( وآتوا اليتامى أموالهم )
تحرير الفاضلة أفراح البراهيم
قال تعالى ( وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنّه كان حوبًا كبيرًا وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا لكم ما طاب من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا )1
هذه الآيات في مطلع سورة النساء تتحدّث عن مجموعة من التشريعات والضمانات القانونية لفئةٍ من فئات المجتمع وهي فئة اليتامى ، وقد وردت في هذه السورة عدة أحكام وهي:
1/ عدم جواز السيطرة على أموال اليتامى من قبل أوليائهم وعدم حلية التصرّف في أموالهم وضمّها إلى أموالهم الشخصية لأنّ ذلك من الإثم العظيم.
2/ جواز الزواج بالمرأة اليتيمة إلا إذا خاف الإنسان أن يكون زواجه منها بغرض السيطرة على أموالها ثم التخلي عنها وتركها ، عندئذ لا يجوز له الزواج بها وليتزوج غيرها.
3/ صيانة مال اليتيم من أغراض المشرع الإسلامي الحكيم لذا لا يجوز أن يعطي اليتيم ماله إلا بعد بلوغه سن الرشد وكان رشيدًا ، أما إن كان سفيهًا غير قادر على التصرف الحكيم فلا يجوز للولي أن يعطيه أمواله.
من هو اليتيم ؟
اليتم في اللغة بمعنى الانفراد والانقطاع ، وسمّي اليتيم يتيمًا لأنه منقطع عن أبيه ومنفرد عنه ، وقد يقال للدرة الثمينة النادرة يتيمة لأنّها منفردة بنوعها ولا يوجد لها مثيل.
الإنسان اليتيم هو من فقد والده وهو في الصغر أمّا إن كان كبير السن فلا يقال عنه يتيمًا إلا بنحو من العناية والتجوز .
أما في عالم الحيوان فيقال له يتيمًا إن فقد أمه ، أما إن فقد أباه وهو صغير لا يعتبر يتيمًا لأنّ الحيوان يعتمد على أمه بالدرجة الأولى.
إذن المعنى اللغوي لليتم يعني حالة من الانفراد والانقطاع بين طرفين بين الوالد المتوفي والولد الصغير الباقي.
بعض الروايات تأتي لتوسّع مفهوم اليتم بنحو من الملاحظة والعناية ، فعلى سبيل المثال عبّرت بعض الروايات عن الشيعة في زمان غيبة صاحب العصر والزمان بأنهم أيتام آل محمد ، وهذا تعبير ليس حقيقي لأنّ اليتيم الصغير هو الذي فقد أباه ، ولكن هذا من باب توسعة المفهوم بملاحظة وجود الأب الروحي للشيعة والذي انقطعت أخباره عن شيعته ، ولم يستطيعوا التواصل معه مباشرة فكأنهم أيتام ، لهذا ورد في الروايات أنّ عالم الدين والمتفقّه في الدين الذي يحرص على تعليم الناس الأحكام هو بمثابة الكافل لأيتام آل محمد.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام يسأله أبو بصير ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ قال: ( أن يأكل من مال اليتيم درهمًا ونحن اليتيم ) 2 ، وذلك إن امتنع عن دفع الخمس.
إذن اليتيم هو من فقد أباه وهو صغير السن لم يبلغ الحلم ولذا يجوز للولي التصرف في أمواله إن اطمأنّ أنّه سيكون عادلاً ولن يسيطر على أمواله.
لماذا يؤكد الشارع الحكيم على اليتيم؟
الشارع الحكيم ينظر في فئات المجتمع فيرى منها من هو قويًا ويستطيع الدفاع عن نفسه وعن مصالحه بشتى الطرق ، وهناك من يعيش حالة الضعف والانكسار ؛ لذا يضع له بعض الضمانات القانونية لتقوية موقفه والحرص على كرامته ، مثل النساء فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله( رفقًا بالقوارير )3 ويقول ( مازال جبريل عليه السلام يوصيني بالنساء حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها )4
ويقول ( اتقوا الله في الضعيفين المرأة واليتيم )5
المرأة بطبيعة الحال ليست في الموقف الأقوى لذا يضع من أجلها مجموعة من التشريعات التي تحمي موقف المرأة في مختلف مراحل حياتها فعلى سبيل المثال يقول دائمًا ( وعاشروهنّ بالمعروف )6
و قوله( و آتوا النساء صدقاتهن نحلة ) 7 ويقول ( ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف )8 وكذلك بالنسبة لليتيم يعاني من الضعف والانكسار والشعور بعدم الانتماء والانقطاع والانفراد ، لذا في المقابل يضع بعض التوجيهات الأخلاقية التي من شأنها الحفاظ على كرامة اليتيم والتخفيف عنه ، فعلى سبيل المثال ورد في الرواية ( من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرّت عليها يده حسنات )9 ويقول ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة و الوسطى ... )10
لكنّ هذه التوجيهات الأخلاقية لا تنتهي إلى نتيجة مالم تتحوّل إلى قانون تشريعي يلتزم به الإنسان ، ومن جملة هذه القوانين المحافظة على أموال اليتيم مادام غير قادرًا على التصرف فيه بحكمة أما إن بلغ سن الرشد وكان حكيمًا في التصرف حينئذٍ لا يحقّ للولي الاحتفاظ بأمواله و احتكارها.
