32 | لماذا كان العقل أفضل نعمة من المخدرات؟
المؤلف: الشيخ فوزي السيف - سلسلة وصية الامام الكاظم في العقل
التاريخ: 10/7/1446 هـ
تعريف:

لماذا كان العقل أفضل نعمة والمخدرات نقمة؟

كتابة الفاضل علي السعيد

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين. السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون، أيتها الأخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته. نستمر في حديثنا في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله وسلامه عليه لهشام بن الحكم البغدادي، والتي عنونت بأنها وصيته في العقل، وهي من الوصايا المستوعبة والشاملة والطويلة، مما جاء فيها: " يَا هِشَامُ مَا قُسِمَ بَيْنَ الْعِبَادِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَقْلِ نَوْمُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ سَهَرِ الْجَاهِلِ وَ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلَّا عَاقِلًا حَتَّى يَكُونَ عَقْلُهُ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ جَهْدِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَا أَدَّى الْعَبْدُ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ حَتَّى عَقَلَ عَنْهُ‏ ". هذه الفقرة التي يتناولها إمامنا موسى الكاظم عليه السلام، ويتناول فيها أهم نعمة أنعم الله بها على عباده، وهي العقل، الآن عندما يراد أن يقال أن فلانا عنده خير كثير، عنده نعم طائلة، الغالب أن الناس يتبادر إلى ذهنها أن لديه أموالا كثيرة، أن لديه سيارات ومنازل وأرصدة وصحة وزوجات وأولاد، وهكذا، يقال هذا ما شاء الله أنعم الله عليه بنعم كثيرة ومتعددة، حتى أن الناس لَيَتَمَنَون أن يكونوا مثله، فخرج على قومه في زينته، هذا من؟ قارون، قال الله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [القصص: 79]، هذا محظوظ بشكل عظيم وكبير. هذه النعمة عند الناس، وهذه النعمة التي عند الناس الله قسمها أقساما، قسما أعطاه شيئا كثيرا، قسما شيئا متوسط، قسم شيئا قليلا، عندما نسأل الباري سبحانه وتعالى، يا رب ما هي أفضل نعمة قسمتها بين عبادك؟ هل هي الأموال؟ هل هي كثرة الزوجات؟ هل تعدد السيارات؟ هل هي البيوت والقيعان والأراضي المتمادية والبساتين؟ هل هي القناطير المقنطرة من الذهب والفضة؟ يقول الإمام كلا، أفضل ما قسم الله بين عباده ليس هذا، وإنما هو العقل، من يكون أكثر عقلا، هذا أفضل نعمة عنده، التمايز بينك وبين غيرك الحقيقي هو في مقدار العقل، عندك الدرجة العليا من العقل، فأنت في نعمة عظيمة، ذاك البعيد في الدرجة الدانية من العقل ليس عنده خير ولا نعمة. وهذه ليست قضية فقط غيبية، وإنما بالإضافة إلى ذلك قضية معاشة، شخص الله ينعم عليه بكل هذه الأمور، بالأموال بالأراضي بالسيارات بالنعم الظاهرية لسوء عقله من الممكن أن يتلفها في يوم واحد، حاكم من الحكام بيده السلطة والصولجان والراحة والاستراحة، والناس متنعمون، يضرب عقله بشكل معين، فإذا بهذه الأرض إذا بهذا المكان الذي بعضهم يراها جنة الله على أرضه تتحول إلى خرائب وزرائب، ويشفق من كانوا يتصدقون عليه يشفقون عليهم، هذا من أين؟ هل كان هذا الحاكم ليس عنده سلاح؟ عنده سلاح، ليست عنده أموال، عنده أموال، ليست عنده سلطة؟ عنده سلطة، لكن عقلا لم يكن عنده بشكل كامل، لذلك أفسد دولة كاملة. الآن إذا تلاحظ في التاريخ القديم والحديث، دول كاملة انتهت، افتقرت، الذي يعبر عنها القرآن الكريم، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112]. هذا ماذا؟ ليسوا هم فقط، وإنما في جزء كبير من سياسة القادة وعدم تعقلهم، في لحظة معينة يقرر قرارا، ذلك القرار ينتهي إلى نهاية هذه الدولة، وإلى افتقار الناس، وإلى وإلى وإلى، هذا قراره من أين أتى؟ ليس من السماء، بل من عقله البائس، هذا بالمقاييس العادية. شخص من الأشخاص تصير عنده أموال طائلة، يفكر تفكيرا خطأ، فيذهب وراء مسارات غير طبيعية، أحد الملاكمين قبل مدة كانوا قد نشروا معه مقابلة، وهو يعيش في شقة جدا متواضعة، قالوا له أنت في وقت من الأوقات أموالك مئات الملايين، وراء كل مباراة ملاكمة كم ضربة من هذا الصوب وكم ضربة من ذاك الصوب، كم حصل فيها؟ حصل فيها (20) مليونا، الآن ماذا حدث معك؟ قال: أنا كنت سأصبح مليارديرا لكن ذهبت فيما بعد وراء اللعب، فساده جره إلى المخدرات وغيرها، فأصبح بائسا، هذا قُسم له من قوة العضلات، بطولة العالم، لكن ما قُسم له من العقل المستوى المتوسط الذي يدرك بأن مثل هذا المسار مسار مدمر، فذهبت أمواله، وذهبت صحته، وغيرها، وأصبح يعيش في شقة بسيطة. (مَا قُسِمَ بَيْنَ الْعِبَادِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَقْلِ)، هذا بالمقاييس الدنيوية، وأما بالمقاييس الإلهية والأخروية، فالأمر أوضح، بعقلك الذي قسمه الله لك تارة أنت تفكر أنه أنا لم أخلق لهذه الدنيا، وإنما خلقت فيها لغيرها، وعليَّ أن أعمل إلى ذاك المكان، هذه الدنيا جسر، إذا الشخص يريد أن يعبر في الجسر ووقف في المنتصف وانشغل بهذا الشكل، يأخذ صورا وإلى آخره، وما تحرك، الناس وراؤه يقولون له تحرك، أنت يجب أن تنتقل إلى الضفة الأخرى لتصل إلى منزلك وإلى بلدك، لا هو مشغول بالتصوير على الجسر والبقاء فيه. قسم من الناس في الحياة هم هكذا، هذه الدنيا هي جسر إلى الآخرة، المفروض يعبره، ويتمتع فيه بمقدار معين، يعيش فيه، لكن حتى يعبره إلى الأخرى، لا ينشغل فيه ويبقى في هذا الجسر، يستهلك طاقته وقوته وصحته وماله، كل شيء، بعد ذلك يفجعه الموت وهو لا يزال على الجسر لم ينتقل إلى مكان آخر. هذا الإنسان لم يقسم له من العقل شيء كثير لذلك خسر الآخرة، وأسوأ منه من يخسر الدنيا والآخرة أيضا، يعني لا ينتخب طريقا صالحا في الدنيا حتى يستمتع فيها، ولا ينتخب طريقا يوصله إلى الآخرة، فلا هو في الدنيا قد ارتاح فيها، ولا هو في الآخرة قد ربحها. هذا كله معتمد على ماذا؟ معتمد على أنه ماذا قسم الله للإنسان من العقل، وذكرنا في أول الحديث في هذه الوصية، أن الله سبحانه وتعالى يقسم للناس مقدارا متوازنا من العقل، هناك قسم من الناس يصعده، ينشطه ينميه يكثره، وهناك قسم من الناس يغطيه، مصباح بين أنت تجلوه باستمرار حتى يبقى مضيئا لك، وبينما أن تجعله يتراكم عليه التراب والغبار والطين حتى لا ترى به شيئا، العقل هكذا. أصل القسمة الإلهية هي واحدة، ولكن بإمكان الإنسان أن يطور، أن يكثر، أن يوسع، أن يعظم عقله، وبإمكانه أن يترك كل ذلك، فينزل عقله إلى أن يصبح أشبه بالحيوانات، قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 44]. ما هو الفرق ما بين الإنسان والغنم والبقر؟ كلهم يأكلون، وكلهم يشربون، وكلهم يتناسلون، وكلهم يعيشون مدة من الزمان، الفرق أن هذا الإنسان يعرف الطريق السليم، وله إرادة تجعله يسلكه، الغنم والبقر تحتاج إلى شخص يقودها، هؤلاء الذين أيضا عندهم عقل الله أعطاه المصباح، ومع ذلك هو أطفأه، هذا أضل سبيلا من تلك البقرة التي لا تملك مصباحا، البقرة خلقت هكذا، لا تملك عقلا تسير به، فلو احتاجت إلى من يدلها أو أخطأت الطريق، لو هلكت، معذورة لعدم وجود هذا العقل، وأما هذا الإنسان الذي بيده المصباح موجود، ولكن مع ذلك أطفأ مصباح عقله، هذا أسوأ من الأنعام، أضل سبيلا منها. فـ(مَا قُسِمَ بَيْنَ الْعِبَادِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَقْلِ)، لماذا؟ يقول عليه السلام نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، العاقل نائم، المفروض أنه لا يذكر الله، ولا يسبح، ولا يصلي ما دام نائما، الجاهل سهران، يفترض أنه يحصل من هذه الأعمال، لكن الله جعل نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، أحيانا تقول للجاهل (مروتك بس نام فكنا) لماذا؟ لأنه بسهره يحتطب مزيدا من السيئات، يسهر على الأفلام الخلاعية والعياذ بالله، يسهر على الصور غير المناسبة، يسهر على المواقع غير الحسنة، وهذا سهره هل فيه منفعة؟ نوم غيره، بل نومه هو أفضل من سهره فكيف إذا كان نوم العاقل؟ نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، سهر الجاهل إما أن يكون ضياعا حيث لا فائدة فيه ولا منفعة، أو قد يكون احتطابا في الإثم، ومزيدا من المعصية، فأيهما أفضل؟ نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل. وما بعث الله نبيا إلا عاقلا، بأي مقدار؟ حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين، في عقيدتنا نحن الإمامية أن النبي والإمام لابد أن يكونا أعلم الناس الذين بُعث إليهم، وبالنسبة إلى رسول الله أعلم الناس قاطبة، وأن يكون أذكى الناس، أعقل الناس، لا يمكن أن نجد في زمان رسول الله شخصا أذكى منه، أعلم منه، أفضل منه، لذلك لما يأتينا حديث ويقول أنتم أعلم مني بشؤون دنياكم، نقول كذب، لأن الفرض أن النبي أعلم الناس، بل أعلم الخلق، كيف أنتم أعلم مني بشؤون دنياكم؟ إلا إذا كان تفسيرها بأنه في الأمور الدنيوية الدانية أنتم خبرتكم أكثر، أنا ليست عندي خبرة، مثل أن تقول فلان السيء أعرف مني بدروب الشر، أعرف مني بدروب الشر، لا مشكلة بهذا المعنى، أنتم في القضايا التافهة في القضايا غير السليمة تعرفونها أنا لا أعرفها، أنا أعرف فقط الطريق المستقيم، هذا إذا وُجد لهذا الكلام توجيه لابد أن يوجه بهذا النحو، وإلا على سبيل الإطلاق أنتم أعلم مني بشؤون دنياكم، خطأ، أنتم أعلم من النبي في السياسة؟ كلا، أنتم أعلم من النبي في الاقتصاد؟ كلا، أنتم أعلم من النبي في الإدارة؟ كلا، أنتم أعلم من النبي في الصحة؟ كلا، لا يمكن، وإلا المفروض أنتم تصبحون أنبياء على النبي، وليس بالعكس، أنتم يجب أن يتبعكم النبي لأن المفروض أن الأعلم هو الذي يُتَّبع، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: 35]، فلابد أن يكون عقل النبي، ما بعث الله نبيا إلا عاقلا بحيث يكون عقله فوق جهد جميع المجتهدين، أحيانا كثير من الناس يعملون ويجتهدون، ولكن الرأي الصائب والصحيح هو الذي يتقدم عليهم، والأنبياء كان لديهم من العلم والعقل والمعرفة ما يفوقون به جميع جهد المجتهدين. بل أيضا ما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عَقَل عنه، هذا أيضا من ميزات وفضائل العقل، أنك لا تستطيع أن تعبد الله بأي درجة من الدرجات نازلة أو عالية