الزهراء وعالم المحبة والشباب
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 1433 هـ
تعريف:

الزهراء وعالم المحبة والشباب

 
تفریغ نصي الفاضلة أم عبد الجليل الرميح

تصحيح الأخت الفاضلة أفراح البراهيم

روي  عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه  رجع من سفر كان فيه وكان إذا أقبل  إلى المدينة كان أول بيت يبتدىء به بيت فاطمة فجاء إلى بيت فاطمة ونظر  إلى  كساءٍ خيبري على الباب فترك الدخول ومضى  إلى المسجد فسمعت فاطمة قدوم رسول وعلمت أنّه مر على البيت ولم يدخل  وعرفت ذلك  فنزعت  الكساء الخيبري ووضعت معه شيئًا من زينتها وقلائدها وذهبت بها إلى رسول الله وقالت خذ هذا وضعه في سبيل الله ، قال رسول الله ( فعلت فداها أبوها) وكرّرها ثلاثًا ثم قال ( يا فاطمة إنكم خلقتم للآخرة و لم تخلقوا للدنيا )

هذا الحديث الشريف و جملة من الأحاديث الشريفة تشير إلى أنّ السيدة الزهراء عليها السلام  كانت من السابقات المتقدّمات في مجال المبادرة لكل خير،  وقذ ذكرنا أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصفها بقوله (  إنّ ابنتي فاطمة لفي الخيل السوابق )١
حديثنا سوف يكون حول التجليات  الاجتماعية  لما نعتقده  في حق فاطمة الزهراء عليها السلام محاولين إنزال هذه الجوانب  العقائدية إلى جوانب  اجتماعية تنفعنا في حياتنا.
١_ الجانب  الأول الذي يمكن تسليط الضوء عليه هو أنّ السيدة  فاطمة الزهراء عليها السلام  ذهبت إلى ربها شهيدة وهي ما تزال في ريعان الشباب فقد كانت في سن  الثامنة عشر من عمرها كما ثبت تحقيقًا  عند علماء أهل البيت عليهم السلام  ، خلافًا لما ذهب إليه بعض المؤرخين الذين أرادوا أن يبالغوا في عمرها وسنّها ، حتى قال بعضهم أنّها توفت بعد أن بلغت ستة وعشرين عامًا ، وهذا ما لا يوافقه التحقيق التاريخي الذي يرى أنّ فاطمة حين استشهدت كانت في الثامنة عشر من عمرها.
هذا العمر القصير يلفت النظر إلى قضية الشباب  والتي تعتبر اليوم من أهم القضايا على مستوى العالم ، وتطلعاتهم وطموحهم ومتطلباتهم من القضايا الأساسية التي يتحدث فيها والتي تعرب عن نفسها ، حيث نرى حركات احتجاج وأعمال معارضة وظواهر  تمرد. لا نريد أن نقول أنّ هذه الأمور صائبة أو خاطئة وإنما نريد توصيف المشهد العالمي اليوم والذي يعجّ بحركة الشباب في مختلف الجهات بدءًا من عالمنا الإسلامي وانتهاءًا  إلى سائر الأماكن.
مع ملاحظة بأنّ هذا الأمر و حالة الشباب هذه  ليست بالضرورة مقترنة بحالة الانحراف ، وليست مقترنة بحالة الخطأ أو الحاجة إلى أن يمر  زمان حتى يتعقّل الإنسان.
البعض  عندما يرى ابنه وهو بعمر الستة عشر أو  أكثر أو أقل ويكون لديه حالات غير معقولة يقول دعه يستمع وفي آخر عمره سيكون أكثر تعقّلًا ،  أو عندما ترى امراة ابنتها غير متلزمة دينيًا  كأن تكون  غير محجبة أو تسلك سلوكًا لا يراعي العادات والتقاليد تقول أنّه سيأتي يوم وتكون أكثر تعقلًا ولو كان ذلك في آخر العمر،  فلماذا أفرض عليها ذلك واجعل حياتها مملوءة بكثير من التعقيدات ؟؟، فهي مازالت صغيرة ومع الأيام ستتعلّم .
  هذا كلام خاطئ فهذه مولاتنا السيدة الزهراء عليها السلام قد بلغت أسمى المراتب التي يطرحها أبوها رسول الله بنفسه وهي في عمر الثامنة عشر وهو آخر عمرها ، وهذا يعني أنّ الزهراء بدأت في إبراز ملكاتها ، وإبراز أخلاقياتها وسابقيتها في وقت أبكر من هذا بكثير ، وقد يتبادر للسامع  الآن فكرة  أنّه بيننا وبين فاطمة الزهراء عليها السلام فرقًا كبيرًا كونها معصومة ولأننا لسنا معصومين،  وهذا الأمر صحيح ، ولكن من جهة نقول إنّ الفكرة القائلة بأنّه  لايمكن أن يصل الشباب إلى أعلى الدرجات وأرقى المستويات ، هذه الفكرة  غير صحيحة،  فقد وجدنا غير  المعصومين بلغوا مراتب عالية من العلم والعمل وهم في مرحلة الشباب فضلًا عن المعصومين ، وهناك من أصحاب الأئمة عليهم السلام من أمثال هشام بن الحكم الذي إذا أقبل ودخل مجلس الإمام الصادق عليه السلام فإنّ الإمام يقوم له إجلالًا و احترامًا له ، بل ويجلسه  بجانبه ، وهشام بن الحكم في ذلك الوقت  لم يسود شاربه وهذا دليل على أنّه كان دون العشرين ، وفي هذا العمر كان الإمام يكرمه حتى أبدى بعض الأصحاب  ممّن هم من كبار السن  تعجّبهم ، وتساءلوا كيف أنّهم أكبر سنًا ومن أصحاب أبيه الإمام الباقر عليه السلام ومع ذلك يقدّم هذا الشاب الصغير عليهم ويظهر احترامه له بشكل ملحوظ ، فبيّن لهم الإمام أنه ذا مستوى علمي واضح في المسائل العقائدية والفلسفية.

