الحياة الأسرية للإمام الحسين
التاريخ: 12/1/1434 هـ
تعريف:


الحياة الأسرية للإمام الحسين (ع)

 

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

حديثنا يتناول - بإذن الله - موضوع الحياة الأسرية للإمام الحسين سلام الله عليه، ولا ريب أن حياة الإمام (ع) في كل تفاصيلها من الممكن أن تكون محل اقتداء من قبل الناس، وإن كان لا يستطيع الإنسان أن يصل إلى المقدار الأعلى الذي مارسه الإمام سلام الله عليه. لكن تعرفه على طريقة إدارته لحياته الأسرية، يمكنه من أن يعيش في رحاب القيم التي كان يتعامل الإمام (ع) على طبقها. ونحن نعرض أولا إلى بعض المعلومات التفصيلية عن أسرة الإمام الحسين (ع) من حيث زوجاته وأولاده.

الإمام الحسين سلام الله عليه، تزوج خمس نساء بالملك الدائم، فيما نقل المؤرخون عنه. بطبيعة الحال، أنتم تعلمون أنه لا يجوز للإنسان أن يجمع بين أكثر من أربع نساء بالعقد الدائم، إلا بالنسبة إلى رسول الله (ص) حيث يجوز له ذلك. فقد توفي صلوات الله عليه عن تسع من النساء.أما غير النبي، سواء كان إماما، وصيا، وليا، لا يجوز له أن يتزوج بأكثر من أربع. لا لجهة أن النبي (ص) يعدل بين النساء حتى وإن كن أكثر من أربع، ليس لهذه الجهة. فإننا نعتقد أن الإمام المعصوم يتمشى منه أمر العدل حتى لو كان لديه أكثر من أربع نساء، ولكن هذا الحكم من مختصات رسول الله (ص).

فهناك عدد من القضايا المختصة بالنبي (ص). قسم منها يحمِّله مسؤولية، مثل: وجوب صلاة الليل عليه، بينما لا تجب على غيره من سائر الناس. فصلاة الليل على النبي واجبة، ولكنها غير واجبة على الأئمة، ولا واجبة على سائر الناس. منها: ما هو تقييد في شيء من الحركة الشخصية. مثل: حرمة خائنة الأعين على النبي، كأن يشير على أحد، أن اقتل هذا مثلا، أو اضرب ذاك. فهذا لا يجوز للنبي، وهو من الأحكام الخاصة به (ص). ومنها: قضية النكاح، وأمور أخرى تذكر بعنوان: خصائص النبي[1]. فباقي الأئمة (ع)، في هذه الجهة، لا يشتركون مع النبي (ص) في شيء. لذلك لا يستطيع الإمام أن يجمع بالعقد الدائم بين أكثر من أربع نساء. ولهذا لا بد أن تكون إحدى النساء في زمانه قد توفيت، وستأتي الإشارة إليها إن شاء الله.

1/ تزوج من النساء، شهربانو بنت الأسرة الملكية في فارس، على الرواية المشهورة التي قيل فيها: أن سبيا حدث على أثر هزيمة الفرس، وكان في السبي بنتان من بنات كسرى، أو من الأسرة المالكة عموما – المذكور: بنت كسرى يزدجرد - فلما جيء بالسبايا إلى المدينة، أيام الخليفة الثاني، صار كلام: ماذا يصنع بالسبايا؟ فالإمام أمير المؤمنين (ع)، قال: الإسلام طريقته: أن عزيز القوم لا يذل فيه. أي الإسلام إذا لم يصنع عزة لأحد لم يصنع ذلة لمن كان عزيزا من غير مبرر. فبالتالي هؤلاء نساء كن في عوائلهن. الآن يأتون هنا، ويباعون في الأسواق! هذا مخالف.

