حياة الشريف الرضي وشعره في الإمام الحسين ع
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/1/1443 هـ
تعريف:

حياة الشريف الرضي وشعره في الامام الحسين

كتابة الفاضلة رائدة

وَمُضِرٌّ بِكَ البَقَـــــاءُ الطّوِيلُ        رَاحِـــــلٌ أنْتَ وَاللّيَـالــي نُزُولُ

وَلا آمِــــــــلٌ وَلا مَأمُــــــولُ        لا شُجَاعٌ يَبْقَى فَيَعْتَنِقَ  البِيضَ

وللطعــــن تستجم الخيــــول        إنما المـــــرء للمنية مخبـــوء

كما ساعد الذوابــل طــــــول        فَاللّيَالي عَوْنٌ عَلَيْــكَ مَعَ البّيْن

بعد ما غالت ابن فاطم غـول        ما يبالــــي الحمـــام أين ترقى

الصحب فيه ولا أجار القبيـل         يَوْمُ عاشــــورَاءَ الذي لا أعَانَ

العهدَ رجالٌ والحافظون قليل        يا ابن بنت الرســــــول ضيّعت

وَقَتيلَ الأعداءِ ، نَوْمي قَتيـلُ         يا غريـب الديار صبري غريب

وَعَلى وَجهِهِ تَجــولُ الخُيولُ        أَتُرانـــــي أُعيــرُ وَجهِـيَ صَوناً

يَروَ مِن مُهجَةِ الإِمـامِ الغَليلُ        أَتُرانـــــي أَلَـذُّ مـــــــاءً وَلَمّـــــا

المَنايـــا وَعانَقَتهُ النُصــــولُ        قَبَّلَتـــهُ الرِمـــاحُ وَاِنتَضَلَت فيـه

الشريف الرضي

حديثنا عن حياة شعراء الحسين عليه السلام، ممن ذكروا مصيبته ومأساته، ويتناول أحد اعلام الإمامية من كبار شعرائها وعلمائها وهو الشريف الرضي السيد محمد ابن الحسين ابن موسى والمعروف بالشريف الرضي رضوان الله تعالى عليه.

    ولد السيد الرضي في سنة 359 هـ، وتوفي في السادس من شهر محرم الحرام سنة 406 هـ

    ينتمي إلى أسرة علوية من سادات بني هاشم وآل أبي طالب، ومن هنا لُقّب بالشريف. 

هو السيّد أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم -عليه السلام، 

أبوه يتصل نسبه بالإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، وأمّه من أحفاد الإمام زين العابدين وهي السيدة فاطمة بنت الحسين 

بن أبي محمد الحسن الأطروش بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام

كان له شقيق واحد وهو السيّد المرتضى -رحمه الله-، وشقيقتان هما: زينب وخديجة، وله ابن واحد وهو أبو أحمد عدنان 

الملقب بالظاهر ذي المناقب، 

لقّب الشريف الرضي بألقاب عديدة فلقَّبه بهاء الدولة بالشريف الأجَّل وبذي المنقبتين، وبالرضي ذي الحسبين

وتعلّم في صغره العلوم العربية والبلاغة والأدب، والفقه والكلام، والتفسير والحديث، على يد مشاهير علماء بغداد. كان له اخ وهو الشريف المرتضى فكانا أخوين، وسمان لمعا في تاريخ التشيع وخلفا آثار لاتزال خالده الى يومنا هذا. 

الشريف الرضي هو الأصغر سناً والاقل عمراً والأكثر شهرة في ميدان الشعر، مع انه كان عالما من فحول العلماء. بينما اخوه الشريف المرتضى أكبر منه سناً واطول منه عمراً وأكثر منه شهرة في ميدان علم العقائد والفقه والأصول وتفسير القرآن الكريم وإن كان شاعراً كبيراً.

لكن الشريف الرضي اشتهر في ميدان البلاغة والأدب والشعر أكثر مما اشتهر في ميدان العلوم الإسلامية مع انه كان عالما فيها، على عكس أخيه الأكبر وهو الشريف المرتضى الذي كان عالما كبيرا وفي نفس الوقت شاعرا مُجيدا. 

