لماذا لا يدخل الجنة بخيل 20
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/5/1443 هـ
تعريف:

20/ لماذا لا يدخل البخيل الجنة؟

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

لا يزال كلامنا في رحاب وصية الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله وسلامه عليه لهشام بن الحكم وهي وصية جامعة نافعة في ما يرتبط بالعقل وإدارة الحياة على ضوء أحكامه، ووصلنا إلى هذه الفقرة التي نقلها إمامنا الكاظم عليه السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فقال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يوصي أصحابه فيقول: أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والإكتساب في الفقر والغنى، وأن تصلوا من قطعكم، وتعطفوا على من حرمكم، وليكن نظركم عبراً، وصمتكم فكراً، وقولكم ذكراً، وطبيعتكم السخاء، فإنه لا يدخل الجنة بخيل ولا يدخل النار سخي) صدق سيدنا ومولانا أبو الحسن موسى بن جعفر سلام الله عليه.

ذكرنا فيما مضى أنه أحياناً ينقل الإمام شيئاً عن آبائه مع أننا نعتقد أن مقام الإمام ليس مقام الراوي وإنما هو إمام مستقل، فلا يحتاج إلى أن ينقل الرواية عن آبائه وأجداده، فليس حاله حال سائر الناس عندما يكون راوياً عن الإمام أو المعصوم، فلماذا إذاً يقول كان أمير المؤمنين يقول هذا الكلام؟ قد تكون إشارة إلى بعض الجهات بإختصار وقد أشرنا إلى قسم منها سابقاً، إحداها: 

1 - أن الأئمة عليهم السلام يريدون أن يقولوا للناس بأن كلامنا مسند إلى آبائنا وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى لا يتصور الناس أن لا طريق لنا ولا سند لنا إلى أمير المؤمنين وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالسند عندنا وهو أصول العلم التي نتوارثها واحداً بعد الآخر، وهذا فيه رد على المحدثين من مدرسة الخلفاء الذي قالوا بأن الحديث لابد أن ينتهي إلى رسول الله أو أحد صحابته لأنهم سمعوا الحديث من رسول الله، فكلام الإمام الكاظم بالنسبة لمن هو في مدرسة الخلفاء لا يعتبر كلام ذا حجية، بينما إذا قال الإمام عليه السلام أنه يروي عن أبيه الصادق عن الباقر عن السجاد عن الحسين عن علي عليه السلام فمعنى ذلك أن له سند متصل مع رسول الله لأن علي عليه السلام حتى على زعم المدرسة الأخرى لا يقول كلاماً إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن نحن شيعة أهل البيت نعتقد بأن القيمة التشريعية لكلام الإمام الكاظم هي تساوي تماماً كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

2 – أن هناك بعض القضايا التي ترد مورد العناية التامة من الإمام، فإمام بعد إمام يرى أن إحدى مشاكل المجتمع هي المسألة الفلانية، فكما يؤكد عليها أمير المؤمنين فإن الحسين يؤكد عليها أيضاً ويؤكد عليها السجاد والباقر وهكذا، لا سيما في مثل هذه الكلمات التي نقلت بصيقة خاصة وهي صيغة: كان أمير المؤمنين يوصي أصحابه، وهذه الصيغة كما يقول العلماء تدل على الإستمرار والدوام، كأن نقول أن فلان كان يصلي في المسجد وهذا يعني أن عادته الصلاة في المسجد بشكل دائم ومستمر، بعكس لو قلنا صلى في المسجد فهذا يعني أنه قد صلى مرة واحد في المسجد وليس بشكل دائم.

الإمام الكاظم عليه السلام عندما قال أنه أمير المؤمنين كان يوصي أصحابه فهذا يعني أنه يوصيهم بشكل مستمر ودائم مما يعني أنها كانت مهمة ويؤكد أهميتها ما جاء عن الإمام الكاظم في نقلها لهشام بن الحكم قال: (أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية)، من السهل أن يخشى الإنسان الله في العلانية لأن الضغط الاجتماعي ينضم إلى خشية الله، فلم نرى أحداً في بلد مسلم يتظاهر بشرب الخمر ولا بالزنا أمام الناس ولا بسائر الأفعال القبيحة لأن الضغط الاجتماعي والظرف الاجتماعي يجعله لا يفعل هذه الأمور أمام الناس، لكن المهم هو خشية الله في السر قبل العلانية لأنه لا يكون عند الإنسان في السر مانع من عمل القبيح إلا خشية الله عز وجل، فعندما يكون شخص بمفرده أمام الإنترنت فإن لم تكن لديه خشية من الله عز وجل فسيطلع على الصور الإباحية الخليعة مثلاً لأنه لا يوجد مجتمع يضغط عليه ولا توجد عقوبة مترتبة عليه ولا تشهير، فالشيء الوحيد الذي يمنعه من النظر إلى هذه المحرمات هو خشية الله عز وجل، لذلك الخشية من الله عز وجل في السر أولاً قبل العلن وقد تم تقديم كلمة السر قبل العلانية هنا في الحديث لأهمية ذلك، فأحياناً المتكلم عندما يكون بليغاً فضلاً عن المعصومين عليهم السلام فإنه يقدم في حديثه المهم على غير المهم أو على الأقل أهمية.

