( فحيّوا بأحسن منها )
تحرير الفاضلة أفراح البراهيم
قال تعالى : ( و إذا حيّيتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ الله كان على كل شيء حسيبًا )1
هذه الآيات من سورة النساء وتبيّن حكم ردّ التحية على من يبتدئ بها فيقول إذا ألقيت عليكم التحية من قبل أحد وكانت بنظركم ونظر العرف أنهّا تحية فردّوها بنفس المقدار ، أو بأفضل منها طلبًا للأفضل والاستزادة ، إذ أنّ هناك مستويان لردّ النحية :
1/ مستوى المقدار الواجب بمقدار ما أعطي من السلام يردّه بنفس المقدار.
2/ المستوى المستحب وهو الأفضل أن يعطي أكبر مما يأخذ ، أي يردّ السلام بمقدار أحسن وأكثر عطاء من ذلك المبتدئ بالسلام.
الآية الكريمة فيها إطلاق شامل لأي شخص يلقي التحية وأيًا كان على اختلاف دينك ومذهبك معه ، مسلمًا كان أو مسيحيًا فإنه يجب ردّ السلام عليه بمثله أو أفضل منه ، وموضوع التحية أمرٌ متفق عليه عند كل الشعوب على اختلاف صيغته لكنه يعبّر عن حالة من التعارف والألفة ، وقد جاء الإسلام وكان للعرب أنواع للتحية مثل : أنعمتم صباحًا ، أو أنعمتم مساءً ، حياك الله ، فأقرّ التحية الخاصة ( السلام عليكم ، وقد يضاف لها الرحمة والبركات ، و أكّد عليها واعتبرها خير التحيات فهي تحمل من المعاني الكثير ، ولو نظرنا وتأملنا ما تحمله من معان لرأينا:
1/ فيها تذكير بأحد أسماء الله الحسنى وهو السلام ، وقد أشارت له السيدة خديجة عليها السلام عندما جاءها جبريل عليه السلام يحمل لها سلامًا من الله فقالت ( الله هو السلام ومنه السلام و إليه يرجع السلام )2
وقد اختيرت هذه التحية باعتبارها شعار للإسلام وإشارة لاسم الله
( السلام ) الذي يعني الانسجام بين العقائد والأخلاق في الإسلام ، وارتباط بين العقائد والتشريعات والأخلاق ، فنحن نؤمن بإنّ الله هو السلام وفي نفس الوقت نتّخذ من هذا الاسم الشعار المقدس شعارًا لنا في السلام على بعضنا البعض.
2/ إعلان السلام والمودة والمحبة والانسجام من قبل المسلم على كل من يسمع كلامه ، فقد يأتي أحدهم غير معروف هدفه ومبتغاه ، و عندما يبدأ بالسلام فهو يعلن سلامه لمن حوله وخلوّ قلبه من البغضاء والحقد ، والسلام هنا مقابل الحرب وطريقة لإشاعة المودة و الألفة في المجتمع في مقابل الحرب الذي هو طريق القتل والتدمير.
ومع هذا البعض يقول السلام لكنه يحمل البغض في قلبه تجاه الآخرين وهذا مخالف للشعار الذي رفعه فلا ينبغي أن يصيب الآخرين بالأذى.
3/ الإنسان عندما يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهو يدعو لمن حوله بأن تنالهم السلامة من الله والرحمة والبركات وهذه كلها يطلبها من الله وحده فهو المتفضل بها ، و كأنه يقول : أنا أطلب لكم من الله السلام والسلامة من كل شيء من المرض والهموم والآفات ، إذن هو دعاء بالأمن والرحمة والبركة .
إذن هذه المعاني تحقّق ثلاثة مستويات : على المستوى العقائدي تحقيق لاسم السلام بالتذكير باسم من أسماء الله الحسنى ، وعلى المستوى الاجتماعي نشر حالة من الأمان والمحبة ورفض الحقد والعنف في المجتمع ، وعلى المستوى الروحي هو دعاء للمؤمن بأن يكون سالمًا مرحومًا مباركًا .
ولهذا كانت هذه التحية المباركة التي استعملها الله مع أنبيائه ، حيث قال في شأن نوح عليه السلام ( قال سلام على نوح في العالمين )3 ، وقال في شأن عيسى عليه السلام ( والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًا )4
وقال في شأن رسول الله صلى الله عليه وآله ( إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا) 5، والتسليم في هذه الآية يعني معنيين:
1/ التسليم بمعنى الخضوع والاستسلام والقبول بما يأتي به ، بدلالة قوله ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ولا يجدون في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا )6
2/ التسليم عليه فكما قال صلوا عليه قال سلّموا عليه بالقول السلام عليك سواء في حياته أو في مماته.