إلا بأن تعقل عنه. إن كنت في الدرجة الدانية أنت لا تستطيع أن تعبد الله إلا بأن تعرف مجموعة مقدمات ينتهي إليها عقلك، يجب أن تعرف أن لهذا الكون ربا، وأن هذا الرب قد خلقني وخلق هذا الكون من أجل هدف وغاية، فوجب عليَّ أن أشكره بأداء فرائضه، ما دام خلقني من أجل غاية، إذن لم أُترك عبثا، ما دام لم أُترك عبثا، إذن أوجب عليَّ فرائضه، ما دام كذلك، إذن يجب أن نؤدي هذه الفريضة، هذا أدنى درجات العقل يجب أن يوصله، إذا هذا ما استطاع أن يوصل إليها الإنسان ولو بالتعليم، هذا يكون مرفوعا عنه القلم، يكون غير عاقل، لا يدرك وجود الله، لا يدرك أن الله قد بعث أنبياء، لا يدرك أن الله قد أوجب عليه واجبات، لا يدرك ولا يدرك، تارة لا يدرك باعتبار أنه لم يتعلم، لم يتعرف، يجب تعليمه. ولهذا ينبغي أن يتعلم الإنسان العقائد الدينية، وأن يعلم أبناءه وأهله، أنت مسؤول أيها الأب في ذلك، ابنك يجب أن يدخل في دورة دينية عقائدية ثقافية ليتعلم، لم يذهب، تسعى أن يذهب، هناك قسم من الناس عندهم فكرة وهي قطعا فكرة خاطئة، يقول الأب أو الأم، أنا أريد ابني أو ابنتي يكتشفان الصح من الغلط، لا أريد أن أجبرهما على شيء، لا أريد أن أسيرهما على طريقي، ابنتي تكتشف الصح من الغلط، تكتشف الحجاب أفضل، وتكتشف الأخلاق أحسن، وهو أيضا يكتشف العبادة والفرائض بشكل سليم بنفسه، حتى يصبح عن قناعة. هذا كلام غير صحيح، غير صحيح أبدا، سألك سؤالا غدا لو ابنك أو ابنتك الصباح قعد وقال إنه يفكر هل أذهب للمدرسة أو لا أذهب للمدرسة، ماذا تقول له؟ تقول له بلا هذا الكلام، قم بسرعة، المعنى هنا صار قم بسرعة بينما هناك أدعه على اختياره وعلى رأيه، دعه، إذا فعلا أنت مؤمن بأن الإنسان يجب أن يتوصل إلى كل هذه الأمور بنفسه، ابدأ في هذا، لا أحد يفعل هذا. لو أن الابن من الصباح قال أنا البارحة فكرت أن المدرسة هذه لا تفيدني في شيء، تعب وجهد، وقسم من هؤلاء التجار الكبار أصلا صاروا بدون قضايا مدرسة وما مدرسة، فأنا فكرت أنا لا أذهب إلى المدرسة، تقبل منه هذا الكلام؟ لا تقبل منه ذلك. ابنك الشاب قلت له قم اذهب للعمل، قال أنا فكرت أن هذه الدنيا ممر مؤقت، ما فائدتنا فيها؟ فأحسن شيء الواحد يزهد في الدنيا ولا يعمل فيها، فكرت أن لا أذهب للعمل، والحمد لله الله يديمك على رأسنا وأنت أيضا تدعمنا، وإذا متزوج تعطينا أنا وزوجتي وأولادي وغيرهم، ماذا تقول له؟ فكر هذا؟ هذا فكر أيضا، اقتنع بهذا الشيء، لا تقبل منه هذا الكلام، لابد من إفهام هذا الابن والبنت، وأنت مسؤول بمقتضى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]. تقوهم بماذا؟ بتعليمهم، بإرشادهم، بالمحافظة عليهم، بتوجيههم، لماذا الله ما فعل هكذا؟ أساسا لماذا الله أرسل الأنبياء وغيرهم؟ دع عباده بهذا الشكل، باختيارهم يفكروا أنهم الله موجود أو لا، في جنة أو ما في جنة، في حساب لو ما في حساب، لماذا بعث إليهم أنبياءه وواتر بينهم رسله ليثيروا لهم دفائن العقول ويذكرهم منسي نعمته، كما يقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. فمن اللازم أنت أيها الأب أنت أيتها الأم كما عمل عليكم غيركم من آبائكم وأجدادكم أيضا أن تعملوا على غيركم، ومن يقول غير هذا لا يصدق، لأننا نراه في الأمور الدنيوية لا يترك أبناءه وشأنهم. شخص والله في الصباح عنده حمى شديدة، يرتجف جدا، تقول له اذهب للدكتور، قال لك أنا والله فكرت بأن المشافي هو الله، الطبيب ما هي قيمته؟ لا يحتاج أن أذهب للطبيب، إذا الله سيشفيني سيشفيني، تقول له دع عنك هذا الكلام وتحرك، إذا ما قام معك أنت تأتي له بالطبيب، لماذا؟ لأن هناك أسبابا لابد أن تسلك حتى تصل إلى النتيجة، كيف تعبد الله؟ لابد أن تسلك الأسباب، تعلم ابنك، تثقفه، تهذبه، تدربه، لابد أن تفعل ذلك. (وَمَا أَدَّى الْعَبْدُ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ حَتَّى عَقَلَ عَنْهُ)، لذلك من مسؤولياتنا أن نتعقل أولا، وأن نربي وننمي عقولنا، وأيضا أن نحافظ على عقول أبنائنا، ننميها، نبعدهم عن كل ما يفسدها، لماذا الخمر حرام؟ أنا حر وأريد أن أشرب الخمر وما (أتطوطح) يمينا وشمالا، لا، هذا يعني إفساد عقلك، وعقلك نعمة الله عليك، لا حق لك في ذلك، مثلما ليس لك حق أن تنتحر وتعدم نفسك، هذه جوهرة إلهية أنعم الله بها عليك لا حق لك في إفسادها، أنا أريد أن أستعمل المخدرات، لا حق لك في ذلك، يحرم عليك، لماذا؟ لأن هذا ينتهي إلى إفساد عقلك، وإفساد العقل كإفساد الدين وإفساد الحياة. بالمناسبة هنا أيضا لا بد أن نحذر من مقدمات هذه المخدرات والمفسدات للعقول، هذه الحبوب (أمفيتامين) و(كابتجون) وغير ذلك، وأمثالها كثير، سمعتم قبل مدة في بلدة هنا في منطقتنا كيف أن شخصا على أثر الذهاب في هذا الخط انتهى به الأمر إلى أن يحرق أهله أمه أباه بيته إلى آخره، فهذه النتائج الطبيعية، فإذا وضعت رجلك لا سمح الله على الخطوة الأولى، أنت انتهيت، لابد أن ترجع، لابد أن ترجع، وإذا رأيت صاحبا لك في هذا الخط فر منه فرارك من الأسد، بل من النار الحاطمة، لأن هؤلاء لديهم طرق في إيقاع الإنسان في هذه المشاكل لأجل أن يربح بعض الأموال. سبحان الله يعني يتعجب الإنسان هؤلاء ليس عندهم...، الآن عقول ما عندهم، قلوب ما عندهم؟ ضمائر ما عندهم؟ عندما يفكر أنه كم تحطم على يده من الأسر؟ كم حدث من الطلاقات؟ كم انتهت حياة الناس على أثر أنه هو يريد أن يأتي له هذه الحبوب ويربح فيها كذا من الريالات؟ طيب كذا من الدنانير، الحقيقة هؤلاء أسوأ ممن يقتل إنسانا ويسرقه، السراق المسلحون ماذا يصنعون؟ يأتي ويقتل الإنسان ويسلبه أمواله، هذا أسوأ منه، يحوله إلى شبه إنسان، ويظل يسحب في أمواله، فهو ميت في صورة حي، ذاك على الأقل قُتل وذهب، هذا ميت في صورة حي، معاناة الأحياء يعانيها ولا ينعم بنعم الأموات. فلذلك ينبغي التحذير من أمثال هؤلاء وفضح هؤلاء والابتعاد عنهم، الذي يمكن هدايته ينبغي أن يقال له اتق الله، أمامك حساب وعقاب، والذي قدره الله لك من الرزق في هذه الدنيا هو مقدر لك بالحلال، لكن أنت لو ذهبت وطلبته بالحرام لن تتجاوزه، هذه ليست فقط تجارب، هذه إخبارات صادقة من المعصومين عليهم السلام، ثم ماذا ينفعك أن تسكن في منزل مبني بهذه الأموال المحرمة على عظام الضحايا، على آلام الأمهات، على دموع الزوجات؟ طيب هذا يسكن في بيت فاخر ويركب سيارة فاخرة، فلذلك هؤلاء يعدمون العقول، يهدمون العقول، لذلك ينبغي أن نحذر منهم، وأن نحذرهم، وأن نبعد الناس عنهم. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي من كان منهم قابلا للهداية، وأن يقمع من كان سادرا منهم في الغواية، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
مرات العرض: 4214
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 75701.15 KB
تشغيل:

40 | كيف تستقطب جنود العقل
8 | لماذا كان الصمت مصنع الأفكار