إذن، ماذا نصنع يا أبا الحسن؟ قال: خيروهن، فمن اخترنه من رجال المسلمين، فتحسب قيمتها عليه. أي لو افترضنا أن هذه مثلا قيمتها - باعتبارها سبية - كذا من المال، فلا تباع هذه في مكان، بل هي تختار من هؤلاء المسلمين الشخص الذي ترتاح إليه زوجا، وهو يجعل ذلك من نصيبه في الغنيمة، وإذا ثم مال إضافي، فلا بد أن يدفع الإضافي.

فاختارت شهربانو الإمام الحسين (ع)، واختارت أختها - كما في الرواية - محمد بن أبي بكر. وصار أن تزوجتا بهذين، وأنجبتا. ولذلك يعتبر الإمام السجاد ابن خالة القاسم بن محمد بن أبي بكر، وبالعكس. والقاسم بن محمد بن أبي بكر، من فقهاء المدينة، ودرس أيضا على يد الإمام السجاد (ع)، وأخذ عنه العلم. والإمام الباقر خطب أم فروة، التي هي بنت القاسم، بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.

هل يرتبط الفُرس بالتشيع أو العكس لأجل زوجة الحسين ؟

وهنا، لا بد أن نشير إلى ملاحظة، وهي: أن ما يزعمه بعض المستشرقين، وأحيانا بعض الطائفيين، من أن أصول التشيع في فارس، راجعة إلى أن الإمام زين العابدين، أمه فارسية، فتعصب الفرس - مثلا - إلى مذهب نسيبهم، فصاروا شيعة، فهذا كلام يضحك الثكلى، كما يقولون.

ذكرنا في إحدى السنوات، عن أن تشيع إيران وفارس، مر بخمس مراحل. وكل تشيع إيران كان مصدره عربيا. بدءا مما بعد سنة 70 هجرية، التي بدأ فيها التوجه إلى التشيع في إيران على أثر هجرة القبيلة اليمنية: الأشعريين من الكوفة. فهؤلاء اصطدموا بالسلطة الأموية، وبالذات عندما شاركوا في ثورة ضد الحجاج، ثورة عبدالرحمن بن الأشعث، وهذا نكل بهم، فاضطروا إلى أن يخرجوا، فقصدوا قم، بفارس. وهناك أحسنوا المعاملة مع الناس، وقليلا قليلا تشيعت هذه المنطقة. فأصول تشيع ما بعد سنة 70، كانت في فارس، في بلدة قم، على يد الأشعريين، القبيلة اليمنية التي كانت ساكنة في الكوفة. فلا ارتباط للتشيع بموضوع زواج شهربانو أو غيرها.

وينقض على هذا الكلام أيضا، أن محمد بن أبي بكر، قد تزوج الأخت الأخرى لشهربانو. فلماذا لم يجر ذلك المنطقة إلى التسنن؟! باعتبار أن قريبتهم الأخرى أخذها محمد بن أبي بكر. فيتبين أن هذا كلام لا صحة له. فالإمام تزوجها، وأنجبت له زين العابدين السجاد سلام الله عليه، وماتت في نفاسها به. أي عندما كانت تضع الإمام، توفيت، كما هو في الروايات. لذلك تولت تربية الإمام زين العابدين (ع) غير أمه الحقيقية. فهذه المرأة الأولى شهربانو.

2/ المرأة الأخرى، تسمى: أم إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي. وهذه المرأة كانت زوجة للإمام الحسن المجتبى (ع)، وولدت له ولدين أو ثلاثة، وكانت حسنة العشرة جدا مع الإمام الحسن (ع)، وذات أخلاقية عالية. فلما قربت وفاة الإمام الحسن (ع) أوصى أخاه الحسين ألا تخرج هذه المرأة من بيوت بني هاشم. فهذه امرأة استثنائية.

فكأنما الإمام الحسين فهم من هذا رغبة الإمام الحسن أن تبقى ضمن الأسرة الهاشمية، فتزوجها سلام الله عليه، وبقيت عنده، وولدت له ولدا، يقال له: جعفر. قيل: إنه توفي وهو صغير. وهي أم فاطمة بنت الحسين .

