الصغائر والكبائر بحث فقهي وآخلاقي
كتابة الأخت الفاضلة مها السيهاتي
"قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "سورة الأنعام
في هذه الآيه الكريمه من سورة الانعام دعوه الهية صريحةلعباده المؤمنين للتعرف على المحرمات والذنوب التي قد تُشكل خطراً جسيما على حياة المسلم .
"قل تعالوا أتلُ ماحرم عليكم ربّكم" بغرض لفت الانتباه الى قسم الذنوب والمحرمات والشر حتى يتجنبه الانسان قدر الإمكان ويصل إلى برِّ الأمان.
كما أن التعرف على جانب المحرمات والآثام والذنوب هنا تفرضه عدة جهات، من تلك الجهات ان احكام المحرمات والذنوب هي جزء من الشريعه الاسلاميه المقدسه وكما انه يَجِبُ على الانسان ان يتعرف على حكم الواجبات فَعليه ايضا ان يتعرف على أحكام الذنوب بمقدار ماقد يبتلي بها او يتورط بها لاسمح الله. وكما ان للصلاة اجزاء وواجبات وشروطا يجبُ على المسلم ان يسعى للتعرف عليها كذاك ايضا هناك في الشرعِ نقاطا حمراء وهناك حِمى لله تعالى ،أي مناطق محضوره يجب على الإنسان ان يحيطُ بها علماً حتى لايتورط فيها.
بل ربما ذهب بعض العلماء الى ان التعرف على بعض المعاصي والذنوب ومناطق الحضر قد يكون اكثر اهمية من التعرف على مناطق الخير والواجبات ..فلو اخذنا مثالا حيّا من بدنِ الإنسان ؛أنه لو جهِل بعض الاطعمة الجالبة للفائدة مالذي سيحصل ؟اقصى شيء قد يحصل له هو أن تلك المنفعة لن تصل اليه ؛ فلو لم يتعرف الانسان الى فوائد التفاح او فوائد العسل، ولم يأكل تفاحاً او عسلا أقصى مايحصل انه سيفقد فائدة كلاّ من التّفاح والعسل ..ولو لم يعرف ان الفِطر الفلاني هو من الاطعمه السامة و تناوله الإنسان بدون علم بمضاره فقد يهدِمُ حياته ويودي بصحته.لذلك في أكثر الأحيان يكونُ التعرف على مواقع السَّلب والشَّر ومواقع الخطورة اكثر اهميةً من التعرف على مناطق الإيجاب والخير وعلى المناحي الحسنه.
فلو لم يكن هناك اولوية في التعرف على الذنوب والمعاصي والآثام فليس بأقل من المساواة في لزوم التعرف على تلك الجوانب كما هو الحال في جوانب اللازم حتى يتجنبها الانسان ولايقترب اليها ويحترس مما قد يسوقه إليها أو يوقعه فيها بأي شكلٍ من الأشكال. فمثلا اذاكانت هناك دولة لديها علاقه طيبه مع دولة ما وعلاقه سيئه مع اخرى فإنها تصرف من البحث ووسائل التّوقّي والحذر من الدولة المعادية اكثر بكثير من تلك التي تتخذها إزاء الدوله الصديقه.ومن الاحاديث الجميلة عن الإمام الصادق عليه السلام وكل احاديثهم تَشُعّ جمالاً :((قال: إن بني امية أطلقوا للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه)) أطلقوا أي جوزوا ورخصوا والضمير في لم يعرفوه راجع إلى الشرك أو إلى تعليمه والمراد بعدم معرفته انكاره مجازا أو كناية وفيه دلالة على أن سلاطين بني أمية لم يؤمنوا، وإنما تمسكوا بظاهر الإيمان لتمشية أمور سلطنتهم والتحرز عن مخالفة رعيتهم.
جعلوا مورد الشرك مجهول حتى اذا اتوا بهم الى تلك المواقع فانهم يقعون فيها دون أن يشعرون.لذلك فمعرفة الشرك او الجانب السلبي للأمور ليس بأقل اهمية من معرفة جوانب الإيمان والخير إن لم تساويها .على سبيل المثال سنذكر صحابيًّا قد وصل إلى مكانة عاليةً عند رسول الله وعند الإماميين ، ألا وهو الصحابي الجليل حُذيفه بن اليَمّان .هناك من الصحابة من هم مفضلون في مدرسة الإماميين وهناك من هم مُفضلون في مدرسة الخلفاء والبعض من الصحابة مُهمَلون في الذِّكرِ ، كهذا الصحابي الجليل "حُذيفة بن اليمان"وهو من الصحابة الذين لم تُسَلّط الأضواء على حياتهم في مدرسة الخلفاء وكان بمثابة حافظ أسرار رسول الله أي أنه كان قريباً وملازماً جدا له صلى الله عليه وآله.
