْ التَّفَاسِيرِ المُهِمَّةُ جِدًّا فِي هَذِهِ السَّنَوَاتِ مُنْذُ صُدُورِهِ سَنَةٍ 1392 هِجْرِيَّةٍ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

 نُبْذَةٌ عَنْ حَيَاةِ السَّيِّدِ الطباطبائي.

وَهُوَ فِي الوَاقِعِ تبريزي أَيْ تُرْكِيُّ الأَصْلِ وَالعُنْصُرِ وَفَارِسِي اللُّغَةِ وَعَرَبُي الدِّرَاسَةِ. بَدَأَ فِي إِيرَانَ إِذْ كَانَ هُنَاكَ قَوْمِيَّاتٍ مُتَعَدِّدَةُ مِنْهَا (العَرَبُ فِي الجَنُوبِ وَهُمْ إِيرَانِيُّونَ, وَالأَكْرَادُ شَرَّقَ إِيرَانَ وُهِمَ إِيرَانِيُّونَ كَذَلِكَ, وَالأَتْرَاكُ فِي الشَّمَالِ تَبْرِيز وَأَذَرْبَيْجَانُ وأردبيل وَخَوَى وَهَذِهِ المِنْطَقَةُ كَانَتْ مِنْ العُنْصُرِ التُّرْكِيُّ, وَالفَرَسُ فِي الوَسَطِ وَبَقِيَّةِ الأَمَاكِنِ).. كَانَ السَّيِّدَ الطباطبائي حَسِّنِي النَّسَبَ لِأَنَّ كُلٌّ طباطبائي يَنْتَهِي نَسَبُهِ لِلإِمَامِ الحُسْنُ عَلَيْهِ السَلَامُ فِي جِدِّهِمْ الأَعْلَى وَذَكَرَنَا فِي بَعْضِ المُنَاسَبَاتِ لَمَّا سَمِّي بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ. فَبَدَأَ الدِّرَاسَةَ فِي تَبْرِيز إِلَى أَنْ أَصْبَحَ عُمْرَهُ 24 سَنَةً, فَأَنْتَقِلُ النَّجَفُ الأَشْرَفُ وَدَرْسٌ عَلَى يَدٍ أَعَاظِمُ الحَوْزَةِ العِلْمِيَّةِ فِي الفِقْهِ وَالأُصُولِ مُثُلٌ الميرزا النائيني رَحِمَهُ الله وَالسَّيِّدُ حَسَنٌ الاصفهاني وَالشَّيْخُ مُحَمَّدٌ حُسَيْن الاصفهاني وَغَيْرَهِمْ فِي الأُصُولِ وَكَانَ لَهُ أَيْضًا مُدَرِّسًا فِي العِرْفَانِ وَهُوَ السَّيِّدُ عَلَى القَاضِي وَلَقَدْ ذَكَرَ فِي حَيَاتِهِ أَنَّهُ تَأَثُّرٌ بِهِ تَأَثُّرًا كَبِيرًا جِدًّا. كَانَ السَّيِّدَ عَلَى القَاضِي مِنْ الشَّخْصِيَّاتِ المُؤَثِّرَةُ فِي تَلْمَذَتِهِ فِي هَذَا الجَانِبِ, وَهُوَ جَانِبُ الأَخْلَاقِ, العُرْفَانِ, تَحْلِيَةُ النَّفْسُ بِالفَضَائِلِ, وَدَرَسَ الفَلْسَفَةَ أَيْضًا عَلَى يَدِ أَكَابِرِ العُلَماءِ فِي ذَلِكَ الوَقْتَ إِذْ تَخَصُّصٌ وَبَرَعَ فِيهَا وَتَابَعَ فِي هَذَا الجَانِبِ إِلَى أَنْ أُصْبِحَ مِنْ أَفْرَادٍ قَلَائِلُ فِي هَذَا الجَانِبِ.

كَانَتْ هُنَاكَ فَتْرَةُ تَوَقُّفٍ يَعْتَبِرُهَا وَهِيَ بَعْدَ أَنْ ضَاقَتْ أُمُورُهُ المَادِّيَّةُ فِي النَّجَفِ الأَشْرَفُ أَيُّ بَعْدَ مُرُورِ عَشْرِ سَنَوَاتٍ ضَاقَتْ أَوْضَاعُهِ المَادِّيَّةُ وَسَاءَتْ إِلَى أَنْ أَضْطَرَّ لِلرُّجُوعِ إِلَى تَبْرِيز وَالعَمَلِ فِي الزِّرَاعَةِ مَعَ أَخِيهِ سَيِّدِ مُحَمَّدٍ حَسَنٌ الَّذِي كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ فِي الفَضِيلَةِ العِلْمِيَّةُ وَكَانَا شَقِيقَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ. فَعَلَى أَثَرِ وَضْعُهُ المَادِّيُّ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ تَبْرِيز لِيُعِيلَ نَفْسَهُ وَأَهْلُهِ وَبَقِيَ عَشْرُ سَنَوَاتٍ يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ زِرَاعِيَّةٌ وَهِيَ كَانَتْ لِهُمْ بِالمِيرَاثِ إِلَى أَنْ أَصْبَحَتْ مَزْرَعَةٌ تُدِرُّ المَالَ وَأَصْبَحَتْ تُمَوِّلُهُمْ وَتُعِينُهُمْ فِي قَضَايَا الحَيَاةِ وَ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ مضطرًا لِذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يُذْكَرُ فِي بَعْضٍ قَضَايَاه أَنَّهُ وَمَعَ الأَسَفِ لَمْ يَتَفَرَّغْ خِلَالَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ العَشْرُ لِلدِّرَاسَةِ وَالتَّحْصِيلِ العِلْمِيُّ, وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَوَاتِ العَشْرُ إِلَى قُمْ المُقَدَّسَةَ وَبَدَأَ بِإِنْتَاجِهِ العِلْمِيِّ فِي الاِتِّجَاهَيْنِ المَذْكُورَيْنِ آنَذَاكَ اِتِّجَاهَ تَدْرِيسِ الفَلْسَفَةِ وَاِتِّجَاهِ تَفْسِيرِ القُرْآنِ.

