في الحديث عن سيدنا ابي عبد الله جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام قال (وجدت علم الناس كله في أربع اولها أن تعرف ربك والثاني ان تعرف ما صنع بك والثالث ان تعرف ما اراد منك والرابع ان تعرف ما يخرجك من دينك)
في هذا الحديث يطرح الامام علم الناس في هذه الاربع، فهو يطرح العلم على خلاف ما هو متعارف بين الناس فالعلوم هي علم الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء وغيرها وكما يتبين للناظر لهذا الحديث انه لا يشمل اي واحد من هذه العلوم، ولكن الامام يقصد العلوم التي سوف يسأل عنها الانسان يوم القيامة، كما أن العلوم الدنيوية ينبغي أن تندرج تحت هذه العلوم الاربع فهي مقدمة للوصول الى العلوم الاربع فعلم اللغة العربية والفلسفة والفلك وغيرها من العلوم غايتها ان تزيد معرفة الانسان بربه.
في موضوع سابق كان الحديث عن علم معرفة العبد لربه والان نتطرق الى معرفة ما صنع الله بك بمعنى معرفة نعم الله على الانسان، فهو صنيعة الله ،وفي الحديث ( نحن صنائع الله والخلق بعد ذلك صنائعنا ) البعض يعتقد ان الائمة هم الذين صنعوا الخلق هذا فيه عدم فهم للمراد من الحديث فصنع اذا جاءت في الروايات مقصود بها النعم التي يجود بها الله على عباده،فالأئمة يجودون بمعارفهم وعلومهم وأخلاقهم على من يتبعهم ويتخلق بخلقهم،فقوله نحن صنائع الله اي محل نعمه وبركاته وتنزيل خيره اختصنا الله بهذه النعم أكثر من بقية خلقه ،فالله اختصهم بوحيه وعلمه والنسب الطيب الطاهر فهم تميزوا بنعم لم يحصل عليها أحد من سائر البشر وهم يجودون بهذه النعم على من حولهم ويتبعهم فهم وسائط نعمة الله على البشر فكل من يؤمن ويهتدي فهو عبر رسول الله واله الاطهار .
وحينما يقول الامام ومعرفة ما صنع الله بك؟ فالله نعمه كثيرة على عباده اول النعم نعمة الايجاد فالإنسان ان لم يخلقه الله لكان غير موجود، وبعث الحياة والروح فيه وهو جنين نعمة عظيمة من نعم الله على الانسان فالله خلقه وحفظه وانشئه وحماه من الامراض وهو جنين وبعد الولادة وهو طفل صغير الله كتب له الحياة واعطاه اسبابها، في دعاء الامام الحسين في عرفة يقول (ابتدعت خلقي من مني يمنى، واسكنتني في ظلامات ثلاث بين لحم ودم وجلد لم تشهدني خلقي ولم تجعل الي شيء من امري، ثم اخرجتني الى الدنيا تام سوي، وحفظتني في المهدي طفلا صبيا ، ورزقتني من الغذاء لبن مري ، وعطفت علي قلوب الحواضن وكفلتني الامهات الرحائم ،وكلئتن من طوارق الجان وسلمتني من الزيادة والنقصان فتعاليت يا رحيم يا رحمان حتى اذا استهللت ناطقا بالكلام اتممت علي سوابغ الانعام وربيتني زائدا في كل عام ...الى أخر الدعاء ) فلو اراد الانسان ان يشكر الله لا فنى عمره في شكر الله ولم يستطع ان يفي الله حقه من الشكر فبعد الخلق الله يمن على عبده بالهداية والايمان فلا يتركه يعيش جاهل بلا علم ولا معرفة ، فلا بد ان يعرف الانسان كيف صنعه الله ويتعرف على نعم الله عليه ويكثر من الحمد والشكر لله على ذلك الصنع وتلك النعم التي يعلمها ولا يعلمها وكما يقول الامام زين العابدين في مناجاته ( تصاغر عند تعاظم اللائك شكري) فكلما شكر الانسان ربه على نعمه يعد مقصر ولا يفي الله حقه من الشكر والحمد فحتى قول شكرا لله هو نعمه من النعم التي تحتاج الى شكر الله وحمده .
