4 الحجاب سبيل العفاف
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
المكان: ‏مسجد الخضر
التاريخ: 3/1/1445 هـ
تعريف: الحجاب سبيل عفاف | كتابة فاطمة عيسى آل علي | تحرير الفاضل عبد العزيز العباد | المقدمة: بسم الله الرحمن الرحيم ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ....) الآية صدق الله العلي العظيم هل هناك وسائل أخرى غير التي عينها الله عز وجل للوصول إلى عبادته؟ قبل أن نبدأ في الحديث نمهد لذلك بتمهيد، وهو أن الله سبحانه وتعالى عندما أوجب القيم الإلهية على الناس، عينّ أساليب ووسائل الوصول إليها، مثلاً الله سبحانه وتعالى أمر الناس بعبادته، خلق الله الخلق وأمرهم بعبادته، هذه العبادة نسميها قيمة من القيم، لم يتركها ربنا سبحانه وتعالى مهملة من حيث الأساليب والوسائل، لم يقل أعبدوا ربكم بأي طريقة، المهم أن تعبدوا ربكم لم يقل هكذا، وإنما كما عيّن القيمة الأصلية والواجب الأصلي وهو عبادة الله عز وجل، عيّن أيضاً طريق الوصول إليه والوسيلة التي يريدها، فقال: أعبدوا ربكم بواسطة الصلاة، والصلاة هي خمسة فروض في كل يوم من الفجر إلى الليل، وكيفية الصلاة هي هكذا وهكذا بما بلغه النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله. وهكذا بالنسبة إلى سائر القيم الأخرى، وسيلة العبادة الصلاة، وسيلة العبادة الصوم، وسيلة العبادة الحج، أنا أريدك أيها الإنسان أن تعبدني بهذه الطرق وبهذه الوسائل، فغير هذه الوسائل لا يريد الله عز وجل. فالله يريد بهذه الأساليب وبتمام شرائطها وأجزائها وأفعالها الوصول إلى عبادته. أراد الله سبحانه وتعالى من البشر من عباده أن يتكافلوا فيما بينهم وأن يُعِين الغني منهم الفقير، والقوي منهم الضعيف، هذه قيمة من القيم، غرض من الأغراض، هدف من الأهداف، لم يتركه بهذا الشكل، وإنما قال: أنا أريد هذا أن يكون بطريقة الزكاة الواجبة العامة وزكاة الفطر بعد شهر رمضان، والخمس والحق الشرعي، هذا في مقدار الواجبات ثم الكفارات أيضاً، وأريد وسيلة الصدقة المستحبة والعطية والصلة وما شابه ذلك. فعيّن الله سبحانه وتعالى الطريق الذي يسلكه البشر لمساعدة بعضهم بعضا، ولا يقبل أقل من ذلك في الواجبات، وهكذا أراد مثلاً أن يكون قضاء الشهوة الجنسية بين الرجل والمرأة، هذا غرض من الأغراض أن يكون بطريق خاص وهو طريق الزواج، والزواج يحتاج إلى عقد، والعقد يحتاج إلى شروط وما شابه ذلك. كذلك عندما أراد ربنا سبحانه وتعالى العفة الاجتماعية، وأن يكون المجتمع مجتمعاً مستقيماً غير ساقط في وهدة الشهوات، أن يكون عفيفاً لا يتعدى فيه أحد على أحد من جهة الرغبة والشهوة، فقال: أنا أريد مجتمعاً عفيفاً، والعفاف يحصل بأمرين بـغض البصر من جهة، وبالحجاب من جهة أخرى. ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) وهنا يوجد فذلكة لماذا بدأ بالرجال؟ لأنه كما يقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ( إن أبصار هذه الفحول طوامح) عندها تطلعات وطموحات تتجاوز الحدود، فالضبط إليها هو أن (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) قل يا رسول الله للمؤمنين - هذا بلاغ من الله لرسوله والرسول للمؤمنين - (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) فلا يتبع النظرة بالنظرة وراء هذه المرأة أو تلك، يغضوا من أبصارهم فإذا صار هكذا، أمكن لهم أنئذٍ أن يحفظوا فروجهم؛ نظراً لأن الرجل أسرع إلى الإثارة الغريزية من خلال النظر بالعين. أما المرأة فهي أبطأ إثارة غريزية من الرجل بالنظر؛ لذلك أول ما بدأ قال ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ )، وأيضاً أوجب الحجاب من ذلك الطرف -طرف المرأة- التي هي عادة مطمح الرجل، فرض عليها أن تتحجب (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ). في مكان آخر لاحظوا - هذه من الأمور الجديرة بالانتباه - يوسط النبي صلى الله عليه وآله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ، ويخصص أزواجك أولاً باعتبارهن أولى من الغير بحسب موقع الاحترام الذي يحضين به - هؤلاء أولى بأن يدنين عليهن من جلابيبهن - بعدها بناتك قد يكون فيه إشارة إلى ما هو المعروف من بحث، هل يوجد للنبي صلى الله عليه وآله بنات غير الزهراء؟ إذن كل هؤلاء - الزوجات والبنات ونساء المؤمنات – مفروض عليها (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ). هذا ضمن ماذا؟ ضمن أن الله سبحانه وتعالى عندما فرض هذه الأمور كأهداف وغايات سواء كانت عبادية أو اجتماعية أو ما شابه ذلك، لم يتركها لاختيار الناس في الأساليب والوسائل، وإنما عيّن الأساليب والوسائل، مثل ما قال في العبادة، حيث قال أنا أريد العبادة عن طريق الصلاة، والصلاة تؤدى في خمس أوقات، وكل صلاة تبدأ بكذا وتنتهي بكذا، وفيها أركان وواجبات. كذلك فرض فيما يرتبط بالعفة الاجتماعية، فرض قضية الحجاب، إذا عرفنا هذه المقدمة، آنئذٍ لا معنى أن يأتي إنسان ويقترح في أمر الحجاب زيادة أو نقصاً، أو يقول هذه حرية شخصية أو يقول هذا كذا، أبدً أبداً. الله سبحانه وتعالى الذي فرض هذه القيم، أراد أن يكون المجتمع نظيفاً وعفيفاً، وفرض أيضاً طريقة الوصول إليه، فمثلما أنه أراد أن يكون المجتمع متكافلاً ومتعاوناً ففرض الزكاة الواجبة والمستحبة، ومثلما أراد أن يكون المجتمع عابداً لله عز وجل لا لسواه ففرض الصلاة. كذلك عندما أراد أن يكون المجتمع عفيفاً نظيفاً من الناحية الأخلاقية متعالياً حتى في جهة الشهوة، جاء وفرض في هذا الإطار الحجاب، هذه مقدمة مهمة جداً لمعرفة موقع الحجاب في مجتمعات المسلمين. الآية المباركة ننطلق منها في الحديث حول هذا الموضوع المهم وهو الحجاب سبيل عفاف. لكن لماذا في كل سنة يتم الحديث عن موضوع الحجاب وفي كثير من المجالس؟! الجواب: نلاحظ أنه لا يزال الحجاب ضمن مخطط الأعداء للإسلام، وهو أول درع يحاول كسره، فهو المركز الذي تتوجه إليه السهام فيما يرتبط بقسم النساء المسلمات، فإذا تغلب العدو الثقافي في هذا الجانب، فقد فتح بوابة كبيرة على المرأة المسلمة، وبنفس الأمر إذا كنا في الوسط الديني نتحدث عنه مرة ومرتين وثلاث في السنة الواحدة، فإن الطرف الآخر قد تكرر منه الحديث عنه في كل يوم مرات كثيرة وبوسائل مختلفة وطرق متعددة، أدناها أننا نجد سيلاً من الأفلام والدعايات وكأنها تربط بين التخلف والحجاب، وبين التقدم ونزع الحجاب بل التعري أحياناً، وهذه البرامج المختلفة التي بعضها قد لا يحس بها الإنسان، ولكن تقدم كقدوات ونماذج، أنت لا تلاحظ مثلاً اللاتي يظهرن في القنوات الفضائية يندر أن تكون منهن المحجبة وإنما أغلبه وبالذات - في غير البلاد المتمسكة بالموضوع الديني- الغالب فيه المرأة ليست ملتزمة بالحجاب بل هو أكثر من هذا. فهذا أنت لا تتأثر به بشكل مباشر وإنما يعطي رسالة لابنتك وابنتي وأختك وأختي أن هذا النمط هو نمط الحياة، فالتي تريد أن تتقدم لابد أن تكون بهذا الشكل من اللباس للحصول على العمل. هذه رسائل ناعمة وغير مباشرة في كل يوم تأتي إلى ابنتي وأختي وحفيدتي وابنتك وأختك وحفيدتك. فهم يتحدثون بمختلف الوسائل ونحن لا نتكلم إلا بشكل قليل وبوسيلة واحدة. أضف إلى ذلك القوة التي تمتلكها الثقافة الغربية وقوة تأثيرها وأساليبها