إنجازات السيّد الطباطبائي في مسارْ الفلسفة.

بِالنِّسْبَةِ لِلمَسَارِ الأَوَّلِ: يُعْتَبَرُ السَّيِّدُ الطباطبائي مِنْ مُدَرِّسَةِ صُدَرِ المتألهين الشيرازي المَعْرُوفَةُ بِمَدْرَسَةِ الحِكْمَةِ المُتَعَالِيَةِ وَهُوَ يُعْظِمُ صَدْرَ المتألهين كَثِيرًا وَيَعُدْهُ مُحْيِي الفَلْسَفَةُ فِي القرن11 هَجِّرِي بَعْدَ تَوَقُّفِهَا كَمَا كَانَ السَّيِّدَ الطباطبائي يَرَاهُ مِنْ كِبَارِ فَلَاسِفَةِ الإِسْلَامِ أَيُّ كَانَ نَظِيرًا لِاِبْنِ سِينَا وَالفَارَابِي..

 وَيَضَعُهُ فِي هَذَا المُسْتَوَى الكَبِيرُ وَيَتَجَاوَزُ الكَثِيرُ مِنْ الفَلَاسِفَةِ وَالمَعْرُوفَيْنِ مِنْ المُسْلِمِينَ مُرَجِّحًا عَلَيْهُمْ صَدَّرَ الدِّينَ الشيرازي وَ يُعْتَبَرُ مِنْ تَلَامِذَةِ هَذِهِ المَدْرَسَةِ وَاِمْتِدَادِهَا ضِمْنَ هَذَا الإِطَارِ أَيْضًا.

مُبررات إشاعة الدرس الفلسفي.

عمَل عَلَى إِشَاعَةِ الدَّرْسِ الفَلْسَفِيِّ فِي الحَوْزَةِ العِلْمِيَّةُ فِي قُمْ ضِمْنَ عِدَّةِ مُبَرِّرَاتٍ: أَحَدُهَا: يَرَى أَنْ فَهِمَ العَقَائِدَ لَاسِيَّمَا فِي قَضَايَا المَبْدَأِ (صِفَاتُ اللهِ وَمَا يُرْتَبَطُ بِالتَّوْحِيدِ وَالاِسْتِدْلَالِ عَلَى نَفْيِ النَّقْصِ والتجسم وَالعَجْزُ).. وَيَرَى أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الوَارِدَةُ فِي الكَافِي مَثَلًا وَالكُتُبُ الشِّيعِيَّةَ هِيَ رِوَايَاتُ العَقَائِدِ بِالذَاتِ تِلْكَ الَّتِي تَرْتَبِطُ بِمَسْأَلَةِ الخَالِقِ, إِذْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُفْهَمَ بِتَمَامِهَا وَكَمَالِهَا إِلَّا عِنْدَمَا يَرَى النَّاظِرَ إِلَيْهَا عَارِفًا بِالمَبَادِئِ الفَلْسَفِيَّةِ وَقَادِرًا عَلَى فَهْمِ هَذِهِ المَطَالِبِ. وَيَقُولُ: لِأَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَفْرُقَ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنْ الرِّوَايَاتِ, الفقهِيَّةُ وَهِيَ غَالِبًا مَا تَكُونُ لُغَتُهَا لِعَامَّةِ النَّاسِ أَيٌّ أَنَّهَا سَهْلَةٌ وَ مَطْلُوبٌ فِيهَا العَمَلُ إِذْ لَا تَحْتَاجَ إِلَى تَفْكِيرٍ كَثِيرٌ. (أَحَدُ النَّاسِ يَسْأَلُ الإِمَامُ سُؤَالٍ وَيَقُولُ لَهُ الإِمَامَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ صَلَاتُهِ أَوْ أَنَّ صَوْمَهُ وَهَكَذَا) وَحَتَّى تَفْهَمُ المَسْأَلَةُ فَإِنَّنَا لَا نَحْتَاجُ إِلَى ذِهْنٍ مُرَكَّبٌ أَوْ مُعَقَّدٍ أَوْ لَدَيْهُ مُقَدَّمَاتٌ. أَمَّا الرِّوَايَاتُ وَلَاسِيَّمَا تِلْكَ الَّتِي قَالَهَا أَهْلُ البَيْتِ عَلَيْهُمْ السَّلَامُ فِي قَضَايَا تَوْحِيدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا قَالُوهَا لِنُخْبَةٍ مِنْ رُوَاتِهِمْ مِثْلَ هِشَامَ بِنْ الحَكَمُ وَهِشَامُ بِنْ سَالِمُ وَمُؤْمِن الطاق, وَ هَؤُلَاءِ كَانَ لِهُمْ عَقْلِيَّاتٍ كَبِيرَةٌ وَذِهْنُهُمْ مُرَكَّبٌ وَعَمِيقٌ وَفِهِم مَفْصِلٌ لِذَلِكَ تَحَدُّثٌ أُلَائِمُهُ عَلَيْهُمْ السَّلَامُ فِي رِوَايَاتِ التَّوْحِيدِ وَصِفَاتِ اللهِ وَمَا يُرْتَبَطُ بِالاِسْتِدْلَالِ عَلَى نَفْيِ العَجْزِ وَالنَّقْصِ وَالضُّعْفِ عَنْهُ فَتَحَدَّثُوا مَعَ هَذِهِ النُّخْبَةِ وَتَحَدَّثُوا بِمُسْتَوًى عَالٍ لَا يُدْرِكَهُ الجَمِيعُ.