إذًا فقد كانت الزهراء عليها السلام مثالًا واضحًا في قضية الشباب ، حيث أنّ الفتاة وهي شابة  لا تستكثر الإيمان القوي على نفسها ، وأنّ الأم لا تستكثر على ابنتها أن تذهب في اتجاه الخير إلى منتهاها ، أو أن يستكثر الوالد على ابنه أن يسير مسيرة عادية أو إذا حصل منه شئ من التجاوز يقول دعه من حين شبابه ما استطعت إليه سبيلا. هذا تعلّمنا إياه قضية فاطمة أنّها في أوان شبابها مع ملاحظة مرحلة العصمة نحن لا نغفلها ولكن تعطينا هذه الفكرة أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام  بلغت ما بلغت وهي من المستوى العالي  في ريعان شبابها وبداية حياتها .

٢/ قضية آخرى جانب التطهير والنزاهة ، ونحن نقرأ آية التطهير في حق فاطمة وأهل البيت عليهم السلام   ( لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ..)٢
ونقرأ في الطرف المقابل أيضًا أنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام لم يتمتعوا بنظافة البيوت وطهارة الحجور ، ونزاهة الأرحام و الأحضان ، وإنما وجدنا التاريخ يتكلم في فلانّ من أعداء أهل البيت  حيث يتنازع فيه خمسة من قريش ،  وإن تركنا أمر المنهج والأصول وتركنا النص على ولاية أهل البيت عليهم السلام وعرض عليك شخصان ، شخص جاء من بيت ورحم طاهر  وصلب طاهر وأحضان نزيهة ، وإلى جانبه شخص تقلّب بين  الأرحام المؤبوءة وبين الأصلاب القذرة وبين الأحضان المتهتكة ، ماذا لو  لو عرض عليك مثل هذين النموذجين  بغض النظر عن قضايا النص الشرعي الثابت والروايات الكثيرة المتظافرة والمتواترة ،   أنت بلا شك ستلجأ في تسليم أمر دينك وشرعك وقيادتك إلى هذا الطاهر المطهّر المنزّه من الأدناس ، حتى لو لم يكن هناك نصٌ  أو رواية .
ومع وجود هذا الروايات الكثيرة والأدلة القطعية القائمة نحن  نلاحظ أنّ أهل البيت عليهم السلام كانوا يمثّلون خط الطهر في التاريخ البشري ، وخط النزاهة في الأرحام ، والطهارة في الأصلاب ، وكانوا يفتخرون بذلك ويذكرونه باستمرار ، قال الحسين عليه السلام  ( يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجورٌ طابت وطهرت )٣
هذه الجوانب ينبغي إن ننزلها في حياتنا اجتماعيًا فنسلك سبيل الطهارة ، و نسلك سبيل  الالتزام الخلقي ، هذا السبيل الذي سلكه أئمة الهدى المعصومون المطهرون عليهم السلام.
في حديث للسيدة الزهراء عليها السلام تخاطب أمير المؤمنين عليه السلام (  أبا الحسن ماعهدتني كاذبة ولاخائنة ولا خالفتك منذ  عاشرتني فيقول لها معاذ الله أنت اعلم بالله و أبر وأتقى وأكرم وأشدّ خوفًا من الله من  أن أوبخك بمخالفتي )٤
