وسائل الإعلام كيف نتعامل معها ؟
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 11/1/1434 هـ
تعريف:

وسائل الإعلام كيف نتعامل معها ؟

 

تفريغ الفاضل/ السيد أمجد الشاخوري

تصحيح الفاضلة سلمى آل حمود

قال الله العظيم في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم : "  بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ" (1) آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.

معَ نهاية اليومْ العاشر بدأتْ معركة أخرى بين المُعسكر الحُسيني والمُعسكر الأموي تلك هي معركة الإعلام ، أُسْتُخدم في هذه المعركة من قبل كِلا الطرفين كل ما أمكن من القدراتْ الإعلامية للتأثير على الجمهور وجلب انتمائه إلى هذا الطرف أو ذاك . كان المعسكر الأموي يهدف إلى إسقاط القضية على مستوى رمزها الأول بل رموزها التالية وأنْ يُسقط شعارات المَنهج وفلسفة الثورة التيْ قامت. وفي المقابل كان المُعسكر الحُسيني الذي قاد معركة الإعلام فيه :علي بن الحسينْ وزينبْ ابنة علي وأم كلثوم وفاطمة بنت الحُسين عليهم السلام. بلْ شارك فيه من كان لديه حُجة وقدرة على الكلام والخطاب في هذا الركب .

المعسكر الأول: كان يستهدف أشخاص الثورة، فيُسقط أشخاص الثورة بمُختلف الوسائل؛ وهذا عُبيد الله بن زياد عندما جيء بمسلم بن عقيل إليه مكتوفاً ورفض أنْ يسلم عليه وقال ليس لي بأمير، قال  في فرية باطلة ولكنْ لكي يسقط هذا الرمز البطولي قال أنسيت؟ يوم كنت تشرب الخمر! قال إنما يشرب الخمر الفاسق وهو أنت ومن تعرف. هذه كلمة (نسيت) أنك تشرب الخمر، كان الغرض منها إسقاط رمزية هذا الثائر أنّه بطل شجاع واجه و قاوم ؛ فلا بُدْ أن يُسقط من الأنظار ومن الأعين . أو عندما يقول ابن زياد إنما خرج من الدين أبوكِ وأخوكِ – مخاطباً زينب عليها السلام – الغرض منه إسقاط رمزية أميرْ المؤمنين ورمزية الإمام الحسين سلام الله عليهما . وهكذا على مُستوى إسقاط المنهج والشعار؛ بينما خرج الحُسين عليه السلام: لطلب الإصلاح لأجل الناس، فنرى أن يزيد بن معاوية يغير المسألة فيقول لعلي بن الحسين عليه السلام أتعلم ما بيني وبين أبيك؟ قال ما هو ؟  قال قول الله عز وجل " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ" (2) القضية هي قضية نزاع على السلطة وعلى الملك بيني وبين أبيك وأنا الذي انتصرت في هذا الصراع وفي هذا النزاع.

ليسَ الأمرْ ثورة تغييرية أو أنّه على سَبيل المثال حَركة نهضة إنمَا هو أمرُ سلطة ونزاع عليها . فإذن هُناك معركة أهل البيت عليهم السلام  وهم الركب الحسيني أيضاً التيْ خاضها بكل قوة. الإمام زين العابدين عليه السلام توجه في الشام في خطبته في مجلس يزيد فعرّف نفسه وعرّف نسبه وحسبه وإلى منْ ينتمي وما حصل لأبيه وقضية كربلاء والمأساة التي جرت في قوله ذلك (أنا ابنُ مكة ومنَى أُنا ابنُ زمزم والصفا... أنا أنا) (3) إلى غيرُ ذلك .

