بهذه التصرفات يعرف عقل الانسان 19
التاريخ: 1/5/1443 هـ
تعريف:

19/ بهذه التصرفات يعرف عقل الإنسان

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

لا يزال الكلام في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم، ووصلنا إلى: (يا هشام إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، ولا يسال من لا يخاف منعه، ولا يعد مالا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنف برجائه، ولا يتقدم على ما يخاف العجز عنه).

العاقل يعرف بتصرفاته ولا يعرف بالضرورة بعلمه، فقد يكون عالماً كبيراً في تخصصه ولكنه لا يمتلك الدرجة نفسها من العقل، فأحياناً يكون العلم زيادة في العقل وأحياناً يكون العلم مسار والعقل مسار آخر ولا سيما في العلوم التخصصية، لنفترض أن إنساناً متخصص في علم الفلك إلى درجة لا يسبقه فيها أحد، فهذا علم تخصصي من الممكن أن ينعكس على عقل الإنسان زيادة ومن الممكن أن لا يكون هناك ارتباط بينه وبين العقل، فترى هذا الشخص متخصص في فنه وعلمه لكن تجد ان مستوى عقله مستوى عادي، بل أحياناً حتى في علم الدين فقد يكون شخص عالماً في الفقه أو في علم الرجال كذلك ولكنه لم يصنع قناة بين علمه وبين عقله، ولذلك قد تجده في أعلى الدرجات من الناحية العلمية التخصصية ولكنه ليس كذلك من الناحية التعقلية، وهذا يفسر:

أن قسماً من العلماء المتخصصين في فنهم غاية التخصص تكون حياتهم حياة عابثة وغير جادة، فمثلاً نجد أن إنساناً حاصل على درجة البروفيسور في علمه الخاص لكنه مع ذلك لا يتعامل مع الحياة بمنطق  العاقل الذي هو على درجة عالية من العقل، كأن يكون شخصاً يتقن السياقة إلى درجة كبيرة مثلاً لكنه ليس بالضرورة أن يكون خلوقاً أو مؤمناً او سعيداً في حياته الزوجية، فقضية العقل تعرف غالباً بأفعال الإنسان، فأفعال الإنسان إما ينظمها الشرع أو ينظمها عقل الإنسان في بعض الموارد التي لا يكون فيها (حلال أو حرام ) بالضرورة وإنما يكون فيها (ينبغي او لا ينبغي) ما يحسن فعله أو ما لا يحسن فعله.

يحدد إمامنا الكاظم عليه السلام في هذه الفقرة بعض الأعمال التي يكتشف من خلالها بعض جوانب التعقل عند الإنسان فيقول: (إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه) فإذا كان هنا شخص بمجرد الحديث معه يبدأ بتكذيب الكلام في كل مره فلا ينبغي للإنسان العاقل أن يتحدث معه لأنه إما أن تكون طبيعته هي التكذيب بما يُخبَر به أو يكون التكذيب لك على وجه الخصوص فلذلك لا ينبغي للإنسان العاقل أن يضيع جهده ووقته وعمره في هذا الأمر، إذاً على الإنسان أن يبيع بضاعته على من يشتريها بأغلى الثمن وليس لمن لا يشتريها ولو بالمجان، أي أنه لا بد أن يبحث عمن يشتري حديثه بما يناسبه من الثمن.

(ولا يسأل من يخاف منعه)، فلو كانت عند الإنسان حاجة معينة سواء كانت مادية أو غير مادية فلا ينبغي ان يسألها لمن يحتمل أن يمنعه ولا يعطيه، فالعاقل يفكر أن يسأل من لا يمنعه وأول من ينبغي أن يفكر فيه هو الله الواحد الوهاب، فليكن سؤالك لخالقك أولاً لأنه لا أحد يخاف المنع من الله عز وجل، لأن الإنسان عندما يمنع شخصاً آخر يكون إما للعجز وإما للبخل، لكن الله سبحانه وتعالى هو الوهاب والقادر على كل شيء، وبعد ذلك إن أراد أن يسأل البشر فليسأل الشخص الذي لا يخاف منعه.

(ولا يعد ما لا يقدر عليه)، فإن كان الإنسان قادر على أن يفي بوعده فليعد، وإن لم يكن قادراَ فليعتذر أو يجعل المسألة ذات احتمالين (ممكن أو غير ممكن)، فالوعد الدائم والسريع في كل الأمور التي يستطيعها الإنسان والتي لا يستطيعها ليست من الأمور التي تشير إلى عقل هذا الإنسان.

(ولا يرجو ما يُعَنَّف برجائه)، كثرة التوقعات من الأمور التي تسبب الكثير من المشاكل، ربما يكون أكثر من 65% من المشاكل بين الناس سواء بين الزوج وزوجته، بين الأخ وأخيه، بين الصديق وصديقه، وبين الجار وجاره وهكذا، تكون ناشئة عن كثرة التوقعات بلا موجب، كأن يتوقع من زوجته أن تلبي له كل شي أو أن الزوجة تتوقع من زوجها ذلك، وهكذا بالنسبة للصديق والجار وغيرهم، فهذا التوقع غلط لأن الإنسان له قدرة معينة يستطيع أن ينجزها وله رغبة معينة أيضاً، فقد تكون لديه القدرة ولكن ليست لديه الرغبة بالقيام بذلك الأمر، أو قد تكون لديه القدرة والرغبة لكن ليست لديه الفرصة، فإذا توفت منه القيام بكل شيء فحينئذ تكون قد ألغيت قدرته وعدم قدرته، ألغيت رغبته وعدم رغبته، وكذلك ألغيت فرصته ووقته وعدم وجودهما، فلتكن توقعاتك من الآخرين دائماً في أدنى الدرجات لأنك لا تعرف ظروفه ولا قدرته ولا فرصته، فالعاقل الذي يعرف الدنيا وأحوالها والناس وقضاياهم لا يفرط في التوقعات ولا يبالغ في الإنتظار من الآخرين.

(ولا يتقدم على ما يخاف لعجز منه)، الطموح جيد ولكن القفز في الفضاء يبين أن الإنسان يعيش الأحلام ولا يعيش التعقل، فلينظر الإنسان إلى قدراته الذهنية، العقلية، المالية، الوقتية، والعمرية وليخطط على مقدارها، فلو أن إنساناً يبلغ من العمر 60 عاماً لا يتوقع أن تكون قدرته الجسمية ونشاطه كما كان في العشرين، وعليه أن يخطط ويطمح بما يناسب عمره.

مرات العرض: 3400
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 22108.15 KB
تشغيل:

علاقة الدين بالمروءة 18
لماذا لا يدخل الجنة بخيل 20