فأنت لا تحتاجين إلى شهادة ولا تحتاجين إلى توجيه ولا تحتاجين إلى شخص يقول فعلتي أو لم تفعلي. هذا يعلّمنا أنّ هناك أخطارًا تحيط بالعائلة المسلمة ، وعلى سبيل المثال قضية  الخيانة والعياذ بالله هي من  مهدمات الكائن الأسري سواء كانت الخيانة من طرف الزوج أو الزوجة ، إن دخل عنصر الخيانة في أي بيت فلا يمكن أن يبقى كيان هذه الأسرة ثابتًا ، حتى لو تاب هذا الخائن ، لذلك لابدّ أن لا يقترب ولا تسوّل له نفسه أن يلج إلى بوابة الخيانة ناهيك عن ارتكابها ، فالقرآن الكريم يقول عند النهي عن الزنا ( لا تقربوا الزنا ) ٥ ولم يقل لاتزنوا ، قال لا تقربوا منه ولا تصل إلى محيطه ودائرته ، لأنّ هذا الدائرة القريبة تسقطك  في مستنقع الجريمة والانحراف والزنا ، وإن اقترب الإنسان من هذه الدائرة وارتكب ذنبًا فلا بدّ له من التوبة سريعًا إذ أنّ ذلك واجب شرعي قد أكّدته الروايات والأحكام الشرعية ،
ومع ذلك وإن تاب إلا أنّ هذا الذنب الكبير تترتّب عليه آثارًا وخيمة وأهمها فقدان الثقة بين الطرفين وانعدام الأمان في المستقبل ، قد يقبل الله توبته إن تاب توبة نصوحًا لكنّ هذه التوبة ليس من السهل أن تمحو تلك  الآثار المترتبة على الخيانة ، ولن يتمكّن الطرف الآخر من نسيان ذلك  الأثر الوضعي الأخلاقي الذي أحدثته الخيانة  في نفسه ، وربما يحتاج ذلك إلى وقتٍ وجهدٍ طويل ، إذن  الخيانة من مهدّدات البناء الأسري  ، وكذلك الكذب يدعو إلى الخيانة  ففي كثيرٍ من الأحيان يغطّي الخيانة فلو كان الإنسان صادقًا فإنّه  لا يرتكب الذنوب ، وقد ورد في الروايات أنّ بوابة الرذائل شرب الخمر ومفتاح هذه البوابة هو الكذب .
فقد جاء رجل إعرابي (وكان يذنب كثيرا ويشرب الخمر )إلى خاتم الأنبياء محمد  وقال له  يارسول الله أوصني بوصية واحدة ألتزم بها وتنفعني في دنياي وآخرتي فقال له لا تكذب فقال الرجل فقط هذا ؟ أمر بسيط  ..فقال لم يقل لا تشرب الخمر لا تزني لا تفعل كذا ولا كذا لا تسرق قال لا تكذب،  وهذا أمر بسيط فذهب الرجل وكان قريب وقت الظهر  أراد أن يشرب الخمر فجاءته الفكرة لو شربت الخمر وتأخرت عن الصلاة وسألت  عن سبب التأخير وعدم الحضور إلى المسجد  ماذا ستكون الإجابة  هل أقول كنت أشرب الخمر هذا غير ممكن ولو قلت لهم شئ آخر فسيكون كذبًا ، ورسول الله قال لي لا تكذب فترك شرب الخمر وهكذا ترك  ذنبًا وراء ذنب عندما وضع بيده المفتاح الذي يجعله يستخدمه أمام الذنوب فابتعد وتاب من فعلها.

