حوزة بغداد زمان الشيخ المفيد والشريفين
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 3/2/1443 هـ
تعريف:

حوزة بغداد زمان المفيد والشريفين

كتابة الفاضلة زهراء علي

حديثُنا بأذن الله تعالى في ضمن الحديث عن الحوزات العلمية في تاريخ شيعة اهل البيت نتعرّض فيهِ في هذهِ الليلة الى الحوزة العلمية في بغداد والتي تلت من الناحية التاريخية الحوزة العلمية في شهرري بلد الري وقُم المقدسة أي من بعد سنة ثلاثمئة وثمانية وتسعين انتقلت الحوزة العلمية الى بغداد واستمرت فيها الى زمان هجرة شيخ الطائفة الطوسي(رض) في سنة (٤٤٨) هجرية أي حوالي ثمانين سنة او نحو ذلك كانت الحوزة العلمية في بغداد عامرةً وممتميزةً بحضور اعلام الشيعة كالشيخ المفيد والشريف المرتضى وشيخ الطائفة الطوسي وتلاميذ هولاء الأعاظم.

قبل ان نتحدث عن شخصيات هولاء العلماء نُشير الى نقطةً ربما يُثيرها بعض الكُتابِ غير الناضجين وذلك عندما يضخمّون هذهِ الفكرة وهي فكرة ان الحوزة العلمية والمرجعية الدينية تم السيطرةَ عليها مثلاً من قِبل العنصر الفارسي او اوهل هذهِ القومية فلا يسمحونَ كما يزعمون للعربِ بان يتبوئوا سُدّة المرجعية، الآن هذهِ الكتابات موجودة وهذا الكلام يتردد ويتطور احياناً الى الحديث عن صراع بين الحوزة العلمية في قم والحوزة العلمية في النجف وهذهِ لاتريد تلك ان تتحرك وتلك لاتريد هذهِ  ان تتقدم وامثال ذلك من هذهِ الاحاديث والجواب على ذلك من عدّة جهات احدى هذهِ الجهات أنَّ الناظر الى تاريخ الحوزات العلمية سوف يجد أنَّ هذهِ الحوزات بما تنتهي الى مرجعيةً دينيةً عامة للطائفة، قد تعددت إمكانها ولن تنحصر في مكانٍ واحد أي في العراق النجف الاشرف كانت ولا تزال في فترات متعددة تحتضن الحوزة العلمية بنشاطها وتحتضن المرجعية الدينية ايضاً ليس فقط اليوم تاريخ النجف الاشرف مُمتد ومليئ بالمرجعيات الدينية اين هذا الكلام الذي يقال مثلاً أنّ هناك تعصباً وهناك تآمراً وهناك مايشبهُ ذلك، وعلى العرب أن لايتبوئوا، ان لاتكون الحوزات العلمية عندهم وان لا يتبوئوا مقام المرجعية، صاحب الجواهر(رضوان الله تعالى عليه)  كانت له المرجعية العامة في زمانه وهو نجفيٌ عربيٌ اصيلٌ والشيخ مرتضى الانصاري ايضاً يُحسب على هؤلاء من المنطقة العربية في جنوب ايران والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(رض) ايضاً كذلك وال الحكيم ايضاً كذلك وال الصدر ايضاً كذلك هولاء لم يكونوا فُرساً ولا ان النجف فارسية مع انهُ نحن لانعتقد ان هناك فرقاً بين المناطق ولا بين اللغات ولا بين الاجناس نحن نعتقد في مذهب اهل البيت (عليهم السلام) ان من كان كفوءاً ومؤهلاً التأهيل العالي في معرفة الدين والاحكام يتقدم للمرجعية بعنوان انهُ الاعلم سواءً كان عربيا،تركياً،فارسياً او افغانياً لا فرق في ذلك، في تاريخنا اتراك كانوا هم المراجع من أصول تركية وايضاً أفغان، الآخوند الخراساني يقال له الخراساني والا هو في الواقع من أفغان من بلدة هراة يقال له الاخوند محمد كاظم الهروي وهو كان المرجع الأعلى، وهناك ايضاً من الفرس وهناك من العرب وهناك من غيرهم، المدار