يَقُولُ السَّيِّدُ: أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ تَحْتَاجُ إِلَى عَقْلَيْهِ اِسْتِثْنَائِيَّةً وَفَهِمَ فَلْسَفِيٌّ وَمُقَدَّمَاتٌ يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ مِنْ خِلَالِهَا التَّعَرُّفَ عَلَى مَضَامِينِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ لِذَلِكَ يَنْبَغِي لِطَالِبٍ العِلْمُ أَنْ يُدَرِّسَ الفَلْسَفَةَ حَتَّى يَتَعَرَّفَ بِشَكْلٍ أَعْمَقُ عَلَى قَضَايَا العَقَائِدِ بِالذَاتِ فِي مَعْرِفَةَ التَّوْحِيدِ وَفَهْمَ رِوَايَاتٍ المَعْصُومَيْنِ فِي هَذَا الجَانِبِ.

وَكَانَ أَحَدُ الأَسْبَابِ أَيْضًا: أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ التَّحَدِّيَاتُ الوَارِدَةُ لِلعَالَمِ الإِسْلَامِيِّ كَانَ جُزْءًا كَبِيرٌ مِنْهَا فَلْسَفِيٌّ وَكَانَ هُنَاكَ إِشْكَالَاتٌ تُثِيرُهَا الفَلْسَفَةُ الغَرْبِيَّةُ فِي أَذْهَانِ جِيلٍ الجَامِعِيَّيْنِ وَالمُثَقَّفِينَ وَالمُتَخَرِّجِينَ مِنْ الغَرْبِ إِذْ كَانَ هَؤُلَاءِ يُدَرِّسُونَ النَّظَرِيَّاتِ الفَلْسَفِيَّةَ الغَرْبِيَّةَ وَهَذِهِ النَّظَرِيَّاتِ تُثِيرُ أَسْئِلَةٌ وَتُوَجِّهُ إِشْكَالَاتٍ وَشُبُهَاتٍ, فَمِنْ مَنْ الَّذِي يَسْتَطِيعُ رَدَّهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَارِسٌ لِلفَلْسَفَةِ وَقَادِرٌ عَلَى المُقَارَنَةِ بَيْنَ الفَلْسَفَةِ الإِسْلَامِيَّةُ وَالغَرْبِيَّةُ وَقَادِرٌ عَلَى مُوَاجَهَةِ هَذِهِ الإِشْكَالَاتِ ولاسيما نَّ الجَامِعَاتِ فِي إِيرَانَ كَانَ عِنْدَهَا نَوْعٌ مِنْ التَّوَارُدِ وَالتَّبَادُلِ مَعَ الحِوَارَاتِ العِلْمِيَّةَ أَيْ بِمَعْنِيٍّ أَنَّهُ هُنَاكَ مِنْ طُلَّابِ الجَامِعَاتِ مِنْ كَانُوا يَكْتُبُونَ كُتُبًا وَمَنْ مُدَرِّسِي الجَامِعَاتِ مِنْ يَكْتُبُونَ كُتُبًا وَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يَسْأَلُ العُلَماءَ لِذَلِكَ لاَبُدَّ وَأَنْ تَكُونَ لِلعُلَمَاءِ وَطُلَّابٍ الحوزات العِلْمِيَّةُ مَعْرِفَةٌ فَلْسَفِيَّةٌ حَتَّى يَسْتَطِيعُوا الإِجَابَةَ عَلَى هَذِهِ التَّسَاؤُلَاتُ وَالإِشْكَالَاتِ بَلْ وَ يَتَقَدَّمُ خُطْوَةً أَمَامَ هَذَا كُلُّهِ وَخَاصَّةً فِي مَا حَصَلَ عَلَى المُسْتَوَى الوَاقِعِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المُسْتَشْرِقِ وَالبَاحِثِ الفَرَنْسِيُّ هِنْرِي كيربن وَهَذَا كَانَ رَئِيسَ قِسْمِ الدِّرَاسَاتِ الشَّرْقِيَّةَ وَالإِسْلَامِيَّةَ فِي جَامِعَةٍ السوربون وَهُوَ عَلَى عَلَمٍ كَثِيرٌ بِالقَضَايَا الشَّرْقِيَّةِ وَتَخَصُّصِهِ فِيهَا, فَحَصَلَتْ بَيْنَهُمَا مُنَاقَشَاتٌ مُفَصَّلَةٌ بَعْدَ أَنْ اِشْتَهَرَ السَّيِّدُ الطباطبئي بِمَعَارِفِهِ الفَلْسَفِيَّةِ فَكَانَ يَأْتِي كَرَبْنَ مِنْ فَرَنْسَا وَيَعْقِدُ جَلَسَاتٍ مُفَصَّلَةَ خِلَالَ أَكْثَرَ مِنْ 15 سَنَةً وَكَانَتْ هَذِهِ الجَلَسَاتُ تَعَقُّدٌ بَيْنَ فَتَّرَهُ وَأُخْرَى فَيَأْتِي كَرَبْنَ وَفِي جَعْبَتِهِ الكَثِيرُ مِنْ الإِشْكَالَاتِ وَالأَسْئِلَةِ وَالمُلَاحَظَاتِ حَوْلَ مَا يَرْتَبِطُ بِالعَقِيدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالفِكْرِ الدِّينِيِّ مِمَّا كَانَتْ الفَلْسَفَةُ الغَرْبِيَّةُ تَوَجُّهُهُ كَمُلَاحَظَاتٍ وَأَسْئِلَةٍ وَإِشْكَالَاتٍ وَكَانَ السَّيِّدُ الطباطبائي رَحِمَهُ الله يَسْتَقْبِلُهَا وَيَدْخُلُ فِي حِوَارَاتٍ كَثِيرَةً مَعَ هَذَا البَاحِثِ المُسْتَشْرِقُ الَّذِي عَلِمَ فِيمَا بَعْدُ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ الَّتِي صَدَّرَتْ فِيمَا وَبَعْضُهَا طَبْعَتُ بِأَرْبَعِ لُغَاتٍ عَرَبِيَّةٍ وَفَارِسِيَّةٍ وَإِنْجِلِيزِيَّةٍ وَفَرَنْسِيَّةٍ وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ تَشَبَّعَ بِالفِكْرِ الإِسْلَامِيِّ وَبِفِكْرِ أَهْلِ البَيْتِ عَلَيْهُمْ السَّلَامُ خَاصَّةٌ وَنَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ المَنْهَجَ الوَحِيدَ الَّذِي لَا يزَالُ حَيًّا فِي اِرْتِبَاطِهِ بمبدأه بِحَسَبِ اِعْتِرَافِهِ وَاِعْتِرَافٍ الآخَرَيْنِ هُوَ مُذَهَّبٌ التشيع لِمَاذَا؟