المختلفة، تقتضي أن نواجه بشكل قوي وسريع ومع ذلك لا نلحق بهم. إذن فالثقافة الغربية تتسرب إلينا في هذه الفترات أكثر من أي فترات أخرى هذا أولاً، وثانياً: أصبح المتكلمون في هذه المسالة - مع الأسف الشديد - ممن لا خبرة له ولا معرفة له، بل لا يمكن أن يكون متكلماً، فمثلاً بعض الراقصات أصبحن يتكلمن في موضوع الحجاب، وأنه واجب أو ليس واجب، فالمهم أن يكون الإنسان أخلاقه ممتازة أو أن يكون إيمانه الداخلي قوي، أما هذه الأمور فهي أمور شكلية. فأصبح هذا الموضوع الذي هو من اختصاص القرآن الكريم وتبليغ الرسول العظيم صلى الله عليه وآله، يتناوله كل من هب ودب مما ليس له أهلية في أن يتكلم في هذا الموضوع، وأحياناً من ثقافات لا تنتمي إلى هذا الدين ولا إلى هذا المجتمع، وهي تصل إلينا شئنا أو أبينا، وتؤثر بدرجة من الدرجات، لذلك أيضاً لا معنى لأن يقال: لماذا هذه المواضيع تطرح باستمرار وتستعاد في كل سنة من محرم؟ فهذا يتكلم عن الحجاب وذاك يتكلم عن الحجاب، بلى هذا الأمر طبيعي بل لا بد أن يزاد في ذلك. الحملة - أيها الأحباب أيتها الأخوات الكريمات- حملة عالمية باتجاه ضرب القيم الأخلاقية، وسنتحدث عن هذا الموضوع إن شاء الله ذات ليلة،كيف أنهم يتُفهون القيم من خلال جعلها تافهة بعدما كانت مقدسة متبعة. الأحكام الشرعية التي هي الرابط الأساسي بعد العقائد بين الإنسان وبين ربه، أصبح يُنظر إليها نظر استخفاف من قبل جهات وفئات تُصَدر لنا هذه التفاهات وهذه الأفكار الباطلة فتصل إلينا، أحيانا ترى الأم امرأة متحجبة وكاملة في هذا الجانب ومتدينة ومصلية وصائمة وابنتها إلى جانبها على خلاف ذلك! هذا ماذا يعني؟! يعني أن هذا الجيل الذي يسمى بالجيل السابق أو الجيل الماضي كان يلتزم بالإحكام والشرائع، بينما هذا الجيل الجديد أو بعضه ربما لا يلتزم بنفس الالتزام، وهذا جزء منه يعود إلى أن قسماً من آبائنا ومن أمهاتنا ومن أخواتنا ومن اخواننا، لا يمارسوا دورهم كما ينبغي، أو لأن الحملة والهجوم أكبر من قوتنا. احتمال أن يكون هذا الهجوم أكبر من قوتنا بوسائله المختلفة وبأساليبه المتعددة، حتى مثلاً أعتبر أمر الحجاب علامة على التخلف والتأخر وعدم مسايرة العصر إلى غير ذلك... وإذا كانت هناك واحدة من بناتنا أو فتياتنا أرادت أن تبين أنها هي متقدمة أو هي عصرية أو هي كفاهمة أو هي على مستوى، لا بد لها شيئاً فشيئاً أن تتخلى من التحجب باتجاه التعري وباتجاه عدم الحجاب، لذلك ينبغي أن يتُحدث دائماً وكثيراً ومكرراً تأكيداً لمن يعلم وتأسيساً وتذكيرًا لمن لا يعلم. ماذا ينبغي علينا فعله كي لا يذهب أبناؤنا وبناتنا في دروب يندم عليها الآباء والأمهات؟ هذا الموضوع من المواضيع الذي لا يزال باقي على حيويته، فينبغي أن يتوجه إليه الخطباء والمتحدثون، وينبغي أن يتوجه إليه أرباب الأسر، هذا واحد من المسؤوليات، كما أنك مسئول أنت أيها الأب بمقتضى ولايتك الشرعية التي جعلها الله لك على الأبناء، فعندنا من الناحية الشرعية الأب ولي على أبنائه ما داموا صغاراً، فإذا بلغوا خرجوا عن هذه الولاية بالتدريج ، وهذا بحث الولاية له عناوين متعددة، لكن ما دام هذا الابن أو تلك البنت صغيرين، هناك ولاية شرعية مجعولة من الله عز وجل لهذا الأب على أبنائه وبناته، وهي ولاية حفظ وتربية وتوجيه إلى ما يصلحهم، لأن هذا الأبن أو هذه الابنة في مرحلة الطفولة غير قادرين على تمييز السليم من السقيم، والصحيح من الخطأ، فينبغي أن يقوم بذلك الوالد، هنا ينبغي أن يُعَوده ويُعَرفه على الصلاة، وعلى الالتزام، وعلى الدين، وعلى العقائد الأساسية، فيذهب معه إلى المسجد ويعلمه