زينب عليها السّلام بطريق آخر عندمَا خاطبتْ يزيدُ وقرّعت يزيد على ما ارتكب ووثقت الجرائم التي ارتكبت بحق أهل البيت عليهم السلام وأكدت على أنّ الأمر ليس سوى جولة وأن الدولة ستكون والانتصار من شأن أهل البيت عليهم السلام فالذي ينتصر بالتالي في هذه المعركة هو المنتصر الحقيقي وإلا فلو كان صاحب حق ولكنّه لم يستطع أن يوصل هذه النظرية إلى الناس، لخمد حقه و أصبح معروفاً بالتمرّد وأصبح ملعوناً على الألسنة لنفر الناس عنه فيتحول إلى أمثولة بدل أن يكون مثلا أعلى. 

لكنْ حكمة الإمامْ الحُسين عليه السلام في اصطحابه للنساء، لكي يقوم هذا الرّكب بمُواصلة المشوار فيْ معركة هي الأقسى وهي الأبعد أثراً منْ خلالْ استجلاب النّاس وتحقيق انتمائهم أو منْ خسران هؤلاء الناس؛ ولقد أثبتت التجارب أن الركب الحسيني بعمله كان موفقا وكان مقتدراً. ما نستفيدهُ في هذا الزمان هوْ أنْ نفكرْ في أنّ الإعلام معركة يتجاوزْ فيها الجهاز الإعلامي في أهميته للجهاز العسكري؛ لأن الجهاز العسكري والسلاح قد لا يعمل إذا كان حامله يائساً من خلال ثقافة اليأس التي يبثها الجهاز الإعلامي.  فلو استطعت أن تقنع جيش العدو من خلال إعلامك بأنّ لا فائدة من المقاومة وبأنّه لن ينتج عَملهم نتيجة، و لا ينفع وجود السلاح بين أيديهم، فهَذا يقتضي منا أنْ نتساءل، والعَالم اليوم مشحون بوسائل الإعلام.  وكل دَولة بل كل مؤسسة في بعض الأحيان لها أجهزة إعلاميّة متعددة من قنوات فضائية ومن وكالات خبرية ومن جرائد و مجلات وغير ذلك.

لماذا يصرفون على هذه الأجهزة قدَراُ كبيراً الأموال ؟

لولا أنها تحقق لهم نتائج أعظمْ مما يصْرفونه عليها من الأموال لما وجدت أحداً يَصرف هذه المبالغ  الطائلة على شيء لا نتيجة له.

نحنُ أيضاً في مرمى وفيْ مدى هذه الأجهزة الإعلامية وقد تؤثر فينا من دون أن نشعر؛ تُكوّن ثقافتنا أو جزءاً من ثقافتنا أو مقدماتْ مواقفنا منْ دون أنْ نلتفت. وهذا الذي يحصلْ في كثير منْ الساحات إذا لم يتوجه الإنسان ويلتفت.

أهدافْ الوَسائلْ الإعلاميّة.

 لذلك نحنُ نقدم هذه النقاط لعلّها تكون واضحَة  لبعضْ الإخوة، الأحبة، والأخوات العزيزات تأكيداً وتذكيراً.

النقطة الأولى: أنّه لا توجد وسيلة إعلاميّة مُحايدة تماماً على الإطلاق، أنّ نجدْ أنّ هُناك وسيلة إعلامية تقول أنا غير منحازة لأحد! فذلك لا يوجد أبداً. فكل وسيلة إعلامية هي مُنحازة إما بدرجة ٩٠% أو بدرجة ١٠% أو ما بينها وذلك لمن يدفع لها المال ويمولها بالأخبار ويصطنع الوظائف من أجلها. 

فلا يوجدْ وسيلة إعلامية غير منحازة أبداً.  ولا يوجد هُناك أحداً يأتيْ و يصرف أموال على شيء لا يخدمه خصوصاً في مثل هؤلاء الذينْ " لا يَرجُون لله وقارَا" حَسب تعبيرنا يتوقعون أنّ فيها ثوابْ الخدمة الحقيقة، وخدمة المعرفة العامة المجردة  و سيَحصل ثواب يوم القيامة! هذه العملة لا تنفع عند أكثر الدول وهذه الأجهزة والشخصيات إما أن تكون منحازة في الموقف أيّ مواقفها منحازة ولذلك نسمع هذا الخبر من هذه الوسيلة الإعلامية بشكل آخر عن تلك الوسيلة الإعلامية! فهذا يريد أنْ يعطيك موقفه وهذا يريد يعبئك برؤيته. إذنْ فلن يجعل موقفه فارغاً فعلى الأقل سيستفيد منْ صياغة الخبر و كيفية صياغة الخبر لك.