أسباب تأثرْ المُستشرق الفرنسي بمذْهبْ التشيع.

أنَّهُ يَقُولُ أَنَّ بَقِيَّةَ الدِّيَانَاتِ تَقُولُ بِاِنْقِطَاعٍ مَا بَيْنَهِمْ وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ, فَاليَهُودُ اِنْتَهَى اِتِّصَالُهِمْ بِمَوْتِ نَبِيِّ اللهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَلَامُ وَالمَسِيحُ اِنْتَهَى الاِتِّصَالُ بَيْنَهِمْ وَبَيْنَ السَّمَاءُ بِوَفَاةِ المَسِيحِ بِاِعْتِقَادِهِمْ وَالمُسْلِمُونَ غَيْرَ الشِّيعَةِ أَيْضًا اِنْتَهَى الاِتِّصَالُ بَيْنَهِمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ بِوَفَاةِ الرَّسُولِ الأَكْرَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهُ وَسُلَّمٌ, وَلَا يُوجَدُ بَيْنَهِمْ وَبَيْنَ خَالِقِهِمْ اِرْتِبَاطٍ بِمَعْنَى كَيْلٍ وَمُمَثِّلٍ أَوْ أَمَامَ أَوْ نَبِيٌّ! فَقَطْ الشِّيعَةُ مِنْ يَعْتَقِدُونَ بِوُجُودِ إِمَامٍ مِنْ اللهِ هُوَ المُنْتَظِرُ عِجْلُ اللهِ فَرَجُهُ الشَّرِيفُ, فَيَنْتَهِي إِلَى أَنَّهُ حَسَبَ اِعْتِرَافٍ كُلٌّ فَرِقَّةٍ وَكُلُّ جَمَاعَةٍ بِمَبْدَئِهِمْ وَدَّيْنَهُمْ فِيمَا يَرْتَبِطُ بِالاِرْتِبَاطِ بِاللّه تَعَالَى مُنْقَطِعًا إِلَّا مَذْهَبِ أَهْلِ البَيْتِ عَلَيْهُمْ السَّلَامُ. وهناك حِوَارَاتٌ كَثِيرَةٌ لَوْ أَحَدًا أَرَادَ أَنْ يَتَتَبَّعَ وموجوده الكُتُبَ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ فِي هَذَا الجَانِبُ. فالحَاصل أنّ السيدْ الطباطبئي رحمَه الله كان يرى أنه لابد من إشاعة البحث الفلسفي بالحوزة .

أوَّلًا: لِأَنَّ قَسْمَ مِنْ العَقَائِدِ وَبِالذَاتِ مَا يَرْتَبِطُ بِصِفَاتِ اللهِ وَتَوْحِيدِهِ وَمَعْرِفَةِ الرِّوَايَاتِ الوَارِدَةُ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ عَلَيْهُمْ السَّلَامُ فِي هَذَا الجَانِبِ إِذْ تَحْتَاجُ إِلَى عَقْلِيَّةٍ مُرَكَّبَةٌ وَفَهْمٍ فَلْسَفِيٌّ حَتَّى يَسْتَطِيعَ العَالَمُ فَهْمَهَا بِشَكْلٍ وَاضِحٍ.