وقد إئتمنه على أسماء المنافقين حول الرسول ص ومن هم الذين سيزَوِّرون الأحاديث على النبي ؛ ولذلك فقد انتهج منهاج امير المؤمنين منذ بداية حياته حتى قضى نحبه وأدركَ أيام أمير المؤمنين عليه السلام وأوصى بنيه وَ ذويهِ بالتمسك بعليٍّ ثبتنا الله على ولايته في الدنيا والآخرة.وقد وصل الى تلك المكانه الرَّفيعة لحفظه أسرار الرسول الأكرم ولاهتمامه دائما بتجنب الفتن و معرفة ماقد يضر بالإسلام والمسلمين .وفي حديثه رضوان الله عليه ((: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله: صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.))
كان يسال عن الجوانب السيئه فعرف اماكن العثرات والهاويه واماكن السقوط وتجنبها .فمعرفة الشر أحيانًا أولى من معرفة الخير حتّى نتجنّبه ومعرفة الإثم أولى حتى لانَقع فيه.لهذا نجدُ أنّ القران الكريم يدعوا عباد الله لمعرفة ماقد يضرهم من المحرمات ( قل تعالوا اتلو ماحرم ربكم عليكم)أي تعالوا أخبركم عن الذنوب و عن المحرمات عن المناطق الممنوعة والمحضوره لئلا تقعوا فيها..ثم تلى هذه الايات المباركه ضمن نفس الإيطار التحذيري من تلك المناطق المحضوره من الآثام والذنوب فقال جلَّ وعلا:(( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا))
نفهم من سياق الآيه المُباركة أن علمائنا قسموا الذنوب الى قسمين اساسيين وِفقاً لألفاظ القران الكريم.فالقسم الأول منها هو الكبائر والقسم الثاني هو الصّغائر من الذنوب.فهناكَ سيئاتٍ قابله للتكفير وهناك كبائر نُهي عنها وان إجتناب الكبائر من الذنوب هو مُسبِّب من مسببات العفو عن الصغائر منها.نجد هنا تقابلٌ مابين كبائرَ ماتنهون عنه وبين السيئات التي من الممكن أن تُغفَر بالاجتناب لتلك الكبائر.وفي الآية المباركة ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ))
فهناك كبائرٌ منهيٌّ عنها وهناك آثامٌ صغيرة قد تصدر من الإنسان وقد تُغفر له .والمطلوب هنا أن يجتنب الإنسان كبائرَ الإثمِ حتى يُغفر له الصغائر الوارد احتمالها كإنسان طبيعي.فهل لذلك التقسيم أثر عملي فقهيّ؟ أو كان مجرد وصف لفظي؟ نعم هناك أثر فقهي وقانوني كبير إذْ إن مرتكب الكبيره بمجرد ارتكابها متعمداً فهو يسقط عن العدالة.فلو فرضنا أن انسانا يجرب الخمر وهو يعلم حكمه الشرعي فإنه بمجرد ابتلاعه ولو نقطه فقد سقط عن العداله ولاتصح له شهاده أو ماإلى ذلك.حتى وإن كان حاكم دولة يسقط عن العداله وحكومته ساقطة. و كذلك إن كان مرجع دين و ارتكب كبيرة فإنه يسقط من العداله .واذا كان مرتكب الكبيرة شاهداً للطلاق فتبطل شهادته ويسقط عن العدالة. هذا بالنسبة لمرتكب الكبيرة من الذنوب والعياذ بالله .
أما مُرتكب الصغائر كأن يَترُك صلاة الصبح تكاسُلاً ويؤخرها عن وقتها هذه ذنوب صغيره ولكنها قد تتحول إلى كبائر إذا أاسْتُخِفّ بها وحصلت باستمرار.ولكن مُرتَكب الصّغيرة لايسقط عن العداله ،وان كان كذلك فلن تَجِدُ من تُصلي وراءه كإمام جماعة أو مرجِعاً لتقلدُّه، إلا ان كان معصوماً لايرتكبُ صغيرة ولاكبيرة!!