ولكنه لم يشتهر بالشعر كما اشتهر اخوه وانما اشتهر في ميادين العلم الإسلامي.

وأخفت المكانة العلمية لأخيه السيّد المرتضى شيئاً من مكانته العلمية، كما أخفت مكانته الشعرية شيئاً من مكانة أخيه الشعرية.

ولهذا قال بعض العلماء: لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس.

فكلاهما ينتميان الى هذه الاشرة النبوية والدوحة العلوية، وتحكى قصة في أوائل طفولتهما وبداية ودراستهما فيها بعض المعاني المهمة والمفيدة فإنه في زمانهما كان الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي وهو شيخ الطائفة واستاذ لأستاذ شيخ الطائفة الشيخ الطوسي.

    الشيخ المفيد كان شيخ المشايخ، وشيخ الطائفة، ورئيس رؤساء الملة، قرأ عليه هو وأخوه المرتضى علم الهدى.

الشيخ المفيد في ذلك الزمان في بدايات سن الشريف الرضي بحدود سنه 400 هـ فما بعدها وكان العالم الأول والابرز في بغداد من علماء الشيعة وله درس في بغداد، وفي الليل يرى هذه الرؤيا كما نقل ذلك ابن ابي الحديد المعتزلي في كتابه شرح نهج البلاغة وأيضا نقلها السيد على خان المدني في الدرجات الرفيعة وغيرهما يقول ابن أبي الحديد:

    وقصة رؤية الشيخ المفيد في المنام أنه يعلم الفقه للسيد المرتضى والسيد الرضي مشهورة. حيث جاء فيها: حدثني فخار بن معد العلوي الموسوي رحمه الله قال:

رأى المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان الفقيه الإمام في منامه كأن فاطمة بنت رسول الله   دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ و معها ولداها الحسن و الحسين   صغيرين فسلمتهما إليه وقالت له: علمهما الفقه فانتبه متعجباً من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر و حولها جواريها و بين يديها ابناها محمد الرضي و علي المرتضى صغيرين ، فقام إليها وسلم عليها فقالت له: أيها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلمهما الفقه فبكى أبو عبد الله و قص عليها المنام وتولى تعليمهما الفقه وأنعم الله عليهما وفتح لهما من أبواب العلوم و الفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر.

نرى في هذا المعنى ما يشير الى مسؤولية الام وعظمتها ولزوم تحملها لمسؤولية التربية والتعليم وان لا تقذف بالقضية على الاب فقط.

فهنا والد الشريفين كان رئيس نقابة الطالبيين ولكن هذه الام الفاضلة ترى ان من مسؤوليتها ان تأتي بابنيها الى الشيخ المفيد لكي يعلمهما الفقه وعلوم الإسلام.

فلم تقل كما البعض والدهم موجود فهو المكلف بان يأمرهم للصلاة وهو المكلف بإيقاظهم، لا الأمر أنه هو مسؤول وهي أيضاً مسؤولة.

وقد رأينا ان أثر الأمهات في هذا الجانب ابلغ من تأثير الاب، فنراه مع الام يستجيب سريعاً ومع الاب قد يتأخر. 

وكذا في المسائل الدينية، الذهاب للمسجد وتعلم القرآن، توجيهه لتعلم الدين هذه من الأمور التي يجب ان تحرص عليها الأمهات وهي من الأجزاء المهمة في التربية.

ان تكتفي الام بالطبخ وما شابه ذلك هو دور مطلوب وحسن ولكن التربية والحرص على اخلاقهم ودينهم وعلمهم هو من الأدوار المهمة، فهي مسؤولة وهو مسؤول.

من ذلك الوقت بدأ مشوارهما العلمي ونبغا نبوغاً مبكراً.

الشريف الرضي وهو محل حديثنا وقلنا انه اشتهر بالشعر وبالذات في رثاء الامام الحسين عليه السلام.

نما نمواً مبكراً وهو وإن لم يسعفه العمر بالطول حيث توفي وعمره 47 سنة فقط، يعني في بدايات عمره، لكنه خلف من الاثار ما خَلُدَ به من أهمها انه حفظ لنا كلام امير المؤمنين عليه السلام المعروف عندنا بنهج البلاغة.