وهنا، لا بد أن نشير إلى ملاحظة، وهي: ما يصنعه بعض المتعصبين أحيانا من توظيف قضايا الزواج في مسائل العقيدة. فيقول لك: انظر، الذي يدل على أنه ليس علي بن أبي طالب وبين الخلفاء مشكلة ما، ولا بين الأئمة وبين بني أمية، أنهم كانوا يتزاوجون فيما بينهم! إذن، ليس من مشكلة عقائدية بينهم، ولا مشكلة سياسية، ولا غير ذلك. وهذا تبسيط للمسائل.

فموضوع الزواج له مقومات. والقيمة الأساسية عندنا هو الإسلام، فالمسلم كفو المسلمة. فلا مقاييس أخرى تمنع. نعم، عند غيرنا، قضية النسب مهمة. فبعضهم يقول: وفعلوا فعلا في أيام الخلفاء، فإذا أحد من الموالي، يعني: غير عربي، يتزوج امرأة قرشية، يفرقون بينهم! الحجاج الثقفي فعل هذا. سمع أن فلانا - وهو من الموالي - تزوج امرأة قرشية، سيدة بعد، فأتوا به، وجلده ، وحلق رأسه، وأمره بالطلاق منها. وهذا غير مشروع. فماذا يعني أنها عربية وقرشية، وهذا غير عربي! ما الفرق؟ لا يوجد أي فرق. فالمسلم كفو المسلمة، وكل المقاييس الأخرى تسقط.

لذلك يستشهد الإمام زين العابدين (ع)، يقول: "إِنَّمَا زَوَّجَ رَسُولُ اللهِ مُحَمَّد ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ مِنْ جُوَيْبِر لِكَي تَتَّضِعَ المَنَاكِح". وهي عمة النبي ، يفصلها عن عبد المطلب والد واحد. فزوجها النبي إلى من؟ جويبر. وكان رجلا – ونحن الآن لا نذكر هذه الصفات ذما فيه، لأننا لا نعتقد أنها صفات ذميمة، ولكن لبيان ما يتصوره الناس من الفارق الاجتماعي - أولا: فقيرا فقرا شديدا. كان ينام في الصفة، فليس عنده حتى مكانا ينام فيه. ثانيا: كان لونه أسود شديد السواد، وشعره بذاك الشكل الذي يكون عادة مقارنا العنصر الزنجي. وأضف إلى ذلك هو غير عربي. أي لا أموال، حسب التعبير، لا جمال، لا عائلة، لا أصل، حسب مقاييسهم، وتلك تملك كل هذه الأشياء.

فزوَّج النبي (ص) تلك إلى هذا الرجل؛ لأنه مؤمن، والمؤمن كفو المؤمنة. حتى يكسر هذه المقاييس. إذ ليس عندنا غير هذا. فلو أن شخصا جاء وطلب من رسول الله أن يتزوج إحدى بناته، فيكفي فيه أن يكون مسلما ظاهر الإسلام وحسن الخلق ظاهرا، فيزوجه النبي، كما حصل بالفعل.

ولو لم يفعل رسول الله (ص) ذلك، لكان يُعترض عليه: فأنت تقول: المسلم كفو المسلمة، ثم لا تصنع هذا في شأن بناتك، فكيف هذا التناقض؟! إلا فاطمة (ع). إذ كان النبي صريحا فيها، وقال: "أَنْتَظِرُ فِيهَا أَمْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". فهذه استثناء من القاعدة، ويحدث أن يستثنى من القواعد.

فقضية أن هذه تنتمي إلى قبيلة تيم، وقبيلة تيم لم تكن على وفاق مع بني هاشم، وبالتالي هذا يبين أن هناك مشاكل. فلا. كون قضية الزواج لها معادلة خاصة، لا ترتبط بالموضوع العقائدي. فالموضوع العقائدي موضوع خاص، له مقوماته ومقاييسه الخاصة. وهذه امرأة تزوجها الحسين (ع).