وكما أن هناك أثراً عمليًّا للذنوب فقد ذكرَ العلماء عدة مقاييس لمعرفة الفعل والاثم إن كان من الكبائر أم الصغائر..
احدها ماتوَعّد الله فاعله بالنار ؛ يُعرَف من ذلك ان هذا الذنب من الكبائر . وأما الصغائر من الذنوب هو كل ذنب يعاقب الله عليه مالم يتوب ويقلع عنه ويندم فيقبل الله توبته .لكن ماتوعد الله فاعله بِنار حهنم فهو من كبائر الذنوب .مثل ذلك "ومن يقتل مؤمناً متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه " ..إذن هذا وعيد بجهنّم لكبر ذلك الذنب .
هناكَ وعيد وَ هناكَ وعد؛ فالوعد يكون في الأمورِ الحسنةِ وهو بمثابة البٍشارة للمؤمنين ؛كقوله تعالى "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ" سورة النور (٥٥).فالله جلَّ وعلا لايخلفُ الوعدَ والميعاد.أمَّا الوعيد فهو في الأمورِ السيئة وبمثابة الإنذار من العذاب بعكس البِشارة في الوعد الإلهي.هنا لصاحب الوعيد ان ينفذه وله ان يتفضَل بالعفو.وكمثل أن تتوَعَد إبنك متى فعل الفعل الفلاني انك سَتحرمه من مَصروفه ولك ان تغير قراركو وعيدُك له وتعفُ عنه..أيضاً فخلف الوعيد ليس بأمرٍ قبيحٍ ، ولكن خلف الوعد والميعاد قبيح وليس من الصِّفات المحمودة وان الله لايخلفُ الميعاد.
فهذا احد الموارد متى ماكان الوعيد شديداً بجهنم فيُعد الذنب من الكبائر .وكذلك كالكذب على رسول الله كما ورد في الحديث" من كذب عليّ متعمدا فاليتبوّء مقعده من النار"سبب ذلك الحديث الشريف أن أحد المنافقين كذب وافترى على الرسول الأكرم بأنه قال ان الآية المباركه ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ )) نزلت في علي عليه السلام ...وهذا افتراء وإثم عظيم على رسول الله وعلى أمير المؤمنين عليه السلام والوعيد هنا نار جهنم . فهذه من احد مقاييس الكبائر كذلك .
وايضاً ماوصف بالقران ( باللعنه) كمثل أولئك الذين يَرمونَ المحصناتِ فإنهم لُعنوا في الدنيا والاخرة؛هذه لعنة قراانية على من يعطي نفسه الحق في أنْ يقذف المرأة المحصنة في شرفها وعرضها ... ألا يعلم أن قذف المؤمنات من الامور الكبيرة المنهي عنها !!هذا لايتعدى السنه او بعض ماروي عن المعصومين ما فيه لعنٍ ولكن ليس بالضرورة ان يكون من الكبائر؛ قد يكون وقد لايكون او ان يكون الذنب من المكروهات ما هو الحال في بعض الروايات "ملعون ملعون من اكل وحده " ملعون ملعون من قطع رحمه " ملعون ملعون من ضرب عبده" تلك اللعنه ليس القصد هي كبيره من الكبائر ولكن كان اللعن هنا بمثابة الكراهة الشديدة .
أما اللعن الإلهي في القرآن الكريم على من يمارس فعلا يشير ان ذلك الفعل من الكبائر.
بعض العلماء قالوا ماكانت له عقوبة شرعية وحد دنيوي مقرر فهو من الكبائر. كشربِ الخمرِ مثلا له حدٌ دنيوي وهو الجلْد لتطهيره من الذنب . كذلك القتل له حد واضح بنص القرآن وهو القصاص ان كان متعمداً والدية في احتمال الخطأ .فماكان له حد دنيوي مقرر يتبين انه من الذنوب الكبيره ولكن نحن في زمنٍ مليء بمن يرتكب ذنوباكبيرة ولكن ليس بها حداً دنيويا..