النقطة الثانية: هي كيفية صياغة الخبر؟ أنتم تلاحظونْ فيْ هذه الأيام، الآن  الوَضع الإسلاميْ متحرك وممواج بالأحداث وتُنقل الأخبار والتحليلات من أجهزة إعلامية  محلية وإقليمية ودولية  مَحسوبة على المسلمين و غير محسوبة على المسلمين . نرى مقدارْ التفاوتْ من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال من صياغة الخبر أيّ الخبر واحد. فهذه قضية غزة بين وسيلة إعلامية لدولة عربية فيأتون مثلاً ويقولون تفجير حافلة مدنية في إسرائيل بعملٍ إرهابيْ، فهذه وسيلة إعلام عربية و موقفها واضحٌ في صياغة الخبر، فكيف ذلك؟  نفس المفردات تحللها و سترى أنّها تختلف عن الأخرى وهذه اللفظة تعطي موقفاً. إذنْ لمْ تعطِ ذلك من خلال انتخاب الخبر، من خلال فبركته من خلال التركيز، فهُناك عشرة أخبار؛ فتفصحْ عنْ خبرين وتترك ثمانية وبالتالي تكون قدْ غطتْ المكان وجلبتْ لنا أخبار ولكن الأخبار التي هي ما تريدها أنْ تنتشر .فهذا أيضاً مما يصنع انحيازاً لصاحب الوسيلة الإعلامية والجهاز الإعلامي. 

لذى نجدْ بعضْ القنوات كانتْ في فترة من الزمان وخاصّة بداية ظهورها أنّه كانَ عندها نوع من التوازنْ في نقل الأشياء حتى و إنْ اكتسبت جمهوراً عظيماً جداً و ينتهي الموضوع، فإذا بها ساقطة إلى النخاع في الانحياز بعدما جمّعت الجمهور و اكتسبت نوعاً من السمعة، فيظهر وجهها الطائفي ويظهر وجهها المُنحاز وتظهر خدمتها لأنظمة الطغيان بشكلٍ واضح.

النقاط التي يجبْ مُراعاتها تجاه الوَسيلة الإعلاميّة:

هذا ما يجعلْ الإنسان من اللازم له بأن يلتفتْ إلى تحديد انتماء هذه الوسيلة الإعلامية، هذه الوسيلة الإعلامية إلى أين تنتمي؟ أي جهة تديرها ؟ أي جهة تعبئها بالمعلومات ؟ أي جهة تدفع رواتب موظفيها؟

وعلى ضَوء هذا لابد لك أنْ تتخذ مواقف  و يجبْ أنْ تحصن نفسك من هذه الكلمات والإشارات وما شابه ذلك وخاصّة التي تبثها هذه الوسيلة الإعلامية حتى لا تتصور نفسك أنّك تستمع خبر، وأنّك تُعبأ بموقف في صيغة الخبر . وهو الموقف الآخرْ نفسه ولكن يعبئه في صورة خبر يصوغه في صُورة معلومة .

نقطة أخرى لابد على الإنسانْ أنْ يتساءل فيها -وهذا مهم جداً - أنّ هذا الكلام الذي تنقله هذه الجهة أو تلك من أين! من أين جاء؟

كثيرا ما نُلاحظ (وذكرت مصادر عليمة)! من هذه المصادر العليمة؟ لا يوجدْ أحداً الكاتبْ نفسُه هو المصادر العليمة، و(قال مسؤول) لم يشأ ذكر اسمه ! إذن هو نفسه الكاتب الذي لم يِشأ ذكر اسمه، (وقال بعض الباحثين) فذلك كذب! و لم يقل أحد بل هو بنفسه الذي قال.

