ملاحظات على الصحاح من الشيعة الامامية 23
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/9/1442 هـ
تعريف:

 ملاحظات على الصحاح من الشيعة الإمامية (23)

بسم الله الرحمن الرحيم 

جاء في وصية أمير المؤمنين سلامُ الله عليه لأولاده أنه قال: أوصيكم أن لا تشركوا بالله وبسنةِ نبيكم، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم بعد ذلك

صدق سيدنا ومولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه 

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول شيئاً من ملاحظات الشيعة الأمامية على الصحيحين من مصادر مدرسة الخلفاء الحديثية، وقد سبق وأن ذكرنا جانباً من الملاحظة التي قَدمت على الصحيحين من داخل مدرسة الخلفاء وأشرنا إلى بعضها في ليلة مضت، أما حديثنا فهو يتناول بعض ملاحظات الإمامية حول هذين الصحيحين، ملاحظة عامة تتناسب  قيمة الكتاب وتأثيره في الناس تناسباً طرديًا مع توجه الملاحظات والتقييم إليه، فإذا كان الكتاب لا قيمة له ولا أحد يلتفت إليه ولا يؤثر في شيء ربما يأتي هذا الكتاب ويبقى عشرات أو مئات السنين من دون أن يتوجه إليه أحد بل ربما لا يتعرف عليه أحد، أما إذا كان الكتاب مؤثراً في جهة من الجهات مشهوراً مؤسساً لأفكار أو لعقائد أو لطريقة حياة أو غير ذلك فإنه في الغالب بمقدار ما يكون مشهوراً ومنتشراً ومؤثراً قد تتوجه إليه الملاحظات والانتقادات من قبل أطراف مختلفة، وهذا الأمر يصدق على كتابيّ الصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم فإنه لا ريب أن هذين الكتابين لهما تأثير كبير في الأمة، سواءاً في داخل مدرسه الخلفاء أو حتى في خارج هذه المدرسة، ليس الكتابان عديميّ التأثير وإنما هما مؤثران، ولذلك فقد توجهت إليهما - من الطبيعي - الملاحظات والانتقادات من داخل المدرسة الخلفاء كما ذكرنا أو بغض النظر عن الموضوع المذهبي حتى من أشخاص يُعتبرونَ باحثين ضمن الاتجاه الحداثي أو التنويري - أوسمّه ما تسمهِ -  يعني بغض النظر عن الموضوع المذهبي والديني أيضاً هناك ملاحظات من قِبَلِ هذه الفئة، وبالنسبة إلى الإمامية أيضاً وجهوا ملاحظات لهذين الكتابين، بل هناك كُتبٌ صُنفت خاصة بمثل هذه الملاحظات وهي غيرُ قليل، من تلك الكتب ماكتبه آية الله الشيخ النمازي الإصفهاني المعروف بشيخ الشريعة، وهو من تلامذة السيد اليزدي صاحب العروة ورُجِعَ إليه في التقليد في زمانه، متوفى سنه 1366 هجرية - أيّ قبل قريب من 80 سنة من الزمان -  وكتبَ كتابا باسم القول الصُراح في البخاري وجامِعه الصحيح، والكتاب موجود ومطبوع وإلى حدٍ ما شديد اللهجة، ومن الكتب التي اختصّت أيضاً بهذا الجانب ما كتبه آية الشيخ محمد حسن المظفر - رضوان الله تعالى عليه - وهو أستاذ الشيخ محمد رضا أخيه الأصغر الذي ربما يكون معروفاً أكثر باعتبار تُدرس بعض كتبه في الحوزات العلمية وكان مؤسساً لكلية الفقه وله برامج كثيرة مطبوعة، ألّف كتاباً سماه الإفصاح عن أحوالِ رواةِ الصحاح، ذَكر في هذا الكتاب في طبعاته الأخيرة 1650 راوي من الرواة الذين نُقل عنهم في الصحاح ليسوا بثقة - مع أنه نُص على تضعيفهم في كتب مدرسة الخلفاء نفسها - أي أن شخصاً قد استشهد به البخاري أو مسلم مع أنه نُص عليه بأنه ليس بثقة، أو ليّن أو ما شابه ذلك، وليس شخصاً أو شخصين وإنما 1600 جمعها هذا العالم المجتهد الشيخ محمد حسن المظفر المتوفى سنة 1375 هجرية.

بعده أيضا السيد هاشم معروف الحسني من علماء لبنان توفي مؤخراً - أيّ 1403 هجرية - وهو مُكثرٌ من الكتابةِ النقدية، لديه كتاب باسم دراسات في الحديث والمحدّثين وربما طُبعَ باسم دراسات في البخاري والكافي، أي أن عنده معالجة ودراسة لكلا الكتابين، أيضاً من الكتب لمعاصرين مثل كتاب آية الله الشيخ جعفر السبحاني من علماء قُـم - الحوزة العملية - عنده كتاب اسمه الحديث النبوي بين الدرايةِ والرواية، أيضا تعرضَ فيه إلى ما يوجه من ملاحظات إلى كُتب الصحاح، من ذلك كتابٌ آخر لتلميذ العلامة الأميني الشيخ محمد صادق النجمي وهو كثيراً ما تأثر بمنهج الشيخ الأميني وأخذ عنه، والشيخ الأميني عنده في داخل الغدير عنده دراسة حول وضع الأحاديث وأسماء وضاعي الحديث وأشار إلى وجود بعض تلك الأسماء في كتب الصحاح، أحد تلامذته ألّف كتاباً جيداً أسمه أضواء على الصحيحين، وهو الشيخ محمد صادق النجمي، أصله باللغة الفارسية وتُرجم إلى اللغة العربية على يد السيد حسن القزويني، وهو كتابٌ متوفرٌ ومطبوع بعدة طبعات، وهكذا الشيخ الهرساوي أيضاً عنده كتاب باسم البخاري وصحيحه، هذه دراسات مستقلة عن كتب الصحاح إما عن الكتابين معاً - البخاري ومسلم - وإما عن أحدهما، وغالباً ما يكون عن البخاري باعتبار أنه الأبرز والأشهر والأقوى غالباً عند العلماء، إضافة إلى آخرين ممن كتبوا أيضاً إما دراسات مختصرة أو ألقوا محاضرات مثل السيد الميلاني وغير هؤلاء لا نستطيع أن نتتبع كل الأسماء، لكن اشارة إلى أن بعضاً يريد الرجوع التفصيلي. 

تعدت الملاحظات التي وجهها الإمامية لكتابيّ الصحيحين، نحن نقسمها إلى القسمين المعهودين، قسم أولاً مايرتبط بالأسانيد وقسم يرتبط بالمتون، فيما يرتبط بالأسانيد ملاحظة عامة نحن نجدها في كل هذه الدراسات والكتب التي قيلت، وهي أن كيفية جمع الأحاديث في البخاري ليست في رأي الإمامية طريقةً علمية أو منصفة، لماذا؟ لما قاله شمس الدين الذهبي، وهو من أعلام مدرسة الخلفاء مهم جدا ومؤلف مُكثر حتى قيل أنه ألّف قريب من 300 عنوان، بعضها وإن كان اختصاراً لكتب آخرين ولكن الرجل يُعَدُ من كبار علماء تلك المدرسة ومعاصراً للعلامة الحلي رضوان الله تعالى عليه، والذهبي متوفى سنة 748 هجرية، أي بعد العلامة الحلي بجوالي 20 سنة، يقول الذهبي بهذا النص قال أن البخاريَّ تجنب الرافضة كثيراً، الرافضة في مصطلحهم غير الشيعة، الشيعي عندهم في كتب الرجال - من أتباع مدرسة الخلفاء - هو من يميلُ لعليّ وربما فضله على الخليفة الثالث، هذا يقال له شيعي، وأما الرافضيّ فهو مَنْ يُفضله على الخليفة الأول والثاني، هذا رافضي فوراً ليس شيعياً عندهم وإنما رافضة، شيعي فقط إذا كان يميل إليه ويفضله على الخليفة الثالث، يعني الشيعة الإماميه الذين يعتقدون - وهم كل الشيعة الإمامية - الذين يعتقدون أن أفضل الخلق بعد رسول الله هو أمير الؤمنين عليه السلام في تعريف الذهبي وسائر كتب الرجال كلهم روافض بعتبرون، قال الذهبي أن البخاريَّ تَجَنب الرافضة كثيراً، لماذا؟ 

طبعاً هذا ليس في صدد ذمّ البخاري، لا بل هذا تسجيل لواقع، كأنه يخافُ مِن تدينهم بالتّـقية - هؤلاء أهل التقية فيمكن أن يكذبوا أو لا يخبروا الحيقيقة - ولا نراهُ يتجنب النواصب، فقد قلت لك أنه لا يذم البخاري بل يسجل حقيقة لأنه يعتقد بالبخاري اعتقاداً كبيراً جداً، ولا نَراهُ يتجنب النواصب ولا القدرية ولا الخوارج ولا الجهمية، فإنهم على بِدَعهم يلزمون الصدق، ولو هؤلاء الخوارج مبتدعة، ولو النواصب الذين يَتَدَيّنون بلعنِ عليّ بن أبي طالب ولو عندهم بدع لكنهم صادقون لا يكذبون أبداً وهكذا الحال في القدرية والخوارج والمرجئة أما الروافض فهؤلاء كأنما معجونين بالكذب والتقيّة لذلك لا يمكن الاعتماد عليهم! طبعاً هذا عندما تعرض هذا النص على الميزان العلمي سوف تجد أنه لا يمتلك أي مقدار من المصداقية، فتستطيع أن نقول أنه أنا آخذ من الإنسان الصادق لا عليّ بمذهبه - هذا لن يخالفك أحد به - ميزانك هو الصدق، أما أن تأتي وتفترض أن الخوارج كلهم صادقون يلزمون الصدق، والمرجئة كلهم صادقون، النواصب كلهم صادقون، لكن الروافض هؤلاء عندهم مشكلة مع الصدق، إما فعلاً أنت تتبعت الناس بهذه العنوانين كلها فوجدت كل شخص رافضي في الدنيا هو كاذب فبالتالي نعم كلامك صحيح، وتتبعت كل شخص ناصبيّ أو خارجيّ أو مرجئ أو قدري فرأيتهم صادقين، إذا بهذا الأمر فعلت فنحن نوقع معك، وأما إذا لم يحصل ذلك، افترض رأيت من الروات ألفَ شخص من الروافض - كما تقول - هؤلاء يكذبون، افترض هذا، حسناً هذا الآن الشيخ المظفر من كلام نفس الذهبي ومن أمثاله لأنه اعتمد على كتاب الذهبي - ميزان الاعتدال وتهذيب التهذيب - وتخرج تراجم 1650 شخص اعتُمِدَ عليهم في الصحيحين وهذا بنص نفس الذهبي ومن نقل عنه في كتبه هؤلاء ضعفاء، فكيف بعد ذلك أنت بدون هذا التتبع تقول ذلك صادق وهؤلاء يلزمون الصدق، والحال أنه نُص على عدم صدقهم ووثاقتهم، وهؤلاء من دون أن تبحث تقول أن الروافض مثلاً يلزمون التقية - إذا يلزمون التقية من دون كذب فهذا لا يخدش في الإنسان لابد أن يكون يكذب وبالتالي لا تعتمد عليه، ففي أصل هيكلة وضع الكتاب - هؤلاء العلماء ممن ذكرنا أسمائهم وكتبهم - يناقشون في كتبهم ما هو الميزان الذي يجعلك تقول أن هؤلاء الفئات الأربع أو الخمس يلزمون الصدق، هذا كأن يأتي شخص ويقول بأن أهل هذه البلده لازمون للصدق، قيل له غير صحيح هذا، فمهما كانت هذه البلدة صغيرة إلا أن تتبع واحداً واحداً وتجربهم وترى يصدقون أو لا، فكيف أنت إذا تريد أن تحكم على فئة زمان أمير المؤمنين كالخوارج مثلاً إلى زمان البخاري، مئات الألوف، هل تتبعهم حتى رأى بأنهم كذلك، نواصب نفس الكلام وقدرية نفس الكلام، هل تتبعتهم حتى ثبت لك أنهم لا يكذبون وتتبعت الروافض كما تقول منذ زمان أمير المؤمنين إلى زمانك - 200 سنة - مئات الآلاف يوجد منهم تتبعتهم بالفعل ورأيت أن هؤلائك يكذبون! هذه مجانبة للانصاف يقوم عليها الأساس الهيكلي للكتاب، هذا على الأقل بحسب نقل الذهبي وبالفعل هو أقل من نقل الروايات كما قال الذهبي أنه لم ينقل عن الرافضي، هذا أولاً. 