بعض علماء الاخلاق وأصحاب النظر العرفاني والوعظي قالوا كل الذنوب كبيره تبعاً لحديث أمير المؤمنين عليه السلام "(لا تنظر إلي صغر الذنب، ولكن انظر من عصيت) انظر على من تجرّأت، وإن استصغرت ذنباً فسيكون عملك عظيم لأنك تحديت العظيم الأعظم. هذا الكلام في المعنى التربوي والاخلاقي والوعظي جميل ولكنه في المعنى الفقهي والقانوني ليس كذالك فلو أن الجميع لن يذنبوا حتى بالصغائر لكانوا من المعصومين .
هنا نودّ الإلتفاتة إلى أنه على المستوى التربوي والعرفاني انت في حضرة الله تعالى تحت نظر الله وفي عنايته سبحانه فكل ذنب تعمله انت تستَتِرُ عن أعيُن الآخرين وتنسى أنك بعين الله !! نحن لاننفي وجود كبائر وصغائر من الذنوب اي انه في التقسيم الفقهي هي اساسا صغيرة ولكن قد تتحول الى كبيره ..
يذكرُ العالم المتبحر في العلم المولى محمد مهدي النراقي في كتابه جامع السعادات وهو من اروع الكتب الاخلاقيه النظرية والتطبيقيه مجموعه انه احيانا قد تتحول الصغائر الى كبائر وتجعل الإنسان المذنب ينجرف إلى سيل الهاويه بإستمرارية تلك الصغائر ، وقد تتراكم حتى يصعب إزالتها وتُسبب ريناً على القلب يحول بين الإنسان وبين الطاعات .
فلايجب على المسلم أن يستصغر الذنب أبدا أو أن يستسهله فيكون أعظم من مرتكب الكبيره من الكبائر الخائف الوَجل ؛ تجده لايغمض له جفناً من توتره بسبب ارتكابه ذلك الذنب .هذا حاله احسن بكثير من ذلك الي يرتكب صغائر الذنوب ويستصغرها ويستخف بها كسماع الاغاني مثلا أو الإستخفاف بالسرقه ولو القليل والإعتداء على الزوجه بالضرب وإن كانت لطمه واحده.ذلك ليس بهينٍ على الله حين استرعاك واستئمنك إياها لتصونها وترعاها وتغفر لها زلتها ،لاتؤمل نفسك حين تستمر بالإعتداء عليها قولا او فعلاً بأن الله غفورارحيما وماذا سيحصل لو ضربتها تأديبا أو تأنيبا ...
فاستصغار الذنب وجعله حقيرا يجعل للانسان حاله سيئة جدا في نفسه .وفي الحديث عن رسول لله صلوات الله عليه في وصيته لأبي ذر الغفاري وهي من الوصايا الرائعه القيمه" ""إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه قال به هكذا" وأشار بيده على أنفه.
فيصور لنا هذا الحديث صورة و حال المؤمن مع الذنوب تصويرًا دقيقًا فالمؤمن لشدة خوفه من الله لا يأمن على نفسه يرى ذنبه كالجبل الذي لو وقع عليه لأهلكه فهو خائف غير آمن من سوء عاقبة الذنب بينما الفاجر المقصر والعاصي قليل المعرفة بالله يستهين بالذنب ولا يأبه له ولا يراه شيئًا يذكر، بل يراه كأنه ذباب وقع على أنفه فأبعده غير مبالٍ من سوء العاقبة نسأل الله العفو والعافية.
وقال صلوات الله عليه " (إيّاكم ومُحقّرات الذّنوب، فإنَّما مَثَلُ مُحقّرات الذُّنوب كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خُبزهم، وإنّ مُحقّرات الذّنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تُهلكه) يُحذّرنا صلوات الله عليه في هذا الحديث من التّهاون في صغائر الذّنوب ومحقّراتها أو الغفلة عنها، فإنّ في إهمالها الهلاك والبوار؛ والمقصود بمحقّرات الذّنوب: "ما لا يبالي المرء به من الذّنوب" ؛ لأنّ صغارها أسبابٌ تؤدِّي إلى ارتكاب كبارها" ونذكر هنا قصة بسيطة في سياق الحديث الشريف "أنه صلوات الله عليه نَزَلَ بِأَرْضٍ قَرْعَاءَ .فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : " ائْتُوا بِحَطَبٍ " .فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَحْنُ بِأَرْضٍ قَرْعَاءَ ، مَا بِهَا مِنْ حَطَبٍ !قَالَ : " فَلْيَأْتِ كُلُّ إِنْسَانٌ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ " .فَجَاءُوا بِهِ حَتَّى رَمَوْا بَيْنَ يَدَيْهِ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " هَكَذَا تَجْتَمِعُ الذُّنُوبُ " .ثُمَّ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَ الْمُحَقَّرَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ طَالِباً ، أَلَا وَ إِنَّ طَالِبَهَا يَكْتُبُ ﴿ ... مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)اللهم لاتجعلنا واياكم ممن نقف ذلك اليوم ونقول مال هذا الكتاب لايغادر كبيرة ولاصغيرة الا احصاها ..(ووجدوا ماعملوا حاضراً ولايظلم ربك أحداً )
اذن هناك بعض الأمور التي تجعل من الصغيرة كبيره ألا وهي: ١- استصغار الذنب يجعل طريق الانسان إلى الكبائر سالكا وينتهي به اليها ..
