في كتاب تحف العقول عن آل الرسول نقل الشيخ الحسن ابن علي ابن شعبة الحراني هذه الرواية عن الامام الرضا سلام الله عليه فقال (لايتم عقل أمرؤا مسلم حتى تكون فيه عشر خصال، الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسئم من طلب الحوائج اليه، ولا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في الله أحب اليه من الغنى والذل في الله أحب اليه من العز في عدوه، والخمول أشهى اليه من الشهرة، ثم قال عليه السلام العاشرة وما العاشرة ؟ قيل له وما هي؟ قال عليه السلام لا يرى أحد الا قال هو خير مني وأتقى انما الناس رجلان رجل خير منه وأتقى ورجل شر منه وأدنى فاذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال لعل خير هذ باطن وهو خير له وخيري ظاهر وهو شر لي واذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به فاذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وساد أهل زمانه ) .
الحديث فيه عشر خصال اذا وجدت في أنسان فان عقله يكون تام واذا وجدت واحدة عنده وجد عشرة بالمئة من العقل التام واذا وجدت فيه اثنتان وجد فيه عشرين بالمئة من العقل التام وهكذا ...
والكتاب الذي ورد ذكر هذا الحديث بين طياته فهو تحف العقول عن آل الرسول ويعني (تحف جمع تحفه والعقول جمع عقل) نتعرف على المؤلف لهذا الكتاب فهو الحسن أبن علي أبن شعبة الحراتي، وهو من حران وهي منطقة في سوريا ومازالت موجودة لوقتنا الحاضر بهذا الاسم ، وفي وقته كان موجود ابن تيمية وهو من منطقة حران ايضا فهو ابن تيمية الحراني ، تاريخ وفاة الحسن ابن علي الحراني غير معروف كتاريخ ميلاده الا انه كان في القرن الرابع الهجري فهو وجد خلال الفترة الزمنية من 301 الى 399 هجرية ففي هذه الفترة كانت فترة حياته فيكون من اقران ومعاصري الشيخ الصدوق محمد أبن علي البابوي القمي المتوفى سنة 381 هجريه فاذا كان عمر الصدوق 75 سنة فهو في نفس العمر تقريبا ، والغريب ان هذا العالم لا توجد معلومات عنه وانما عرف هذا الكتاب وكشف عنه في زمن متأخر فما عرف كتابه الا في القرن السابع الهجري اي بعد وفاته بما يقارب 300 عام فعرف هذا الكتاب وكاتبه وحضي باهتمام كبير بالرغم من وجود مشكلة كبيرة في رواياته انها بدون اسانيد فيذكر الرواية بدون ذكر من نقله فيقول روي عن الامام الصادق عليه السلام بدون ان يذكر اسماء كل من نقل عن الامام بالتواتر، وكذلك في روايته عن بقية الائمة الاطهار سلام الله عليهم فمن الضروري معرفة الرجال الذين نقلوا الحديث بالتواتر وبالذات لمن يبحث في الامور الفقهية والاستدلال لحكم شرعي لابد من معرفة الاسانيد التي روت الاحاديث التي ذكرها في كتابه ،فالحكم الشرعي من حلال او حرام وجائز وغير جائز ينسب الى الله وما ينسب الى الله لابد له من حجة قوية فلا يجوز الافتراء والكذب على الله فلهذا العالم الباحث في الحكم الفقهي لابد ان يكون له حجة شرعية وانحصرت الحجج في الروايات الصحيحة والتي يرافقها قرائن على صحتها ، وبالرغم من أن الكتاب لا يوجد به هذه القرائن الا انه حضي باهتمام شديد وكبير داخل الدائرة الشرعية ، ففي هذا الكتاب جمع روايات واحاديث مهمة جدا وحاوية لأمور كثيرة من أهمها ورد فيه بعض الوصايا الاخلاقية للنبي محمد صل الله عليه واله التي وجهها لصحابته ، كذلك ذكر فيه وصايا امير المؤمنين عليه السلام .
وهذا الكتاب احتوى روايات وأحاديث لها هدف تربوي مهم وهو أحد الاسباب التي جعل هذا الكتاب منتخب من قبل علماء الطائفة ففيه أهم الوصايا وأهم الكلمات القصار المنقولة عن الائمة الاطهار.
كذلك فيه من الاحاديث التي لا توجد في غيره ويستدل به كل من بحث في المكاسب المحللة والمحرمة وخصوصا المفصلة منها فهي تحتاج الى بيان شرعي وتفصيل ، في هذا الكتاب رواية مفصلة سماها كما يذكر في بدايتها (وجوه معايش العباد) مثلا المكاسب المادية متى تكون محللة ومتى تكون محرمة في التجارة والمعاملة وهذه الرواية موجودة في هذا الكتاب وغير موجودة في غيره ، ولذلك العلماء ما قبل الانصاري وبعده كل من بحث في البيع والتجارة والمكاسب والحلال والحرام فيها لابد ان يستدل ويرجع الى هذه الرواية، فهذا العالم اورد في كتابه رواية عن الامام الرضا عليه السلام رواية من قصار الكلام فيها الخصال العشر التي بها تمام العقل .