ثانياً، في نفس الباب أيضاً - باب السند - أنه اجتنب النقلَ عن أئمة أهل البيت عليهم السلام طُراً إلا في بعض الموارد الخادشة - هذا حسب ما نقل هؤلاء العلماء - اسمعوا إلى ما جاء في كتاب الشيخ السُبحاني وهو أيضاً موجود في أضواء على الصحيحين وموجود أيضاً في سائر الكتب الأخرى، لكن أنا أقرأ عبارة هذا الشيخ، يقول لم يروِ البخاريُ عن الإمام الصادق حتى حديثاً واحداً! هذا الإمام جعفر الصادق الذي ملأ الدنيا علماً واللي عدد من أئمة المذاهب أخذوا عنه وتتلمذوا على يديه لم تأتي له رواية واحدة في الصحيح، فيما روى - يقول الشيخ السبحاني - عن الخوارج المعادين لأهل البيت ومنهم عمران بن حطان، عمران بن حطان معروف من الخوارج مَدَحَ عبد الرحمن بن ملجم في قصيدة على أثر ضربته لعليّ بن أبي طالب، وقال عمران بن حطان في حق عبد الرحمن ابن ملجم: يا ضربة من تقيّ ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لاذكره دوماً فأحسبه أوفى البرية ميزانا.. هكذا! بمعنى أنه عندما أتذكر هذا أرى أنه أكثر الناس ميزانه راجح، لماذا؟ لأنه ضرب علي ابن ابي طالب في محراب صلاته، فبدل ما احنا ننقل ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين يجب أن ننقل أن ضربة عبد الرحمن بن ملجم هكذا هي تجعله أثقل الناس ميزاناً يوم القيامة، هذا كلام عمران بن حطان وقد رُويّ عنه في الصحيح بينما تركت الرواية عن جعفر بن محمد الصادق، هل هذا يتناسب مع الإنصاف؟

وأيضاً رُويّ عن مروان بن الحكم، مروان بن الحكم فيما رُويّ عن زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله عائشة أنها قالت: إني لأشهد أن رسول الله قد لعنك وأنت في صلب أبيك، حسناً وفي مكان آخر: إنما أنت فَضَضٌ من لعنةِ رسول الله، هذا يُنقل عَنه في الصحيح بينما تُترَك الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام! هذا أمر جداً في غاية الغرابة ولا يفيد بعض الدفاع الذي قال به متأخرون عن هذا الأمر - الأمر مسجل لذلك انبرى بعض الجماعة للدفاع عنه -  بعضهم قال نعم لأن جعفر بن محمد ليس بمُحدّث وإنما هو فَقيه، وهذا البخاري إنما يَنقُل عن مُحَدثين، عجيب! مروان بن الحكم مُحَدّث وجعفر بن محمد ليس بمُحدثاً! ما كان يَنقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله! ماكان يَنقل عن أبيه الباقر! حتى أنت لا تعترف به كإمام صحيح ولكن ما كان يَنقل عن أبيه وأبوه ينقل عن جابر بن عبدالله وجابر ينقل عن رسول الله! ماكان في كل ما أُثِر عنه - الإمام الصادق عليه السلام - آلاف الأحاديث لا يوجد ولا حديث واحد عن رسول الله يستحق أن ينقلَ! هذا أمر مثير للاستغراب، يقول أيضاً بل إن البخاريَّ خرّج عن رواة رَووا عن الإمام الصادق مثل عبدالوهاب الثقفي وحاتم بن اسماعيل ومالك بن أنس وهؤلاء كانوا مشايخ عِلمٍ للبخاريّ، لكن البخاري الذي نَقلَ عن هؤلاء لم يَنقل عن أستاذهم وشيخهم وهو الإمام الصادق وهم قد نقلوا عنه! في روايات أخرى نقل عنهم لم ينقلوها عن الإمام الصادق، حسناً، مع أنهم هم نقلوا عن الإمام الصادق عليه السلام، ويزيدُ الطينَ بِلة ما قاله في كلامه الآخر، يقول بل إن البخاريّ ومسلماً لم يُخرّجا ولا حديثاً عن الإمام الحسن، الإمام الحسن صحابي أم لا! سمع عن رسول الله أم لا! بقي معه على الأقل 7 سنوات، ولا الإمام موسى بن جعفر ولا الإمام علي بن موسى الرضا ولا الإمام محمد الجواد ولا الإمام علي الهادي ولا حتى الإمام العسكري المعاصر للبخاري ولا حتى عن أبنائهم، لنفترض أن مدرسة الخلفاء لا تتعامل معهم على أنهم أئمة معصومون، ألا تقبلهم حتى بمقدار راوي يروي الحديث ولا يكذب فيه، أم ليس لديهم أي حديث يسندونه عن رسول الله صل الله عليه وآله، بل حتى عن أبنائهم، الإمام زيد بن علي بن الحسين هو ليس محسوب على الإمامية بل مسحوب على أنه إمام الزيدية، وأخذ العلم ليس فقط عن أبيه علي بن الحسين وأخيه الباقر وإنما أخذ عن آخرين من المدرسة الأخرى، ولذلك ترى مدرسة الخلفاء أن أقرب الشيعة إليهم هم أتباع زيد، هذا كان من أعلام الفقه - تحدثنا عنه ذات مرة في حديثنا عن تاريخ المذاهب - لم ينقل عنه شيئ، ولا عن الحسن بن الحسن المثنى أيضاً هذا من الرُواة وبينه وبين الرسول صلى الله عليه وآله فقط واسطة واحدة وهي أبوه الحسن ومن التابعين ومُحدث، وهذا ما ادعى الإمامة ولا يعتبر إمام إذا أنت خائف لمى تنقل عن هذا وتعزز موقع الإمامة فهذا ليس إمام ولا ادعاها أصلاً، حسناً فلم يُنقل عنه ذلك، لا عن هذا ولا عن ذاك في أي موردٍ من الموارد. أين الذي نُقل في الصحيح عن الأئمة عليهم السلام؟ يُقال مورِدان - وهو مشهور - المورد الأول عن الإمام زين العابدين - ماشاء الله أتت السالفه الحمدلله - ماذا نُقل عن علي بن الحسين زين العابدين في الصحيح؟ نُقل فيه أن علياً وفاطمة كانا لا يستيقظان لصلاة الفجر فجاء النبي وأخذ يتكلم مع علي بن أبي طالب في ذلك وعليٌ يردُ عليه فنزلت الآيه: (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) (54) الكهف، هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب! عجيب! لم يكن هناك رواية عن  زين العابدين إلا أن علياً وفاطمة ماكانا يستيقظان للصلاة، وإنما إذا النبي نصحه بأن يستيقظ للصلاة لا تتأخر ولا تطوفك الصلاة، فيقوم بمناقشته ويرد عليه وجوابه حاظر عليه! هل هذا من الإنصاف مع عترة رسول الله صل الله عليه وآله، هذا مع حديث الثقلين يجعلها الثقل الآخر مع القرآن وعديل القرآن فإما لا ننقل عنهم أي حديث وإما إذا نقلنا عنهم حديثاً يتيماً ننقل مثل هذا الحديث، أو حديث آخر أيضاً عن زين العابدين أنه حمزة بن عبد المطلب لما هاجر وهاجر النبي إلى المدينة وكان جالسا حمزة مع جماعة فأديرَت كؤوس الخمر وسكر وأخذ يهذي ثم قام وكان هناك إبل - كان نصيب علياً من إحدى الغزوات - فشق حمزة بطنه باعتبار أنه كان - أعوذ بالله - سكراناً فأتلفه، فلما اشتكى عليّ لرسول الله جاء الرسول وأخذ يتحدث معهم فرد عليه حمزة بأنكم إنما أنتم عبيد لي، إذاً ما هي المصلحة - إذا تنزلنا - ما هي مصلحة أن ينقل زين العابدين هذين الحديثين عن جده عليّ و جدته الزهراء وعن عمي حمزة؟ تشجيع مثلاً على ترك الصلاة والاستيقاظ أو ماذا؟ 