هذه الطريقة ذكرتْ (مَصادر مُطلعة) و (أفاد مُراقبون) ؛ فهذه العَناوين عندما يسمعها الإنسان الغافل فإنّه يغفل عن هذه الكلمة ويذهبْ إلى (قاله المراقبون)! والواقعْ أنّه لا يوجد مراقبون، لا يوجد شهود عيان، لا يوجد مصادر عليمة ، ولا يوجد باحثون؛ وإنما هو نفس الكاتب لك ولكنْ المستمع أو المشاهد قد لا يلاحظ هذا الأمر فإذا قال أنا قلت! لن يصدقه أحد " فيرميها" على مكان آخر فلنْ يبحثْ النّاسْ عنْ هؤلاء الباحثون ؟  ومنْ المصادر العليمة ؟ ومن قال؟ وعلى أيّ أساسٍ اعتمد ؟

فيجبْ أنْ تطلب معرفة هذا المصدر ؟ أساساً بعض المَصادر هيَ نفسها من أوضح مصاديق "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "(4) فلو علمتْ من هو القائل لن تصدقه! ولكن هو يعبئها بهذه الطريقة وكثيراً ما كان هنالك افتعال للأخبار ( كذب صريح) ولكن يقدم له بمثل  هذه المقدمات وهذا ما يجعل الإنسان يطالب بمن هو هذا المصدر؟ من هو هذا القائل؟  مذكور في الإنترنت! الإنترنت ليس قرآن من لدنْ حكيم خبير.

 أيضاً  الكاتب اعتمدَ على الشي الذي أتى في مُخيلته وهذا اعتمد على ذاك! هذه وسائل التواصل الآن الموجودة تنقل لك خبر، قضية ، حكاية . فأولاً فتشْ عن المصدر.  وهذا الكلام من أين أتيت به ؟ أحياناً هُناك روايات واضحة فيها أنّ هذا نمط ليس حديث أهل البيت عليهم السلام مثل (قال رسول الله كذا) ، (قال الإمام الصادق كذا) أين قال؟ أساساً أن يقول الإنسان قال الإمام وقال النبي لا يجوز إذا كان بنسبة جزميّة وعندنا في أحكام الصيام العلماء يقولون لو أن إنساناً قال : قال رسول الله في نهَار الصوم ولم يكن النبي قد قال ذلك فصومه مشكول. 

أقصَى ما تستطيع أنْ تقول هو المصدر الفلاني نقل هذه الرواية، لكنْ قال رسول الله ! مَا أدراك أنّه قال ؟ هلْ سَمعته أنت بأذنك؟ على الأقل انسبه لراويه، انسبه إلى ناقله؛ لتُخلي مسؤوليتك.  لكنْ تأتي وتقولْ قال وتحدث ، هذا من أين؟ فاطلب- عندما يأتي إليك شيء - لا تدعه يدخل إلى داخل معلوماتك وكنزك المعرفي إلا بعد أنْ تقول من قال ؟ ماهو المصدر ؟ نحن في ليلة من الليالي ذكرنا أنّ الإمام الباقر عليه السّلام علّم أصحابه قال: "إذا حدّثتكم بشيء فاسألوني عن كتاب الله" (5) - مع أنهم يعتقدون أنّ الإمام معصوم وأنه لا ينطق عن هواه وإنمَا هو علم عن رسول الله صلى الله عليه وآله ؛ معَ ذلك يقول لهم إذا قلت لكم شيئاً قولوا لي هذا أين في القرآن الكريم ؟ ومرّ كلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال فسألوه ففسر لهم أين هذا من القرآن؟ فهذا يعلمنا منهج . هذا إذا كان القائل مثل الإمام المَعصوم فكيف إذا أتانيْ خبر من أحدٍ ليس بمسلم في كثيرٍ من الأحيان، وليس معلوماً عنه أنه ثقة أو أنه يُريد الخير للإسلام والمسلمين. فيحتاج الإنسان هُنا إلى أنْ يتحفظ عن قبول هذه الكلمات وهذه الأشياء المسبوقة بأنّه:  قال مصدر عليم ، قالت مصادر مطلعة ، أفاد  كذا ! فلنسأله من أين هذا؟  من أي مصدر ليحدده . إذا كان مصدر يُعتمد عليه وموثوق فلا بأس، أما إذا بقي مجهولاً فنجعلْ الخبرعليه علامة استفهام يُحتمل يكون صَحيح ويحتمل يكون خاطئ. 