عند اهل البيت وعند شيعتهم لا على الجنسية ولا على المنطقة وعلى اللغة وانما المدار هوعلى العلم والاعلمية، عربي واعلم من غيره على العين والرأس يصير زعيم الحوزة،تركي في اصوله وكان  اعلم الموجودين يصبح زعيم الحوزة، هذه العصبيات الباطلة والفارغة التي يتعصبّ فيها الانسان لأبناء منطقتهِ تارةً ولابناء لغتهِ أخرى ولأبناء دولتهِ ثالثاً فيراهم احسن من غيرهم حتى لو كانوا اقل مستوى هذه عصبية باطلة جاء الإسلام لمحوها والشاهد على ذلك ماقلناه اننا رأينا الحوزات العلمية في تاريخ التشيع تنقلت لماذا؟ لوجود علماء في هذه المناطق فترة من الفترات كما بينّا في وقت مضى تحتضن المحدثيّن وهم في ذلك الوقت اكابر العلماء قبل ان تأتي المدرسة الأصولية، فيما بعد صار في بغداد كما هو سيأتي حديثنا ان شاء الله وفي وقت لاحقاً انتقلت الى النجف الاشرف وفيما بعد انتقلت الى الحلة، الحلة والنجف وبغداد هذه مناطق عربية احياناً كان يكون فيها زعماء الحوزة والعلماء الكبار ومراجع التقليد عربّاً  كما هو في الحلة، المحقق الحلي عربياً من اهل الحلة ،العلامة الحلي ايضاً كذلك، المحقق الكركي فيما بعد في النجف الاشرف من جبل عامل عربياً، فهذا الكلام الذي ينفخ في بوقهِ بعض الكتّاب لايستند الى رؤيةً صحيحةً الى التاريخ وانما هم عندهم أفكار معينة كالتعصب الى العرب مثلاً فيستكثرون على غير العرب كيف انهم مثلاً يتسنمّون منصب المرجعية او يديرون الحوزات العلمية لكن هذه عصبيات جاهلية باطلة حتى الدعوات التي تقال احياناً  لماذا لا تكون هنا او هناك مرجعية محلية احياناً  يطرح هذا الكلام،ولكن القضية ليست اقتراح من عندي انا ولا استحسان من عندك انتَ اذا كان هناك في المنطقة او البلد شخصية علمية اعلم من غيرها اكفئ من غيرها في الاستدلال والاستنباط فاهلاً وسهلاً هذا شيء طيب وممتاز ولكن ان نقدم شخصاً على غيره لانه من اهل بلدي ولو كان مستواه اقل من غيره الذي لايكون من بلدي هذا ليس له توجيه شرعي في مذهب اهل البيت(ع)، عند غيرنا يقول لك نعم نحن نعيّن المفتي قاضي القضاة والامام الاكبر كما يسمّونه لابد ان تكون جنسيته جنسية تلك المنطقة سواءٌ كان غيره اعلم منه خارج البلد او اقل علماً هذه الوظائف وماشابه ذلك لها اشتراطاتها لكن المرجعية الدينية وزعامة الحوزة العلمية مختلفةً عن ذلك، القيمة الرئيسية فيها هي قيمة الأعلمية  الاقدر على فهم التشريع واحكامهِ والاكفئ في الاستنباط هذا بعد لايتأثر بإن  تكون  جنسيته كذا او كذا من اهل البلد او من خارج البلد مو قرار ان الانسان يأتي ويقول انا قررت ان اقلد احد من بلدتي اذا من القطيف مثلاً اقلد احد من القطيف اواذا انا من الاحساء اقلد احد من الاحساء ليس الامر هكذا وانما بناءً على من استقرت عليه الفتوى من لزوم تقديم الاكفئ والاعلم والاقدر على الاستنباط فيجب على  الانسان أن يبحث ان كان في داخل البلد شخصاً يتوفر فيه هذه المواصفات فهو المقدم وان كان لايوجد هنا وانما يوجد في بلد اخرهذه الصفات تجتمع فيه يُقلد عربياً كان او اعجمياً او تركياً او افغانياً، هذهِ من الأمور التي لابد من الالتفات والالماع اليها.