٢- المواظبه والاستمرار على الذنب الصغير يجعله من الكبائر .كما قال امير المؤمنين عليه السلام "لاكبيرة مع الاستغفار ولاصغيرة مع الإستمرار "كالاستمناء من الصغائر ولكن اذا استمر سيصبح مشكلة ويتحول إلى كبيره .وكذلك فالنظر للمراه الاجنبيه بشهوه من الصغائر واذا استمر يصبح من الكبائر وهكذا...
٣- الفرح للذنب ليس من الإيمان أبداً أن يفرح المؤمن بذنبه ولكن عليه أن يعيش حالة من تأنيب الضمير ويرجع ويستغفر ويتوب ويؤوب إلى الله .البعض من الناس الناس تجده يفرح اذا اذنب ويُخبر الناس عن معاصيه ؛ سلبت هذا وسرقت فلان وعملت كذا وأخطأت في حق ذاك وهذا أمرا سيئا جداً ،حين تخطأ على مسلمٍ بالشتمِ فأنت هتكت شخصيته وحرمتَه ، وهذا محل استغفار وليس محل فرح تتفاخر به.تلك الجريمه التي ارتكبتها في دينك واخلاقك عليك ان تبكي عليها ندما وحُرقة لا أن تتفاخر بها أبداً.وفي الحديث عن الامام علي عليه السلام (الابتهاج بالمعصيه اشد منها) يشيرُ إلى عظُم الفرح بالذنب ،لما فيها من تخريب للنفس ليس فقط بارتكاب للذنب بل بالإبتهاج بالذنب .
فيصبح من امثال يزيد بن معاويه حين ارتكب الجريمه الكبرى بقتل سبطِ رسول الله وقتل الطهارة كلّها وسبيِ بنات رسول الله ، أليس من المفترض أن يبكي دما على اقترافه لذلك الذنب العظيم الذي إهتزّ له عرشُ الكريم ؟ثم اتى فَرِحاً هلوا واستهلوا ....كان يفتخر بقتل الحسين عليه السلام ويقول لست من خندَف ان لم انتقم من بني احمد...! ماذا فعل أي جريمة نكراء تلك!!
حين يُنْتهك سِتر عقيلة الطالبيين و تُسبى حُرم رسول الله ورغم كل تلك المصائب الموجعه تنتصب السيده زينب علبها السلام شاهقة كالجبل الشامخ بكل إيمان وصمود وتتحدث ليزيد اللعين :
“أمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرُك حَرائرَكَ وإماءَك وسَوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هُتِكت سُتورُهنّ، وأُبدِيت وجوهُهنّ ؟! تَحْدُو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهنّ أهلُ المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوهَهنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف! ليس معهنّ مِن رجالهنّ وَليّ، ولا مِن حُماتِهنّ حَمِيّ، وكيف يُرتجى مراقبةُ مَن لفَظَ فُوهُ أكبادَ الأزكياء، ونَبَت لحمه بدماء الشهداء ؟! وكيف يستبطئ في بُغضنا أهلَ البيت مَن نظرَ إلينا بالشَّنَف والشَّنآن، والإحَن والأضغان ؟! ثمّ تقول غيرَ متأثّم.. ولا مُستعظِم:
وأهَلُّوا واستَهلُّـوا فرَحَـاً ثمّ قالوا: يا يزيدُ لا تُشَـلّْ!
|