نأتي لقضية ثالثة: وهي أنّه بعد أن رأينا الخبر هذا صَادرٌ من هذا الجهاز الإعلامي الفلاني ونسبته إلى صاحبه أيضاً نسبة موثوق بها و يجب على الإنسان أنْ يتحوط ويتحرز فكثيراً من الأكاذيب التي تتحول بعد مدة من التركيز عليها إلى حقائق يُبنى عليها، و توجد بعض المسائل وهي أكاذيب لكنْ تتحول إلى حقائق بعد مدة منْ القصف الإعلامي إذ يُصبح شيئاً طبيعياً وعادياً وكأنه لا يحتاج إلى نقاشٍ فيه. نجدْ أحدهم يأتي في بعض الأماكن  يقول لك هل تعلم لماذا الشيعة أكثر خطراً من اليهود ؟! هو كلامه يتضح منه من هل أنّه أكثر خطر أو لا ؛ وإنما لماذا ! كأنما ذلك الموضوع منتهي ولايوجدْ خلاف ولكنّه  يبرهن لنا عليه . فلتأتِ لتثبت أصل القضية ؛ هل صحيح أمْ لا ثم قل كيف ولماذا؟ كثيراً لا يحصل شيء وهو أشبه بالقصْف الاعلامي على الرؤوس التي تؤلمْ رأس غير الواعين وبالتالي يجعلهم يذهبون وراء أمور ومسائل لا حقيقة لها مع أنها بشيء من التحليل  والتفكير نكتشفْ أنّ هذه الفكرة فكرَة خاطئة. الآن مثلاً يأتيْ أحدهم و يقول لك هذا التركيز الإعلامي الغربي - مثلاً - على أن إيران خطر على السلام العالمي لأنها ستمتلك أسلحة نووية . " يا أيها العوران" بجنبكم إسرائيل ٢٧ قنبلة نووية مَوجودة بالفعل، و عندها الآنْ تحتَ يدها وهي تمارس دور المَخبول الذي لا يردعه أحد، ولا أحدْ يستطيع أنْ يقف أمامها إذ تذهبْ إلى السودان وتقصف، وتذهب إلى أماكنْ أخرى و تضرب، و تذهب إلى المفاعل النووي العراقي قبل عدة من السنوات وتضرب، و تهدد وتذهبْ  إلى أصفهان وتضرب . فهذا الخبال وهذا الجنون لا أحد يقف أمامه وعندها أكثر منْ ٢٠ قنبلة نووية! هذا ليس بخطر! بينما جهة أخرى تريد أن تستخدم الطاقة النووية للأمور السلمية؛ تصبح خطيرة ويُمارس في هذا القصف الإعلامي الكاذب و وسائل إعلام عربية ومسلمة و مَن حولنا تهوّل من هذا الأمر. و ذاك العدو المباشر الصريح الذي لا يستطيع أحداً أنْ يقف أمامه حتى إذا ظهر أحداً بدور البطولة  والمقاومة فيْ ذلك الوقت بمنطقه ما  يوقفوه عند حده . لكن هنا يصير مثل هذا الأمر .

حُسن التصرّف مع أهداف وسائل الإعلام.