انِيًا: أَنَّ التَّحَدِّيَ الفِكْرِيَّ الغَرْبِيَّ اليَوْمَ لَيْسَ فقهِيًّا لَا تُوجَدُ فِكَرُ غَرْبِي يُوَجِّهُ إِلَيْنَّا شُبْهَةً فقهِيَّةً (كَأَلْشِكَ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالأَرْبَعِ) وَلَكِنَّ يُوَجِّهُ لِنَّا سُؤَالٌ عَنْ عَقِيدَتِنَا فِي بَدْءِ العَالَمِ وَكَيْفَ خَلَقَ آلُكُون وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِالفَلْسَفَةِ وَقَضِيَّةِ البِدَايَاتِ فَلاَبُدَّ أَنْ يَتَعَرَّفَ طُلَّابُ العِلْمِ عَلَى هَذِهِ القَضَايَا الفَلْسَفِيَّةَ لِيُوَاجِهُوا الإِشْكَالَاتِ الغَرْبِيَّةَ.. لِهَذَا خَلْفَ مَجْمُوعَةٍ مِنْ الكُتُبِ فِي هَذَا الإِطَارِ وَالآنَ يَدْرُسُونَهَا فِي الحَوْزَةِ العِلْمِيَّةُ الرَّسْمِيَّةُ فِي قُمْ وَ يَدْرُسُونَ بِدَايَةً الحَكَمَةُ وَنِهَايَةُ الحِكْمَةِ فِي مُسْتَوَيَيْنِ أَوَّلِ وَأَخِير لِطُلَّابِ العِلْمِ وَهُمْ مِنْ تَأْلِيفِ السَّيِّدِ الطباطبائي رَحِمَهُ الله, وَعِنْدَهُ أَيْضًا كَتَبَ مِثْلَ أُصُولِ الفَلْسَفَةِ وَالمَنْهَجِ الوَاقِعِيُّ الَّذِي شَرَّحَهُ مُرْتَضَى مُطَهِّرِي رَحِمَهُ الله شَرْحًا جَيِّدًا وَكَانَ مِنْ تَلَامِذَتِهِ وَعُدَدِ كَبِيرٍ الآنَ مِنْ العُلَماءِ وَبِأَحُثِيَ الخَارِجُ مِنْ تَلَامِذَةٍ الطباطبائي فِي قِسْمِ الفَلْسَفَةِ. ي مُقَابِلَ هَذَا كَانَ بِالطَبْعِ كَانَ هُنَاكَ رَأْيٌ مُخَالِفٌ بِاِعْتِبَارِهِ مَدْرَسَةٍ كَامِلَةً وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْهَا فِي حَدِيثِنَا عَنْ الميرزا المُهْدَى الأصفهاني رَحِمَهُ الله إِذْ كَانَ هُنَاكَ مُخَالَفَةٌ جُزْئِيَّةٌ كَمَا نَقَلْتَ عَنْ السَّيِّدِ البروجردي المَرْجَعُ الأَعْلَى فِي زَمَانِهِ, فَعِنْدَمَا بَدَأَ السَّيِّدُ الطباطبائي دَرْسُهِ فِي الأَسْفَارِ فَإِذَا بِالحِكْمَةِ المُتَعَالِيَةُ للملا صُدَرًا وَصَارَ اِزْدِحَامٌ كَبِيرٌ عَلَى هَذَا الدَّرْسِ فَأَوْصَلَ السَّيِّدُ البروجردي بِوَاسِطَتِهِ أَنَّهُ غُيُرٌ رَاضِ عَنْ هَذَا الدَّرْسِ وَالسَّيِّدِ الطباطبائي يَرَى نَفْسَهُ مُجْتَهِدًا وَبِالتَّالِي لِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ أَعْمَلَ بِتَكْلِيفِكَ وَاِعْمَلْ بِتَكْلِيفِي وَأَنْتِ تَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُفِيدٍ وَأَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُفِيدٌ, فَصَارَ هُنَاكَ تَوْفِيقٌ لِأَنَّهُ حَدَثَ اِحْتِجَاجَ عَلَى السَّيِّدِ البروجردي أَنَّهُ دَرَسَ الفَلْسَفَةَ فِي شَبَابِهِ وَكَانَ بَارِعًا فِيهَا فَكَيْفَ يَنْهَى عَنْ تَدْرِيسِهَا الآنَ؟

فَقَالَ: (وَهَذَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ النَّظَرِيَّتَيْنِ) فِي ذَلِكَ الوَقْتَ كُنَّا مَجْمُوعَةً مُنْتَخَبَةٌ وَبَعْدَ أَنْ نَضِجَتْ مَعَارِفِنَا الدِّينِيَّةُ ذَهَبْنَا وَرَاءَ الفَلْسَفَةِ, أَلَا هَذَا الوُجُودَ لَتُّوهُ لَمْ يَنْضَجْ وَلَمْ يَتَعَرَّفْ عَلَى القُرْآنِ وَالأَحَادِيثِ وَالمَبَادِئِ الإِسْلَامِيَّةَ وَيُرِدْ الدُّخُولَ فِي البَحْثِ الفَلْسَفِيُّ هَذَا يَخْشَى عَلَيْهِ!! فَالدَّرْسُ الفَلْسَفِيُّ جَيِّدٌ وَلَكِنَّ لَيْسَ لِكُلٍّ النَّاسُ وَلَيْسَ لِكُلِّ المُسْتَوَيَاتِ وَلَا كُلَّ الطَّلَبَةِ فَإِنْ بَعْضُهُمْ لَمَّا دَخَلُوا فِيهُ وَهْمَ غَيْرَ مُؤَهَّلِينَ لَهُ سَارُّوا مَسِيرَةً غَيْرُ سَلِيمَةٍ, لِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّرْسُ لِفِئَةٍ مُحَدَّدَةٌ مِنْ النَّاضِجِينَ ذِهْنِيًّا وَالنَّاضِجِينَ فِي مَعَارِفِهِمْ الدِّينِيَّةَ حَتَّى يَسْتَطِيعُوا الفَصْلَ بَيْنَ هَذِهِ المَبَادِئُ العِلْمِيَّةَ.

