نظرة في حديث لا نورث
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 1433 هـ
تعريف:


نظرة في حديث لا نورّث

كتابة الفاضل الخطيب فتحي العبد الله

روي عن ابي عبدالله جعفر الصادق (وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر. ) [1]

حديثنا يتناول قضية من القضايا التي استدل بها فريق مدرسة الصحابة على حرمان الصديقة الزهراء عليها السلام من فدك وهو الحديث الذي رواه الخليفة الأول ناقلا عن النبي ( انا معاشر الانبياء لا نورث ذهب ولا فضة ما تركناه صدقة )[2] ونحن نحتاج الى بحث هذه القضايا باعتبار الى هذا اليوم تغذي الاتجاهات المذهبية والدينية في عالمنا الاسلامي ولا يزال القرن الاسلامي الاول هو الذي يعطي الخط لم بعده بحسب فهم الناس لما جرى في تلك الفترة الزمنية ، يسلكون مسلكان يختلف عن مسلك غيرهم ، لهذا سوف يكون حديث من استدلال اصحاب مدرسة الخلفاء وهنا نشر الى مسألة مهمة .
•ملاحظة هامة :

ان معالجة هذه المواضيع ينبغي ان تكون معالجة علمية عقلية بعيدة عن السباب والتشنج من جهة ، وبعيدة عن العاطفة واغلاق القلب من جهة أخرى . فنجد البعض يغلقون البحث في هذا الأمر بالكامل ولا يريدون فتحه بأي نحو من الانحاء لأنه لا يتناسب مع قداسة الجيل الاول الذي عاش بعد رسول الله (ص) ، فينبغي ان تغلق الملفات وان لا يتحدث بها ولا تفتح هذه القضايا .

هذا كلام غير صحيح ، فينبغي على المسلم ان يتحدث وان يفكر ويتأمل في المستقبل وفي الحاضر والماضي ، فلماذا ذلك لا نبحث !! حتى اذا وصل الى في مسألة التاريخ تعطل فكره ورفض ان يحلل التاريخ وان يفكره فيه ، فهذا توجه خاطئ

وكذلك توسل المتشنج الذي يعالج القضايا بالسباب بعيدا عن الحالة العلمية والتعقلية وهذا منهج خاطئ فنبغي ان تعالج كل القضايا سواء المعاصرة او مستقبلية او التاريخة على اساس التأمل والتدبر والجنب العلمي ،،
•بين الزهراء والخليفة الأول

على هذا الاساس لنا بحث في هذه القضية التي كانت محل خلاف بين الزهراء والخليفة الأولى.

فعندما تحدثت الزهراء عليها السلام واستدلت على أن فدك نحلة من ابيها ورفض طلبها كونها نحلة . أقامت دعوى اخرى وهي انها من املاك رسول الله ، وان ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب يكون خالصاً وصافياً لرسول الله (ص) واذا توفي رسول الله ويترك ذلك فهو يؤول الى ورثته بناءً على قانون الميران الموجود قرآنيا ودينيا.

هنا خط الخلافة ممثل في الاول رواه الخليفة (انا معاشر الانبياء لا نورث ذهب ولا فضة ما تركناه صدقة )

كملاحظة وهم عندنا نص متفق عليه يذكره علماء أهل السنة والشيعة ومحدثونه ويذكره علماءنا لكنه بصيغة أخرى ( العلماء ورثة الانبياء ،،،، ) والصيغة التي انفرد بها ابو بكر دون سواه وهذا لم ينقله احد غير الخليفة من الصحابة

مناقشة نص الخليفة الأول الذي تسبب في حرمانها من فدك
1.هذا الحديث لم يحدث به أحد الا نفس الخليفة دون سواه ، وهذا للإنسان ان يتأمل كما قال الشهيد الصدر في كتاب فدك للتاريخ ، لماذا لم يروى هذا الحديث الا عن ابي بكر نفسه وهو ضده دعوى ، فاذا كان في حديث لعموم المسلمين وتهم فاطمة لانها ، مبتلى فيه فاطمة وهي القضية الواقعية فينبغي ان يقول هذا الحديث ان يقول رسول الله (ص) هذا الحديث على وجه الخصوص لفاطمة بالذات لانها الوارث التي سوف تسأل عن الميراث .
2.فلماذا أنكرت فاطمة هذا الحديث ولم تعلم به ولم يعلم به أي احد من المسلمين غير الخليفة الأول وقبل ذلك الوقت ، فقط في ذلك الوقت الذي تحدثت فاطمة عن كونها ميراث فقال لها عن هذا الحديث ، فهو حديث لم ينقل من قبل وهو يثير علامة استفهام.
3.متن الحديث يقول ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقه ) هناك احتمالان في معنى هذا الحديث
1. ان ما يتركه الانبياء صدقة فليس بميراث وهو بمعنى ( نحن معاشر الانبياء لا نورث ،،، أي المتروك صدقة ) أي الذي تصدقنا به هو ليس ورث .