ينقلون في هذا المعنى كلاماً عنْ ما جرى بين الرئيس الأمريكي جون كيندي ورئيس المكسيك في زمانه، يقولون في ذلك الوقت وإلى الآن كوبا كدولة كانت مناكفة للولايات المتحدة - بينهم مشاكل - من ذلك الزمان إلى أيامنا هذه و كانت ستحدث حرباُ  بينهم وتسْتخدم فيها أسلحة غيرُ تقليدية - ما سمي بأزمة خليج الخنازير-  الحاصل: الرئيس الأمريكي أراد أن يستقطب المكسيك إلى جانبه و يجعلها في جانبه و يعقد معها اتفاقيّة دفاع مُشترك حتى يتعاونوا أيضاً ضد كوبا ويعزلوا كوبا. فراح جون كيندي إلى المكسيك، المكسيك من حيث المساحة عشر مرات أكبر من كوبا، من حيث عدد السكان - في ذلك الوقت - كان سبعة مرات والآن قريب عشر مرات. المكسيك سبعة أضعاف سكان كوبا، و المساحة عشر أضعافها. فجاء الرئيس الأمريكي إلى المكسيك وعقد جلسة مباحثات مع الرئيس المكسيكي يقنعه أنّ كوبا خطر دائم على المكسيك ويجبْ أنتم أن تتحالفوا معانا وتصبحوا معنا لنعمل اتفاقية دفاع مشترك وما شابه ذلك - مثل الامريكيين يخدعون دول الخليج والمنطقة هذه؛ و يهولون الخطر من ذلك المكان حتى يُسووا اتفاقيات عسكرية - فقال له بأنّ كوبا خطرٌ دائم عليكم وستعمل بكم المصائب و الأفضل لكم أنْ تتحالفوا معنا وتسَووا مُعاهدة دفاع مشترك . الرئيس المكسيكي التفت له، وقال: هل أنت جادٌ فيما تقول! المَكسيك مساحتها عشرة أضعاف كوبا.  ومن حيث السُّكان، نحن سبعة أضعافهم.  فلو أذهب  لأخطب في المكسيكيين وأقول لهم بأنّ  كوبا تشكل خطر علينا ، سنجد ٥٠ مليون شخص يتعرض لحالة إماء من الضحك عليّ ، ماذا دهاك أنت؟ كوبا تشكل علينا خطر! أنا أخاف هؤلاء الخمسين مليون شخص يموتون من الضحك على خطابي. فلتقل غيرها فإذا كانت كوبا لديها مشكلة فلا يعني ذلك أن نشعر بهذا التهديد . لكن هناك - الرئيس المكسيكي اللي خاف شعبه يضحك عليه-  ربعنا (جماعتنا) في المنطقة العربية لا يقولون هذا الكلام؛ و إنما يقولون نعم الشيعة خطر على  العرب وعلى المسلمين . الشيعة فئة:  لا سلاح عندها ، لا قدرة عندها، لا عدد سكاني عندها. الحكومات بيدكم، القدرات بيدكم.  المساكين مدَمرين ومَدموغين ومَقموعين بالكاد يحصلوا لهم حسينية ومسجدْ يشكلونْ خطر على هذه الأنظمة الكبيرة والقوية ذات الأسلحة و تلك ...  ولكن هذا الرئيس المكسيكي الذي قال يضحكون عليّ، نجد الأمريكيون استطاعوا أن يضحكوا على هذه الحكومات في شأن.  فيحتاج الإنسان عندمَا يسمعْ كلاماً أنْ يحلله، أن يفكر فيه ، أن يتأمله. و آخر بعض الناس السُذّج وجدْ فُرصة أن يقرأ، أنْ يطّلع، أنْ يطالع؛ ثمّ يتخذ المَوقف السَائد. ذاتَ مرة كنت أقرأ أحدْ المقالات حول الشيعة في بعضَ الأماكن، فمن جملة التعليقات التي استوقفت نظري هُو تعليق بهذا المَضمون عندها كان أحدهم يتكلم و يقول: أنا لا أعلمْ الشيعة ماذا يكونون ؟ لا أعرف من هم ؟ أين مكانهم ؟ ماهي عقائدهم؟ ماذا يعلمون ؟ إلى ماذا يهدفون؟ لا أعرف أيّ معلومَة عنهُم لكن يوجد لديّ احتمَال أنّهم أشد خطراً من اليَهود والنصَارى علينا .