وَبِهَذَا التَّرْتِيبِ اِنْحَلَّتْ المُشْكِلَةُ وَلَمْ يُؤَدِّي ذَلِكَ لِاِصْطِدَامٍ شَدِيدٍ بِاِعْتِبَارِ هَذِهِ نَظَرِيَّةً وَتِلْكَ نَظَرِيَّةٌ أُخْرَى. فَكَانَ هَذَا جَانِبٌ مِنْ مَسَارِ السَّيِّدِ الطباطبائي فِي أَمْرِ إِشَاعَةِ الدَّرْسِ الفَلْسَفِيِّ فِي الحَوْزَةِ.

إبداع السيّد الطباطبائي في تفسيْر القرآنْ.

اِتِّجَاهُ الآخَرُ الَّذِي أَتْقَنَهُ السَّيِّدُ الطباطبائي بِكَفَاءَتِهِ هُوَ تَفْسِيرُ القُرْانِ, وَهَذَا بِحَدِّ ذَاتِهِ غَرِيبٍ لِأَنَّهُ فِي العَادَةِ مَنْ يَسْلُكُ طَرِيقَ الفَلْسَفَةِ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الرِّوَايَاتِ وَالأُمُورِ النَّقْلِيَّةَ وَإِنَّمَا يُسِلْكَ طَرِيقُ الأُمُورِ العَقْلِيَّةِ, بَيْنَمَا المُفَسِّرُ يَعْتَمِدُ عَلَى النَّقْلِ وَالنُّصُوصِ. السَّيِّدُ الطباطبائي فَتْحْ لَهُ مِلَفٌّ آخَرُ وَأَتْقَنَهُ وَالجَمْعَ بَيْنَ الخَطَّيْنِ بِهَذِهِ الكَفَاءَةِ يَتَبَيَّنُ مِنْ خِلَالِهُ سَعَةُ أُفْقِهِ وَقُوَّةُ ذِهْنِهِ, فَجَاءَ السَّيِّدُ الطباطبائي وَقَالَ: أَنَّ القُرْآنَ يَجِبُ أَنْ يُفَسِّرَ بِالقُرْآنِ وَهَذِهِ النَّظَرِيَّةِ لَيْسَتْ مِنْ اِبْتِكَارِ السَّيِّدِ وَكَثَّرَ غَيْرَهُ قَالُوا هَذَا الكَلَامَ وَهُوَ يَذْكُرُ عَنْ أُسْتَاذِهِ السَّيِّدِ القَاضِي هَذَا الكَلَامِ أَيٌّ أَنَّهُ لَيْسَ مُبْتَكِرًا لِهَذِهِ الفِكْرَةِ لَكِنَّ كَانَ هُوَ الوَحِيدَ فِي زَمَانِهِ الَّذِي فَسَرَّ القُرْآنَ كَامِلًا عَلَى أَسَاسِ هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ هُوَ السَّيِّدُ الطباطبائي.

بِمَعْنًى أَنَّهُ أَحْيَانًا يَقُولُ الإِنْسَانُ: أَنَا لَدَى هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ فَطَبَّقُوهَا وَأَنَا أَيْضًا أُطْبِقُهَا عَلَى تَفْسِيرِ القُرْآنِ لَيْسَ فِي سُوَرِهِ أَوْ سُورَتَيْنِ وَ إِنَّمَا مِنْ أَوَّلِهِ لِآخَرِهِ إِلَى سَنَةٍ 1392 هُ وَالَّذِي صَدَّرَ فِيهُ تَمَام أَجْزَاءُ المِيزَانِ فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ وَلَمْ يَكُنْ السَّيِّدُ مَسْبُوقًا بِتَفْسِيرٍ يَعْتَمِدُ هَذِهِ النَّظَرِيَّةَ.

 فَأَتَى وَقَالَ بِأَنْ القُرْآنُ الكَرِيمُ يَتَحَدَّثَ عَنْ نَفْسِهُ فَيَقُولُ: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)" "فَالنُّورُ كَمَا يُنِيرُ غَيْرَهُ يُنِيرُ ذَاتَهُ وَلَا يُمْكِنُ لِمِصْبَاحٍ مُظْلِمٍ أَنْ يُنِيرَ لِلآخَرِينَ أَيٌّ أَنَّهُ لاَبُدَّ أَنْ يُنِيرَ ذَاتَهُ أُوَلًا وَهَذِهِ هِيَ مُهِمَّةُ القُرْآنِ وَهِيَ التَّوْضِيحُ فَهُوَ يُنِيرُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