الزهراء عليها السلام مؤكد أنّها لم تكن خائنة و ليست كاذبة ولم تخالف أمير المؤمنين عليًا عليه السلام في شئ  ، ولكن لو لم تنطق بهذا الكلام لما وصل إلينا ولو أبقت هذة الكلمات في نفسها لما وصلت إلينا ، فهي تخبرنا  أنّ أحد أسباب انهدام البناء الأسري هي الخيانة الزوجية ، وعلى سبيل المثال وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الزمان هي أحد بوابات الخيانة التي تجرّ كلا الزوجين لهذا المستنقع دون أن يشعر ، فنجد أنّ الزوجة تخاطب أحدهم في برنامج الفيس بوك مثلًا بكلام لا يقال إلا للزوج ، وهذا يعتبر خيانة وإن لم يحدث التماس الجسدي ، البعض يسأل الشرع هل  يجوز للشاب أن يتخاطب مع الفتاة التي لا تمتّ له بصلة شرعية  ؟؟
يقول الشرع  إذا كان الكلام بنحو يؤدّي إلى الحرام فإنّه لا يجوز  (  فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون )٦
وإن لم يؤدّي للحرام فإنّه غالبًا ماتتطوّر هذه الأمور وتؤدّي شيئًا فشيئًا لذلك ، فلا يقل احدهم أنا مختلف ولن يسلك بي هذا الطريق والعياذ بالله للحرام ، فإنّه لا محالة ستتطوّر تلك العلاقة البسيطة ، وسينتهي بك المشوار كما انتهى بغيرك ،  وستقع في ذات المستنقع الذي وقعوا فيه ، لذا يجب المحافظة على النفس وعدم الاقتراب من بوابة الخيانة ،  لذلك الغالب نجد  الفتوى عند علمائنا  عدم جواز مثل هذة المخاطبات إن كان يخشى منها الوصول إلى الحرام.

وكذلك الكذب إحدى مدمرات الكيان الأسري ،  فهناك من الناس من يقول  بأنّ الكذب على الزوجة جائز ، فتراه يكذب كثيرًا ويتّخذ من الكذب غطاءًا وسترًا على قبائحه ، وكأنّ الكذب جائز فلو رجعنا إلى الرسائل العملية لوجدنا أنّ  الكذب حرام ، وإن كان هناك  بعض الإستثناءات التي يجوز فيها الكذب على الزوجة على سبيل الضرورة ، حيث أنه محددٌ في مواقف معينة ، كأن تعد زوجتك بشىء ما ثم لا تتمكّن لأي سبب ما من المشاغل أن تحقّق وعدك.، وقد يكون لعدم تمكنك جسديًا وماديًا.
وفي الرسائل العملية ورد أنّه لو كان يعلم الإنسان أنّه سيخلف وعده لزوجته فالأحوط أن لا يكذب عليها ، وفي حال طلبت الزوجة شيئًا ما و الزوج لم يتمكّن  من إحضاره فلا داعي إلى الوعد والكلام المنمّق ، بل عليه الاعتذار  بدلًا من الكذب ، و هناك علماء يقولون الأحوط وجوبا وهناك من يقول على الأحوط استحبابا ترك الكذب وهذا كله ضمن دائرة وعد الزوجة ،  ويجوز فقط في حال الضرورة إن كان  الكلام بالصدق يخلق مشكلة.  إذن الكذب غير جائز وغير مقبول شرعًا وقد أكدت الروايات على حرمته وقباحته وشناعته .
الزهراء عليها السلام  قالت لا عهدتني خائنة ولا كاذبة ولا خالفتك مذ عاشرتتي
ففاطمة الزهراء عليها السلام  أمام أمير المؤمنين تقدّم هذا البرنامج الذي نحن نستدلّ به كواحدٍ من الأدلة  على عصمتها في الموضوع  العقائدي ونستطيع تنزيله إلى  الحالة الاجتماعية في حياتنا ، وقد يقول أحدهم إني لست بمعصوم فنقول أنك لست مطالبًا بدرجة العصمة لكنك مطالب بدرجة الالتزام الشرعي والوجوب ،  أنت مطالب  بعدم الخيانة بأي درجة من الدرجات ، وهذا الكلام موجّه لكلا الطرفين فلا يجوز لأحدهما أن يخون الآخر ، ولا يجوز لأحدهما أن يبرّر لنفسه محادثة الطرف الآخر بهدف التسلية ، ونلاحظ أنّ الشرع يمنع حتى ماهو أدون من ذلك ، فعلى سبيل المثال تلك الأرملة أو المطلقة لايجوز التخاطب معها في وقت العدة  بأمور جنسية مثيرة  وإن كانت نيتك الزواج بها مستقبلًا ، فكيف إن كانت نيتك بهدف التسلية .