فإذاً يوجه هؤلاء المؤلفين وغيرهم الملاحظة الآتيه وهي أنه في الوقت الذي نُقل عن مثل عمران بن حطان ومثل مروان بن الحكم تم اغفال وتجاهل الرواية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام عن أبنائهم وفي الوقت الذي نُقل وإنما نُقل مثلُ تِلك الأحاديث،  هذا أمر آخر في قضية الأسانيد، وفيما يرتبط بموضوع المُتون أيضاً يوجه الإمامية بعض الملاحظات، الملاحظة الأولى أن هناك أحاديث في الصحيحين لا تتناسب مع ما هو مؤسس في العقائد من أدلة عقلية تبرهن على أن الله عز وجل ليس كمثله شيء وأنه لا تعتريه العوارض وأنه لا تدركه الأبصار وأنه وأنه.. بينما نجد في هذين الصحيحين أو في بعضهما ما يخالف هذا الأمر، حديث رؤية الله يخالف لا تدركه الأبصار، حديث أن الله يضحك لعبدين يخالف أن الله لا تعتريه العوارض، أنا أنفعل مرة فأبكي، وأفرح فاضحك، واستغضب فاغضب، وتظهر عليّ هذه الآثار فإذا ضحكت وجهي ينشرح وماشابه ذلك إذا غضبت وجهي يتجهم، وإذا حزنت انكمش، العوارض هذه تؤثر فيّ، أما الله سبحانه وتعالى هل تؤثر فيه هذه الأمور! كلا، حسناً، حتى لو فرضنا جاءت روايات من هذا القبيل نأوّلها، مثلاً يرى المؤمنون ربهم نقول المقصود الرؤية القلبية ويشير الى ذلك القرآن الكريم: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)النّجم-آية11، وإذا قضية الفرح والغضب وما شابه ذلك نأوّلها بما لا ينتهي إلى تأثر الله بهذا المعنى الذي نعرفه من الضحك ومن الغضب ومن الحزن، يقولون لا، أتباع المدرسة يقولون نحن نحمل الألفاظ على ظاهرها، ما هو الضحك؟ هو حالة تعتري الإنسان على أثر تعجبه من  شيءٍ من الأشياء فيضحك والله يحدث له هذا، كيف؟ يقولون لا نعلم! ولكن هذا لا يتناسب مع ليس كمثله شيء،  صار الآخرون مثل الله، كما هو يضحك وهم يضحكون، غاية الأمر هذا يضحك بكيفية وذاك يضحك بكيفية أخرى، لا فنحن نقول "ليس كمثله شيء" يعني ما يطرأ علينا من التعب والراحة والضحك والحزن والغضب وما شابه ذلك لا يطرأ على الله سبحانه وتعالى، بل في بعض الكتب - وليس موجود في الصحيحين - في كتب أخرى كما هو في معجم الطبراني لما فرغ الله من الخلق استلقى ووضع رِجلاً على رِجل، هذا ليس موجودا في الصحيحين لكن هذا الفهم خاطئ لما يرتبط بمبدأ الخلق وهو الله سبحانه وتعالى، ليكون الناقل ثقة وصادق، ولكن هذا يتعارض مع العقل ويتعارض مع القرآن الكريم، لابد أن هناك مشكلة في هذا الحديث، هذا أولاً، الإمامية يقولون هذا بالنسبة الى قسم من الروايات أنها تُعارض تنزيه الله وتنتهي الى التجسيم والتشبيه فلا يمكن أن تكون مقبولة. وكذلك الحال بالنسبة إلى ما يرتبط بشؤون نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله، مثل ما وَرَد أنه النبي في أول البعثة لم يكن يعلم أنه نبي وتبين له بعدما أكد له ورقة بن نوفل وزوجته خديجة بأنك نبي وهذا اسمه الوحي ويأتي من السماء وما شابه ذلك بعدها عرف أنه هو نبي، وقد كذّب مثلَ هذا النحو من الروايات أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم في رواياتهم، وهكذا أحاديث من التي ترتبط بشخصيته المعظمة المكرمة لا تتناسب مع هذا التعظيم والتكريم الذي أكرمه الله به في كتابه وجعله خير خلقه، لذلك يعترضون عليها الأماميه أيضاً، ومن ذلك ما يرتبط بإغفال ذكر فضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام والأحاديث المهمة المشهورة كحديث الثقلين مثلاً وحديث المنزلة وحديث أنا مدينة العلم، وأمثال ذلك، المشكلة هنا أن قسماً من أتباع المدرسة فيما بعد أتوا وقالوا أن الدليل على أن هذه الأحاديث ضعيفة انها لم تذكر في كتابيّ الصحيحين، حسناً إذا كان هناك تعمد لإغفالِها بمعنى أن صاحب الكتاب يعلم بوجوده ومع ذلك تركها فأنت تستطيع أن تستدل، بهذا الوقت نأتي إلى كيف يمكن لمحدّث محيط بهذا المقدار وعارف بالأحاديث مع وجود هذا المقدار من الأسانيد المعتبرة، نفس الذهبي الذي هو من أئمة الحديث والرجال وفي الرجال هو أكثر، يقول أنا رأيتُ كتاب الطبري في حديث الغدير فوجدته كتاباً كبيراً جاءَ فيه بالأسانيد الكثيرة لهذا الحديث، ويشير إلى أنه اقتنع به، بهذا المقدار من الروايات والأسانيد عمل علمي ضخم، صاحب صحيح البخاري 310هجرية والطبري 256 هجرية، المسافه ليست ببعيده بينهما، فالروايات هذه وأسانيدها موجوده في ذلك الوقت، أترى من المعقول مثلاً أن صاحب الصحيح لم يطلع على هذه الأسانيد، فهذا يعتبر مشكل في التتبع، أم اطلع عليها واعتبرها كلها غير صحيحه، وهي تزيد على 100 طريق كلها لم يجد فيها طريق صحيح عند صاحب الصحيح، هذا أيضا أشكل، حتى لو كانت كلها غير صحيحه، عندهم هم أن هذا الحديث يعتضد بغيره، يعضد بعضها بعضا، فيأتي الإماميه يتساءلون بتعجب عن هذا الأمر، لا سيما عندما يرون أن الحاكم النيشابوري - أبو علي الحاكم - في كتابه المستدرك على الصحيحن، أورد هذه الأحاديث وغيرها من الاحاديث واضعافيها بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين، أن هذا مثلاً الحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، ولذلك صارت مشكله مع هذا الحاكم النيشابوري، فلذلك بعضهم اتهمه بالتشيع وبعضهم اتهمه بالتساهل، التشيع يعني أن لديه ميل لعليّ بن أبي طالب ويفضله على مخالفيه ويفضله على مثلاً الخليفة الثالث، لا أحد يدعي أنه متشيع بالمعنى الأول الذي يفضله على الخليفة الأول والثاني لكن قالوا هذا متشيع ولذلك عبر هذه الاحاديث، تعالوا قيسوا رجال هذه الأسانيد بمقاييس الصحيحين، سوف ترونها أنها صحيحة على المقياس فلماذا لم تُخرّج في كتبهما، هذا أيضاً سؤال يثيره أتباعه الإماميه ولاسيّما من ذكرنا أسماءهم في كتبهم حول هذين الكتابين، ولا يوجد هناك جوابُ، يوجد قسم قالوا هكذا، حسناً، في الصحاح لم يَنقل أصحاب الصحاح عن هؤلاء، انتم ايضاً في الكافي لم تنقلوا عن رجالنا ولا عن الصحابة المرضِيين في مدرسة الخلفاء، ولم تنقلوا أيضاً فضائل لهؤلاء الأصحاب وخلفاء رسول الله فلماذا تعاتِبوننا بأمر أنتم تقومون به؟ سؤال لا بأس به، الجواب: جواب الفرق بين الصحيحين وبين مثل الكافي وأمثاله، الصحيحان جُعِلا مما أجمعت علَيهما الأمة كلها، وجُعِلا سنة النبي وماقاله النبي وأن الذي يخالف هذا أو يرده فقد رَد سُنة النبي وهذا لكل الأمة وأجمعت عليه كل الأمة، فإذا أنت تقول هذا الكلام فتفضل انتقاد هذا الفريق وذاك الفريق لأن المفروض هؤلاء من الأمة وأن لهم الحق في أن يلاحظوا هذه الملاحظة أو تلك، أنت لا تقول هذا مثلاً كتاب الصحيح خاص مثلاً بالمذهب الحنبلي أو بالمذهَب الشافعي أو بالمذهب الحنفي، لا بل تقول أنه لكل الأمه وهذه هي سنة الرسول، هذا ماقاله رسول الله وقد أجمعت الامه عليه، صاحب الكافي لا يقول أن هذا لكل الأمة وإنما يقول هذا لِشيعة الإماميه لجماعة فرقة، ولا يقول أن الأمة اجتمعت عليه بل لا يقول ان الشيعه اجمعت عليه ولا يقول أن الذي يرد حديثاً فيه فقد رَد سنة رسول الله والمعصومين، لا، لكن أنت تلك الدعوة إما أن تسحبها وتقول بأن هذا الكتاب كسائر الكتب، كما ألّف غيره فيه الخطأ وفيه الصواب وفيه المنسوب حقيقة للنبي، فيه ما تم نسبته من غيره أن يتحقق ذلك و يجب على الكل أن يخضع إلى البحث والنقاش إذاً ليس لأحد كلام معك، وأنا أيضاً لا تُعاتب لماذا لم تنقل عن هذا ونقلت عن ذاك، أما إذا قلت هذا هو سنة النبي وقلت هذا اجمعت الأمة على صحته، هنا يصبح وقت كلام مونقاش وأخذ ورد، في مثل الحالة الشيعية لم يدّع أحدٌ هذه الدعوه، هذا الكتاب الكافي هو للشيعة وليس لغيرهم، ثانياً هذا لا يَدّعي أحدٌ أن الأمة أجمعت على صحته بل ولا كل الطائفة، المؤلف يقول أن هذا عندي صحيح، ماصَح بيني وبين الله،  إن كنت أنت تقلدني فالتزم به، وإن لم تكن تقلدني اذهب وابحث عن آخر يقلدني، حتى لو يقول أن هذا الكتاب فقط ثلثه صحيح فأنا لا يهمني ذلك، فالفرقُ في المسألتين موجود. نعم الأمامية يتساءلون لماذا لم يَتِم إنصاف أئمة الهدى عليهم السلام وهم في رأي الإمامية عِدل القرآن وفى رأى غيرهم المفروض أقل شيء أنهم علماء ومحدثون ثقاة، هذا أقل شيء، فكيف حتى بهذا المقدار لم يعاملوا معاملة عمران بن حطان ولم يعاملوا معاملة مروان بن الحكم، وليس فقط الأئمة بل ولا أبنائهم أيضاً حتى لا مثلاً يصبح له صيت ويُصبح كأنما نحن ندعم إمامته ونحن لا نعترف بإمامته، فحتى أبنائهم لم يرووا عنهم، فهذا الحسن المثنى - ذكرنا اسمه في الأثناء - الحسن المثنى يُلقب بالمثنى باعتبار حتى لا يختلط بأبيه ولا يختلط أيضاً بابنه، ابنه هو الحسن المثلث - الحسن بن الحسن بن الحسن - وهو المثنى، هذا كان يُفترض أن يكون من شهداءِ كربلاء ولكنه فقط جُرح وقطعت يده وأغميّ عليه، وفيما بعد أخذ أسيراً، تزوج ابنة الامام الحسين عليه السلام وعليها السلام - فاطمه بنت الحسين - وكان نسلُ الحسن منه ومنها، أحد خطوط نسل الإمام الحسن كان منه ومنها، فإنه قاتل في كربلاء بين يديّ الحسين وجُرح جراحات بليغة وأغميّ عليه فصار في الجرحى، ولكن لما انتهت المعركة عُرِفَ أنه لا يزال على قيد الحياة فأُخذ مع الأسرى، في الكوفة يوجد أحد أقاربه لأن أمه فزارية - خولة بنت منظور الفزارية أمه - وأحد بني فزاره كان له وجاهة وهو حسان بن خارجه الفزاري كان مع الأمويين وله وجاهة عندهم فتشفّع فيه وطلبه من ابن زياد وعمر بن سعد، فقال دعوا هذا لأسامة أو أسماء - أسمه أسماء وليس أسامة - وبالفعل خرج وعاش ونَسَل منه نسلُ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام فهو شارك في كربلاء ولكنه لم يستشهد، وكان عالماً من رواة الحديث مع ذلك لم يُنقل عنه، وهذا واحدً من أبناء الإمام الحسن.