3/ تزوج أيضا بالرباب بنت امرؤ القيس الكندي. امرؤ القيس والدها، وكان رجلا مسيحيا. ولعله في حدود سنة 15، أو 16 هجرية، جاء إلى المدينة، فأراد أن يتعرف على الإسلام، فقابل أمير المؤمنين (ع)، وكانت عنده أسئلة، ولم يستطع أحد أن يجيب على أسئلته إلا أمير المؤمنين سلام الله عليه. فعلم منه أنه غير الموقع النسبي الذي بينه وبين النبي، هناك موقع قيادي إمامي بين هذا الرجل وبين رسول الله (ص)، فأبدى رغبته في أن يصاهر الإمام (ع): لو يصبح بيننا نسب، فهذا شيء طيب.

فاقترح هذا الرجل على الإمام الحسين (ع)، وقال: أنا لدي بنت هي الرباب، جميلة، مؤدبة، وكذا، إلى آخره. وأحب أن يصاهرني واحد من عندكم. فتزوج الإمام الحسين (ع) الرباب بنت امرؤ القيس، وأنجبت له عبد الله الرضيع، وأنجبت له سكينة أيضا.

وكان الإمام (ع) يحبها حبا كثيرا، وهي تبادله ذلك. حتى المنقول عنه سلام الله عليه، الشعر المعروف:

لعمرك أنني لأحب دارا    تحل بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالي    وليس لعاتب عندي عتاب

أي، أنا أحب تلك الدار التي فيها سكينة والرباب، وأبذل الأموال، أنا أنفق، أنا كريم، أنا جواد عليهما، ولا أسمع كلام الآخرين: أنه لا تصرف، ولا تظهر حبك. وهذا في الواقع يعطينا درسا في الحياة الأسرية. لنبدي حبنا لأهلنا، فكل واحد منا يحب أهله، يحب زوجته، يحب أبناءه، يحب بناته، ولكن الإبداء مطلوب.

لذلك عندنا في الروايات، عن الإمام الصادق (ع): "قَوْلُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ إِنِّي أُحِبُّكِ لَا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَدًا". فإذا تقول إلى زوجتك: أنا أحبك، أنت أعطيت حياتي طعما، أنت لونت حياتي بألوان بهيجة، أنت أسعدتني، غمرتني بما أحتاج إليه. فهذا أمر يبقى في نفسها، وتتغلب به على المصاعب. هذا غذاء، أكبر من المال، وأكبر من البيت الكبير، وأهم من الأثاث الفخم، هذا أهم وأكبر. فلا ينبغي أن يقصر الإنسان في هذه الجهة. تغزل في أهلك، تعشَّق في زوجتك، أبدي حبك، فهذا مطلوب من عندك، وهذا مستحب شرعا. ويحافظ أيضا على البناء الزوجي، ويجعل هذه العواطف، عواطف متقدة، متحركة.

قسم من الناس، يقول: أنا إذن لماذا أخرج من الصباح للعمل؟! لو ما كنت أحبهم. لا بأس، أنت تفعل هذا، جزاك الله خيرا. لكن قل هذا أيضا. أسمع هذا الكلام. فلو أن واحدا أراد أن يصلي، هل يكفي أن يقول: أنا أعتقد: الله أكبر، أي أعتقد في قلبي: أن الله أكبر؟! لا. بل عليك أن تقول. قل، تلفظ: الله أكبر؛ حتى يترتب الأثر. ففي بعض الأماكن يكفي النية، لكن يستحب أن تقول، كما في نيات الحج مثلا، بلغكم الله وإيانا. إذ يكفي أن أحدهم يأتي هكذا ساكتا لكن في ذهنه أنه يطوف. بينما يستحب له أن يقول: أطوف بالبيت سبعة أشواط.