الآن أنتَ حددْ الآن هؤلاء بشر؟ حجر ؟ شجر؟ جبل؟ فواكه؟ ثمّ قل هذا خطر أو غير خطر؛ اذهبَ و تعرّف عليهم أولاً ثمّ قل من هم. يذكر بالقصّة المعروفة إذ أتى  شخص يشتكي شكاية كيديّة عندَ أحد الولاة أيام الأمويين فقال أيها الوالي أنا عندي خبر جداً مُهم وخطير، و أريدكَ فيه على انفراد، فأفرد له مكان فقال له أنّ "فلان الفلاني" رجل ناصبي رافضيْ قدريْ مرجئي، و جهمي يوالي علي ابن الخطاب الذي قاتل مُعاوية بن أبي طالب زوج عائشة بنت الرسول ! ما هذا الهراء؟! التفت إليه قال والله أنا لا ادري على ماذا أحسدك؟ أحسدك على ماذا ؟ أحسدك على معرفتك بالأنساب؟ أو على معرفتك بالأديان والفرق والمذاهب؟ من جهة الرافضي والناصبي والقدري و المرجئي والجهمي؛ أنتْ جمعتْ المذاهب في مذهبْ واحد! فقالْ له بَلى أنا لمْ أخرَج من الكُتّاب حتى تعلمت هذا وحفظته جيداً - يَعني أنا ذهبت لك بعد وتحضرت! وأنا متحفّظ! و حَقيقة بعض الناس طريقتهم هي هذه الحالة، فلا يَعرف من هو هذا، تاريخه ، أصله، فصله، عقيدته، مذهبه، عبادته. لكن يعلم أنّ هذا شيء غير جيد! ما هذا الشيء؟  لا يعلم !وهذا مع الأسف هو الذي يجعل أجيال كثيرة من الأمة في مدى التجهيل الإعلامي الذي تمارسه هذه الأجهزة الإعلامية الموجهة المنحازة التي لا تريد إعلاء الوعي في الأمة .

وترى مثل هؤلاء هم وقود الحروب ! هم أصحاب المفخخات، هم أصحاب العمليات الانتحارية، هم الذين يُوجّهون مثل القنبلة لا يلتفت يميناً ولا شمالاً يدمر الذي أمامه، ولا تستطيع أنْ تتحدث معه! لأنه قنبلة متحركة متفجرة .

و هذا الرجل الشامي الذي تسمعون قصّته عادة عندما أقبل على ركب سبايا أهل البيت عليهم السلام و قال (الحمد لله الذي قتلكم وفضحكم وأراح أمير المؤمنين منكم)؛ الآن بهذه العقلية لو كان في كربلاء ماذا كان سيفعل ! كان يقتل بلا ريب من يكون من أصحاب الحسين عليه السلام لأن عنده نظرية أنّ هؤلاء جماعة خارجين على الملة ، خارجين على إمام زمانهم؛ يجب أنْ يقاتل معهم لأنهم عاملون على الفوضى. - وهذا اللي نراه الآن- التعبئة التي نراها هنا وهناك ضد أهل الخير و ضد أهل البر تنتهي إلى مثل هذا الأمر لأمرٍ ما، وخاصّة عندما ينكشف الغطاء عنه و يتغير ١٨٠ درجة. قال في البحار ( ... وجاء شيخ فدنا من نساء الحسين وعياله، وهم أقيموا على درج باب المسجد، فقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم، فقال له علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟
قال: نعم، قال: فهل عرفت هذه الآية " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى "  قال الشيخ: قد قرأت ذلك فقال له علي: فنحن القربى يا شيخ، فهل قرأت هذه الآية " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " قال نعم، قال علي: فنحن القربى يا شيخ وهل قرأت هذه الآية " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "  قال الشيخ: قد قرأت ذلك قال علي: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ!
قال: فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال: بالله إنكم هم؟ فقال علي بن الحسين: تالله إنا لنحن هم من غير شك، وحق جدنا رسول الله إنا لنحن هم فبكى الشيخ ورمى عمامته، ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني أبرء إليك من عدو آل محمد من جن وإنس ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم، إن تبت تاب الله عليك، وأنت معنا، فقال: أنا تائب، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل  (6)