أيْضًا: القُرْآنُ الكَرِيمُ قَالَ أَنَّ هَذَا القُرْآنُ مُتَنَاغِمٌ مُتَجَانِسٌ فَأوُلهُ يَنْسَجِمُ مَعَ آخَرِهِ وَآخَرِهِ يُشِيرُ إِلَى أَوَّلِهِ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)" "وَلِأَنَّنَا لَا نَجِدْ فِيهُ اِخْتِلَافٍ لَا كَثِيرٌ وَلَّا قَلِيلٌ فَهَذِهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مِنْ عُنُدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أُوَلًا, وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ أَيَّ آيَةٍ فِي القُرْآنِ لَا تُخَالِفْ الأُخْرَى وَ بِالعَكْسِ, بَلْ إِنَّ أَكْثُرُ مِنْ هَذَا فَإِنَّ القُرْآنَ الكَرِيمُ يَقُولُ هَذَا القُرْآنُ مُتَشَابِهٌ أَيْ يَشْبَهُ بَعْضُهُ بَعْضًا "اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنُ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَّ" وَاحِدَةَ مُشَابَهَةً لِلأُخْرَى كَانمَا هُمَا زَوْجَيْنِ, فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ القُرْآنِ مُتَشَابِهٌ لَيْسَ فِيهُ اِخْتِلَافٌ وَيُنِيرُ بَعْضُهُ بَعْضًا, وَفِي الرِّوَايَاتِ وَرَدٍّ أَنَّ القُرْآنَ يُفَسِّرْ بَعْضَهُ إِذًا لاَبُدَّ أَنَّ نُفَسِّرْ القُرْآنَ بِالقُرْآنِ.

لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ يَقُومُ أَحَدًا بِتَفْسِيرِ القُرْآنِ بِالرِّوَايَاتِ وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِتَفْسِيرِ القُرْآنِ بالمأثور وَالمَنْقُولُ عَنْهُ فتارة يُفَسِّرُ القُرْآنُ بِحَسَبِ مَعَانِّي اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ فَيُشَرِّحُهَا, وَأُخْرَى يَتَحَدَّثُ عَنْ القُرْآنِ مِنْ خِلَالِ سَائِرَ الآيَاتِ كَمَا فَعَلَ السَّيِّدُ الطباطائي. فَهَذِهِ المَجْمُوعَةُ مِنْ الآيَاتِ تَرْتَبِطُ بِالأُخْرَى وَتِلْكَ تشَرِّحُ هَذِهِ وَتُفَسِّرُهَا, فَقَامَ بِهَذَا العَمَلِ وَكَانَ رَائِعًا اِسْتَغْرَقَ فِيهُ 18 سَنَةً تَحْدِيدًا إِذْ صَدَّرَ فِي عِشْرِينَ مُجَلَّدًا أَيٌّ بِمُعَدَّلِ مُجَلَّدٍ وَشَيْءِ قَلِيلٍ كُلَّ سَنَةٍ.

 خصائص تفاسير السيد الطباطبائي.

أَوَّلًا / تَوْضِيحُ الآيَاتِ فَأَوَّلِ مَا يَبْدَأُ كَانَ بِعُنْوَانِ بَيَانٍ يُبِينُ الآيَاتِ وَالكَلِمَاتِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُرْبَطُ بَيْنَ الآيَاتِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا لِمَاذَا؟؟ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ أَنَّهُ هُنَاكَ رُوحٌ سَارِيَةٌ فِي آيَاتِ القُرْآنِ الكَرِيمُ كَالمِسْبَحَةِ الَّتِي يُنَظِّمُهَا خَيْطٌ وَاحِدٌ,. كَذَلِكَ آيَاتُ القُرْانِ الكْرِيمُ فِيهَا رُوحٌ سَارِيَةٌ لَا تَخْتَلِفُ وَلَا تَتَبَايَنُ وَ هَذَا الَّذِي يَجْعَلُهُ يُفَسِّرُ القُرْآنَ بِالقُرْآنِ.

أيضًا: حَتَّى لَا يَحْرِمَ القَارِئُ مِنْ فَوَائِدِ أَهْلِ البَيْتِ عَلَيْهُمْ السَّلَامَ وَهُمْ الَّذِينَ نَزَلَ القُرْآنُ فِي بُيُوتِهِمْ, وَهُمْ أَخْبَرَ النَّاسُ بِتَفْسِيرِ القُرْآنِ وَهُمْ العَدْلُ الثَّانِي لَهُ. حَتَّى لَا يُخَسِّرَ هَذِهِ الفَوَائِدَ, يُعَقِّدُ بَحْثًا روائيًا مُنْفَصِلٌ عَنْ ذَلِكَ وَيَأْتِي بِالرِّوَايَاتِ وَيَرْبُطُهَا وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ فِيهُ مُخَالَفَةً كَانَ يُحَاوِلُ أَنْ يُوَجِّهَهُ بِأَنْ يَبْحَثَ بَحَثَ رِجَالِي دلَالِي حَتَّى تَكُونُ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةَ مُنْسَجِمَةٌ مَعَ التَّفْسِيرِ السَّابِقُ فِي هَذِهِ الأَثْنَاءُ, يمرعلى شُبُهَاتٌ وَيُفَنِّدُهَا, ثُمَّ يمرعلى أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةً وَ يُبَيِّنُ فَلْسَفَتَهَا.

وَكَانَ هَذَا الكِتَابُ يُعِدُّ مَنْ أَعْظَمَ التَّفَاسِيرَ القُرْآنِيَّةَ فِي هَذِهِ الفَتْرَةَ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا حَتَّى نَقْلٍ: (أَنَا لَا أَلْتَزِمُ بِصِحَّتِهِ لَكِنَّهُ مَنْقُولٌ) فَعَزَمَ المَرْحُومُ السَّيِّدُ الخوئي عَلَى البَدْءِ فِي التَّفْسِيرِ وَبِالفِعْلِ بَدَأَ وَكُتُبٌ المُقَدِّمَةُ وَشَيْءٌ مِنْ الفَاتِحَة فِي كُتَّابٍ سُمَاةُ أَلْبِيَّانِ فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ حَتَّى يُتَابِعَ بَقِيَّةَ الأَجْزَاءِ فَلِمَا رَأَى أَنْ السَّيِّدُ الطبطبائي صَدَّرَ لَهُ أَجْزَاءَ مِنْ تَفْسِيرِ المِيزَانِ وَرَأْيٍ فِيهَا مَنْفَعَةٌ كَبِيرَةٌ رَأْيٍ أَنَّهُ لَا حَاجَةً لِأَنْ أُكَرِّرَ نَفْسَ الجُهْدِ وَأَبَدِي إِعْجَابِنا.