نأتي الان الى موضوع الحوزة العلمية في بغداد الحوزة العلمية كما ذكرنا في الفترة السابقة على بغداد كانت في قم وكانت في بلاد الري يعني طهران الحالية اجتمع فيها عدد هائل جداً من المحدثين حفاظّ الاخبار والروايات وحتى ذكرنا ان العلامة الحلي (رض) في احد شروحه على كتاب من لا يحضره الفقيه ذكر عدداً هائلاً قال في تلك الفترة وجد في قم نحو مئتين الف محدث وهذه الإحصائية اذا كانت دقيقة فانها إحصائية كبيرةً جداً يعني كم كان سكان تلك البلدة واطرافها ساوة وماشابها من المناطق حتى يصير فيها مئتين راوي ومحدث يحفظ الاحاديث ولعل المقصود به الحجم العلمي حجم الحوزة العلمية في ذلك الوقت التي كانت تنشغل في الغالب في أمور الأحاديث والروايات من صغيرها وكبيرها ربما يكون ذلك العدد، بعد فترة من الزمان انتقلت الحوزة العلمية الى بغداد على اثر أمور منها أمور سياسية وذلك لان بني بويه وهم فئة سيطروا على الحكم في بغداد الإدارة العملية وكانوا في توجهاتهم توجهات شيعية ويوجد خلاف هل كانوا زيدية المذهب كما ذهب الى ذلك أناس ام كانوا امامية، بنوا بويه الذين حكموا بغداد قبل ان يأتي الاتراك السلاجقة ويزيحوهم كانوا شيعة لكن كان الخلاف هل هم اماميون ام انهم زيديون على كلا التقديرين كان  مهماً بالنسبة الى بني بويه ان يشيع الفكر الشيعي والتعاليم التابعة لال محمد (ص)  فاستفادوا من فرصة وجودهم في بغداد ودعوا العلماء ودعموهم ووفروا الكتب والبيئة العلمية وفي هذه الاثناء برز ايضاً (وهذا عامل اخر)في بغداد علماء كبار ومن اهمهم لو لم يكن اهمهم الشيخ المفيد محمد ابن النعمان التلعكبري البغدادي وكانت ولادته في بغداد ونشأته ايضاً وهو عربيٌ والشيخ المفيد يعد من المؤسسين في مذهب اهل البيت (عليهم السلام)وهوأستاذ الشريف المرتضى، والشيخ الطوسي شيخ الطائفة كان في بغداد من صغرهِ وولادتهِ  هناك في عكبرة او تل عكبرة وهي منطقة قريبة من بغداد ومن صغرهِ كان مميزاً في ذكائهِ التحق بحلقات العلم التي كانت موجودةً وبعضها كان في ذلك الوقت لافرق فيها بين ان تكون حلقات علمية تابعة لمدرسة اهل السنة او لشيعة اهل البيت (عليهم السلام)، كانت الأبواب مفتوحة بنوا بويه مامنعوا احداً من تدريس فقههِ لا مدرسة الخلفاء ولا اهل البيت أي احد عنده علم ليقول بل اكثر من هذا كان قاضي القضاة عندهم في ذلك الوقت هو واحدٌ من اتباع مذاهب السنة وهو القاضي عبدالجبار المعتزلي وهذا منهج في التسامح يقل نظيره ان الحكومة تكون حكومة شيعية وقاضي القضاة المفتي الأكبر يكون من غير مذهب التشيع بل عنده مناظرات كثيرة مع الشيخ المفيد وغيره، كُتب في نقض اراء الشيعة في الامامة ومناقشات معهم وكان لايقبل قضية الإمامة  في النص، والامامة فيها العصمة واثنا عشر اماماً كل هذا لايقبله والحال انه قاضي قضاة في دولةً شيعية الحاكمون فيها شيعة وهم بنوا بويه فكانت كل المذاهب في ذلك الوقت لها الحرية في ان تعمل بمذهبها، تبلغ عن مذهبها،تدرس مذهبها،عندهم مدارس، عندهم اوقاف،عندهم علماء وعندهم أئمة جماعة ومساجد كل واحد على طريقة لكم دينكم ولي