(العدل في الرضا والغضب)، لو لاحظنا أنفسنا وموقفنا عندما نكون راضين عن شخص ما وعندما نكون في حالة غضب منه لأي سبب من الأسباب، مثلاً لو قدم جارنا لنا عزيمة وطعاماً فإننا سوف نقول بأن هذا الجار لا يوجد مثله وأنه أحسن الجيران، لكن لو رأينا بعد أيام قمامته أمام منزلنا مثلاً فإن موقفنا منه سيتغير وكلامنا تجاهه سيتغير، ولو حكَّمنا عقلنا لقلنا بأن هذا الجار قد لا يكون متعمداً فربما كانت العاملة لا تعلم أو نسيت وتركته أمام منزلنا، ونفس الكلام أيضاً بالنسبة للموظف والمدير، فقد يكون ذلك الموظف يحضر إلى عمله مبكراً ويقوم به على أكمل وجه وهو عند مديره من أفضل الموظفين، ولكن إن جاء يوم وتقاعس هذا الموظف لأي سبب من الأسباب فإن مديره قد ينظر له بنظرة أخرى، وهكذا بين الزوج وزوجته أيضاً، إذا فلابد أن يكون الإنسان عادلاً في رضاه وفي غضبه.

مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جماعة من النساء فقال لهن: أكثركن يدخل النار، فلما سألنه عن السبب قال: لأنكن تكفرن العشير (أي الزوج)، فمثلاً هذا الزوج قد يكون طوال حياته يلبي طلباتها وما شابه ذلك لكنه إن قصَّر عليها يوماً من الأيام قالت ما رأيت من وجهك خيراً، وهذه من الموارد التي نسميها قضية في واقعة، أي ليس بالضرورة أن يكون لها امتداد زماني، وقد يكون العكس من ذلك بأن الزوج ينكر من زوجته ما فعلته وما قدمته له كل هذه السنين لسبب أو موقف معين.

(الإكتساب في الفقر والغنى)، هناك قسم من الناس عندما يصل إلى عمر الستين مثلاً أو يتقاعد ويكون لديه رصيد في حسابه فإنه لا يكون لديه هدف في الحياة ولا عمل، وهذا غير صحيح فيجب عليه الإكتساب وإن كان غنياً، فعليه أن يبحث على كسب آخر ومجال آخر عندما يتقاعد عن عمله الوظيفي، فإن علي عليه السلام كان يوصي الإكتساب ليس فقط بالنسبة للرجل الفقير وإنما بالنسبة إلى الفقير والغني، فالتقاعد هو نظام جُعِل من قِبَل الأنظمة السياسية لأغراض كثيرة، لكن أنت أيها الأنسان إذا فرغت فانصب، أي إذا فرغت من شيء ابدأ بشيء آخر، تقاعدت من عملك الوظيفي اذهب إلى التجارة، وأمثال ذلك من الأمور.

(أن تصلوا من قطعكم وتعفوا عمن ظلمكم وتعطفوا على من حرمكم)، أن يصل الإنسان من يصله نجد أنه أمر طبيعي، لكن المستوى الأخلاقي ليس هنا وإنما أن يصل من قطعه وهجره وترك السلام عليه، فلا ينبغي أن يكون تعامل الإنسان في حياته في القضايا المعنوية تعامل تجاري، كأن يقول: إن أعطاني أعطيه وإن سلم علي أسلم عليه وهكذا، فالمستوى الأخلاقي هو إن ظلمك تعفو عنه وإن قطعك تزوره. 