في الحياة الزوجية أيضا، مستحب مؤكد أن تقول لزوجتك: أنا أحبك، أرتاح إليك، يعجبني فيك فلان كذا، فلان موضوع، إلى غير ذلك. فإذا استمتعتَ، قل لها أمتعتني. وإذا ارتحتَ، قل لها أرحتني. وإذا طهت لك شيئا جيدا، قل لها: عاشت يدك، أحسنت صنعا، ممتاز، كذا.

وفي الطرف المقابل أيضا نفس الشيء، فلا بد للمرأة أن تعطي الرجل حقه. فلا يكون كما تصنع بعضهن - وأكيد في مجلسنا هذا لا توجد هذه النوعية من النساء، ولكننا نتحدث عن نساء غريبات عن هذه الأماكن – فتقول له: "يا حظي، فلانة ترتدي الذهب من فوقها إلى تحتها، وأنا يا حظي في شقي هذه". "فلانة بيتها بلوك كامل، وأنا 300 متر، بهذا المر وفي هذا العذاب".

لا يقارن أحد الطرفين حياته بحياة غيره. المقارنة إذا حدثت، أفسدت الشيء الحسن الموجود بين الاثنين. وأنت لا تدري إن كان هذا الشيء الذي تقارن فيه، هل عنده فعلا شيء طيب أم لا. تقول: "فلان بيته فخم جدا، وبيتنا كذا وكذا"، وما يدريك، لعل هذا البيت خال من العواطف، فماذا تفيد الجدران الباردة والبائتة؟ ماذا ينفع؟

"فلانة ملابسها كذا وكذا"، فماذا ينفع ذلك وزوجها ملاحق بالديون على أثر تلك الملابس التي ترتديها؟! فهل هذا يصنع لها سعادة، أو يصنع سعادة له؟ لا يصنع. إياكَ وإيايَ وإيا الجميع والمقارنة. لا تقارن. اعتقد أن الله سبحانه وتعالى وهو الحق، قسم لك من الحياة هكذا، استمتع بهذا المقدار.

نقرأ في أدعية الطواف، "اللهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي"، وهناك نص آخر "اللهُمَّ مَتِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي". فهناك قسم من الناس لا يستمتعون بما عندهم، يجدونه مرا. مثلا: راتبه 6000، وهو راغب في 12 ألف، فلا يستمتع بالستة آلاف، ودائما هو في نكد، في هم. بينما غيره راتبه: 5000 ريال، ويقول: أنا أسعى للأفضل، لكن هذه خير وبركة، فلأستمتع بها، بهذا المقدار. مثلا: زوجتي متوسطة الجمال، الحمد لله. فهذه بالتالي تشبع ما أريد. فإذا الله أعطاني أحسن، فلا بأس، ولكن هذا شيء جيد، فلأستمتع بهذا النعمة التي هي عندي الآن.

والزوجة هكذا ينبغي أن تصنع، والزوج أيضا ينبغي أن يصنع. فالزوجة ينبغي أن تثني على زوجها: "جزاك الله خيرا، لم تحوجنا إلى أحد". انظر، قسم من الناس أوضاعهم متدهورة. فإذا هي عندها بيت، تقول: أنا أنظر إلى المساكين الذين ليس عندهم بيت. وأنا الحمد لله أنا عندي بيت". فإذا ليس عندها بيت، بل عندها شقة، فلتقول: "الحمد لله، أنا عندي شقة، وليت كل يوم في تشريد ومطاردة من مكان إلى مكان؛ لأن زوجي لم يدفع الإيجار، وما شابه ذلك.