    كتبَ الشّعر في سنّ الطفولة قبل أن يبلغَ العشر سنوات، فكتب في جميع فنون الشعر العربي، وقُسِّم شعره إلى أقسام، مثل: 

الحجازيات، والرثائيات، والفخريات، والشيعيات، 

وأجاد في جميع أغراض الشعر، وامتاز شعره بالبلاغة، والبداوة، والبراعة، وعذوبة الألفاظ، فكان شعرُه صافيًا وجميلًا، 

ولم يستخدم الألفاظ النابية أو الهجاء المُقذع.

كان كلام امير المؤمنين وحكمه ورسائله مبعثرة فقسم محفوظ في الصدور وقسم في أجزاء قليلة وكان من المحتمل ان يضيع كل ذلك ، مثلما ضاع حديث وخطب رسول الله الكثير نعم بلورها أهل البيت في أحاديثهم وخطبهم وقد تناولناه في حديثنا عن حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لكن كخطب عن رسول الله نجدها قليله فلو حسبتها لوجدت ان رسول الله أقام عشر سنوات بالمدينة منذ هجرته اليها ، في كل سنة خمسون أسبوعاً، أي خمسون جمعة ، في كل جمعة خطبتان ، المجموع من ذلك ينبغي ان يكون هناك الف خطبة لرسول الله غير الخطب الأخرى التي كانت في المناسبات والمعارك والغزوات وفي وسط الأسبوع والاحداث التي تجري ، اين هذه الخطب؟!

كان من الممكن لولا جهود الشريف الرضي التي بذلها لحفظ كلام امير المؤمنين عليه السلام، لحصل لها كما حصل لتلك الخطب النبوية، ولكنه تتبعها وجمعها في كتاب واحد سماه نهج البلاغة.

ثم من بعده جاءت اعمال رائدة كما صنع السيد عبد الزهراء الخطيب الحسيني عنما اسند هذه الخطب والأحاديث وأوضح ماهي اسانيدها في حوالي عشر مجلدات ولكن الأصل والاساس يرجع للشريف الرضي عندما جمع هذه الكتب والخطب والرسائل والكلمات القصار في كتابه نهج البلاغة الذي لايزال بين أيدينا. 

وهذا واحد من اثاره، ومن اثاره بعض الكتب مثل كتاب من مجازات القران الكريم 

وهناك بحثه هل هناك في القران الكريم مجازات او لا؟ او ان كله على سبيل الحقيقة؟ وهناك نظريات مختلفة لا نتعرض لها الان.

ولكن الشريف الرضي قال ان في القران الكريم تشبيهات كثيرة وان هناك تقديم وتأخير وان هناك تصريح وتلميح وهناك كناية ومجاز أحياناً القران الكريم يتكلم بالجمع ويقصد المفرد والعكس، هذه الموارد سماها مجازات القرآن وهو كشف عن الأوجه البلاغية في آيات القرآن الكريم وتوضيح لها وهو كتاب قيم ويعتبر من الكتب المبتكرة في نظريته ويشار اليه بهذا المعنى. 

ثم جاء الى الأحاديث عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم، باعتباره اشتهر بالجانب البلاغي، فرأى أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله، فألف كتاباً آخر بإسم المأثورات النبوية، وبين فيها الأوجه البلاغية والنقاط البلاغية في كلام رسول الله حيث إن كلام النبي بعد كلام القرآن الكريم يعتبر في المرتبة الأولى وأورد الأحاديث والروايات التي فيها مثل هذه الكلمات.

فقد جمع في كتابه هذا 361 حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتملت على المجاز أو الاستعارة أو نكتة بلاغية، وقد شرح في ذيل كل حديث منها المجاز أو الاستعارة بشكل مختصر. 

مثالاً عنما يأتي إلى قوله كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج. 

خداج هو عبارة عن الكائن الحي غير مكتمل النمو – يقال الان على الطفل غير المكتمل انه خديج أي نموه يحتاج لفترة أطول، فبين ف استخدم مثل هذه الكلمة بالنسبة للصلاة وامثال ذلك من الروايات التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

    في (المجازات النبوية) قال: قال (عليه السلام) كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج 

    الخداج: النقصان (لسان العرب ٢: ٢٤٨).