قال تعالى ( و آتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلّوا .. ) أمر بإرجاع أموال اليتامى وعدم التصرف فيها وضمّها للأموال الخاصة للكافل ، وقد نزلت هذه الآيات عندما أتى شاب يشتكي لرسول الله من عمه الذي كان وليًا عليه ولم يعطه أمواله عندما بلغ سن الرشد بحجة أنّه يحافظ على أمواله ويجمعها له ، فاستدعاه رسول الله وطلب منه إعطاءه أمواله حيث نزلت هذه الآية وامتثل لأمر الله ورسوله وقال ( أطعنا الله وأطعنا الرسول ونعوذ بالله من الحوب الكبير )11
2/ الحكم الثاني يختصّ بمن يريد الزواج بالمرأة اليتيمة فإذا كان يخاف من عدم العدل فليترك الزواج بها وله أن يتزوج بأخرى ، وله أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع وليست الواو هنا بمعنى الجمع بل بمعنى التخيير ( أو ) ، حيث أنّ البعض ادعى أنّ الشيعة الإمامية تجوّز للرجل الزواج بتسع النساء استنادًا لهذه الآية وعدم فهمه الفهم الصحيح وهذا افتراء وتجنّي على الطائفة الشيعية حيث أنّ الواو هنا بمعنى التخيير ، ولا يحلّ للرجل أن يتزوّج بشكل دائم بأكثر من أربع نساء.
فإذا خاف الإنسان عدم العدل بين النساء فلا يقدم على الزواج بأكثر من واحدة حتى لا يكون ظالمًا.
3/ الحكم الثاني يتحدّث عن دفع المال إلى اليتيم عندما يبلغ الرشد ، والبلوغ حدٌ تكويني تترتّب عليه آثارًا شرعية وأحكامًا يتوجّب على المكلّف القيام بها، والبلوغ يكون بظهور علامات معينة كالاحتلام وظهور الشعر بالنسبة للذكر ، أما بالنسبة للأنثى فعند بلوغ سن التاسعة أو نزول الحيض.
إذا أصبح اليتيم بالغًا مطالبًا بالأحكام الشرعية وأصبح معاقبًا أو محاسبًا أو مثابًا على الأعمال العبادية حينئذ يدفع له الولي ما يخصّه من أموال ولكن بشرط أن يحسن التصرف في هذه الأموال ، وإلا فلا يعطى أمواله لأنّ في ذلك هدر للمال ، ولمعرفة ما إذا كان حكيمًا يحسن التصرف أم لا يجب أن يعرّضه للاختبار ويرى هل يملك الرشد والحكمة أم لا.
هذه الأحكام كلها جاءت لحماية هذه الطبقة الضعيفة فهي من جهة توجيهات أخلاقية وتوصيات بالرحمة والرأفة والرفق ، ومن جهة أخرى هي قوانين إلزامية بهدف توفير الرعاية النفسية والروحية التي من خلالها يستنقذ اليتيم من الشعور بالضعف والغربة والانقطاع ، وقد اعتنى أئمتنا باليتامى و كانوا ملجأ آمنًا لهم ، فهذا أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان ملفى لليتامى ولمن لا يجد له سندًا في الحياة ، فقد كان سلام الله عليه يطعم اليتامى بنفسه ويجلسهم في حجره ، كان يلعق اليتامى العسل بيده ، هذا العسل الذي لا يذوقه ، وفي قصة ابنة أبي ذر عندما توفي في الربذة مع زوجته حينما نفاه الخليفة الثالث وترك هذه الابنة اليتيمة وحيدة أوصاها أباها بالوقوف على قارعة الطريق حيث التقت بأصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ودفنوا أباها وصلّوا عليه وأخذوها معهم إلى بيت أمير المؤمنين بيت اليتامى و بقيت معزّزة مكرّمة و وجدت من الرعاية والعناية مالم تجد في بيت أبيها.
هذا صنع أهل البيت بيتامى المسلمين ، ولكن ماذا صنع الناس بيتامى آل محمد كيف كانت أيديهم توضع بالرأفة والرحمة أم بالإهانة وضرب السياط كما حدث مع يتامى الحسين عليه السلام في كربلاء؟
-----------------------------------------
1 القرآن الكريم / سورة النساء آية 2 و3
2 بحار الأنوار ج93 ص191
3 صيد الفوائد
4 جامع أحاديث الشيعة ج22 ص13
5 منتدى الوكيل
6 القرآن الكريم / سورة النساء آية 19
7 القرآن الكريم / سورة النساء آية 4
8 القرآن الكريم / سورة البقرة آية 228
9 موقع إسلام ويب
10 موقع إسلام ويب
11 تفسير الخازن والبغوي
|