وهذا الحكم ساقط فهو ليس فقط للأنبياء بل على كل المسلمين فالذي يوقف منزلاً هو ليس ميراث لجميع المسلمين دون استثناء للأنبياء .
1.وهو بمعنى ان ما تركه الانبياء هو صدقة بكاملها ، فلا يصل أي شئ الى الابناء فإنما يكون صدقة ، فعلى هذا المعنى عليه كثير من الاشكالات على النحو التالي
1.مخالف لنص القرآن الكريم :
2.لأن فيه آيات عامة تشمل الانبياء وغير الانبياء وهي آيات المواريث (وصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ )[3] وهذا يعني انه يعارض القرآن بشكل مباشر حيث وصف ما يتركه الانبياء صدقة والقرآن يقول ان ما يتركه كل الناس .
3.مخالفة وراثة الانبياء بعضهم لبعض
4.اذ قال الله تعالى في سليمان وداود (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ  )[4] وايضا فيما يتعلق بزكريا اذ قال (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) فالقرآن يقول انه ورثه ووراثهم منهم والنبي لا يقول انا بل يقول الانبياء جميعاً بينما القرآن يقول بأنهم يرثون وبذلك يكون معارض لخصوص الانبياء
5.خصوصية وراثة الزهراء لفدك ام الوراثة إجمالاً :
6.فلو ترك النبي ثياب او بيت او أي شيء آخر فهل لا يورث هذه الاشياء ام فقط في فدك ،، فاذا كان في كل شيء فلماذا بقيت بعض زوجات النبي بعد وفاته في داره ، فاذا كان لا يورث فكان يجب ان تخرج منه جميع زوجات النبي لأنه صدقة ، فكيف ابقى الخليفة الاول زوجات النبي (ص) في دار رسول الله ، بالاضافة كيف للسيدة عائشة ان تضع مكاناً لأبيها ان يدفن بجانب رسول الله .
•مساحة الارث : اعطت عائشة قبراً لأبيها وهي لا تمتلكه وحتى الميراث هو اقل بقليل ما تستحق تلك المساحة ، فلو فرضنا أن مساحة بيت النبي 70 متراً وللزوجة الثمن وعدد زوجات النبي 9 يكون بذلك نصيب الواحدة اقل من المتر ،، ناهيك عن ان بعض الفقهاء لا يقول بأن ارث الزوجة في الأرض ، ولكن الرأي المشهور لدى الإمامية هو ان الزوجة لا ترث من الارض ، فالبيت لا ترث قيمة الأرض بل قيمة البيت لتعطى ثمنه .
•اذا كان كذلك فكيف صار لنساء النبي ان يصنعوا في دار النبي كل ذلك ،،، لذلك الشاعر صفي الدين الحلي وهو احد شعراء الامامية ، لما جاء عبدالله ابن المعتز العباس فرد صفي الدين الحلي بقوله  فكيف يدعو هؤلاء بأن النبي لا يورث ثم زوجاته ترث

•وعندك لا يورث الأنبيا        فكيف حظيتم بأثوابها
•ونحن ورثنا ثياب النبي ... فكم تجذبون بأهدابها

فهذا الحديث الذي جعل لافتة امام الزهراء ، فلا بد ان يتأمل في ذلك من ناحية توقيت حدوثه ، وشخص قائله ..
•حجية الحديث :  

 1.لما جاء الامام علي والحسن والحسين وأم أيمن وشهدوا للزهراء بأن النبي نحلها فدكاً ، احتجو عليه بأن علي ابن ابي طالب (ع) يجر إلى أهله ، على اساس هذا المنطق ، الا تجر ذلك في الراوي الوحيد والوقت الوحيد وهو طرف المنع ؟
•حديث في مصادر الشيعة : هذه الرواية المتفق عليها بين الشيعة والسنة ، تفيد بمعنى آخر ومعناها ان الانبياء ليس شأنهم جمع الاموال حتى يورثوها لمن خلفهم ، فقسم التجار ان يجمع المال فينتقل للذي بعده ، بينما الانبياء شأنهم العلم والمعرفة وانهم يورثوا العلم والوعي والدين لمن بعدهم وليس ذلك نفي كل ما عندهم من بعض الاموال والمبلاس والدور لورثوا العلم ، لكن لو فرضنا ان نبي توفي وعنده ملابس كداود فيرثه اولاده ..وقالت يا أبابكر اذا مت منذا الذي يرثك ، فقال ولدي ، فقالت اذا مات ابي الا ارثه يعني القرآن الكريم فقط من جهتك يخدم ، ومن جهتى لا يخدم هناك اشكال امر صدور هذا الحديث وكذلك الحال مع فاطمة الزهراء عليه السلام كيف تواصل مطالبتها بالميراث بل هو عنوان لمظلومية بدأ بها خط الخلافة تاريخه بالتجاوز في هذه القضية الواضحة والبنية وهو عنووان لمسار الزهراء حيث استمرت بالمطالبة وبينت في الخطبة الفدكية وعن طريقة الاستدلال القرآني 