إنّ طهارة الصديقة فاطمة الزهراء في أعلى درجاتها وفي أسمى درجاتها لا يستطيع الإنسان الوصول إليها بسبب مانع  العصمة الضرورية الثابتة لفاطمة الزهراء عليها السلام  ولكن في درجة  التنزيل الإجتماعي والإلتزام الشرعي كل إنسان سواء كان ذكرًا ام أنثى مطالب بأن  يخطو  على خطى الزهراء في الالتزام بالأحكام الشرعية كالأمور الواجبة كخروج المرأة  من بيت زوجها إلا بأذنه إما مطلقا أو في حدود حقه الشرعي، وهناك  مسلكان لعلمائنا في هذا الحكم البعض يقول مطلقا لا يجوز خروج المرأة من البيت قبل أن تاخذ الاذن من الزوج.
والبعض يقول فيما لو كان ذلك الخروج يضيّع حقه الزوجي في التمكين الجنسي وما شابه ذلك فإنّه لا يجوز لها ذلك على التقديرين.
و كما أنّ فاطمة  الزهراء من الناحية العقائدية نحن نلتزم ونؤمن بها أنها  في أعلى درجات الإنسجام مع أمير المؤمنين
هذا المقدار الشرعي نحن مطالبون فيه أيضًا ، وهناك قضية آخرى نستفيدها من عقيدتنا في الصديقة الطاهرة ماجاء في مناقبها وفضائلها حتى قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم    ( إنّ إبنتي فاطمة لفي الخيل السوابق )
وذكرنا الحديث الشريف الذي يرويه الشيخ الصدوق أعلى الله مكانه من أنّ النبي صلى الله علية وآله جاء من سفر وأول من يبدأ بملاقاته هي  فاطمة ، فجاء عليه الصلاة والسلام  يدخل بيت فاطمة وكانت عليها السلام قد أعدّت كساءًا خيبريا لاستقبال زوجها أمير المؤمنين ،  وهذا من الأمور  المستحبة للزوجة حيث التهيؤ لاستقبال زوجها خاصة إذا كان قادمًا من السفر سواء كان تهيئة نفسها أو منزلها ، وهذا التهيؤ مطلوب من الطرفين لتحقيق العفة ، لذا حرصت الزهراء عليها السلام على ذلك ولما قدم رسول الله ورأى الكساء الخيبري وكان جميلا مرتبًا، انصرف إلى المسجد ، فلما رأت  الزهراء ذلك تساءلت عن سبب ذلك وتصرّفت بذكاء ملفت حيث  خلعت الكساء  ووضعت معه شيئًا  من قلائدها و شيئا ممًا تتزيّن به وذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أو قيل أرسلته له وقالت ضعه في سبيل الله  فإذا بالنبي صلى الله علية وآله تدمع عيناه ويقول ( فعلت فداها أبوها فعلت فداها أبوها ) ربما ليس من الواجب على الزهراء أن تصنع ذلك لكنّ موقع الزهراء عليها السلام يختلف عن موقع غيرها ، فما يرتبط بنفسها و بحياتها الشخصية  تقتصد فيه  وتوفّر منه ولا تطلب المزيد ، لكن فيما يرتبط بحياتها العامة حيث إنفاقها و اهتمامها بالمجتمع فذلك شي آخر ، لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله لم  ينهاها عن الأمر ،  ولم يقل لها لماذا فعلت هذا لأنه مباح .
بل  قال لها يا فاطمة أو يا آل محمد إنكم لم تخلقوا للدنيا وإنما خلقتم للآخرة ، أنتم يا آل بيت رسول الله  ليس لهذا العالم تعيشون  ،  ولستم تأكلون من أجل الأكل وتربية البدن إنما أنتم خلقتم للآخرة، الدنيا خلقت لكم  ولكنكم خلقتم للآخرة ، فاعملوا على هذا الأساس ، ولذلك رأينا فاطمة الزهراء عليها السلام   فيما يرتبط به الدرس العملي الأخلاقي والإجتماعي يتضح من خلال تعامل السيدة الزهراء بوضوح ، أما فيما يرتبط بشأنها الشخصي وأمور طعامها