(وليكن نظركم عبراً وصمتكم فكراً وقولكم ذكراً وطبيعتكم السخاء، فإنه لا يدخل الجنة بخيل ولا يدخل النار سخي)، وهذه من أعجب الكلمات، فالبخيل لا يدخل الجنة والسخي لا يدخل النار، وبالفعل هناك قسم من الناس أن يقطع بعض لحمه أهون عليه من أن ينفق مقدار من المال، فنجد أن عنده مبلغ من المال لكنه لا ينفق على زوجته وبيته فتكون حياتهم مليئة بالمشاكل لهذا السبب، ولو سألنا أنفسنا أنه لمن يجمع هذا الإنسان المال إن لم ينفق على زوجته وأولاده ونفسه ولم يقدم به الصالحات وغيرها؟ فكثير من الناس يكدون لأصحاب البنوك فمثلاً لو كان عنده رصيداً في البنك فإنه لا يصرفه بل يتركه في البنك ويربطه بمحفظة حتى لا يتمكن من استعماله لمدة سنة على الأقل، فمئة ألف ريال التي وضعها هذا الرجل في البنك ولم يستعملها سيستفيد منها أصحاب البنوك الذين يزيدون بهذه الأموال رأس مالهم، فعندما يقومون أصحاب البنوك بأخذ الأموال من هذا وذاك فربما يكونون ثروة تصل إلى 17 مليار مما تجعلهم ينشؤون عدة فروع ومنشآت وينمون ثرواتهم بمال هذا الشخص الذي ببخله لا يستخدمه، فهو يغني غيره ممن لا تربطه به رابطة مقابل ابنه وأخيه وزوجته وجاره، فهذا البخيل يكون بعيد عن الله وعن الجنة قريب من النار، والسخي قريب من الله قريب من الجنة بعيد عن النار.

 فلعل أحدهم يقول كيف لشخص سخي ولكنه كافر أن يدخل الجنة؟ وكيف لشخص بخيل ولكنه يعمل بجميع المستحبات؟، الجواب هو أنه توجد توجيهات كثيرة لهذا الحديث من الناحية العقائدية: 

1 – أن يكون مثل هذا الحديث حاكماً على بقية الأحاديث، فعندنا في الإمامية روايات كثيرة على أن من يبغض علي بن أبي طالب عليه السلام لا يدخل الجنة ولو كان عابداً وصائماً وقائماً، وهذه تسمى بالأدلة الحاكمة على بقية الروايات، فقد يكون المعنى من وصية الإمام لأصحابه بأن الإنسان لو كان يعتقد بالله ويقوم بواجباته ومستحباته لكنه بخيل فإنه لا يدخل الجنة.

2 – قد يكون المعنى ما أشار إليه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قصة في السخاء وأشار إليه القرآن الكريم في قصة في البخل، أما قصة القرآن الكريم: 

فقصة ثعلبة بن حاطب الأنصاري الذي كان فقيراً جاء إلى رسول الله صلى الله علي وآله وسلم وطلب من الرسول أن يدعو له حتى يرزقه مالاً، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله بأن وضعه لا يتطلب أن يكون عنده مالاً كثيراً، لكنه أصر على الرسول بأن يدعو له فدعا له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءت له غنة وبدعوة رسول الله بورك فيها وتكاثرت فأصبح عنده قطيع من الأغنام لا تسعهم المدينة فطلع إلى البادية أي تعرَّب بعد الهجرة، فنزلت آية الزكاة وجاء له المزكي وقال له بأن الله تعالى يقول: ((خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)) فغضب ثعلبة ولم يرضى بذلك، فالنتيجة أن القرآن الكريم يقول: ((فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون))، فلا يدخل الجنة بخيل لأنه عندما تستحكم صفة البخل في الإنسان فستمنعه من الطاعة ولن يؤدي واجباته الدينية كالزكاة والخمس.

القصة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأخبار أنه قال لعدي بن حاتم: أن أباك لا تمسه النار، لأنه كان مضرب المثل في السخاء، بل أكثر من ذلك أن الكرم والسخاء من الصفات الحسنة التي تجتذب الصفات الحسنة الأخرى.

قيل أنه جاء بعدد من الأسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حالة قتال، فأمر الرسول علياً بأن يقتل منهم تسعة ويبقي واحداً، فتعجب هذا الشخص الذي لم يُقتَل من تصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول الله: أن الله أخبرني أنك سخي جواد، فقال له الرجل : أربك أخبرك بهذا؟، قال الرسول: نعم، فقال له الرجل: أنت صادق وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فنجد هنا أن سخاؤه جره إلى الإيمان، فمثل ما أن بخل ذلك الشخص جره إلى النفاق وعدم تأدية الواجبات المالية وبالتالي جره إلى النار، فإن سخاء هذا الرجل وجوده جرته إلى الجنة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب لنا ولكم جنة الله ورضوانه إنه على كل شيء قدير.

مرات العرض: 3412
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 33108.96 KB
تشغيل:

بهذه التصرفات يعرف عقل الانسان 19
لنستحِ من الله حق الحياء 21