نَقْلٌ بَعِّضْ العُلَماءَ عَنْ الشَّيْخِ مُغَنِّيهُ رَحِمَهُ الله وَ قَدْ تَحَدَّثْنَا عَنْهُ فِيمَا سَبْقٌ وَهُوَ مُفَسِّرٌ وَعِنْدَهُ تَفْسِيرٌ الكَاشِفُ وَالتَّفْسِيرُ المُبِينُ المُخْتَصَرُ وَ أَنَّهُ عِنْدَمَا صَدَّرَ تَفْسِيرَ المِيزَانِ كَانَ يَطْلَعُ عَلَيْهِ وَيَرَى فِيهُ فَوَائِدَ جَدِيدَةً وَهُوَ فَقِيهُ مُفَسِّرٍ مُجْتَهِدٍ. فَالكِتَابُ كَانَ رَاقِيَ وَرَائِعٌ وَأَلَّفَ أَيْضًا مِنْ البِدَايَةِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَعِبَارَاتِهِ لَا يَظْهَرُ فِيهَا عَجَمَهُ لِأَنَّهُ عَادَةً إِذَا كَتَبَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ العَرَبِيَّةِ يَظْهَرُ فِي بَعِّضْ التَّرْكِيبَاتِ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَلْحَظُ عَلَى المِيزَانِ حَتَّى أَنَّ بَعْضَ الكِتَابَ المِصْرِيَّيْنِ عِنْدَمَا وَصْلُهُمْ شَيْءٌ مِنْ المِيزَانِ تُعْجِبُوا أَنْ يَكُونَ كَاتِبَ هَذَا الكِتَابَ أَعْجِمِي الأَصْلَ إِذْ كَانَتْ عِبَارَاتُهِ مُتْقِنَةٌ بِالإِضَافَةِ إِلَى مَا فِيهُ مِنْ المَعَانِي وَالفَوَائِدِ وَهَذَا مِنْ الأَعْمَالِ الكَبِيرَةَ الَّتِي قَامَ بِهَا السَّيِّدُ رَحِمَهُ الله وَيُنْصَحُ بِمُتَابَعَتِهِ.

الحَمْدُ لله التَّفَاسِيرُ كَثِيرَةٌ فَبَعْضُهَا ذَاتُ طَابِعِ عَقْلِي فَلْسَفِيٍّ عَلِّمِي كَالمِيزَانِ وَ يُنَفِّعُ الطَّبَقَةُ المريدة لِلتَّعَمُّقِ فِي فَهَمِّ القُرْآنِ, وَبَعْضُهَا طَابِعَهُ اِجْتِمَاعِي ثَقَافِيٌّ مِثْلَ كُتَّابٍ الأَمْثَلُ فِي تَفْسِيرِ كِتَابِ اللهِ المُنْزَلِ أَوْ مِثْلَ كِتَابٍ مِنْ هَدِى القُرْآنُ وَأَشْبَاهُ هَذِهِ الكُتُبِ وَهَذِهِ ذَاتُ مَنْحَى اِجْتِمَاعِيٍّ. وَكَانَ بَعْضُهَا بِتَفْسِيرٍ بِالكَلِمَاتِ مِثْلَ تَقْرِيبِ القُرْآنِ لِلأَذْهَانِ آْوِ تَفْسِيرَ شِبْرٍ لَكِنَّ مِنْ المُهِمِّ لِلإِنْسَانِ وَهُوَ يَقْرَأُ القُرْآنَ خَاصَّةً فِي شَهْرٍ رَمَضَانُ أَنْ يَرْجِعَ لِلتَّفَاسِيرِ حَتَّى لَا يَقْرَأَهُ مُجَرَّدُ أَلْفَاظٍ دُونَ إِحَاطَةٍ بِالمَعَانِي, وَنَحْنُ مأمورين أَنْ نَهْتَمَّ بِالقُرْانِ الكَرِيمِ كَمَا اِهْتَمَّ بِهِ سَادَتْنَا وَقَادَتْنَا إِذْ كَانَ نَبِيِّنَا الأَعْظَمُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهُ) يَقُولُ (إِنَّي مُخَلَّفٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَي أَبَدًا كُتَّابُ اللهِ وعترتي أَهَلَ بِيْتِيٍّ) فَكَانَ الكِتَابُ الثِّقْلَ الأَكْبَرَ الَّذِي يُعِينُ مَسَارَ الإِنْسَانِ تَارِكَةً بَيْنَ أَيِّدِيكُمْ وَمِنْ تَمَسُّكٍ بِهِ لَا يَضِلُّ وَ العترة هِيَ عَدَّلَ القُرْآنُ الكَرِيمُ.

مرات العرض: 3402
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2560) حجم الملف: 17709.54 KB
تشغيل:

الامام علي وحقوق الضعفاء
الإمام الخميني (ونجعلهم الوارثين)