الصلاة، ويدخله في بعض الدورات التي تقوم بهذه الأمور، وإذا كانت بنتاً تبدأ بتعويدها على الحجاب والتحجب من البدايات، فتزين لها هذا الأمر وتحسن لها هذا الأمر. أما أن تنتظر إلى عمر الـ (11) سنة والـ(12) سنة أو غير ذلك ، أي بعد ما تخطت مرحلة التكليف، وربما بقيت في بعض السنوات في غير طاعة الله عز وجل ، أضف إلى ذلك، إلى ذاك الوقت تكون قد استوعبت أفكار أخرى غير سليمة وغير صحيحة، لا تتصور -أيها الأب- أنك أنت إذا تركت هذه البنت أو أنتِ -أيتها الأم- إذا تركتي هذه البنت من التوجيه، هي لا تسمع ولا ترى، لا تتصور ذلك، فالذي يغذيها من جهة أخرى، صارت هذه الممثلة وتلك الراقصة وهذا الجوال وذلك المتحدث الباطل وعلى هذا المعدل، فزرعوا الأفكار فيها. الإمام الصادق عليه السلام يقول: (بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة ) فبعده لا يزال حدث السن فلا يسبقنكم إليه المرجئة، هؤلاء أصحاب العقائد الباطلة لن يسكتوا عنكم، ففي ذلك الوقت يستطيع الإنسان أن يسيطر على ابنه وابنته فلا يجعلهما يختلطان في أجواء غير مناسبة، فكيف في هذا الزمان؟! الذي وهو في غرفته يسمع إلى كل متكلم، وهي في غرفتها تنظر إلى كل متكلمة. فمن المهم جداً أن يتوجه الإباء من جهة، والأمهات من جهة أخرى إلى مثل هذا الموضوع، وأن يعطوه حق العناية، وإلا هذه البنت من الممكن بعد مدة من الزمان تذهب في دروب يندم عليها الأب وتندم عليها هذه الأم. الحرية الشخصية عنوان الثقافة الغربية الزائفة لاختطاف أبنائنا وبناتنا: مما يتسرب إلينا من الخارج هي بعض الأفكار الباطلة مثلاً - وهذه التي يدغدغ بها عادة أذهان الناشئة - تأتي امرأة غير متحجبة وغير ملتزمة بالثقافة الدينية تقول: مسكينات هؤلاء الفتيات بعمر الـ 12و الـ 13 سنة مخنوقات وهذا مخالف لحريتهن الشخصية ولا يتحملن هذا الأمر، فهذه المرأة الغير ملتزمة لا تأتي بهذا الكلمات من عندها وإنما يرفدها الغربيون. هذا الكلام هو نفسه لا أصل له في ديننا، ماذا يعني حرية شخصية - قبل قليل ذكرنا - أن الله سبحانه وتعالى كما وضع الأهداف والقيم الأساسية، وضع الطريقة والوسائل إليها، ماذا لو أن إنساناً قال: الصلاة أو الصيام حرية شخصية؟ هل يقبل منه هذا الكلام؟ بالطبع لا. نحن لا نعتقد بالحرية الشخصية، وإنما نعتقد بأن الإنسان خُلق عبداً لله، لم يخُلق حراً – وقد أشرنا إليه في بعض السنوات الماضية- لا يوجد عندنا شيء أسمه (الأصل) هو الحرية، لا يوجد أصل في الدين بهذا المعنى، الأصل في الدين أنك عبداً لله عز وجل، أفضل البشر وأعلى البشر، أحسن صفة له هي: (وأشهد إن محمداً عبده ورسوله) وأفضل خطاب يخاطب به ربنا سبحانه وتعالى خُلَص أوليائه وخلقه يقول: عبدي... عبادنا.. (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) يخاطبهم بعنوان العبودية، ما وجدنا أصلاً في الدين يشير إلى أن الإنسان حرٌ تجاه أوامر الله عز وجل، نعم قال أمير المؤمنين عليه السلام: ( لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً) ولكن كن عبد ربك ولا تكون ذليلا ً أمام الآخرين ، لا تكون عبداً للعباد، وإنما كن عبداً لرب العباد، يعني أن تلتزم بأوامره وتقديم أحكامه على هواك وإرادتك، وأموره على حريتك المزعومة، فلا يوجد عندنا أصل اسمه الحرية الشخصية كما يزعم هؤلاء. نعم الذي ينتمي إلى ثقافة أخرى غير دينية، نقول الإنسان مخلوق حر، نحن لا نعتقد بهذا أبداً، ويفترض أنه لا يوجد مسلم يعتقد بها بالقياس إلى ربه سبحانه وتعالى، أن إنسان يأتي ويقول: أنا حر تجاه الله عز وجل. الصحيح أن يقول: أنا عبدٌ تجاه الله وحرٌ بالنسبة إلى من هو على خلاف منهج الله عز وجل من البشر، يجمعها أمير المؤمنين (إلهي كفاني فخراً أن تكون لي رباً، وكفاني عزاً أن أكون لك عبداً) نعود إلى حديثنا.. هل هناك دليل قرآني على فرض الحجاب كي تلتزم به فتياتنا؟ من جملة الآيات الدالة على موضوع الحجاب؛ لأن هؤلاء يقولون عادة - ولهذا من التلبيسات والمغالطات – لا يوجد دليل قرآني على أن الحجاب فرض ولازم، نقول - لنفترض أنه لا يوجد دليل - هل هناك كلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أو لا؟ إذا هناك كلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فالقرآن يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) نهى النبي صلى الله عليه وآله عن التكشف، وأمر النبي صلى الله عليه وآله بالتحجب وقال -بما روي عنه كثير من الروايات بين الفريقين - وخاطب مباشرة بعض الفتيات المسلمات وهن صغار قال لأحداهن:( يا أسماء أو يا سلمى إذا حاضت المرأة لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا) إذا بلغت المحيض بلغت البلوغ الشرعي لا ينبغي أن يظهر منها بدنها، وكثير من الروايات في هذا الاتجاه، لنفترض أنه لا يوجد في القرآن، القران الكريم الذي قال :( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) ألزمنا بأن نأخذ الأحكام والتعاليم من رسول الله صلى الله عليه وآله وعندنا أهل البيت عليهم السلام -المؤمنين بأهل البيت - ما كان من تعاليم علي وعترته فهو في منتهاه كما هو القرآن الكريم، أُمرنا في القرآن الكريم بطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله، ورسول الله أمرنا بأن نطيع أهل بيته بحديث الثقلين فكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته عليهم السلام من الأوامر والنواهي في هذا الجانب أصبح ملزماً ولو لم يأتي به القرآن، أكثر الأحكام لم يأتـي بها القرآن، فكيفية الحج لم يأتي بها القرآن الكريم، وعدد المفطرات قسم كبير منها لم يأتي بها القرآن الكريم ، والزكاة لم يأتي بها القرآن الكريم بتفاصيلها، لكن المسلمين أخذوها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أهل البيت عليهم السلام، فصارت عندنا هذه المنظومة التشريعية، فلو فرضنا أنه لا يوجد آيات قرآنية، فهناك أحاديث تلزم الإنسان بأن يعمل بها وهي تقضي بلزوم الاحتجاب. على أن القرآن الكريم فيه آيات بهذا المعنى - لمن أراد أن يتأمل فيها - (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) والآية الأخرى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) في هذه الآية المباركة إشارة إلى أن لا تبدى الزينة، والزينة هنا - إما أن يكون المقصود بها مواضع الزينة - وهذا في اللغة العربية يقولون على طريقة حذف المضاف وهذا موجود في الآيات كقوله تعالى (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) يعني تسأل مَن؟ تسأل أهل القرية، فهنا يقولون حذف المضاف وهو كلمة ( أهل) للاستغناء عن معرفتها فلن يكون المقصود الجدران وإنما المقصود سؤال أهل القرية. كذلك هنا يقول: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) - يعني مواضع الزينة- فمثلاً عندما تضع على صدرها قلادة أو عقد ذهبي هذا يعني موضع الزينة ، كذلك عندما تضع على ذراعها الذهب والأساور هذا موضع الزينة، إذن فمعنى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) معناه لا يبدين مواضع زينتهن، هذا الغطاء التي تغطي به شعرها- نفس اشعر- هذا يكون موضع الزينة، فلا ينبغي أن يُبدى وأن يُعرَف، إما بهذا القول وإما أن يقال نفس الزينة هي ممنوع اظهارها. إما إذا قيل أن لا تخرج الزينة التي في اليد – يعني تكون الزينة مغطاة- لكن اليد تكون ظاهرة هذا أمرٌ غير معقول، إضافة إلى ما ذكرنا من باقي الآيات المباركة، فالقضية من الناحية الدينية ثابتة بالقرآن الكريم من جهة، وبروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله والمعصومين عليهم السلام من جهة أخرى. هل فرض الحجاب في الديانات السماوية الأخرى؟ من الممكن أن نتقدم خطوة للأمام -كما يقولون - فنقول إن الأصل في النساء هو التحجب الكامل؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك ونراه في كل الديانات، فأنت ترى ذلك حتى عند المسيحيين. الآن المسيحيون عندما يرسمون صورة مريم العذراء - إلى هذه اللحظة - مع إن التفسخ عندهم قائم على قدم وساق والتعري بشكله الكامل، لكن عندما يصورون صورة مريم العذراء يصورونها صورة امرأة عليها غطاء الرأس وعليها ملابس ساترة لماذا؟ لأنهم يعلمون أن هذه المرأة والدة عيسى بن مريم والمؤمنات في ذلك الزمن - زمان المسيح وزمان موسى بن عمران وزمان إبراهيم - كن على تلك الشاكلة، وهذا لا يمكن أن يكون ناشئاً إلا من توجيه الدين، فالرسل والأنبياء السابقون والحضارات الدينية كلها تصر على هذا الجانب وعلى هذا الأمر، حتى مع هذا التفسخ والتعري و.. الخ الموجود في العالم ، إلا أنهم لا يزالون يعتقدون إن مثل مريم والنساء العظيمات في تاريخ المسيحية واليهودية كن متسترات ومتحجبات ومحتشمات وعفيفات، بل يذكر المؤرخون -انظروا مثلاً- إلى كتاب قصة الحضارة لـ ( ويل ديورانت) وغيره، يتحدثون عن الحجاب في المجتمعات الدينية على أساس أنه الأصل، حتى أنه جاء في اليهودية عقوبة، أنه لو أن امرأة متزوجة خرجت إلى الشارع من غير حجاب أو تكلمت مع الرجال من غير تستر أو ما شابه ذلك، أو غزلت في وسط السوق من دون احتشام جاز لزوجها طلاقها ولا يغرم لها شيء؛ لأنها خرجت عن القاعدة الدينية. فلو افترضنا أن شخصاً في زمان موسى بن عمران، زوجته خرجت إلى وسط السوق من غير احتشام ومن غير احتجاب، يحق له عندهم أن يطلقها لأن هذا شيء كبير وعظيم ومن دون أن يخسر من مهره شيئاً، نحن لا يوجد عندنا مثل هذا الحكم الشرعي، لكن في اليهودية موجود مما يشير إلى أن هذا الأمر كان موجوداً في سائر الديانات، أكثر من هذا أيضاً يمكن أن يقول الإنسان أن رُقي البشر كان بالتستر - الذين يدرسون حياة الإنسان في الأزمنة السحيقة المتقدمة والعصور الحجرية كما يقولون - وفي بعض المناطق في العالم البدائية والمتخلفة إلى الآن، في الغالب الرجال غير متسترين والنساء غير متسترات إلا بشكل بسيط. فجاء الأنبياء بتعاليم الله عز وجل، فجعلوا لهذا البشر المتخلف المتوحش البدائي المتعري رقي وحضارة، فجعلوا عليه الستر، وجعلوا عليه إن يترك التعري رجالاً ونساءً، غاية الأمر أصبح هناك مسيرة مضادة لهذه التوجهات مع ما سمي بالثورة الصناعية الغربية وصارت أفكار جديدة، أناس ولمصالح مادية ولمصالح شهوانية ولغير ذلك، تحركوا في اتجاه نزع الحشمة والعفاف عن هؤلاء النساء حتى ينالوا ما يبتغونه منهم، واستمروا في هذا إلى أن وصلوا إلى قضية المثلية والشذوذ- قد نتحدث عن هذا الموضوع في يوم من الأيام- نحن ينبغي أن نرجع إلى ما يفرضه علينا ديننا وإيماننا وتعاليم هذا الدين القويم، وإن نفكر في طرد هذه الأفكار الباطلة التي تريد أن تختطف منا نسائنا وبناتنا، وذلك عندما نقوم بتثقيف هذه المرأة - ابنتك هذه مسؤوليتك وأمانتك - عودها أيها الأب وعوديها أيتها الأم على أن تحتشم وعلى أن تحتجب. تبكي على زينب وابنتها نصف عارية الصدر!... كمن يقتل الحسين ويبكي عليه! يتعجب الإنسان - ولا سيما في هذه الأيام المباركة - أن امرأة مثلاً تقتل نفسها حزناً وكمداً على العقيلة زينب وحق لها ذلك، لماذا؟ لأن زينب قد هُتك سترها، وقد سيُرّت في البلدان، وقد نظر إليها الرجال، وهذا شيء عظيم وجريمة كبيرة ومؤذية إلى الحد الذي نفس زينب عليها السلام تقول: ( قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن يستشرفهن أهل المناهل والمناقل وينظر إليهن الشريف والوضيع والكبير والصغير) وهذا شيء عظيم. فعندما تبكي المرأة أو بعض النساء من أجل هذا -ونعم ما تصنع - وإلى جانبها ابنتها مثلاً نصف صدرها عاري كيف يمكن أن نفهم هذا؟! يعني هل يمكن أن يُفهم من امرأة هكذا؟! - الحمد لله من يسمعنا ليس كذلك- ولكن نريد أن نشير إلى هذا الخلل في الفهم، أنتِ تبكين على زينب عليها السلام لأنه كُشِفَ وجهها!! وتمارسين ما مارسه عدو زينب مع زينب، عندما لا تمانعين من أن تخرج ابنتك وذراعها مثلاً ظاهرٌ أو شيئٌ من صدرها بارزٌ ولا أعلم ساقها كذا وكذا، أنتِ تمارسين نفس ما مارسه أولئك الطغاة في بنات رسول الله صل الله عليه وآله، هذا الأمر القبيح الذي فعلوه لجهة نفس القبح في الفعل نفسه ولجهة حرمة تلك النساء أنتِ تمارسين -لا سمح الله ولا قدر - هذا الفعل القبيح مع أبنتك، عندما تظهرينها بمظهر آلم زينب عليها السلام، سكينة سُبيت أم كلثوم سُبيت زينب سُبيت سائر النساء، ماذا يعني سُبيت؟ يعني ظهر من أبدانهن ما كان محجوباً ومستوراً، وكانت المرأة فيهن عندما هجموا على المخيم تُنازع القوم ملحفتها ومقنعتها، فهذا يجر وهي تجر، لماذا؟ لأجل أن تكون مستورة. فأنتِ تبكين على هذه - ونعم ما تصنعين- ولكن في نفس الوقت أيضاً ابنتك بدون أن تنازع ملحفتها ولا مقنعتها ولا سترها ولا غطاء شعرها، أنتِ تتركيها وتسمحين لها بهذا الأمر! هذا أمرا غير مفهوم أبداً. لذلك ينبغي أن نتوجه رجالاً.. نساءً.. أباءً.. أمهاتٍ.. إلى هذه القضية بالنصيحة المباشرة والحديث المباشر الذي يرقى إلى صيغة الأمر، مُر ابنتك أن تتحجب، مُر حفيدتك أن تتحجب، بينّ لها إن استطعت بشكل مباشر أو الحقها بدورات تكليف- الآن الحمد لله في بلادنا وأماكن أخرى دورات واحتفالات التكليف - وهذه سُنّة حسنة نحن نشجع عليها ونؤكد عليها ونثني على القائمين بها، مع اقتراب الأولاد -بنين وبنات - من سن التكليف يقام لهم دورات يُعلَمون ويُعلَمن المسائل الشرعية، يُعَودُّون على الصلاة والأعمال الحسنة ويُعَوَدن على الحجاب والعفاف وما شابه ذلك، حتى لو اضطررت أن تدفع المال، ادفع فهذا خير استثمار، أنت تدفع المال حتى تذهب إلى التعلم والدراسة وتتعب في ذلك - ونعم ما تصنع - ولكن ذلك أثره أكثر عندما تخلق منها فتاة ملتزمة متحجبة عارفة بأهمية حجابها وإيمانها وعفافها. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا وإياكم بأن تكون ذرياتنا طيبة، لاحظوا الأنبياء لا يسألون فقط الذرية، لماذا؟ لأن من الذرية من يكون عدواً (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) إذا- لا سمح الله وقدر- أنت المتدين المؤمن الذي يُتَبرك بك إذا نشأ عندك - لا سمح الله - ابنٌ منحرف أو بنتٌ منحرفة أو غير متدينة، هذا بلاء عظيم، فعدم الولد هنا أفضل بكثير من ولدٍ منحرف يكون عليك وبالاً، لذلك عندما يدعو النبي صلى الله عليه وآله (بِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ) ذرية إيمان وذرية التزام، الله سبحانه وتعالى الآن أعطاك ذرية، فينبغي عليك أن تتحرك في اتجاه تعلِيمها الأخلاق والحجاب والعفاف والدين والمسيرة الصالحة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا وإياكم. طوعه... المرأة المؤمنة المحافظة وتعاملها مع رجل كمسلم بن عقيل: لا حظوا لولا أن تلك المرأة الصالحة - طوعه - كانت على مقدارٍ من الإيمان، هل كانت إلا امرأة منسية في التاريخ؟ لكنها امرأة مؤمنة على خط الإيمان، فهي تَحرّجَت أن يجلس على باب دارها رجل، فلما علمت أنه من هذه العترة والأسرة أدخلت مسلم بن عقيل على التَحرّج وأفردت له داراً حتى لا يكون اختلاط بينها وبينه ولا تكون هناك خلوة بينها وبينه، هذه لا بد للإنسان أن يتأمل فيها، لا تأتي صدفة، وإنما تأتي من خلال امرأة عارفة بالأمر الديني، تعرف أن سقي الماء أمرٌ مستحب، وتعرف إن إدخال الرجل إلى بيتها ليس بالشيء العادي إلا أن تكون مطمئنة - مثل حال مسلم بن عقيل - فإذا أدخلته إلى بيتها أفردت له داراً وابتعدت عنه وذهبت إلى شأنها. هذا الذي جعل هذه المرأة بعدما كانت صفراً لتصبح مليوناً بهذا الموقف، كم في الكوفة من النساء - في ذلك الوقت - البعض كان يقول عدد سكان الكوفة ثلاثةُ ملايين نسمة - أنا أظن أن هذا العدد مبالغ فيه - ولكن حتى لو فرضنا أن العدد مليون نسمة أو نصف مليون، ونصف هذا العدد نساء أو نقول ربع مليون امرأة أو مائة ألف امرأة، كم اسماً تحفظ من هذه النساء؟ لا تحفظ شيئاً، وغيرك كم يحفظ من الأسماء؟ لا أحد يحفظ شيئاً، لكن اسم هذه المرأة - وهي عادة تُجهل لأنها جارية- ليست اسم ورسم وابنة لفلان أو من عشيرة معروفة، هي مجرد جارية، لكن موقفها الديني هذا خلّد وجودها وبقائها، وإلى الآن أنا وأنت هذه الليلة بعد حوالي ألف وثلاثمائة وثمانون سنة، نذكر هذه المرأة وغيرنا يذكرها ويعظم شأنها ويثني عليها ويترحم عليها، لماذا؟ لأنها امرأة صالحة متدينة وقفت هذا الموقف، فأدخلت مسلم بن عقيل ابن عم أبي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه في وقت كان من أشد الأوقات حرجاً، فكما تعلمون أن مسلم بن عقيل بعثه الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة في وقت مبكر - بعضهم يقول في شهر رمضان - فبدأ يجمع الأنصار للحسين عليه السلام ويخبرهم بقرب قدومه وبأن يستعدوا وبدأ يأخذ منهم البيعة، وكان يتنقل من بيت إلى بيت حفاظاً على حياته وبقائه، إلى أن جاء اللعين عبيد الله بن زياد فغيّر المعادلة بالكامل، وها هو مسلم بن عقيل في آخر أيامه - كما سمعتم وتسمعون كثيراً- يتحرك في أزقة الكوفة وقد غُلِقَت الأبواب وفرضت حالة الطوارئ والمراقبة وانتشرت الفرق المسلحة الأموية لكي يقبضوا على كل إنسان، فخرج مسلم بن عقيل ولم يكن عنده بيت في الكوفة؛ لأنه أساساً ليس من أهل الكوفة فهو من المدينة المنورة، وعندما جاء كان ينزل ضيفاً على بعض رؤساء القبائل والعشائر الذين كانوا يستضيفونه، فمرة في دار المختار الثقفي ومرة عند هاني بن عروة المرادي وهكذا، الآن أصبحت الأبواب كلها مغلقة، فأخذ يمشي في أزقة الكوفة لا يدري ماذا يصنع؟ وما الذي سيجري عليه؟ حتى بلغ منه التعب والعطش مبلغه بأبي هو وأمي، ولا أدري ما قصة الماء مع آل محمد عليهم السلام، فالحسين لا بد أن يقتل عطشاناً، وكذلك عبد الله الرضيع يفرى نحره قبل أن يذوق الماء، مسلم بن عقيل مضى شهيداً ولم يشرب الماء، لأنه لما أراد أن يشرب الماء عندما جاءوا إليه به تساقطت ثناياه في ذلك القدح، وأصبح الدم فيه ولا يستطيع أن يشرب؛ لأن الماء أصبح متنجساً بالدم فقضى عطشاناً غريباً مشابهاً للحسين عليه السلام في شهادته.
مرات العرض: 3432
المدة: 01:06:00
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 62462.29 KB
تشغيل:

3 فلينظر الإنسان إلى طعامه
5 الشذوذ العالمي إلى زوال!