    خِداج: (اسم، مصدر خدَجَ

     الخِداجُ: النقصان، وأَصل ذلك من خِداجِ الناقةِ إِذا ولدت ولداً ناقص الخَلْقِ، كل صلاة لا تبدأ بفاتحة الكتاب فهي خِداج

    خدَّجَتِ ا لحامِلُ ولدَها: خدَجته، ألقته قبل أوانه

    "صَلاَتُهُ خِدَاجٌ": نُقْصانٌ.

    كما وردت في معجم المعاني الجامع

    الخداج النقصان، يريد أن ترك القراءة في أي ركعة من الصلاة نقصان فيها وذلك لان كل صلاة هي مركب من ركعة أو ركعات فكما تقرأ في الركعة الأولى وهكذا الثانية لئلا تكون خداجا فهكذا في الثالثة والرابعة، والى هذا ذهب من قال بوجوب القراءة في الأخيرتين حال الاختيار، وأن التسبيح إنما هو للمأموم، حيث لا يسمع قراءة الإمام.

وأما الحديث ولفظه " كل صلاة لم يقرأ فيها فاتحة الكتاب فهي خداج " فقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله كما نقله السيد الرضى في المجازات النبوية ص ٧٠ ورواه أبو داود في سننه ج 1 ص 188، وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن مسند أحمد وسنن الكبرى للبيهقي.

فمع أن المصطلح عند الأصحاب أنهم يطلقون " العالم " على الإمام الكاظم عليه السلام لكن يظهر من التوقيع أنه يطلق العالم ويضيف إليه الأحاديث المروية عن الرسول الأكرم رعاية للتقية، وسيجئ مثل ذلك عند قوله " لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج ".

1.    بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٣ - الصفحة ١٦٧

هذا أيضا من كتبه المهمة، فصار عندنا من كتبه المهمة:

1.    كتاب مجازات القران الكريم.

2.    كتاب مجازات الأحاديث النبوية. 

3.     كتاب نهج البلاغة.

كتاب مجازات الأحاديث النبوية هو بحث في أحاديث رسول الله والقسم الثالث كان في نهج البلاغة واشارة الى إشارات بسيطة الى ما فيه من بلاغة فما كان عنده توجه لشرح وبيان البلاغة فيه وانما أصله الجمع والحفظ، ونقل أيضاً ان عنده أكثر من عشرين مجلدا أخرى. 

شهرته كما ذكرنا كانت في الجانب الادبي والشعري والبلاغي وفيه تفوق في قضية كربلاء ووصفها وفيها نقل عنه الكثير من الخطباء والراثين لقصائده لكي تقرأ في مآتم الحسين وتنشد فيها. 

    للشريف الرضي مؤلفات عديدة منها: 

المتشابه في القرآن، وحقائق التنزيل، وتفسير القرآن، والمجازات للآثار النبوية، وتعليق خلاف الفقهاء، ونهج البلاغة وكتاب مجازات القرآن، والزيادات في شعر أبي تمام، وانتخاب شعر ابن الحجاج. وهذا الإنتاج معلم على غزارة علمه وتبحره في العربية وعلومها.

وأيضاً أسس الشريف الرضي لما يعرف بالمدارس العلمية والحوزات العلمية في بغداد وامتدت للنجف وقم وسائر البلدان الإسلامية، حيث انه رأى ان طلاب العلم يأتون لبغداد ليدرسوا على يد الشيخ المفيد والشريف المرتضى وشيخ الطائفة الطوسي وكانوا عادة غرباء ويصرفون مبالغ طائلة، فقام بإعداد منزل ليكون مدرسة لتلامذته، وأطلق على هذه المدرسة اسم دار العلم، وقام بتوفير كل ما يحتاج إليه الطلاب فيها.  وقد هيَّأ السيد الرضي مكتبة لدار العلم وخزانة مع كل اللوازم الضرورية لهما. وقد جمع في خزانة دار العلم كل ما يحتاجه الطلاب، وكان لها مكتبة جمعت الكتب التي يحتاجها الطلاب، ليستغنوا بها في مراجعة المصادر والتحصيل العلمي، وقد تخرج من دار العلم التي أسسها السيد الرضي علماء كبار أمثال شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي. 