هذه الرواية مشهور عنها انها رويت عن الامام الصادق عليه السلام لكن يتبين ان كثير ممن اورد هذه الرواية اوردها مسنده بسند الى الامام الصادق عليه السلام ومن اولئك الشيخ الصدوق في كتابه الخصال وفيه يورد الروايات بالتصنيف فيذكر الروايات التي تتحدث عن الله وكتاب الله وما يتحدث عن الائمة الاطهار ووجوب التمسك بنهجهم والى ان يصل لهذه الرواية والتي تتحدث عن الخصال العشرة ويذكرها بسند عن الامام الصادق سلام الله وكما يتبين ان الرواية رويت عن الامام الصادق عليه السلام ونقلها صاحب كتاب تحف العقول عن الامام الرضا عليه السلام لاحد سببين اما ان نورهم واحد صلوات الله عليهم كما يذكر الحديث ( حديثي حديث ابي وحديث ابي حديث جدي وحديث جدي حديث علي ابن ابي طالب وحديث علي حديث رسول الله صل الله عليهم اجمعين ) فرأيهم وعلمهم واحد ، واحيانا الائمة المتأخرون يروون الرواية نقلا عمن قبلهم من الائمة المعصومين للتأكيد على المضمون ،واحيانا يكون هناك اشتباه في النقل اما من المؤلف او الناقل وهذا ما حدث في رواية ذكرت في الكتاب ان الفضيل ابن اليسار يسائل الامام الرضا مسائلة قال الفضيل بن اليسار سألت الامام الرضا عليه السلام عن افاعيل العباد مخلوقة هي ام غير مخلوقة فقال رد عليه الامام الرضا عليه السلام وهذا غير ممكن فالفضيل ابن اليسار من اصحاب الامام الصادق وتوفي في زمان الامام الصادق او بعده بقليل ، فكيف يسأل الامام الرضا فإما ان يكون شخص أخر غير الفضيل ابن اليسار واما انه يكون هناك اشتباه في النقل فابن اليسار سئل الامام الصادق عليه السلام وليس الامام الرضا .
في هذه الرواية يقول الامام عليه السلام (لا يتم عقل امرءا مسلم حتى تكون فيه عشر خصال الخير منه مأمول والشر منه مأمون يستكثر الخير من غيره ويستقل الخير من نفسه .... الى آخر الحديث)
الخصلة الاولى - بعض الناس يكون الشر هو طابعه بين الناس فالجميع يتقي شره واذاه لمن حوله ومن يعاشره او العكس يكون انسان معروف دائما بفعل الخير اينما ذهب، وهو المطلوب لتمام العقل ان يعم خيره على من حوله ويشتهر بذلك بين الناس فيكون حاز على خصلة من خصال تمام العقل.
الخصلة الثانية - من الصفات الحميدة ان الانسان حينما يفعل خير يراه قليل ولا يذكره او يفتخر به بينما حينما يرىء فعل غيره يشعر بانه كثير وعظيم وهو من تمام العقل بينما من يضخم فعل الخير حينما يفعله ويستصغر افعال الاخرين ولا يشكرهم فهو من نقص العقل وحب الذات، وهذه الصفة يؤكد عليه الله في آياته حينما يقول (أنما يتقبل الله من المتقين) فالعمل لابد ان يقترن بنية صادقة وليس للرياء والسمعة والتفاخر بين الناس.
الخصلة الثالثة - ان يحب قضاء حوائج الناس وعدم الانزعاج من طلبات المحتاجين من حوله سواء قضاء حاجة مادية او مساعدة في تسهيل امور الاخرين ولا ينزعج من طلب الاخرين لمساعدتهم.
الخصلة الرابعة - لا يمل من طلب العلم وخصوصا طلب علم الدين والاخلاق ففي الحديث (اطلبوا العلم من المهد الى اللحد) واهم العلوم التي يجب ان يبحث عنها الانسان العاقل ويسعى للزيادة منها التي توصل الى الله سبحانه وتعالى وطريقة عبادته الصحيحة وتحقيق رضاه، كما ان طلب العلم لا يقتصر على العلماء، بل جميع العقلاء مطلوب منهم الاستكثار في طلب العلم بشتى انواعه.
الخصلة الخامسة - الفقر الى الله أفضل من الغنى بالذلة للناس، هناك من يذل نفسه للناس من اجل المال والجاه بينما العاقل هو الذي يختار الفقر والحاجة المادية بينما هو عزيز وكريم النفس فلا يذل نفسه للناس ولا يتنازل عن مبادئه واخلاقه ولا يتجاوز حدود الله في الحلال والحرام فلا يرتكب المحرمات ويتساهل فيها من اجل تحقيق المظاهر المادية فلا يغضب الله لإرضاء الناس او لتحقيق مصالح دنيوية زائلة فمن يسعى لرضاء الله ويترك ما دون ذلك هذا من تمام العقل.
الخصلة السادسة - ان لا يهتم بان يكون له صيت وشهره عند الناس بسبب امور دنيوية تافهه بل يفضل ان يكون انسان غير معروف عند الناس بينما مكانته عند الله عظيمة. والخصلة الاخيرة - ان يرى جميع الناس أفضل منه فلا يكون انسان مغرور بنفسه ومتكبر ومتعالي على سائر الناس، فمن يرى نفسه دائما اقل من الاخرين مهما علا شأنه وكبرت مكانته بين الناس وكان انسان مؤمن صالح، وهذه الصفة لا تكون فقط قول باللسان، بل في قرارة نفسه يعتقد بذلك، فلا يتلبسه الغرور والكبر على من حوله، وهذه صفة الانبياء والاوصياء والعقلاء من الناس.