فليعش الإنسان في حياته هذه سعيدا. فقسم من الناس، لا يحيون سعداء، مع أن مقومات السعادة عندهم. عنده زوجة، لكنه لا يريد هذه الزوجة، بل يريد تلك المذيعة التي في التلفزيون. فلا يحصل تلك، ولا يستمتع بهذه. وتلك التي في التلفزيون، إذا كانت قد أنجبت لك 4 أولاد، ويوميا تطهو لك ما تحب، ويوميا كذا، فلا يمكنها حينئذ أن ترى شكلها. فهذه الزوجة الآن تخدمك، تعطيك، وفيها مسحة من الجمال، وتربي أبناءك، وغير ذلك مما تفعل لك من خير كثير.

فلا يكون الإنسان بهذه الطريقة. فليبدي عواطفه. أين الحسين، وأين الرباب! أصلا فارق ما بين السماء والأرض، وحقيقة أنا كنت أتأمل كثيرا في هذا الشعر، وأفكر: لو أن أحدا من العلماء الكبار، مرجعا مثلا، أتى إلى هنا، إلى هذا المجلس، وقال: يا أيها الناس، أنا أحب فلانة زوجتي. سيتعجبون منه، فما هذا الكلام من هذا المرجع؟! لكن الإمام الحسين (ع) يريد أن يعلمنا. فهذا ليس فقط شيئا غير ممنوع، بل هو شيء مطلوب ومحبوب وجيد؛ لأنه يؤثر أثرا قويا جدا في صنع السعادة. وقد بادلت هذه المرأة زوجها الحسين نفس المحبة وأكثر.

والرباب كان قد خطبها - بعد كربلاء - أشخاص كثيرون، فقالت: "مَا كُنْتُ لِأَضَعَ رَأْسِي عَلَى وِسَادٍ مَعَ أَحَدٍ بَعْدَ الحُسَينِ (ع)". وكان تعلقها بالقلب إلى حد أنها توفيت بعد سنة واحدة من كربلاء. وأنا أعتقد أن عمرها ما كان بذاك الشيء الكبير، ولكن هذا التعلق، وهذا الحب، وهذا الوفاء.

نعم، نحن قد لا ندعو إلى أن من يتوفى عنها زوجها، تأتي فتقول: أنا حرمت على نفسي الزواج. فهذا ليس مطلوبا، بل المطلوب أن تستأنف المرأة حياتها الجديدة، وتأخذ مجالها العادي. لكن هناك نوعيات معينة، تقول لك: ولو أن هذا هو المطلوب مني، إلا أنني لا أستطيع. فشخصية عملاقة مثل الحسين (ع)، أي واحد ذاك الذي سيأتي بعده! فيصبح خلا بعد هذه الحلوى. لكن في الحالات العادية، لا، نحن ندعو إلى أن تتزوج المرأة إذا توفي عنها زوجها، وإذا - لا سمح الله - طلقت، وأن تستأنف حياتها العادية. فهذه هي الرباب بنت امرؤ القيس.

4/ أيضا تزوج الحسين (ع) ليلى بنت أبي مرة بن مسعود الثقفية، أم علي الأكبر، عليها وعليه السلام. وهذه أمها ميمونة بنت أبي سفيان. ولذلك هناك شبه قرابة بين علي الأكبر وبين الأسرة الأموية من هذه الجهة. وهناك قسم من الناس - كما ذكرنا قبل قليل - يريد أن يوظف هذا الأمر في أمر القضية العقائدية. لا، بالعكس. فنحن نعتقد أن من مبدئية أهل البيت (ع) أنهم مع كون الآخرين صاهروهم وناسبوهم وغير ذلك، لكنهم لم يقدموا هذه الأمور على عقيديتهم. فهذا صهري، ليكن صهري، ولأختلف معه دينيا. هذا ابن عمي، ليكن ابن عمي، ولأختلف معه مبدئيا. هذا خالي، ليكن خالي، فأنا منهج، وهو منهج آخر. وهذا يبين مبدئية الإنسان، وأنه لا يبيع مبادئه وقيمه على أساس القرابة، وعلى أساس الزواج، وعلى أساس الأنساب.