ويقول باحثون انها أول مدرسة علمية بهذا المفهوم تدرس وتسكن طلاب العلم على هذا النحو كانت على يد الشريف الرضي واستمرت الى يومنا هذا، وأصبحت المراجع والحوزات الدينية تتكفل بها وبطلاب العلم ومصاريفهم، وبالتالي أصبح طالب العلم يجد مكان يؤويه ويوفر له طعامه وشرابه.

تولى رئاسة نقابة الطالبيين حين توفى والده الشريف الحسيني الموسوي.

نقابة الطالبيين هي عبارة عن هيئة اخد تصريحها بشكل رسمي من الخلافة العباسية في ذلك الوقت ،وهي تهتم بأمور السادة الاشراف من آل ابي طالب، وأحدها وأهمها توثيق الأنساب باعتبار ان هؤلاء عندهم علماء في الأنساب يوثقوا كل من لهم صلة بهم ويعرفون اذا كان هذا صحيح او لا حتى لا يحدث تداخل في الانساب ، وأيضا كانت مؤسسة لمساعدة الفقراء والمحتاجين من السادة الطالبيين ، فاذا كان احدهم محتاج يمدوا له يد العون، وأيضا كانت كمؤسسة أخلاقية عليا لها حق مراقبة و متابعة اشراف أهل البيت ، مع ان الشريف الرضي كان الأصغر ولكن لعظمة شخصيته فقد رشح لهذا المنصب لأنها كانت شخصية لامعة وقوية. 

    تولّى الشريف الرضي مناصب عديدة؛ إذ تولّى منصب نقابة الطالبيين، وإمارة الحاج في النظر في المظالم عام 308 هجريًا في عهد الطائع، وهو ابن إحدى وعشرون عامًا، ثم كُلِّف بولاية أمور الطالبيين في جميع البلاد في عام 403 هجريًا، فدُعِي نقيب النقباء، وفي عهد القادر تولّى إمارة الحاج على الحرمين.

وقد كانت لمنصب نقابة الطالبيين أهمية معنوية واجتماعية كبيرة، وقد حضي أبو أحمد بمقام ومنزلة سامية، إلى درجة أنه لم يكن يرى نفسه موظفاً كسائر العلماء الذين يرتادون بلاط الخليفة أو بلاط أمراء آل بويه

وكان لا يرى نفسه اقل من الخليفة العباسي، بل كان يرى نفسه اعلى منه، غاية الامر لم يكن يواجه هذا الخليفة، لدرجة انه قيل:

انه كان في مجلس الطائع لله فقال له الخليفة حين كان يمسح لحيته: كأني اراك تشم فيها رائحة الخلافة فأجابه لا بل أجد فيها رائحة النبوة (أي انا ابن الأنبياء والاوصياء) بل أكثر من ذلك كان يقول:

مِقوَلٌ صارِمٌ وَأَنفٌ حَمِيُّ        ما مَقامي عَلى الهَوانِ وَعِندي

وَبِمِصرَ الخَليفَةُ العَلَــوِيُّ        أَلبَـسُ الذُلَّ في دِيـــارِ الأَعادي

إِذا ضامَني البَعيدُ القَصِيُّ        مَن أَبـوهُ أَبـي وَمَـولاهُ مَـولايَ

في هذه الأبيات التي يحاول فيها الشاعر أن يحطم الحواجز الشكلية بينه وبين الخليفة ويهدمها بترفع واقتدار. 

عندما تفاقمت الجفوة بين القادر والشاعر، حين ترامت إلى سمع الخليفة أبيات ثار على أثرها وتفجر ساخطا غاضبا على الرضي، وجرده من كل سلطاته لأنه عبر عن ولاء الرضي للخلافة الفاطمية بالقاهرة، والمناوئة للخلافة العباسية الحاكمة في بغداد.

فالأبيات تقول لماذا اتحمل ذلك والحال إني عند آباء وفي مصر عندي الخليفة الفاطمي وهو من أنسابي فأنا لا أخشاك.