والعلم الثالث معرفة ما اراد الله من عبده، فحينما يتساءل الانسان عند كل تصرف يقوم به هل الله يريد هذا التصرف من عبده او ينبغي ان يفعل شيء أخر ، المعرفة التي لابد ان يعرفها الانسان عن ما يريد الله منه هو انه اراد ان يطيعه ويتجنب محارمه ومعاصيه فكل معصية الله لا يريد من عبده ان يرتكبها فهي تسبب غضبه وفيها أذى لعباده فالمعاصي ليست فقط ارتكاب الكبائر المنهي عنها والمعروفة عند الناس كشرب الخمر والزنا وغيرها من الذنوب والمعاصي ولكن يغفل الانسان انه حينما يأخر اعطاء الناس حقوقهم كتوزيع الميراث على مستحقيه يعتبر معصيه فلا يجوز تأخير توزيع الارث على مستحقيه الا بالأذن ورضى الجميع أما أن أحد الورثة هو الذي يعيق التوزيع وأن كان أحد الوالدين فقد ارتكب معصية عظيمة عند الله ، فالمظالم بين الناس تعتبر معاصي وذنوب كبيرة عند الله على الانسان ان يتجنبها ويحذر من ارتكابها والاستهانة بها فهذا الذي يريده الله من عباده ان يتجنب معاصيه فلا يستهين بارتكاب الذنوب والخطايا ويكون همه الحوز على رضا الله سبحانه وتعالى .
والمعرفة الرابعة كما يذكرها الامام، معرفة ما يخرجك من دينك، فالدين بالنسبة للإنسان ما هو؟ ما هو الدين الصحيح هل هو يتمثل في الصلاة والصيام وسائر الطقوس العبادية اوفي المظاهر الخارجية كتربية اللحية واللباس وغيرها، اما ان الانسان يعتبر الدين هو القائد له في جميع الامور الحياتية فبدون الدين تتعطل الحياة وتفسد.
الناس نوعين حيال التعامل مع الدين ان يكون الدين هو الاساس والمقود في الحياة فكل ما يوافق الدين يعمله وما يتعارض معه ومع احكامه يتركه وهناك من يعتبر الدين جزء بسيط من الحياة اليومية بمجرد الانتهاء من الطقس العبادي كالصلاة تنقطع العلاقة بالدين .
والصحيح ان يكون الدين هو الميزان في الحياة فلا يفعل الا ما يقره الدين ويقبل به، واول الامور التي يجب الايمان بها في الدين رسالة النبي محمد وعدم تغييرها وتحويرها بالمصطلحات العصرية ، فيجب الايمان بان رسول الله كان ينزل عليه الوحي المباشر من الله لكي يخبره بكل اوامر الله ونواهيه وتوجيهاته له وللبشر جميعا فلا يقال بان رسول الله كانت تعتريه حاله نفسية وروحانية خاصة فيستنبئ بأوامر الله ونواهيه كما يقول البعض في زمننا الحاضر فينكر الوحي والبعض ينكر الحياة بعد الموت والبعث والحساب والعقاب والجنة والنار وينكر يوم القيامة فهذه الافكار تخرج الانسان من دينه ومن العقائد التي يجب الايمان بها في كل زمان وفي الرواية التي وردت عن الامام الصادق يسأله أحدهم فيقول (ما ادنى ما يكون به العبد كافرا فقال الامام عليه السلام أن يبتدع به شيء فيتولى عليه ويبرء ممن يخالفه ) فالإنسان قد لا ينكر الله ولا الرسالة والرسول والقيامة ولكنه يرتكب شيء بسيط ويأتي بفكرة خاطئة ويجريها على الناس فمن يتبعه في فكرته المبتدعة يعتبره مؤمن ومن يخالفه يخرجه من الايمان ، وهناك رواية أخرى عن الامام في نفس الجواب يقول (أدنى ما يخرج به الرجل من الايمان ان يجلس الى غال فيستمع الى حديثه ويصدقه) فمن ينسب الى الائمة ما لا يجوز نسبته اليهم كالخلق وادارة الخلق هذا يعتبر غلوا في حق اهل البيت سلام الله عليهم فالله يهب لعباده بعض القدرات ولكنهم لا يفعلون ذلك الا بأذن الله كـأحياء الموتى وشفاء المرضى لنبي الله عيسى فلوا الائمة استطاعوا ذلك فهو بأذن الله وقدرته اما ان يقول الانسان بان الائمة يستطيعون الخلق والرزق وغيرها من افعال الله فهذا غلوا ويخرج من يقول ويعتقد به من الدين ويعتبر كافر بالله سبحانه وتعالى .
فيجب ان يراعي الانسان مقاييس الدين وحدوده لكيلا يخرج من دينه بسبب اعتقادات خاطئة ينشرها من يحارب الدين ويزينها في العقول فيأخذ بها وينشرها هو بدوره فيخرج نفسه ومن تبعه من الدين الصحيح ويساهم في تحريف المعتقدات الصحيحة وتغييرها.