ليلى بنت أبي مرة بن مسعود الثقفي. هناك نقاش: هل كانت في كربلاء أم لا. المرحوم الشهيد المطهري، في كتابه: الملحمة الحسينية، نفى أن تكون ليلى قد حضرت إلى كربلاء، وقال: إنها لم تكن حاضرة، والرواية التي تنقل في قضية المقتل غير تامة. ونحن لا نعتقد بكلام الشهيد المطهري، مع أنه عالم جليل؛ لأنه لم يقم دليلا على أن ليلى لم تكن في كربلاء.

فبمقتضى القواعد، نحن نعتقد، أن الإمام الحسين (ع)، وهو يعلم أنه خارج لمدة طويلة، أنه خرج بكل أهله، بكل زيجاته، بكل أولاده، ومقتضى الحالة من التعلق، الحالة الاجتماعية أيضا. فالآن، إذا أنت تريد أن تخرج من مكان، ولا يعلم أهلك إن ستعود أم لا، وعندك زوجتين أو ثلاث زوجات على سبيل المثال، فمقتضى تعلقهن بك، وإدارتك لشؤون حياتهن، أن يأتون معك. فلن يقلن لك: اذهب، لن نأتي معك. فمقتضى التعلق بالزوج، أن تكون حياة الزوجة جزءا من حياة زوجها في سفره وحضره، إلا إذا هو الزوج قال لفلانة: اجلسي في هذا المكان ولا تخرجي. أي لم يأذن لها، وهذا شيء آخر.

فلم يقم المرحوم الشهيد المطهري، دليلا - فيما رأينا في كتابه – على أنها لم تحضر، مع أنه لم يذكر، أنها مثلا قد ماتت قبل ذلك، أو أن أحدا صرح بعدم حضورها؛ لذلك لا نعلم من أين الشهيد المطهري، وهو محقق بارع، قد انتهى إلى هذه النتيجة. وهذه ليلى الثقفية، أم علي الأكبر، هؤلاء أربع.

5/ وهناك امرأة من قضاعة،  ليس لها ذكر معروف، يذكرونها في كتب الأنساب بأنها امرأة من قضاعة، لكن ماذا اسمها؟ فغير معلوم، هل أنجبت له؟ أيضا غير معلوم. ولعلها - والله العالم - هي التي توفيت قبل الأخريات. لذلك بقي الإمام الحسين (ع) عنده هذه الأربع نساء طبقا للحكم الشرعي.

بالنسبة إلى أولاد الحسين (ع)

- والأولاد يشملون: الذكر والأنثى - فالروايات وأقوال العلماء مختلفة اختلافا كبيرا. فبين الشيخ المفيد، رضوان الله عليه، في كتاب الإرشاد، الذي قال: كان للحسين ستة أولاد، أربعة من الذكور، واثنتان من الإناث. وبين غيره الذي قال: كان له عشرة من الأولاد، ستة ذكور، وأربع إناث.

فالنقاط المشتركة التي يذكرها كل المؤرخين في الأولاد والبنات، هي التالية: علي، الإمام السجاد (ع)، والكل يذكر أنه من أولاد الحسين. علي الأكبر، الكل يذكر أنه من أولاد الحسين، عبد الله، أيضا الكل يذكر أنه من أولاد الحسين. هذا بالنسبة للذكور. بالنسبة إلى الإناث، فالكل يذكر عن سكينة وعن فاطمة. وهذه النقاط المشتركة التي تذكرها كل روايات النسب.