وفي شعره في الحسين نحن نلاحظ قوة العارضة عنده ونلاحظها في قصيدته اللامية:

وَقَتيلَ الأَعداءِ نَومي قَتيـــلُ        يا غَريبَ الدِيارِ صَبري غَريبٌ

وَعَلى وَجهِهِ تَجولُ الخُيـولُ        أَتُرانــــــي أُعيرُ وَجهِيَ صَوناً

يَروَ مِن مُهجَةِ الإِمامِ الغَليلُ        أَتُرانـــي أَلَذُّ مـــــــاءً وَلَمّــــــا

المَنايــــــا وَعانَقَتهُ النُصولُ        قَبَّلَتــــهُ الرِماحُ وَاِنتَضَلَت فيهِ

ولقد أكثر الكتاب وبعضهم ممن يعترف بهم من غير اهل البيت، كتاب كبار وفي شاعرية الشريف الرضي في رثاء الحسين عليه السلام.

كتاب كتبه الدكتور زكي المبارك حول الشريف الرضي وشاعريته عندما يصل في رثائه كوصف مباشر عندما نعرض همزيته

ما لَقي عِندَكِ آلُ المُصطَفى        كَربَلا لا زِلتِ كَرباً وَبَلا

او في غيرها، فهو عندما يأتي للصور البلاغية فهو يأتي بصور عجيبة وغريبه، ولما يأتي للوصف المباشر كما في الهمزية فهو يصل القلب بالحزن بحيث الأديب يتألم لها والانسان العادي الذي لا حظ له في متوسط المعرفة الأدبية أيضا يتأثر لها 

ولنأخذ على ذلك بعض الأمثلة قول الشعر في الامام عليه السلام نتعرض لمقطعين أحدها في الرائية التي يقول فيها: 

إِلّا بِوَطءٍ مِنَ الجُردِ المَحاضيرِ        وَخَرَّ لِلمَوتِ لا كَفٌّ تُقَلِّبُهُ

كأنه يقول الميت عندما يأتي الغاسل لتغسيله فهو يقلبه برفق وحذر ويصب عليه ماء الغسل، أما الامام الحسين فقد خر للموت ولكنه لم يجد كفاً تقلبه وانما وجد أرجل خيل الأعوجية هي التي تقلبه من جانب لجانب.

عَن بارِدٍ مَن عُبابِ الماءِ مَقرورِ        ظَمآنَ سَلّى نَجيعُ الطَعنِ غُلَّتَهُ

يعني في نفس الوقت الذي كان الامام عطشان والمفروض يأتي له بالماء العذب البارد كان بدل ذلك نجيع الطعن

نارٌ تَحَكَّمُ في جِسمٍ مِنَ النورِ        كَأَنَّ بيضَ المَواضي وَهيَ تَنهَبُهُ

يقول هذا جسم الحسين عليه السلام خلق من النور لصفائه وايمانه ولكن ما الذي تحكم فيه؟ جاءت تلك المواضي والسيوف وكأنها نيران تحرق ذلك النور والجسد النوراني.

وَقَد أَقامَ ثَلاثـــــاً غَيرَ مَقبورِ        تَهابُهُ الوَحشُ أَن تَدنو لِمَصرَعِهِ

مع بقائه ثلاثة أيام على الرمضاء من غير دفن الا انه تهابه الوحش ولا تقترب اليه هذا عن رائيته اما عن همزتيه التي اشتهرت بين الناس وخمست وشطرت.

يقول كثيرون ان هذه الهمزية كان يلطم بها كثيرون من العلماء ومراجع الإسلام ويركضون في عزاء وموكب سيد الشهداء

ما لَقي عِندَكِ آلُ المُصطَفى        كَربَــــلا لا زِلتِ كَرباً وَبَلا

مِن دَمٍ سالَ وَمِن دَمعٍ جَرى        كَم عَلى تُربِكِ لَمّا صُرِّعوا

نَزَلــوا فيها عَلــى غَيرِ قِرى        وَضُيــوفٍ لِفـــَلاةٍ قَفـــــرَةٍ

الضيف عادة إذا جاء الى أحد يضيف بالطعام والشراب، وانت كربلاء بماذا ضيفتيهم؟! 