وشرابها وما يرتبط بذلك لم تكن  تكلّف  أمير المؤمنين شيئًا ، فقد روي أنّه لما جاء الإمام عليًا إلى البيت  وسأل فاطمة يا فاطمة ماذا عندنا قالت لا يوجد شيئ في المنزل فقال لها ألا أخبرتني بذلك   فقالت  إنّ أبي قال لي يافاطمة  لا تسألي عليًا شيئًا فإن كان لديه  فسيأتي به إليك  وإن لم يكن فلا تكلفيه مالا يطيق ،  فخرج  علي عليه السلام من ذلك الوقت  حتى يشتري  ويحصل على شيء من الطعام فاقترض درهمًا من أحدهم حتى يشتري طعامًا وإذا به يرى  المقداد بن الأسود الكندي  فسأله ما  أخرجك يا مقداد ؟ فقال له بعض أمر فقال له لا بدّ لك أن تقول قال : لا يوجد ما نأكله فخرجت لعل الله يرزقني ، فأخذ أمير المؤمنين الدرهم الذي اقترضه وأعطاه المقداد بن الاسود الكندي ، ورجع لا يملك شيئًا حتى يفكّر ما يصنع ، فبينما هو  كذلك فإذا بفاطمة قائمة في محرابها  وإذا بجفنة بها طعام يفور  ويتصاعد منها  دخان وقال يا فاطمة أنّى لك هذا ؟  قالت : هو  من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب .
الزهراء سلام الله عليها تعطي كلا من الزوج والزوجة درسًا عمليًا مفاده عدم التكلًف على الآخر وطلب ما لا يطيق  الآخر .
الزهراء عليها السلام  عاشت  تلك الحياة الرائعة  السعيدة وهي تقول ( ما كان لنا إلا مسك كبش نعلف  عليه بالنهار بعيرنا فإذا كان الليل افترشناه )٧
عاشت الزهراء مع أمير المؤمنين  هذه الحياة  بأفضل ما يكون عليه الانسجام  بين طرفين ، وحياتها تعلّمنا أنّ السعادة الزوجية  ليست بكثرة الطلبات و ليست بتعدّد الاكسسوارات و بكثرة الثياب ، وليس بفخامة  البيت وعظمته ، وإن  كان  الزوج يملك المال لذلك فلا بأس  أن ينفق على أهله وزوجته ،  وإن كانت الزوجة تملك المال فلا بأس أن تتزيّن لزوجها ، أما في حال فقرهما فلا داعي أن يتطلّب أحدهما على الآخر وتعقيد الحياة الزوجية بما يعكّر صفاءها ، تستطيع الزوجة أن تصنع جمالها بكل بساطة ولا داعي للمبالغة التي تؤدي إلى تفكّك الأسرة وضياعها.
حريٌ بكل امرأة صالحة أن تقتدي بالزهراء صلوات الله وسلامه عليها ، هذه المرأة العظيمة التي خلّفها رسول الله من بعده وأوصى بها وكان حريًا بهذه الأمة  التي  خلف  فيها رسول الله ابنة واحدة أن تراعي حرمتها وقربها من رسول الله ، لكنهم للأسف تعدّوا على مقام النبوة عندما غصبوها حقها وتجازوا الحدّ في الاعتداء عليها ، هذه السيدة العظيمة التي عاشت حياة قصيرة لكنها قاست من خلالها الأحزان الطويلة ، وإنّها لمن المفارقات العجيبة أن تعيش ابنة سيد الخلق عمرًا قصيرًا مغصوبة الحق والإرث جهارًا نهارًا على الملأ ، ثم تدفن ويبقى سرًا إلى يومنا هذا.

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
١ بيت الأحزان عباس القمي ص٤٠٤
٢ اللهوف في قتلى الطفوف ابن طاووس ٧
٣ الأخلاق الحسينية جعفر البياتي ٢١٣
٤ الأنوار البهية عباس القمي ص٥٩
٥ سورة الإسراء آية ٣٢
٦ سورة المؤمنون آية ٧
٧ موقع الميزان ص

مرات العرض: 3443
المدة: 00:56:35
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2585) حجم الملف: 19.4 MB
تشغيل:

نظرة في حديث لا نورث
فاطمة ركن الإمامة