التعريف بالمصادر الحديثية الاربعة 11
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 11/9/1442 هـ
تعريف:

14/ التعريف بالمصادر الحديثية الشيعية الأربعة

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

     روي عن سيدنا أبي جعفرٍ الباقر صلوات الله عليه أنه قال : ( لحديثُ في حلالٍ وحرام تصيبه من صادقٍ خيرٌ لك من الدنيا وما فيها ) 

    حديثنا بإذن الله تعالى يتناول عرضًا ميسرًا عن المصادر الحديثية الشيعية الأربعة : الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب والاستبصار .

    وكنا قد تحدثنا عن موضوع التدوين للسنة في الدائرة الإمامية وقلنا أن ما تمتاز به مدرسة أهل البيت عليهم السلام أنها لا تعتبر السنة النبوية قد انقطعت بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما نظرًا لوجود الأئمة من بعده وهم حملة علمه وخلفاؤه عليهم السلام فإن هذه السنة جارية على ألسنتهم وباقية في أحاديثهم . فتارة المعصوم ينسب الحديث إلى رسول الله من خلال ذكر آبائه الكرام إذا اقتضت الأحوال والظروف والمناسبة ذلك وأخرى وهو الأكثر يعتمد فيها على قاعدة تأسست وهي أن ما يقولونه إنما هي أصول علم توارثوها عن رسول الله (ص) وأن حديث كل واحد منهم هو حديث آبائه عن رسول الله . وبهذه الطريقة حفظت سنة النبي في ألسنتهم ومن خلال أقوالهم . وتعرضنا إلى مسألة التدوين التي استمرت وتواصلت إلى زمان غيبة الإمام المهدي الصغرى وبدايات الغيبة الكبرى فكانت الكتب والأصول والمصنفات الحديثية قائمةً وموجودةً ومتوارثةً من يد راوٍ إلى يد راوٍ آخر . وأهمها كان فيما ذكرنا هو الأصول الأربعمائة وذكرنا فكرةً بسيطةً عن هذه الأصول وأكثر الأقوال في موضوع الأصل هو أن يرويه الراوي مباشرةً عن الإمام مع أن هناك تعاريف وتوجيهات أخرى للفرق بين الأصل والكتاب إلا أن هذا هو المشهور . فعندما يقال أن أصل حريز السجستاني معنى ذلك ما استلمه هذا الرجل من الأحاديث مباشرةً من الإمام الصادق عليه السلام . وعندما يقال مثلَا أصل الحسين بن سعيد الأهوازي وكان له عدد كبير منها فإن معنى ذلك الأحاديث التي أخذها مباشرةً من الإمام الجواد عليه السلام هو وأخوه الحسن الأهوازيان وهكذا تجمعت هذه الكتب وهذه الأصول وهذه المصنفات وهيأ الله سبحانه وتعالى لها من يعرف كيف يستفيد منها فكان أن جُمعت في مصنفات ومصادر رئيسية هي التي ستكون الكتب الأربعة والمصادر الأصلية للطائفة ومنها الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار .

   ونحن نشير لهذه الكتب وما الذي جرى فيها وشيء عن مؤلفيها للاطلاع ولتكميل البحث في موضوع تدوين السنة في الدائرة الإمامية .

   أول هذه الكتب كتاب الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني وكلين منطقة قريبة من الري والتي يوجد فيها مقام شاه عبد العظيم الحسني والقبور التي حوله فكانت تعرف بالري وكانت في تلك الأزمنة من المدن الكبيرة والمهمة والتي كان يطمع في استلام ولايتها عمر بن سعد والتي عندما ينسب إليها شخص معين تقول الرازي ومن ذلك الطبيب المعروف أبوبكر الرازي . محمد بن يعقوب الكليني رضوان الله عليه وهو أهم المحدثين والمؤلفين وأثبتهم وأضبطهم وأحفظهم للروايات جمع مادة هذا الكتاب خلال عشرين سنة تنقل فيها بين الري وقم وبغداد وهناك حديث مفصل أن المدرستين الأساسيتين في الحديث الشيعي تنتهيان إلى قم وإلى الكوفة وانتقلت مدرسة الكوفة في وقت متأخر إلى بغداد إما عبر الكتب وإما عبر الرواة فكان تركز العلم فيما يرتبط بالحديث في هاتين المنطقتين الكوفة ثم بغداد وقم . 