بِحِدى السَيفِ عَلى وِردِ الرَدى        لَم يَذوقوا الماءَ حَتّى اِجتَمَعوا

اقل شيء ان تأتي الضيف بالماء وهذه كربلاء لم تضيف الحسين حتى الماء!

وها نحن نراه حين يتذكر تلك الواقعة الاليمة وما لاقاه جده الامام الحسين سلام الله عليه تكون مشفوعة بالشكوى الى جده رسول الله صلى الله عليه وآله حيث يقول:

وَهُمُ مــا بَينَ قَتلـــى وَسِبا        يا رَسولَ اللَهِ لَو عايَنتَهُم

لِلحَشى شَجواً وَلِلعَينِ قَذى        لَرَأَت عَيناكَ مِنهُم مَنظَراً

عُمُدَ الديــنِ وَأَعلامَ الهُدى        يا قَتيــلاً قَوَّضَ الدَهرُ بِهِ

أَنَّهُ خامِسُ أَصحـابِ الكِسا        قَتَـــلوهُ بَعدَ عِلمٍ مِنهُـــــمُ

    شَـدَّ لَحيَــيــنِ وَلا مَــدَّ رِدا        وَصَريعاً عالَجَ المَوتَ بِلا

وَأَبوهــا وَعَلـــيٌّ ذو العُلى        مَيِّتٌ تَبكـــي لَهُ فاطِمَـــــةٌ

حاولت زينب ان تستنجد وتستغيث بمن يأتي لتجهيزه وتغسيله بعدما وجدته ملقى على التراب ونادت:

(يا رسول الله، يا جداه، صلى عليك مليك السماء، هذا حسينك بالعراء، تسفي عليه الصبا، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، مسلوب العمامة والرداء، وبناتك سبايا، إلى الله المشتكى).

و  لا  نـغّـار غـمض له إعيونه        يـجـدي مـات محد وقف دونـــه

و  لا واحــد إبـلحقه مــاي قّطر        وحـيـد  إيعالج و منخطف لونه

لم تجد جواب من جهة المدينة، توجهت للغري صوب النجف تنادي:

عَهْدِي تَغُضُّ على الأَقْذَاءِ أَجْفانا        قُــمْ يا عليُّ فَمَا هَذا القُعودُ ومَا

تَفُكُّنا أوْ تَوَلَّـــــى دَفْـــنَ قَتْلانــــا        فَانْهَضْ لَعَلَّكَ مِنْ أَسْرٍ أَضَرَّ بِنا

يـمـغـسل الــهـادي الـنّـبـي غــسـل ولـيـنـا        عـجّـل يـداحـي الـبـاب يــا مـنجي الـسفينه

مـن اَرض الـنجف عـجّــل تـعال الغاضريّه        يـمـغـسل الــهـادي الـنّـبـي خــيـر الـبـريّـه

ابـدوس الـحوافر جـسم اخـويه امـكسّرينه        غــسّــــل اَجــسـاد رضـضـتـها الأعـوجـيّـه

حـين رأيـت اضـلوعها ظـل دمعك ايسيـــل        يـمـغسل الـزهـرا الـبـتولة ابـظـلمة الـلـيل 

امــن الـمـدينة يــا عـلــي جـيـته اُوواريـت        اُو سـلمان فـي أقـصى الـمدائن لـه تـعنّيت 

مــدري يـبويه اشـلـون صـبرك عـن ولـينا        وامـن الـنجف لا كـربلا لـحسين مـا جيت 


وكما قيل فإن ديوانه المتداول اليوم والذي يشتمل أكثر من 6300 بيتاً من الشعر في مختلف الأغراض مازال متداولاً جيلاً بعد جيل يقرؤون أشعاره ويحفظونها وينبهرون بها. 

كانت هذه نبذة بسيطة من بحر شعره وادبه وعلمه.




مرات العرض: 3447
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 48408.67 KB
تشغيل:

دعبل الخزاعي وقصيدة مدارس آيات .
السيد حيدر الحلي و شعره الحسيني 27