عدة أشخاص كانوا في كربلاء من أبناء الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ومنهم المعروف القاسم بن الامام المجتبى عليه السلام الذي كان أصغر من أخيه الحسن المثنى وقاتل بين يديّ عمه الحسين سلام الله عليه على صِغَرِ سِنه، وعادةً الإنسان عندما يكون في ميعة الشباب وأوائل الحياة تعلقه بالعمر والدينا واستمرار الحياة يكون أكبر لكن هذا عندما سأله الإمام الحسين عليه السلام أنه كيف يرى الموت قال له فيك أحلى من العسل، ففعلاً برز إلى القتال مستأذناً عمه الحسين سلام الله عليه وهو يُنشد رَجزه المعروف..


27/ كيف ننفتح على سنة المعصومين 

تحرير المهندس الفاضل م غ 

قال سيدنا و مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه و هو يصف رسول الله صلى الله عليه و آله، قال: {هو إمام من اتقى و بصيرة من اهتدى و سراج لمع ضوؤه وشهاب سطع نوره، سيرته القصد و سنته الرشد، و كلامه الفصل} صدق سيدنا و مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه..

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول موضوع: " كيف ننفتح على كتب سنة المعصومين عليهم السلام؟ " 

لا ريب أن الموجود من كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله و وصاياه و كلمات أمير المؤمنين و أهل بيته عليهم السلام كثيرة و مدونة، هذه تحتاج إلى أن نفكر كيف ننفتح عليها و كيف ننتفع بها؟؟

يمكن تقسيم مواضيع السنة المعصومية  والموجودة في الكتب إلى ثلاثة أقسام رئيسية: 

1.    القسم الأول يرتبط بالأخلاقيات و المواعظ و طرق الحياة السليمة الموصلة إلى السعادة في الدنيا و الفلاح في الآخرة، حيث تشتمل على مواعظ و أخلاقيات و نصائح و مبادئ في التعامل و المعاشرة مع الناس و تربية النفس و ما أشبه ذلك.

2.    القسم الثاني هو يرتبط بأحاديث الأحكام و الشريعة الإسلامية و الموقف الفقهي الذي ينبغي أن يتخذه الإنسان سواء في عباداته أو في معاملاته.. 

3.    القسم الثالث هو ما يرتبط بالعقائد، قضايا الإيمان: الإيمان بالله عزوجل و ما يتصل بالله من صفاته و أسمائه و توحيده و حكومته و عدله و ما شابه ذلك، و ما يتصل بالآخرة و القيامة، وكذا الإعتقاد بنبوة رسول الله صلى الله عليه و آله و إمامة المعصومين عليهم السلام و أمثالها...

هذه بشكل إجمالي تقسيم ما ورد في السنة، طبعا السنة هي أكبر من هذا بكثير و لكن هذه هي التقسيمات الرئيسية و نلحظها بشكل واضح فيما صنعه ثقة الإسلام محمد ابن يعقوب للكليني المتوفى سنة ٣٢٩ هجرية في كتابه الكافي، فإنه جعل قسما بإسم: "الروضة من الكافي" وهي تحتوي على المواعظ و النصائح و الأخلاقيات وما يتصل بها، قسم آخر جعله بعنوان : "الفروع من الكافي"، وهو الذي يتناول مسائل الفقه والأحكام الشرعية و موقف الإنسان الفقهية مما يحدث في الحياة من عبادات و معاملات، و قسم ثالث ما يتصل بالعقائد و سماه : "الأصول من الكافي"..

و هو تقسيم من حيث الموضوع لا بأس به بالرغم من أن الأحاديث و تفصيلاتها هي أوسع دائرة من هذه الأمور، لكننا سوف نتخذ هذا الترتيب الموضوعي لكي نشير إلى الموقف من أحاديثه و رواياته...

ما ورد في كتب و مصادر الحديث في سنة المعصومين عليهم السلام :

1)     القسم الاول:  بالنسبة إلى الموضوع الأخلاقي، الموضوع الروحي ما يرتبط بتربية النفس و تهذيبها، هذا ينبغي أن يعرض الإنسان نفسه إليه، وأن ينفتح عليه انفتاحا كاملا، لأن فيه الهدايات الربانية مصاغة بأساليب مؤثرة غاية التأثير، في لغة-غالبا- بديعة و فصيحة و في منتهى البلاغة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله هو أفصح هذه الأمة، لا نقول أن حديث: {أنا أفصح قريش} أو أفصح العرب أو بني آدم، بيد أني نشأت في قريش أو ولدت في قريش، هذا الحديث ربما بعضهم يشكك فيه، لكنه حقيقة واقعة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله، لديه من الفصاحة و البلاغة و الصور الجمالية في أحاديثه ما لا يملكه أحد، يستشعر الإنسان من خلال مراجعته لكلمات رسول الله صلى الله عليه وآله و خطبه و مواعظه هذا المستوى الرفيع من الأدب و قد وجدت دراسات في هذا الباب تبين ابتكارات رسول الله صلى الله عليه و آله في الجوانب الأدبية و البلاغية..

و هكذا الحال بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام فقد قيل في كلماته الشيء الكثير و يكفيك أن ترجع إلى مقدمة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة و كيف وصف كلمات أمير المؤمنين عليه السلام و ارتفاعها و هكذا كلمات الشيخ محمد عبده و هو أشهر من أن يعرف في العالم الإسلامي والعربي عندما وصف كلمات أمير المؤمنين سلام الله عليه..

إجمالا كلمات المعصومين عليهم السلام في هذا الجانب كلمات عالية المستوى من حيث البلاغة و قوية التأثير أيضا أثرها في النفس، يعني عندما يقرأ الإنسان أو يسمع موعظة من رسول الله صلى الله عليه وآله أو وصية، يجد ذلك الأثر المباشر، كأنما أنفاس  رسول الله صلى الله عليه و آله لا تزال يستشعرها الإنسان في مثل هذه الموعظة.. و في مثل هذا الأمر ينبغي للإنسان أن يعرض نفسه على هذه التعاليم الأخلاقية و المواعظ و ما شابه ذلك، و لو استطاع الإنسان أن يجعل لنفسه برنامجا في هذا الجانب أن يقرأ بين فترة و أخرى. مثال: "وصية النبي صلى الله عليه و آله لأبي ذر الغفاري"، حيث لأبي ذر ثلاث وصايا من رسول الله صلى الله عليه و آله مهمة جدا و مؤثرة، لاسيما وصيته الطويلة صلى الله عليه و آله لأبي ذر، والتي يظهر منها أن أبا ذر كما ذكرنا غير مرة، لم يكن رجلا كما تصوره بعض الكتابات، رجلا فوضويا فقط همه أن يثير الأوضاع  و إنما من خلال أسئلة أبي ذر في حواره مع رسول الله صلى الله عليه و آله، يتبين منه أنه رجلا عالما فاهما فإن المرء يعرف في علمه من أشياء من جملتها أسئلته، و أسئلة أبي ذر لرسول الله صلى الله عليه و آله كانت من هذا القبيل،  و طريقة إحتفاء رسول الله صلى الله عليه و آله به عندما يقول، سأله أن يعظه: {نعم.. وأكرم بك يا أبا ذر إنك منا أهل البيت} و هذا وسام لا يستحقه أي  شخص هكذا، فبدأ صلى الله عليه و آله يلقي عليه مواعظه، لو قرأنا قسما منها كتمثيل على ذلك:

 قال رسول الله صلى الله عليه و آله لأبي ذر: { يا أبا ذر، المتقون سادة  و الفقهاء قادة و مجالستهم زيادة ...

يا أبا ذر، إن المؤمن يرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه..}  المؤمن يعيش دائما تحت وطأة الإحساس بالذنب و يخاف أن عليه عقوبة منه، أما الكافر كما الذبابة تمر على أنف الإنسان، بعد دقائق ينسى الموضوع و يعتني به، فتعامل المؤمن و الكافر مع الذنب هو هكذا..

{يا أبا ذر، إن الله اذا أراد بعبد خيرا جعل الذنوب بين عينيه ممثلة..

 يا أبا ذر، لا تنظر إلى صغر الخطيئة و     لكن أنظر إلى من عصيت..

 يا أبا ذر، إن نفس المؤمن أشد تقلبا و خيفة من العصفور حين يقذف به في شرك..}

العصفور عندما يقع داخل المصيدة، كيف يتقلب و مضطرب و غير مستقر، نفس المؤمن بخوفها من الذنب هي أكثر من هذا النحو..

{يا أبا ذر، من وافق قوله فعله فذلك الذي أصاب حظه..}،

الله يعيننا خصوصا، نحن المتحدثين الذين نقول كثيرا و ربما لا نفعل غير القليل، فإذا الإنسان وافق كلامه فعله، فهذا الذي أصاب حظه..

{ومن خالف قوله فعله فذلك المرء إنما يوبخ نفسه..}، كأنما يقرع نفسه عندما يخالف ما يصنعه كلامه..

{يا أبا ذر، إن الرجل لا يحرم الرزق بالذنب يصيبه..}، بعض الأحيان أمور غيبية نحن لا نلتفت إليها، فإذا بهذا الإنسان المؤمن ضيق الرزق، لماذا؟ قسم يرجع لأسباب طبيعية معروفة و قسم آخر أسباب لا نعرف عنها، الحديث هذا و الموعظة هذه تشير إلى أن الذنب أحيانا يأتي بتضييق الرزق، حتى عندنا في الدعاء:{اللهم اغفر لي الذنب الذي يضيق علي الخلق و يحبس عني الرزق}، ذنب ينتج أخلاق سيئة و ذنب يحبس عن الإنسان الرزق و البركة، و أمثال هذا كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، "خطبة المتقين" أنصح نفسي و إياكم بأن نقرأ مثل هذه الأمور، ولو اقتنى الإنسان حتى لا يضيع من هنا و هناك- هناك كتاب جميل جدا، اسمه "تحف العقول عن آل الرسول" مؤلفه أحد علمائنا الكبار، مع الأسف مجهولة حياته ومعيشته وهو: "ابن شعبة الحراني"، من بلدة حران في الشام، هذا عاش في القرن الرابع الهجري يعني من بعد سنة ٣٠٠ للهجرة في نفس الزمان الذي عاش فيه "الشيخ للكليني" رحمهما الله، حيث وفاة الشيخ الكليني سنة ٣٢٠ يعني بعد بدايات القرن الرابع الهجري، صاحب كتاب تحف العقول عاش أيضا في القرن الرابع الهجري كما قيل و بعضهم قال في أوائل القرن الخامس الهجري، و خلف هذا الكتاب وهو من أنفس الكتب..