ديني وهذه هي الطريقة الاصلية في الإسلام، الطريقة الاصلية ان لا تجبر من هوعلى غير مذهبك ان تجبرهُ على مذهبك وعلى منهجك وعلى طريقتك هو اختار هذا الطريق فليذهب فيه انتَ ترى ذلك الطريق غير صحيح اذهب في طريقٍ اخر، فكانت الأبواب مفتوحة والحلقات أي شخص يستطيع ان يأتي، مثلاً منقول عن الشيخ الطوسي كما سنأتي في الحديث عنه الشيخ الطوسي كان يحضرعنده ثلاثمئة من الطلاب وكانوا من شيعة اهل البيت ومثلهم من غير شيعة اهل البيت حوالي مئتين او مئة وخمسين او اكثر من ذلك من غير الشيعة، بعض علمائنا تتلمذوا على يد علماء سُنّة الشهيد الأول (رض) صاحب اللمعة الدمشقية اخذ اجازات واخذ العلم وقرأ على نحو أربعين عالماً  من غيرِ علماء الشيعة ويذكر هذا في ترجمته، الشيخ المفيد(رض) ايضاً كان يحضر في اوليات عمره وفي شبابه وكان نبهاً وذكياً بعض هذه الحلقات فحضرعلى حلقة احد علماء ذلك الوقت، كان يدرس في العقائد وكان على غير منهج اهل البيت فاحد الحاضرين سأل هذا الأستاذ عن حديث الغار وحديث الغدير بمعنى ان حديث الغار ومرافقة الخلفية الأول لرسول الله (ص) في هجرتهِ هذه فضيلة كبيرة له تقدمه على غيره حديث الغدير فضيلةً كبيرة لامير المؤمنين ع فأيهم يُقدّم، ذاك طبعاً على انه ممن يعتقد بافضلية الخليفة الأول على امير المؤمنين (ع )قال له  حديث الغار دراية وحديث الغدير رواية والدراية تقدم على الرواية يعني الشيء المعلوم الأكيد يُقدّم على الشيء الذي فقط رواية وكلام،  حديث الغار القرآن تحدّث  عنه فنحن نعلم بهِ قطعاً كما يقول واما حديث الغدير فينقلون حديث الغدير في الكتب لا انه معلوم مئة في المئة هذا حسب كلامه فذاك السائل سكت، الشيخ المفيد وكان في ذلك الوقت في بداية شبابه قال له ياشيخ عندي سؤال ما تقول في شخصاً خرج على امام زمانه الخارج على امام زمانهِ بماذا يوصف فقال على الفور(الأستاذ) هو كافر ثم تراجع وقال بل هو فاسق فقال له الشيخ المفيد (رض) فما تقول في خروجِ الزبير وطلحة على امير المؤمنين (ع) الإمام امير المؤمنين(ع) امامٌ بالاجماع عند السنة وعند الشيعة فعند الشيعة امام منصوب من الله وعند غيرهم هو الخليفة الرابع وقد خرج عليه طلحة والزبير فماذا تقول فيهم فسكت( الأستاذ) فقال له بماذا تصفهم فقال انهما تابا بعد ذلك تابا من الخروج  فقال حديث خروجهم دراية وحديث توبتهم رواية ولا نردُ الدراية بالرواية أي انهُ  اكيد انهم خرجوا على امير المؤمنين لا احد من المؤرخين ينكر هذا في قضية حرب الجمل، هذهِ دراية لو انهم تابا بعد ذلك فهذه رواية فقال له من انت فقال له الشيخ المفيد انا طالب علم فقال له بل انتَ المفيد بل انت شيخ غير طبيعي فسكت الى اخر المجلس ومن هناك عرف الشيخ المفيد (رض) مع انه كان في بدايات عمرهِ الا انه استطاع  ان يعجز عالم كبير شيخاً صرف كل عمره في الدرس والتدريس. هذه بدايات الشيخ المفيد( رض)، وخلّفَ نحو مئتين كتاب ورسالة منها ماهو صغير يقال له رسالة ومنه ماهو كتاب وأكثرها في أبواب العقائد والاستدلالات العقلية وهنا يذكر الشيخ المفيد( رض) انه طوّر الفكر الامامي والحوزات