فقضية الإعلام أيها الأخوة، أيها الأحبة، أيتها الأخوات  قضية مهمة وخطيرة. هو سلاح يَنبغي للمؤمنين أن يتملكوه دفاعاً عن ما يعتقدونه في حقٍ يحملونه؛ وفي نفس الوقت من اللازم أنْ يحصنون أنفسهم تجاه الأجهزة الإعلامية. ليس بالضرورة أن تقاطع لكن المهم أنْ تستمع بوعي، تقرأ ببَصيرة و تُشاهد ولديك قواعد تُحدد هذا الجهاز الإعلامي لمن ينتمي؟ وعندما يأتيْ لك أحدهم و يقول لك أنّه في الجريدة  قالوا كذا وقناة قالت كذا؛ يكذبون في هذا الأمر. ما الذي يمنعهم؟ هذا الذي يجعل الإنسان يتوجه إلى مثل الأجهزة الإعلامية، و ينتقدها لأنّ إحدى المعارك الأساسية بين أهل الحق وأهل الباطل - كما ذكرنا-  الحُسين سلام الله عليه اصطحب أهل بيته إلى كربلاء لكيْ يُواصلوا الثورة عبر مرحلتها الإعلاميّة. لذلك كثيرٌ من هذه الخطب تَحدّث هؤلاء الصفوة : بعضُها توثيقٌ تاريخي للجرائم؛ بعضها تعريف بالذات، بعضها بيان هذا الانتصارْ الظاهري هو انتصار مُزيف ومُؤقت، بَعضها تذكير بيوم القيامة، بَعضها تذكير بأنّهم هم الممثلون الحقيقيون للإسلام. وهكذا قد نجح أهلُ البيتْ عليهم السلام بهَذا المعنى بشهادة أعدائهم.  قال يزيد لئن صعد هذا - يقصد علي بن الحسين - المنبر لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان . طبعاً هذه المهمة التي قاموا بها كانت مُهمة صعبة وترافقت مع كثير منْ الألم، و كثير من الأسى . وإلا زينبٌ عليها السلام يضطرها الدهر إلى أن تقف في مجالس الأجانب ! و تقولْ أمنْ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك و سَوْقُك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهم؟

 

الهوامش:

(1)   سورة الأنبياء آية 18.

(2)   سورة آل عمران آية 26.

(3)   موقع قادتنا كيف نعرفهم. ورد في كتاب فتوح ابن اعثم 5 / 247(خطبة الإمام السجاد عليه السلام في دمشق).

(4)   سورة الحجرات آية 6.

(5)   عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إذا حدثتكم بشئ فاسألوني من كتاب الله، ثم قال في بعض حديثه، إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال، فقيل له: يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ قال: إن الله عز وجل يقول: " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس (1) " وقال: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما  " وقال: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم .. )الكافي 1/ 60

(6)   بحار الأنوار  45/ 129

مرات العرض: 3411
المدة: 00:54:57
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2587) حجم الملف: 18.8 MB
تشغيل:

الحسين يجمعنا / لماذا ينتشر خطاب التطرف بين الطائفتين
الحياة الأسرية للإمام الحسين