الشيخ الحراني رتب كتابه "تحف العقول عن آل الرسول" على أساس مواعظ و أخلاقيات و خطب كلها في الجانب الأخلاقي والروحي و التربوي، بدأ من رسول الله صلى الله عليه و آله و وصاياه  ثم أمير المؤمنين عليه السلام و خطبه و وصاياه و هكذا إلى غاية الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، انتخب من كل إمام مجموعة من  الوصايا، التوجيهات، الكلمات ذات المنحى الأخلاقي، ننصح المؤمنين و المؤمنات وننصح  أنفسنا قبل ذلك بالتعرض إلى مثل هذا و هو أشبه بماء المزن الصافي النازل من السحاب الماء الطهور الذي يغسل درن القلوب و شهوات النفوس من خلال كلماتهم صلوات الله عليهم، و يلحظ الإنسان الفرق العظيم في التأثير بين كلماتهم عليهم السلام و كلمات غيرهم، يعني إذا فكرة حول تقوى الله اذا يتحدث فيها شخص غير معصوم، و نفس الفكرة يتكلم فيها شخص معصوم، تجد الفرق ما بين السماء و الأرض بينهما..

هذا القسم الأول ننصح به بقوة، أن يداوم الإنسان عليه و يعرض نفسه عليه، إذا كان هناك أشياء مسجلة من الخطب، الوصايا و المواعظ، سمعت ذات مرة أن أحدهم سجل نهج البلاغة بصوت جميل، جيد أن يستمع  الإنسان إليه بإستمرار، وهكذا بالنسبة إلى سائر الخطب نرى أن في هذا آثارا مهمة جدا..

2)    القسم الثاني  في سنة المعصومين عليهم السلام ما يرتبط بالقضايا الفقهية و الأحكام الشرعية..

هل المناسب أنه إذا اعترضتنا مسألة شرعية نذهب إلى قسم الفروع من الكافي ونفتحه لنرى مثلا ما حكم هذه المسألة ماهو؟؟ عندنا مسألة في الصلاة اعترضتنا، هل المناسب نفتح كتاب وسائل الشيعة و كله روايات انتظر إلى هذه الروايات؟ طبعا هناك مسلكان: 

    المسلك الأول ما ذهب إليه أتباع المدرسة الإخبارية من إخوتنا من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، هؤولاء فكرتهم قائمة على أساس أنه لا ينبغي أن يعطي الفقيه أحكاما و إنما ينبغي لكل إنسان أن يرجع إلى كلمات المعصومين عليهم السلام أنفسهم و يطلع على الروايات و إذا احتاج إلى توضيح يستعين بالفقيه، حيث الفقيه ليس لديه شغل يستنبط و يستنتج و يجمع و يطرح و يقول رأيي كذا و كذا، و إنما يرشده إلى هذه الروايات فقط، هذا مسلك المدرسة الإخبارية و هي من المدارس العريقة في عالمنا الشيعي..

    المسلك الثاني: الآن الوضع الموجود أن أغلب شيعة أهل البيت عليهم السلام ضمن المدرسة الأخرى وهي المدرسة الأصولية، ماهي الاختلافات بينهما ، ماذا يقول كلاهما؟؟ سبق أن تحدثنا عن هذا في وقت سابق عند حديثنا عن المرحوم الشيخ يوسف البحراني رضوان الله تعالى عليه، المحدث البحراني صاحب الحدائق الناضرة في سنوات سابقة..

الخلاصة أنه بناءا على المسلك الذي ينتهجه فقهاء المدرسة الأصولية و التي الآن هي المدرسة الشائعة، يعني الآن الأشخاص المقلدون -بفتح اللام- آية الله العظمى فلان و آية الله العظمى علان، هم ضمن هذه المدرسة المسماة بالأصولية، هؤولاء ضمن مسلكهم لا يرجحون الرجوع المباشر الى روايات المعصومين عليهم السلام من قبل عامة الناس، و إنما  يفضلون الرجوع إلى الرسالة العملية للفقيه و المرجع الذي يقلده هذا الإنسان لأنها حكم جاهز يستطيع الإنسان مباشرة أن يعمل به، و إذا أردنا أن نمثل بمثال من الواقع الخارجي، يقول هؤولاء أنه مثل إنسان يريد أن يصل من هذه البلدة إلى بلدة أخرى عنده طريقان: 

١-يشتري سيارة جاهزة من الوكالة أو يؤجرها أو يستعيرها و يركب و يذهب البلد و الأخرى..

٢- يذهب إلى مخزن قطع الغيار الموجود بالبلدة المتواجد بها، فيه كل قطع غيار السيارات من المحرك، الدواليب، المقود، الكراسي، الإشارات و ما هنالك مما يلزم لتركيب سيارة، و يحاول تركيبها لينطلق في مشواره نحو البلدة الأخرى، لنفترض أنه في المخزن كل الأدوات موجودة لكن هذا غير متيسر لأكثر الناس حتى لو كانت كل اللوازم متوفرة، يحتاج لخبرة و مخططات و معرفة بالتركيب و الميكانيكا و الكهرباء ما هناك من اختصاصات متعلقة بتركيب السيارات.

و بالتالي الطريق الصحيح أنه الإنسان يأخذ سيارة جاهزة و يذهب في مشواره نحو مقصده..

يقولون بالنسبة إلى الفقه الأمر هو هكذا، لماذا؟ لأن الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يكتبوا شيئا مفصلا، بحيث اذا استعرضتك المسألة الفلانية فالحكم الشرعي كذا و دواليك، و إنما المروي عنهم عليهم السلام في الغالب هو عبارة عن أسئلة، زرارة يأتي و يسأل الإمام، الإمام يجيبه، محمد بن مسلم يسأل، الإمام يجيب،  يونس بن عبد الرحمن يسأل، الإمام يجيبه، كل سؤال من الأسئلة ليس بضرورة يكون مرتبط ارتباطا تاما مع السؤال الآخر، ولذلك يقولون -عندهم تعبير في الفقه- أن أحاديث (المعصومين) -الأئمة الأطهار- عليهم السلام في الفقه مبنية على المنفصلات، يعني الإمام الصادق عليه السلام  قال كلاما بهذا المضمون، الإمام الرضا سلام الله عليه قال كلاما آخر يشرح فيه ذلك الكلام، هذا لازم تكون لديه القدرة ان يجمع الكلامين و يستنتج..

مثال على ذلك: عندنا حديث مشهور: {من زاد في صلاته فعليه الإعادة} هذا ظاهر الكلام أن أي زيادة من أي نوع بأي نحو، يجب على الشخص أن  يعيد صلاته، لو زاد سهوا يعيد صلاته، أو عمدا فعليه إعادة صلاته، من زاد ركنا فعليه الإعادة، أو في السورة فعليه الإعادة، مقتضى الكلام أنه أي زيادة يجيب فيها ان يعيد الإن

 ملاحظات على الصحاح من الشيعة الإمامية (23)

 كتابة الفاضلة أمجاد عبد العال

بسم الله الرحمن الرحيم 

جاء في وصية أمير المؤمنين سلامُ الله عليه لأولاده أنه قال: أوصيكم أن لا تشركوا بالله وبسنةِ نبيكم، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم بعد ذلك

صدق سيدنا ومولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه 

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول شيئاً من ملاحظات الشيعة الأمامية على الصحيحين من مصادر مدرسة الخلفاء الحديثية، وقد سبق وأن ذكرنا جانباً من الملاحظة التي قَدمت على الصحيحين من داخل مدرسة الخلفاء وأشرنا إلى بعضها في ليلة مضت، أما حديثنا فهو يتناول بعض ملاحظات الإمامية حول هذين الصحيحين، ملاحظة عامة تتناسب  قيمة الكتاب وتأثيره في الناس تناسباً طرديًا مع توجه الملاحظات والتقييم إليه، فإذا كان الكتاب لا قيمة له ولا أحد يلتفت إليه ولا يؤثر في شيء ربما يأتي هذا الكتاب ويبقى عشرات أو مئات السنين من دون أن يتوجه إليه أحد بل ربما لا يتعرف عليه أحد، أما إذا كان الكتاب مؤثراً في جهة من الجهات مشهوراً مؤسساً لأفكار أو لعقائد أو لطريقة حياة أو غير ذلك فإنه في الغالب بمقدار ما يكون مشهوراً ومنتشراً ومؤثراً قد تتوجه إليه الملاحظات والانتقادات من قبل أطراف مختلفة، وهذا الأمر يصدق على كتابيّ الصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم فإنه لا ريب أن هذين الكتابين لهما تأثير كبير في الأمة، سواءاً في داخل مدرسه الخلفاء أو حتى في خارج هذه المدرسة، ليس الكتابان عديميّ التأثير وإنما هما مؤثران، ولذلك فقد توجهت إليهما - من الطبيعي - الملاحظات والانتقادات من داخل المدرسة الخلفاء كما ذكرنا أو بغض النظر عن الموضوع المذهبي حتى من أشخاص يُعتبرونَ باحثين ضمن الاتجاه الحداثي أو التنويري - أوسمّه ما تسمهِ -  يعني بغض النظر عن الموضوع المذهبي والديني أيضاً هناك ملاحظات من قِبَلِ هذه الفئة، وبالنسبة إلى الإمامية أيضاً وجهوا ملاحظات لهذين الكتابين، بل هناك كُتبٌ صُنفت خاصة بمثل هذه الملاحظات وهي غيرُ قليل، من تلك الكتب ماكتبه آية الله الشيخ النمازي الإصفهاني المعروف بشيخ الشريعة، وهو من تلامذة السيد اليزدي صاحب العروة ورُجِعَ إليه في التقليد في زمانه، متوفى سنه 1366 هجرية - أيّ قبل قريب من 80 سنة من الزمان -  وكتبَ كتابا باسم القول الصُراح في البخاري وجامِعه الصحيح، والكتاب موجود ومطبوع وإلى حدٍ ما شديد اللهجة، ومن الكتب التي اختصّت أيضاً بهذا الجانب ما كتبه آية الشيخ محمد حسن المظفر - رضوان الله تعالى عليه - وهو أستاذ الشيخ محمد رضا أخيه الأصغر الذي ربما يكون معروفاً أكثر باعتبار تُدرس بعض كتبه في الحوزات العلمية وكان مؤسساً لكلية الفقه وله برامج كثيرة مطبوعة، ألّف كتاباً سماه الإفصاح عن أحوالِ رواةِ الصحاح، ذَكر في هذا الكتاب في طبعاته الأخيرة 1650 راوي من الرواة الذين نُقل عنهم في الصحاح ليسوا بثقة - مع أنه نُص على تضعيفهم في كتب مدرسة الخلفاء نفسها - أي أن شخصاً قد استشهد به البخاري أو مسلم مع أنه نُص عليه بأنه ليس بثقة، أو ليّن أو ما شابه ذلك، وليس شخصاً أو شخصين وإنما 1600 جمعها هذا العالم المجتهد الشيخ محمد حسن المظفر المتوفى سنة 1375 هجرية.