وهي تحية الله لأنبيائه ( و سلام على المرسلين )7
وهي تحية الملائكة لمن يدخل الجنة ، قال تعالى ( والملائكة يدخلون من كل باب يقولون سلام عليكم بما صبرتم )8
وفي قوله تعالى ( وسيق الذين اتقوا إلى الجنة زمرًا وقال لهم خزنتها سلام عليكم )9
وفي رواية جاء أحدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عليه وسلّم عليه بقوله : السلام عليك يا رسول الله ، فردّ عليه : السلام عليك ورحمة الله ، وجاء آخر وقال السلام عليك ورحمة الله ، فردّ عليه : وعليك السلام ورحمة وبركاته ، وجاء آخر وقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فردّ عليه بمثله ، وتعجّب الصحابة وقالوا: لم ترد عليه بأكثر ممّال قال ، فقال لأنّ سلامه قد شمل كل شيء ولا حاجة للزيادة .
هناك بعض الطوائف لا ينبغي السلام عليها و يكره ذلك :
1/ أهل المعاصي إن كان هذا السلام فيه تشجيع لهم على الاستمرار في المعاصي ، كشارب الخمر والزاني لإنّ الإعراض عنهم وعدم السلام عليهم ربما يكون مدعاة لتغيير السيرة و السلوك السيء ، أما إن كان السلام عليهم واحترامهم يسهم في إصلاحهم والتراجع عن معاصيهم فيجب السلام عليهم.
2/ أصحاب الديانات الذين يحملون عداءً للدين الإسلامي ولا تؤثر فيهم قضية السلام مثل بعض اليهود . ( جاء أناسٌ من اليهودِ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالوا : السَّامُ عليك يا أبا القاسمِ. فقلتُ : السَّامُ عليكم ، وفَعَلَ اللهُ بكم وفعل. فقال عليه السلامُ : مَهْ يا عائشةُ ، فإنَّ اللهَ لا يُحبُّ الفحشَ ولا التفحشَ. فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ، ألستَ ترى ما يقولون؟! فقال : ألستِ تَرَيْنَ أَرُدُّ عليهم ما يقولون ، أقولُ : وعليكم. فنزلتْ هذه الآيةُ : بما لم يُحَيِّكَ به اللهُ. أي : إنَّ اللهَ سلَّم عليْكَ ، وهم يقولون : السَّامُ عليك.) 10
أما إن كان يهوديًا أو مسيحيًا يحسن المعاملة مع المسلمين فلربما كان السلام عليه جاذبًا لدخوله في دين الإسلام.
3/ إذا كان الرجل يصلي فإنّه يكره السلام عليه ، لوجود الأمران المطلوبان منه :
1/ ردّ السلام واجب بحكم قوله ( وإذا حيّيتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردّوها )
2/ الصلاة فلا يجوز أن يدخل فيها ما ليس منها وهو السلام ، لذا يكره أن يسلّم عليه ولكن لو سلّم عليه يتوجّب عليه الرد بالمثل فلو قيل له السلام عليكم ، أو سلام عليك ، أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فيجب أن يردّ بنفس المقدار بدون زيادة لأن ذلك يخلّ بالصلاة ، وإن حيّاه أحدهم بصيغة أخرى كقول : صباح الخير فليردّ بدعاء مثل : اللّهم صبّحه بالخير ؛ لأنّ هذا دعاء والدعاء جائز في الصلاة ، ولو جاء أحدهم وسلّم على المصلي وهناك أحد في المسجد لا يصلي ينتظر الصلاة فلا يجوز للمصلي الرد بل يجب على الجالسين.
السلام لا يختلف إن كان لميت أو حي وكلّ هذه المعاني تتحقّق للميت كما تتحقّق للميت فنحن نسلّم على رسول الله في حياته وفي مماته ، ونسلّم على أهل بيته في حياتهم ومماتهم ففيه إعلان لحالة المسالمة وعدم المخالفة ، وإعلان السلام والوفاق والمودة لهم وكوننا سلمٌ لمن سالمهم وحربٌ لمن حاربهم.
والسلام لا يختلف إن كان لرجل أو امرأة أو طفلة حتى ، فنحن نسلّم على السيدة الزهراء عليها السلام و كذلك السيدة زينب سلام الله عليها ، كما نسلّم على أطفال الحسين عليه السلام وعلى أيتامه ، ونذهب إلى زيارتهم ، و هذه أصغر طفلة لحسين عليه السلام السيدة رقية عليها السلام نقف على أعتاب مقامها المقدس والذي يعتبر منارة من منارات العلم والتقوى ، نقف مسلمّين لهذه الطفلة التي رافقت أباها في رحلته إلى كربلاء ، و لقت حتفها في تلك الخربة بعد ما سألت عن ابيها الحسين عليه فأتوا لها برأسه الشريف مخضبّا بدمه ، فصعقت لرؤيته بتلك الحال وماتت كمدًا عليه.
فالسلام على رسول الله وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
------------------------------------------
1 القرآن الكريم / سورة النساء آية 86
2 اللمعة البيضاء ص23
3 القرآن الكريم / سورة الصافات آية 79
4 القرآن الكريم / سورة مريم آية 33
5 القرآن الكريم / سورة الأحزاب آية 56
6 القرآن الكريم / سورة النساء آية 65
7 القرآن الكريم / سورة الصافات آية 181
8 القرآن الكريم / سورة الرعد 24
9 القرآن الكريم / سورة الزمر آية 73
10 الدرر السنية
|