وهناك نقاط اختلاف في الذكور وفي الإناث. من نقاط الاختلاف في الذكور: هل كان للحسين، علي ثالث، هو علي الأوسط؟ لذلك يسأل يزيد أو ابن زياد الإمام السجاد: "كَمْ سَمَّى أَبُوكَ عَلِيًّا وَعَلِيًّا وَعَلِيًّا؟"، فقال الإمام السجاد (ع): "إِنَّ أَبِي أَحَبَّ أَبَاهُ، فَسَمَّى أَوْلَادَهُ بِأَسْمَائِهِ". يعني: الإمام علي بن أبي طالب محل افتخار؛ فلذلك يسمي بأسمائه واحدا واثنين، ولا مشكلة. فهذه فيها إشارة إلى أن ثلاثة باسم: علي، لكنها إشارة ليست من الإمام السجاد (ع)، فهل كان هناك علي باسم الأوسط أم لا؟ هذا محل خلاف.

هل كان هناك لديه ولد باسم جعفر؟ أيضا محل خلاف، فبعضهم قال: كان لديهم ولد اسمه جعفر. وبعضهم قال: هو ابن أم إسحاق، وتوفي صغيرا. وبعض يقول: لا، هو ابن القضاعية تلك، إذ ولدت له جعفر وتوفي، ثم أيضا هي توفيت. فهذا محل خلاف. محل خلاف أيضا: باسم محمد. فهل كان للإمام الحسين (ع) ولد يسمى محمد؟ - صلوا على محمد. اللهم صلوا على محمد وآل محمد - أيضا هذه نقطة خلاف.

بعضهم: زعم أن لدى الإمام أيضا ولد باسم إبراهيم، وهذه نقاط اختلاف. لكن ما عدا النقاط الثلاثة الأولى، نقاط اختلاف، بعضهم يذكر، وبعضهم لا يذكر. فقسم من المؤرخين يذكر العدد فقط، ويقول: كان للحسين تسعة أولاد بين ذكور وإناث.

وفي قسم البنات أيضا هناك اختلاف. فبعد فاطمة بنت الحسين، وسكينة بنت الحسين، هل كان لإمام بنت تسمى فاطمة هي المعروفة بفاطمة العليلة أم لا؟ نقطة خلاف. هل كان للحسين بنت تسمى رقية أم لا؟ وهي صاحبة المشهد في الشام، فبعض يثبت هذا الأمر، وبعضهم يقول: لم يكن له إلا بنتان. فإذن هذه لا بد أن تكون من نسله وليست ابنته المباشرة، صاحبة المشهد.

قسم آخر، يقول عن خولة أيضا: هل كانت له بنت مباشرة تسمى خولة أم لا؟ طبعا أحيانا يحدث اشتباه بتعدد الوسائط، فمثلا قد يكون امرأة اسمها كذا بنت الحسين بن علي بن الحسين! فلا تكون بنت الحسين مباشرة، فأتي مؤرخ آخر، ويتوهم مثلا، أن هذه هي بنت مباشرة للإمام الحسين (ع). فهذه نقاط الاشتراك بين الأولاد، ذكورا وإناثا، وتلك نقاط الاختلاف بين الذكور والإناث. والمهم أن كل هؤلاء هم من وجد من ذرية الحسين ومن عائلته عليهم السلام. ونحن نعتقد أن الإمام الحسين أخذ كل نسائه الموجودات في ذلك الوقت بحسب ما تقتضيه طبيعة الأمور، وجاء بهن مع أولادهن إلى كربلاء. وهؤلاء كن في السبي، في مثل يوم أمس، إلى الكوفة، ومنها أيضا سبين إلى كربلاء، وإلى الشام، وهن اللاتي وقعت عليهن هذه المصائب العظيمة. وهن اللاتي قمن بهذا الدور المهم في حماية الثورة، والإعلام لها، وإشاعتها بين الناس، جزاهن الله خير الجزاء.

 

[1]  ) يمكن مراجعة خصائص النبي في محاضرة خاصة في سلسلة سيد الكائنات

مرات العرض: 3422
المدة: 00:57:40
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2584) حجم الملف: 19.7 MB
تشغيل:

وسائل الإعلام كيف نتعامل معها ؟
أحب الله من أحب حسينًا