بعده أيضا السيد هاشم معروف الحسني من علماء لبنان توفي مؤخراً - أيّ 1403 هجرية - وهو مُكثرٌ من الكتابةِ النقدية، لديه كتاب باسم دراسات في الحديث والمحدّثين وربما طُبعَ باسم دراسات في البخاري والكافي، أي أن عنده معالجة ودراسة لكلا الكتابين، أيضاً من الكتب لمعاصرين مثل كتاب آية الله الشيخ جعفر السبحاني من علماء قُـم - الحوزة العملية - عنده كتاب اسمه الحديث النبوي بين الدرايةِ والرواية، أيضا تعرضَ فيه إلى ما يوجه من ملاحظات إلى كُتب الصحاح، من ذلك كتابٌ آخر لتلميذ العلامة الأميني الشيخ محمد صادق النجمي وهو كثيراً ما تأثر بمنهج الشيخ الأميني وأخذ عنه، والشيخ الأميني عنده في داخل الغدير عنده دراسة حول وضع الأحاديث وأسماء وضاعي الحديث وأشار إلى وجود بعض تلك الأسماء في كتب الصحاح، أحد تلامذته ألّف كتاباً جيداً أسمه أضواء على الصحيحين، وهو الشيخ محمد صادق النجمي، أصله باللغة الفارسية وتُرجم إلى اللغة العربية على يد السيد حسن القزويني، وهو كتابٌ متوفرٌ ومطبوع بعدة طبعات، وهكذا الشيخ الهرساوي أيضاً عنده كتاب باسم البخاري وصحيحه، هذه دراسات مستقلة عن كتب الصحاح إما عن الكتابين معاً - البخاري ومسلم - وإما عن أحدهما، وغالباً ما يكون عن البخاري باعتبار أنه الأبرز والأشهر والأقوى غالباً عند العلماء، إضافة إلى آخرين ممن كتبوا أيضاً إما دراسات مختصرة أو ألقوا محاضرات مثل السيد الميلاني وغير هؤلاء لا نستطيع أن نتتبع كل الأسماء، لكن اشارة إلى أن بعضاً يريد الرجوع التفصيلي. 

تعدت الملاحظات التي وجهها الإمامية لكتابيّ الصحيحين، نحن نقسمها إلى القسمين المعهودين، قسم أولاً مايرتبط بالأسانيد وقسم يرتبط بالمتون، فيما يرتبط بالأسانيد ملاحظة عامة نحن نجدها في كل هذه الدراسات والكتب التي قيلت، وهي أن كيفية جمع الأحاديث في البخاري ليست في رأي الإمامية طريقةً علمية أو منصفة، لماذا؟ لما قاله شمس الدين الذهبي، وهو من أعلام مدرسة الخلفاء مهم جدا ومؤلف مُكثر حتى قيل أنه ألّف قريب من 300 عنوان، بعضها وإن كان اختصاراً لكتب آخرين ولكن الرجل يُعَدُ من كبار علماء تلك المدرسة ومعاصراً للعلامة الحلي رضوان الله تعالى عليه، والذهبي متوفى سنة 748 هجرية، أي بعد العلامة الحلي بجوالي 20 سنة، يقول الذهبي بهذا النص قال أن البخاريَّ تجنب الرافضة كثيراً، الرافضة في مصطلحهم غير الشيعة، الشيعي عندهم في كتب الرجال - من أتباع مدرسة الخلفاء - هو من يميلُ لعليّ وربما فضله على الخليفة الثالث، هذا يقال له شيعي، وأما الرافضيّ فهو مَنْ يُفضله على الخليفة الأول والثاني، هذا رافضي فوراً ليس شيعياً عندهم وإنما رافضة، شيعي فقط إذا كان يميل إليه ويفضله على الخليفة الثالث، يعني الشيعة الإماميه الذين يعتقدون - وهم كل الشيعة الإمامية - الذين يعتقدون أن أفضل الخلق بعد رسول الله هو أمير الؤمنين عليه السلام في تعريف الذهبي وسائر كتب الرجال كلهم روافض بعتبرون، قال الذهبي أن البخاريَّ تَجَنب الرافضة كثيراً، لماذا؟ 

طبعاً هذا ليس في صدد ذمّ البخاري، لا بل هذا تسجيل لواقع، كأنه يخافُ مِن تدينهم بالتّـقية - هؤلاء أهل التقية فيمكن أن يكذبوا أو لا يخبروا الحيقيقة - ولا نراهُ يتجنب النواصب، فقد قلت لك أنه لا يذم البخاري بل يسجل حقيقة لأنه يعتقد بالبخاري اعتقاداً كبيراً جداً، ولا نَراهُ يتجنب النواصب ولا القدرية ولا الخوارج ولا الجهمية، فإنهم على بِدَعهم يلزمون الصدق، ولو هؤلاء الخوارج مبتدعة، ولو النواصب الذين يَتَدَيّنون بلعنِ عليّ بن أبي طالب ولو عندهم بدع لكنهم صادقون لا يكذبون أبداً وهكذا الحال في القدرية والخوارج والمرجئة أما الروافض فهؤلاء كأنما معجونين بالكذب والتقيّة لذلك لا يمكن الاعتماد عليهم! طبعاً هذا عندما تعرض هذا النص على الميزان العلمي سوف تجد أنه لا يمتلك أي مقدار من المصداقية، فتستطيع أن نقول أنه أنا آخذ من الإنسان الصادق لا عليّ بمذهبه - هذا لن يخالفك أحد به - ميزانك هو الصدق، أما أن تأتي وتفترض أن الخوارج كلهم صادقون يلزمون الصدق، والمرجئة كلهم صادقون، النواصب كلهم صادقون، لكن الروافض هؤلاء عندهم مشكلة مع الصدق، إما فعلاً أنت تتبعت الناس بهذه العنوانين كلها فوجدت كل شخص رافضي في الدنيا هو كاذب فبالتالي نعم كلامك صحيح، وتتبعت كل شخص ناصبيّ أو خارجيّ أو مرجئ أو قدري فرأيتهم صادقين، إذا بهذا الأمر فعلت فنحن نوقع معك، وأما إذا لم يحصل ذلك، افترض رأيت من الروات ألفَ شخص من الروافض - كما تقول - هؤلاء يكذبون، افترض هذا، حسناً هذا الآن الشيخ المظفر من كلام نفس الذهبي ومن أمثاله لأنه اعتمد على كتاب الذهبي - ميزان الاعتدال وتهذيب التهذيب - وتخرج تراجم 1650 شخص اعتُمِدَ عليهم في الصحيحين وهذا بنص نفس الذهبي ومن نقل عنه في كتبه هؤلاء ضعفاء، فكيف بعد ذلك أنت بدون هذا التتبع تقول ذلك صادق وهؤلاء يلزمون الصدق، والحال أنه نُص على عدم صدقهم ووثاقتهم، وهؤلاء من دون أن تبحث تقول أن الروافض مثلاً يلزمون التقية - إذا يلزمون التقية من دون كذب فهذا لا يخدش في الإنسان لابد أن يكون يكذب وبالتالي لا تعتمد عليه، ففي أصل هيكلة وضع الكتاب - هؤلاء العلماء ممن ذكرنا أسمائهم وكتبهم - يناقشون في كتبهم ما هو الميزان الذي يجعلك تقول أن هؤلاء الفئات الأربع أو الخمس يلزمون الصدق، هذا كأن يأتي شخص ويقول بأن أهل هذه البلده لازمون للصدق، قيل له غير صحيح هذا، فمهما كانت هذه البلدة صغيرة إلا أن تتبع واحداً واحداً وتجربهم وترى يصدقون أو لا، فكيف أنت إذا تريد أن تحكم على فئة زمان أمير المؤمنين كالخوارج مثلاً إلى زمان البخاري، مئات الألوف، هل تتبعهم حتى رأى بأنهم كذلك، نواصب نفس الكلام وقدرية نفس الكلام، هل تتبعتهم حتى ثبت لك أنهم لا يكذبون وتتبعت الروافض كما تقول منذ زمان أمير المؤمنين إلى زمانك - 200 سنة - مئات الآلاف يوجد منهم تتبعتهم بالفعل ورأيت أن هؤلائك يكذبون! هذه مجانبة للانصاف يقوم عليها الأساس الهيكلي للكتاب، هذا على الأقل بحسب نقل الذهبي وبالفعل هو أقل من نقل الروايات كما قال الذهبي أنه لم ينقل عن الرافضي، هذا أولاً. 

ثانياً، في نفس الباب أيضاً - باب السند - أنه اجتنب النقلَ عن أئمة أهل البيت عليهم السلام طُراً إلا في بعض الموارد الخادشة - هذا حسب ما نقل هؤلاء العلماء - اسمعوا إلى ما جاء في كتاب الشيخ السُبحاني وهو أيضاً موجود في أضواء على الصحيحين وموجود أيضاً في سائر الكتب الأخرى، لكن أنا أقرأ عبارة هذا الشيخ، يقول لم يروِ البخاريُ عن الإمام الصادق حتى حديثاً واحداً! هذا الإمام جعفر الصادق الذي ملأ الدنيا علماً واللي عدد من أئمة المذاهب أخذوا عنه وتتلمذوا على يديه لم تأتي له رواية واحدة في الصحيح، فيما روى - يقول الشيخ السبحاني - عن الخوارج المعادين لأهل البيت ومنهم عمران بن حطان، عمران بن حطان معروف من الخوارج مَدَحَ عبد الرحمن بن ملجم في قصيدة على أثر ضربته لعليّ بن أبي طالب، وقال عمران بن حطان في حق عبد الرحمن ابن ملجم: يا ضربة من تقيّ ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لاذكره دوماً فأحسبه أوفى البرية ميزانا.. هكذا! بمعنى أنه عندما أتذكر هذا أرى أنه أكثر الناس ميزانه راجح، لماذا؟ لأنه ضرب علي ابن ابي طالب في محراب صلاته، فبدل ما احنا ننقل ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين يجب أن ننقل أن ضربة عبد الرحمن بن ملجم هكذا هي تجعله أثقل الناس ميزاناً يوم القيامة، هذا كلام عمران بن حطان وقد رُويّ عنه في الصحيح بينما تركت الرواية عن جعفر بن محمد الصادق، هل هذا يتناسب مع الإنصاف؟