العلمية من كونها حوزات رواية الحديث ذات منهج خبري وحديثي فقط فإضافةً  الى ذلك ادخل اليها علم الأصول وادخل اليها الاستدلالات العقلية وآن اذاً جعل خطواتها ذات منهج علمي بإمكان حتى غير الامامي ان يقتنع بالدليل العقلي لكن قد لايقتنع بانه قال الامام الصادق كذا وكذا أي يقول انا لا اعترف ان جعفر ابن محمد هو امام من الله بل فقيه من الفقهاء عالم من العلماء يؤخذ كلامه ويرد لكن اذا صار استدلال عقلي وبرهان متين ودقيق بعد لايستطيع القول بهذا الكلام افترض مثل هذا الاستدلال الذي استدل به في وجه ذلك العالم، فأول أعمدة هذه الحوزة كان الشيخ المفيد (رض) ودرّسَ جماعةً كثيرةً اهمهم كانا الشريفان المرتضى والرضي وكانا سيدان موسويان لهما مع الشيخ المفيد قصة طريفة، وهي الشيخ المفيد كان يدرس في بغداد في احد المساجد ذات ليلة في عالم الرؤيا يرى كأن فاطمة الزهراء (ع) قد اقبلت ومعها الحسن والحسين صغار ودخلت عليه مسجده وقالت له ياشيخ خذ ابنيّ رسول الله( ص) وعلمهما الفقه فهو استيقظ فزع وقال ماهذا الحلم غير الطبيعي انا ادرس الحسن والحسين! هذه اضغاث أحلام لا يمكن هما امامان لي كيف ادرسهم لكن تأويل هذه الرؤية كان في صبيحة ذلك اليوم عندما جاءته سيدةً علوية وهي فاطمة بنت الناصرالاطروش ومعها ولداها الشريف المرتضى والشريف الرضي صغار على نفس الهيئة التي رأى فيها في المنام كأنما الحسنين وقالت له هذه السيدة وكان زوجها نقيب الطالبيين في بغداد ونقيب الطالبيين يعني رئيس السادة وكان هذا منصب رئيس السادة من ال ابي طالب، فجاءت هذهِ  السيدة بنفس الالفاظ ونفس الهيئة  وقالت هذان ابنا رسول الله(ص)  درسهما وعلمهما الفقه فقال هذا تأويل الرؤية لان بالتالي هذان سيدان من الذرية النبوية وهما يريدان العلم وانا ادرسهم بالفعل، بدأ في تدريسهما وانتج فيهما شريف المرتضى وكان المجدد الثاني بعد الشيخ المفيد للحوزة العلمية في بغداد بمجرد ان توفي الشيخ المفيد رض سنة١٤١٣هجرية تلميذه المرتضى استلم إدارة الحوزة والبحوث العالية واخذ موقع استاذه الشيخ المفيد بكفاءة وقوة والشريف المرتضى (رض) خلّف كتب كثيرة جداً كل كتاب في بابه مبتكر فالاصول عنده وماكان عند الشيعة كتابات في الأصول كثيرة قليل من الشيخ المفيد والذي اكملها وبينها وشرحها كان الشريف المرتضى، وفي العقائد عنده كتاب مهم جداً اسمه تنزيه الأنبياء يجيب على كل ماجاء من ظاهر في القرآن الكريم ان الأنبياء قد عصوا وعصى ادم ربه فغواه هذهِ كيف؟

كيف ان نبي معصوم عصى ربه فغواه؟ وقول موسى هذا من عمل الشيطان حينما قتل القبطي، كيف هذا من عمل الشيطان هل يعمل النبي عمل الشيطان! ولقد همّت وهمّ بها لولا ان رأي برهان ربه كيف هل يؤم النبي بالمعصية؟ انا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر لك الله ماتقدم من ذنبك وما تأخر نبينا المصطفى محمد سيد الخلق خاتم الرسل معصوماً كيف الله يغفر له ذنوبه السابقة والمتأخرة وامثال هذه الايات كلها يجيب عليها الشريف المرتضى بقدرةً وكفاءةً في كتابه تنزيه الأنبياء وفي قضية الامامة كتابه الشافي في الأمامة كتاب مهم جداً، عندما جاء شيخ الطائفة الطوسي لكي يكتب في الامامة ماوجد شيء افضل مما كتبه استاذه الشريف المرتضى فراح واختصر الكتاب فقط لخص واختصر وقدّمه من جديد وأشار الى ان الأصل في هذا الكتاب هو للشريف المرتضى وهكذا سائر الكتب التي ألفها ، مكتبته تلك العامرة قيل ان فيها نحو ثمانين الف جمعت من مختلف الأماكن حوزته العلمية العامرة كان عنده أموال الشريف المرتضى (رض) فكان يصرف منها على طلاب العلم وجّه الى الوقوفات بان يوقف الانسان بعض مايملك لتشجيع العلم وللانفاق على العلماء والحوزة العلمية وكذلك اخوه الشريف الرضي لكن الشريف الرضي اشتهر اكثر بالموضوع الادبي والشعري ومن بركات ذلك انه تتبع كلمات مولانا اميرالمؤمنين وخطبهِ ورسائلهِ وجمع في ذلك ماعرف الان بنهج البلاغة لاميرالمؤمنين (ع )وربما لولا هذه الخطوة التي قام بها الشريف الرضي اخ الشريف المرتضى وتلميذ الشيخ المفيد ربما لكان الكثير من خطب الامام (ع) وكلماته ضاعت بعد هؤلاء جاء شيخ الطائفة الطوسي وكان تلميذ الشريف المرتضى واستمر كما ذكرنا في وقتٍ مضى في التدريس والتعليم كما نقلنا قبل قليل حتى بلغ عدد طلابه من الامامية نحو ثلاثمئة طالب هولاء يدرسون الدراسات العالية حسب تعبيرنا بحوث الخارج ان شاء الله نشير الى هذه الدرجات في وقت اخر.

فكان شيخ الطائفة الطوسي من تلامذة الشريف المرتضى (رض) كما كان ايضاً لبعض الوقت من تلاميذ الشيخ المفيد (رض) وبقي في بغداد من بعد الشريف المرتضى( ٤٣٦) بقي أستاذ  الحوزة العلمية ومرجع الطائفة وشيخها والمؤلف الاقدر بل أعطاه الخليفة العباسية في وقتها وكان اسمه القائم في امر الله جعل عنده هذا كرسي الكلام وهو بمثابة اعلى رتبة علمية لعالم من علماء المسلمين فكان  يحاضر في ذلك المكان ويحضر درسه من الشيعة هذا العدد ومن غير الشيعة مثلهم او قريباً منهم وبعد ما تطورت الاحداث وجاء الاتراك السلاجقة وهم متعصبون مذهبياً للغاية واتفقوا مع بعض افراد الاسرة العباسية ان يزيحوا الوجود الشيعي في بغداد الذي كان يتنامى يوماً بعد يوم وبالفعل جاء هؤلاء السلاجقة الاتراك وقاموا بعمليةً انقلابية عسكرية وسيطروا على الأوضاع وبدأوا بإخراج وتشريد وقتل علماء اهل البيت (ع) فكان ان هاجر شيخ الطائفة الطوسي من بغداد الى النجف الاشرف لكي يؤسس حوزة النجف الاشرف بقدومه اليها سنة(٤٤٨) .

هذا مختصر للحديث عن الحوزة العلمية في بغداد تبيّن من ذلك ان هولاء العلماء المفيد والمرتضى والرضي وغيرهم باستثناء الشيخ الطوسي هؤلاء عرب اقحاح هم الذين درسوا مثل شيخ الطائفة الطوسي كان من خراسان من بلدة طوس ولكنه جاء الى بغداد لطلب العلم واصبح فيما بعد قطب الحوزة العلمية جزاهم الله خير الجزاء وشكر الله مساعيهم انهم حفظوا تراث اهل البيت (ع) حفظوا احكام الدين حتى وصلت الينا حفظوا الشريعة حتى اصبحنا الان مطمئنين الى ان 

مرات العرض: 3410
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 54863.25 KB
تشغيل:

الحوزة العلمية في قم و تطورها التاريخي
حوزة كربلاء و النقاش الأصولي الأخباري