قال السيد الجذوعي ولله دره:ليت شعري لِمَ خولفت سنن***القرآن فيها؟ والله قد أعلاها

 •نُسخت آية المواريث منها***أم هُما بعد فرضها بدّلاها؟
•وأتت فاطم تطالب بالإرث***من المصطفى فما ورّثاها
•احد شعراء الشيعة من اليمن
•لم لم يخرج هذا الحديث قبل ذلك اليوم ومن غير ذلك الشخص الذي هو طرف في القضية ، وهو طرف يحرم فاطمة من الميراث علماً ان مثل علي ابن ابي طالب هو باب مدينة علم رسول الله لم يؤيد هذا الحديث بل طالب بالوارثة فلو كان صادر من رسول الله لما طالب بورثها
•لذلك احتجت فاطمة الزهراء عليها السلام على الخليفة الأول
•اما حديث ((وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر. )) [5]

وقد عنى في ذلك قوله تعالى ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) اي انساناً صالحاً مؤمنا وليس المعنى ان يكون نبيا

هذه الوارثة الحقيقة التي كانت تريدها فاطمة الزهراء وقد طالب بهذه الوراثة عدد من زوجات النبي (ص) في عهد الخليفة الثالثة ، بتغيرت الرواية بقول (نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرِّثُ ذَهَباً وَلَا فِضَّةً وَلَا دَاراً وَلَا عَقَاراً وَإِنَّمَا نُوَرِّثُ الْكُتُبَ وَالْحِكْمَةَ وَالْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَمَا كَانَ لَنَا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ بَعْدَنَا أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِحُكْمِهِ».. ثم أعطى فدك لمروان ابن الحكم

هذه فدك مما ترك النبي وقال انه ولي الامر ويعطيها من يريد فأعطاها لمروان ابن الحكم

وبفهم غير صحيح اصبح مصدر الحرمان لفاطمة الزهراء عليها السلام

احتجت لكن الخلافة مصرة على رد هذه الدعوة ، احد العلماء ابوجعفر الاسكافي   ابو الحديد المعتزلي ، يسأل ابوجعفر الاسكافي ، هل القاضية تستحق لو كان الخليفة يعطي فاطمة الزهراء حيث كانت نحلة او صدقة بحيث ان الشاعر يقول :

أترى المسلمين كانوا يلومونهما * في العطاء لو أعطياها

 كان تحت الخضراء بنت نبي * ناطق صادق أمين سواها

بنت من؟ أم من؟ حليلة من؟ *.... من سن ظلمها وأذاها

فكان الرد عليه اذ قال لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشئ.[6]

لذلك تألمت فاطمة مما جرى خصوصا ان رسول الله اوصى قومه وأصحابه حيث توقعت ان تكرم وتحترم بزيادة عن المتعارف لا ان تحرم من حقها الشرعي فشكت الى امير المؤمنين فقالت ( فلا دافع ولا مانع خرجت كاظمة، وعدت راغمة، ولا خيار، لي ليتني مت قبل هينتي، ودون زلتي عذيري الله منك عاديا،[7] وهذا التوصيات التي أوصى بها رسول الله (ص) أمته في أهله وذريته حتى أولائك الذين ينفون حديث الثقلين ( اني تارك فيكم ،،، ) بل كانوا يقولون ان النبي قال ( الله الله في أهل بيتي ) هذا الكتاب الذي أهين من قبل من يدعي ان امير للمؤمنين فهذا الوليد ابن يزيد المعروف بالماجن الذي اصبح امير للمؤمنين وينصب القرآن غرضا ، حيث استفتح القرآن فظهرت له الآية القرآنية (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ  ) فقال الوليد

ا توعد كل جبار عنيد * فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر * فقل يا رب مزقني (الوليد)

فصار يمزق القرآن الكريم بسهامه ،،، فلم يلبث إلا أياما يسيرة حتى قتل شر قتلة،[8]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٣٤

[2] تنوير الحوالك - جلال الدين السيوطي - الصفحة ٧١٥

[3] سورة النساء آية 11

[4] سورة النمل آية 16

[5] الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٣٤

[6] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٦ - الصفحة ٢٨٤

[7] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٣ - الصفحة ١٤٨

[8] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٨ - الصفحة ١٩٣

مرات العرض: 3450
المدة: 00:47:14
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2592) حجم الملف: 16.2 MB
تشغيل:

الزهراء بنتا وأما وزوجة
الزهراء وعالم المحبة والشباب