وأيضاً رُويّ عن مروان بن الحكم، مروان بن الحكم فيما رُويّ عن زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله عائشة أنها قالت: إني لأشهد أن رسول الله قد لعنك وأنت في صلب أبيك، حسناً وفي مكان آخر: إنما أنت فَضَضٌ من لعنةِ رسول الله، هذا يُنقل عَنه في الصحيح بينما تُترَك الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام! هذا أمر جداً في غاية الغرابة ولا يفيد بعض الدفاع الذي قال به متأخرون عن هذا الأمر - الأمر مسجل لذلك انبرى بعض الجماعة للدفاع عنه -  بعضهم قال نعم لأن جعفر بن محمد ليس بمُحدّث وإنما هو فَقيه، وهذا البخاري إنما يَنقُل عن مُحَدثين، عجيب! مروان بن الحكم مُحَدّث وجعفر بن محمد ليس بمُحدثاً! ما كان يَنقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله! ماكان يَنقل عن أبيه الباقر! حتى أنت لا تعترف به كإمام صحيح ولكن ما كان يَنقل عن أبيه وأبوه ينقل عن جابر بن عبدالله وجابر ينقل عن رسول الله! ماكان في كل ما أُثِر عنه - الإمام الصادق عليه السلام - آلاف الأحاديث لا يوجد ولا حديث واحد عن رسول الله يستحق أن ينقلَ! هذا أمر مثير للاستغراب، يقول أيضاً بل إن البخاريَّ خرّج عن رواة رَووا عن الإمام الصادق مثل عبدالوهاب الثقفي وحاتم بن اسماعيل ومالك بن أنس وهؤلاء كانوا مشايخ عِلمٍ للبخاريّ، لكن البخاري الذي نَقلَ عن هؤلاء لم يَنقل عن أستاذهم وشيخهم وهو الإمام الصادق وهم قد نقلوا عنه! في روايات أخرى نقل عنهم لم ينقلوها عن الإمام الصادق، حسناً، مع أنهم هم نقلوا عن الإمام الصادق عليه السلام، ويزيدُ الطينَ بِلة ما قاله في كلامه الآخر، يقول بل إن البخاريّ ومسلماً لم يُخرّجا ولا حديثاً عن الإمام الحسن، الإمام الحسن صحابي أم لا! سمع عن رسول الله أم لا! بقي معه على الأقل 7 سنوات، ولا الإمام موسى بن جعفر ولا الإمام علي بن موسى الرضا ولا الإمام محمد الجواد ولا الإمام علي الهادي ولا حتى الإمام العسكري المعاصر للبخاري ولا حتى عن أبنائهم، لنفترض أن مدرسة الخلفاء لا تتعامل معهم على أنهم أئمة معصومون، ألا تقبلهم حتى بمقدار راوي يروي الحديث ولا يكذب فيه، أم ليس لديهم أي حديث يسندونه عن رسول الله صل الله عليه وآله، بل حتى عن أبنائهم، الإمام زيد بن علي بن الحسين هو ليس محسوب على الإمامية بل مسحوب على أنه إمام الزيدية، وأخذ العلم ليس فقط عن أبيه علي بن الحسين وأخيه الباقر وإنما أخذ عن آخرين من المدرسة الأخرى، ولذلك ترى مدرسة الخلفاء أن أقرب الشيعة إليهم هم أتباع زيد، هذا كان من أعلام الفقه - تحدثنا عنه ذات مرة في حديثنا عن تاريخ المذاهب - لم ينقل عنه شيئ، ولا عن الحسن بن الحسن المثنى أيضاً هذا من الرُواة وبينه وبين الرسول صلى الله عليه وآله فقط واسطة واحدة وهي أبوه الحسن ومن التابعين ومُحدث، وهذا ما ادعى الإمامة ولا يعتبر إمام إذا أنت خائف لمى تنقل عن هذا وتعزز موقع الإمامة فهذا ليس إمام ولا ادعاها أصلاً، حسناً فلم يُنقل عنه ذلك، لا عن هذا ولا عن ذاك في أي موردٍ من الموارد. أين الذي نُقل في الصحيح عن الأئمة عليهم السلام؟ يُقال مورِدان - وهو مشهور - المورد الأول عن الإمام زين العابدين - ماشاء الله أتت السالفه الحمدلله - ماذا نُقل عن علي بن الحسين زين العابدين في الصحيح؟ نُقل فيه أن علياً وفاطمة كانا لا يستيقظان لصلاة الفجر فجاء النبي وأخذ يتكلم مع علي بن أبي طالب في ذلك وعليٌ يردُ عليه فنزلت الآيه: (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) (54) الكهف، هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب! عجيب! لم يكن هناك رواية عن  زين العابدين إلا أن علياً وفاطمة ماكانا يستيقظان للصلاة، وإنما إذا النبي نصحه بأن يستيقظ للصلاة لا تتأخر ولا تطوفك الصلاة، فيقوم بمناقشته ويرد عليه وجوابه حاظر عليه! هل هذا من الإنصاف مع عترة رسول الله صل الله عليه وآله، هذا مع حديث الثقلين يجعلها الثقل الآخر مع القرآن وعديل القرآن فإما لا ننقل عنهم أي حديث وإما إذا نقلنا عنهم حديثاً يتيماً ننقل مثل هذا الحديث، أو حديث آخر أيضاً عن زين العابدين أنه حمزة بن عبد المطلب لما هاجر وهاجر النبي إلى المدينة وكان جالسا حمزة مع جماعة فأديرَت كؤوس الخمر وسكر وأخذ يهذي ثم قام وكان هناك إبل - كان نصيب علياً من إحدى الغزوات - فشق حمزة بطنه باعتبار أنه كان - أعوذ بالله - سكراناً فأتلفه، فلما اشتكى عليّ لرسول الله جاء الرسول وأخذ يتحدث معهم فرد عليه حمزة بأنكم إنما أنتم عبيد لي، إذاً ما هي المصلحة - إذا تنزلنا - ما هي مصلحة أن ينقل زين العابدين هذين الحديثين عن جده عليّ و جدته الزهراء وعن عمي حمزة؟ تشجيع مثلاً على ترك الصلاة والاستيقاظ أو ماذا؟ 

فإذاً يوجه هؤلاء المؤلفين وغيرهم الملاحظة الآتيه وهي أنه في الوقت الذي نُقل عن مثل عمران بن حطان ومثل مروان بن الحكم تم اغفال وتجاهل الرواية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام عن أبنائهم وفي الوقت الذي نُقل وإنما نُقل مثلُ تِلك الأحاديث،  هذا أمر آخر في قضية الأسانيد، وفيما يرتبط بموضوع المُتون أيضاً يوجه الإمامية بعض الملاحظات، الملاحظة الأولى أن هناك أحاديث في الصحيحين لا تتناسب مع ما هو مؤسس في العقائد من أدلة عقلية تبرهن على أن الله عز وجل ليس كمثله شيء وأنه لا تعتريه العوارض وأنه لا تدركه الأبصار وأنه وأنه.. بينما نجد في هذين الصحيحين أو في بعضهما ما يخالف هذا الأمر، حديث رؤية الله يخالف لا تدركه الأبصار، حديث أن الله يضحك لعبدين يخالف أن الله لا تعتريه العوارض، أنا أنفعل مرة فأبكي، وأفرح فاضحك، واستغضب فاغضب، وتظهر عليّ هذه الآثار فإذا ضحكت وجهي ينشرح وماشابه ذلك إذا غضبت وجهي يتجهم، وإذا حزنت انكمش، العوارض هذه تؤثر فيّ، أما الله سبحانه وتعالى هل تؤثر فيه هذه الأمور! كلا، حسناً، حتى لو فرضنا جاءت روايات من هذا القبيل نأوّلها، مثلاً يرى المؤمنون ربهم نقول المقصود الرؤية القلبية ويشير الى ذلك القرآن الكريم: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)النّجم-آية11، وإذا قضية الفرح والغضب وما شابه ذلك نأوّلها بما لا ينتهي إلى تأثر الله بهذا المعنى الذي نعرفه من الضحك ومن الغضب ومن الحزن، يقولون لا، أتباع المدرسة يقولون نحن نحمل الألفاظ على ظاهرها، ما هو الضحك؟ هو حالة تعتري الإنسان على أثر تعجبه من  شيءٍ من الأشياء فيضحك والله يحدث له هذا، كيف؟ يقولون لا نعلم! ولكن هذا لا يتناسب مع ليس كمثله شيء،  صار الآخرون مثل الله، كما هو يضحك وهم يضحكون، غاية الأمر هذا يضحك بكيفية وذاك يضحك بكيفية أخرى، لا فنحن نقول "ليس كمثله شيء" يعني ما يطرأ علينا من التعب والراحة والضحك والحزن والغضب وما شابه ذلك لا يطرأ على الله سبحانه وتعالى، بل في بعض الكتب - وليس موجود في الصحيحين - في كتب أخرى كما هو في معجم الطبراني لما فرغ الله من الخلق استلقى ووضع رِجلاً على رِجل، هذا ليس موجودا في الصحيحين لكن هذا الفهم خاطئ لما يرتبط بمبدأ الخلق وهو الله سبحانه وتعالى، ليكون الناقل ثقة وصادق، ولكن هذا يتعارض مع العقل ويتعارض مع القرآن الكريم، لابد أن هناك مشكلة في هذا الحديث، هذا أولاً، الإمامية يقولون هذا بالنسبة الى قسم من الروايات أنها تُعارض تنزيه الله وتنتهي الى التجسيم والتشبيه فلا يمكن أن تكون مقبولة. وكذلك الحال بالنسبة إلى ما يرتبط بشؤون نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله، مثل ما وَرَد أنه النبي في أول البعثة لم يكن يعلم أنه نبي وتبين له بعدما أكد له ورقة بن نوفل وزوجته خديجة بأنك نبي وهذا اسمه الوحي ويأتي من السماء وما شابه ذلك بعدها عرف أنه هو نبي، وقد كذّب مثلَ هذا النحو من الروايات أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم في رواياتهم، وهكذا أحاديث من التي ترتبط بشخصيته المعظمة المكرمة لا تتناسب مع هذا التعظيم والتكريم الذي أكرمه الله به في كتابه وجعله خير خلقه، لذلك يعترضون عليها الأماميه أيضاً، ومن ذلك ما يرتبط بإغفال ذكر فضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام والأحاديث المهمة المشهورة كحديث الثقلين مثلاً وحديث المنزلة وحديث أنا مدينة العلم، وأمثال ذلك، المشكلة هنا أن قسماً من أتباع المدرسة فيما بعد أتوا وقالوا أن الدليل على أن هذه الأحاديث ضعيفة انها لم تذكر في كتابيّ الصحيحين، حسناً إذا كان هناك تعمد لإغفالِها بمعنى أن صاحب الكتاب يعلم بوجوده ومع ذلك تركها فأنت تستطيع أن تستدل، بهذا الوقت نأتي إلى كيف يمكن لمحدّث محيط بهذا المقدار وعارف بالأحاديث مع وجود هذا المقدار من الأسانيد المعتبرة، نفس الذهبي الذي هو من أئمة الحديث والرجال وفي الرجال هو أكثر، يقول أنا رأيتُ كتاب الطبري في حديث الغدير فوجدته كتاباً كبيراً جاءَ فيه بالأسانيد الكثيرة لهذا الحديث، ويشير إلى أنه اقتنع به، بهذا المقدار من الروايات والأسانيد عمل علمي ضخم، صاحب صحيح البخاري 310هجرية والطبري 256 هجرية، المسافه ليست ببعيده بينهما، فالروايات هذه وأسانيدها موجوده في ذلك الوقت، أترى من المعقول مثلاً أن صاحب الصحيح لم يطلع على هذه الأسانيد، فهذا يعتبر مشكل في التتبع، أم اطلع عليها واعتبرها كلها غير صحيحه، وهي تزيد على 100 طريق كلها لم يجد فيها طريق صحيح عند صاحب الصحيح، هذا أيضا أشكل، حتى لو كانت كلها غير صحيحه، عندهم هم أن هذا الحديث يعتضد بغيره، يعضد بعضها بعضا، فيأتي الإماميه يتساءلون بتعجب عن هذا الأمر، لا سيما عندما يرون أن الحاكم النيشابوري - أبو علي الحاكم - في كتابه المستدرك على الصحيحن، أورد هذه الأحاديث وغيرها من الاحاديث واضعافيها بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين، أن هذا مثلاً الحديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، ولذلك صارت مشكله مع هذا الحاكم النيشابوري، فلذلك بعضهم اتهمه بالتشيع وبعضهم اتهمه بالتساهل، التشيع يعني أن لديه ميل لعليّ بن أبي طالب ويفضله على مخالفيه ويفضله على مثلاً الخليفة الثالث، لا أحد يدعي أنه متشيع بالمعنى الأول الذي يفضله على الخليفة الأول والثاني لكن قالوا هذا متشيع ولذلك عبر هذه الاحاديث، تعالوا قيسوا رجال هذه الأسانيد بمقاييس الصحيحين، سوف ترونها أنها صحيحة على المقياس فلماذا لم تُخرّج في كتبهما، هذا أيضاً سؤال يثيره أتباعه الإماميه ولاسيّما من ذكرنا أسماءهم في كتبهم حول هذين الكتابين، ولا يوجد هناك جوابُ، يوجد قسم قالوا هكذا، حسناً، في الصحاح لم يَنقل أصحاب الصحاح عن هؤلاء، انتم ايضاً في الكافي لم تنقلوا عن رجالنا ولا عن الصحابة المرضِيين في مدرسة الخلفاء، ولم تنقلوا أيضاً فضائل لهؤلاء الأصحاب وخلفاء رسول الله فلماذا تعاتِبوننا بأمر أنتم تقومون به؟ سؤال لا بأس به، الجواب: جواب الفرق بين الصحيحين وبين مثل الكافي وأمثاله، الصحيحان جُعِلا مما أجمعت علَيهما الأمة كلها، وجُعِلا سنة النبي وماقاله النبي وأن الذي يخالف هذا أو يرده فقد رَد سُنة النبي وهذا لكل الأمة وأجمعت عليه كل الأمة، فإذا أنت تقول هذا الكلام فتفضل انتقاد هذا الفريق وذاك الفريق لأن المفروض هؤلاء من الأمة وأن لهم الحق في أن يلاحظوا هذه الملاحظة أو تلك، أنت لا تقول هذا مثلاً كتاب الصحيح خاص مثلاً بالمذهب الحنبلي أو بالمذهَب الشافعي أو بالمذهب الحنفي، لا بل تقول أنه لكل الأمه وهذه هي سنة الرسول، هذا ماقاله رسول الله وقد أجمعت الامه عليه، صاحب الكافي لا يقول أن هذا لكل الأمة وإنما يقول هذا لِشيعة الإماميه لجماعة فرقة، ولا يقول أن الأمة اجتمعت عليه بل لا يقول ان الشيعه اجمعت عليه ولا يقول أن الذي يرد حديثاً فيه فقد رَد سنة رسول الله والمعصومين، لا، لكن أنت تلك الدعوة إما أن تسحبها وتقول بأن هذا الكتاب كسائر الكتب، كما ألّف غيره فيه الخطأ وفيه الصواب وفيه المنسوب حقيقة للنبي، فيه ما تم نسبته من غيره أن يتحقق ذلك و يجب على الكل أن يخضع إلى البحث والنقاش إذاً ليس لأحد كلام معك، وأنا أيضاً لا تُعاتب لماذا لم تنقل عن هذا ونقلت عن ذاك، أما إذا قلت هذا هو سنة النبي وقلت هذا اجمعت الأمة على صحته، هنا يصبح وقت كلام مونقاش وأخذ ورد، في مثل الحالة الشيعية لم يدّع أحدٌ هذه الدعوه، هذا الكتاب الكافي هو للشيعة وليس لغيرهم، ثانياً هذا لا يَدّعي أحدٌ أن الأمة أجمعت على صحته بل ولا كل الطائفة، المؤلف يقول أن هذا عندي صحيح، ماصَح بيني وبين الله،  إن كنت أنت تقلدني فالتزم به، وإن لم تكن تقلدني اذهب وابحث عن آخر يقلدني، حتى لو يقول أن هذا الكتاب فقط ثلثه صحيح فأنا لا يهمني ذلك، فالفرقُ في المسألتين موجود. نعم الأمامية يتساءلون لماذا لم يَتِم إنصاف أئمة الهدى عليهم السلام وهم في رأي الإمامية عِدل القرآن وفى رأى غيرهم المفروض أقل شيء أنهم علماء ومحدثون ثقاة، هذا أقل شيء، فكيف حتى بهذا المقدار لم يعاملوا معاملة عمران بن حطان ولم يعاملوا معاملة مروان بن الحكم، وليس فقط الأئمة بل ولا أبنائهم أيضاً حتى لا مثلاً يصبح له صيت ويُصبح كأنما نحن ندعم إمامته ونحن لا نعترف بإمامته، فحتى أبنائهم لم يرووا عنهم، فهذا الحسن المثنى - ذكرنا اسمه في الأثناء - الحسن المثنى يُلقب بالمثنى باعتبار حتى لا يختلط بأبيه ولا يختلط أيضاً بابنه، ابنه هو الحسن المثلث - الحسن بن الحسن بن الحسن - وهو المثنى، هذا كان يُفترض أن يكون من شهداءِ كربلاء ولكنه فقط جُرح وقطعت يده وأغميّ عليه، وفيما بعد أخذ أسيراً، تزوج ابنة الامام الحسين عليه السلام وعليها السلام - فاطمه بنت الحسين - وكان نسلُ الحسن منه ومنها، أحد خطوط نسل الإمام الحسن كان منه ومنها، فإنه قاتل في كربلاء بين يديّ الحسين وجُرح جراحات بليغة وأغميّ عليه فصار في الجرحى، ولكن لما انتهت المعركة عُرِفَ أنه لا يزال على قيد الحياة فأُخذ مع الأسرى، في الكوفة يوجد أحد أقاربه لأن أمه فزارية - خولة بنت منظور الفزارية أمه - وأحد بني فزاره كان له وجاهة وهو حسان بن خارجه الفزاري كان مع الأمويين وله وجاهة عندهم فتشفّع فيه وطلبه من ابن زياد وعمر بن سعد، فقال دعوا هذا لأسامة أو أسماء - أسمه أسماء وليس أسامة - وبالفعل خرج وعاش ونَسَل منه نسلُ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام فهو شارك في كربلاء ولكنه لم يستشهد، وكان عالماً من رواة الحديث مع ذلك لم يُنقل عنه، وهذا واحدً من أبناء الإمام الحسن.

عدة أشخاص كانوا في كربلاء من أبناء الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ومنهم المعروف القاسم بن الامام المجتبى عليه السلام الذي كان أصغر من أخيه الحسن المثنى وقاتل بين يديّ عمه الحسين سلام الله عليه على صِغَرِ سِنه، وعادةً الإنسان عندما يكون في ميعة الشباب وأوائل الحياة تعلقه بالعمر والدينا واستمرار الحياة يكون أكبر لكن هذا عندما سأله الإمام الحسين عليه السلام أنه كيف يرى الموت قال له فيك أحلى من العسل، ففعلاً برز إلى القتال مستأذناً عمه الحسين سلام الله عليه وهو يُنشد رَجزه المعروف..


سان صلاته..

في حين هناك حديث آخر يبين أن الأمر ليس على هذا النحو، حيث عندنا قاعدة أخرى و حديث آخر: { لا تعاد الصلاة إلا من خمس- اذا خمسة أشياء وقع الإخلال بها سهوا أو عمدا، نسيانا أو تذكرا، تعاد الصلاة و أما إذا أشياء أخرى فلا تعاد، مثلا  إنسان صلى و لم يقرأ الفاتحة، نسي قراءتها هل عليه الإعادة؟ كلا، قرأ الفاتحة مرتين سهوا هل يجب عليه الاعادة؟ كلا، لم يقرأ السورة أو زاد سورة من غير عمد؟؟ هل يجب عليه الإعادة؟ كلا، و عليه ذلك الذي يقول : {من زاد في صلاته فعليه الإعادة} ليس في كل مكان و إنما  في أماكن معينة، هذه استنتاجها من أين يعرفه الإنسان العادي؟ لاسيما مع انشغالاته اليومية، الآن نحن نلاحظ في الحياة العامة، الناس لكثرة انشغالاتهم الدنيوية تقول له الحكم جاهز- مقشر، بارز- مع ذلك ينساه، تقول له راجع الوسائل و الكافي و اقرأ باب الصلاة، لعل هذا الحديث يقيده حديث آخر، ينسخه حديث آخر، يخصصه حديث آخر، هذا غير ممكن لأكثر الناس، بل في كثير من الأحيان ينتج أخطاءا، لماذا لأن هذا الموضوع من أعقد المسائل الأصولية و الفقهية ، أنه كيف نعالج الاختلافات بين الأحاديث، لأنه هناك إختلافات بين  الأحاديث، هناك أحد العلماء كتب كتابا قيما و متينا اسمه الشيخ محمد اللنغرودي باللغة العربية و ان كان المؤلف ليس عربيا، عنوان الكتاب: "أسباب إختلاف الحديث" ثمان مئة ٨٠٠ صفحة، ذكر فيه ثمانين ٨٠ سببا من أسباب إختلاف الأحاديث، و أورد على كل سبب شاهدا أو شواهد، بعضها بناءا على قضية التقية، حديث قيل تقية، ذلك الحديث لم يقل تقية، وقع اختلاف بين الحديثين، عندما يكون أمامك حديثين متعارضين ماذا تصنع بهما؟ يجب  يكون لديك خبرة في باب التقية. كنا يذكر من الأسباب و من غيرها، إختلاف القرائن الموجودة، يعني ذلك الحديث فيه قرينة موجودة، هذا الحديث قرينته ليست نفس تلك، كما يذكر من الأسباب إختلاف مراتب الخطاب، الإمام عليه السلام يتحدث بمرتبة و الإمام الآخر عليه السلام يتحدث بمرتبة أخرى، هذا ناسخ وذاك منسوخ، هذا خاص و ذاك عام و على هذا المعدل، إذن أمام هذا العدد الكبير من أس

مرات العرض: 3436
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 57338.51 KB
تشغيل:

ما قصة الاسرائيليات في الحديث 25
كتاب الله وعترتي أو سنتي 26