   والشيخ الكليني رحمه الله تنقل بين هذه المناطق الثلاث الري باعتبارها منطقته الأصلية وقم باعتبارها تحتوي على ثراء علمي وحديثي كبير جدًا من خلال الأشعريين القميين الذين نشروا العلم فكثيرًا منهم كانوا رواة يحملون علم الكوفة الذي نقلوه إلى قم . فتلاحظ أن كثير من الرواة ينتهي لقبهم إلى القمي وهكذا الحال بالنسبة إلى بغداد والتي انتقل إليها علم الكوفة باعتبارها أصبحت العاصمة الأساسية السياسية والعلمية بعد أن تراجع دور الكوفة فيما بعد زمان العباسيين بالتدريج لصالح بغداد .

   وهذا العالم الجليل بدأ بجمع هذا الكتاب وسماه الكافي . وهناك كلمة ربما تنقل هنا وهناك وهي كلمة يخالفها المحققون من العلماء وهو أن الإمام المهدي قال في شأن كتاب الكافي    ( أن الكافي كافٍ لشيعتنا ) طبعا الكليني وفاته كانت في زمان الغيبة الصغرى للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف فقد كانت وفاته سنة329هـ على الرأي المعروف وبالتالي فترة حياته كانت في فترة غيبة الإمام الصغرى وبالتالي فقد عاصر على الأقل السفير الثالث والسفير الرابع لكن الصحيح عند المحققين من العلماء أنه لم يتم عرض الكتاب على الإمام المهدي أو أنه قال أنه كافٍ لشيعتنا وإنما أحد العلماء رأى روايةً فاشتبه في المقصود منها وهذه الرواية في أحد تأويلات الحروف المقطعة في سورة كهيعص في ذلك المكان الإمام يقول الكاف هو الكافي لشيعتنا يعني هو الله سبحانه وتعالى والهاء هو الهادي لشيعتنا فهذا رمز من الرموز وأحد البطون وأحد التأويلات ويتحدث عن أن الله سبحانه وتعالى هو الكافي للمؤمنين وهو الهادي لهم ، فهذا العالم ربما عندما رأى مثل هذه الكلمة هو الكافي لشيعتنا اشتبه عليه الأمر فنقلها في بعض كتبه أن الإمام أيد كتاب الكافي والحال أن ذلك ليس مرتبطا بكتاب الكافي .

    هذا الكتاب فيه ميزات كثيرة جدًا ومن تلك الميزات أولًا : أنه ضخم الحجم وعدد أحاديثه عددٌ كبيرٌ جدًا قال بعضهم أنه يعادل ما وجد في الصحاح الستة لمصادر مدرسة الخلفاء مجموعًا يعادلها الكافي . لأن كتاب الكافي فيه ما يزيد عن ستة عشر ألف حديث وتلك الكتب عندما تجمع أحاديث النبي غير المكررة والتي هي مروية عن رسول الله ففي تلك المصادر أحيانًا ينتهي الحديث عند أنس بن مالك فلا يقول مثلًا قال رسول الله أو عند ابن عمر فيقول كان ابن عمر يقول كذا وكذا ، أو فلان من الصحابة يصلي بهذا النحو أو يقول كنا نقول خلف رسول الله آمين .... فهذه أحاديث ليست منسوبةً بشكل مباشر لرسول الله ولكن بناءً على نظرية مدرسة الخلفاء قالوا ليس معقولٌا أن واحدًا من الصحابة يقول شيء من نفسه فلا بد أن يكون قد سمعه من رسول الله حتى لو لم يكن قال عن رسول الله أو حدثني رسول الله أو سمعت من رسول الله . فإذا تستثني هذه الروايات الموقوفة وغير المنسوبة لرسول الله من جهة وتستثني أيضًا المكررات منها عندئذٍ لا تصل إلى عدد أحاديث الشيخ الكليني في كتابه الكافي التي تزيد عن ستة عشر ألف فبعضهم قال ستة عشر ألفًا ومائة واثنين وعشرين وبعضهم قال أقل وسبب الاختلاف في عدد هذه الروايات لجهة فنية إن صح التعبير . فمثلًا إذا جاء حديث واحد بسندين نحسبه واحد أم اثنين ؟ فمثلًا لو أتى شخص وقال يوجد مطر في الخارج وأتى شخص آخر وقال يوجد مطر في الخارج فهل يعتبر هذا خبر أم خبرين ؟

إذا نظرنا لجهة المضمون يعتبر خبرواحد أما إذا نظرنا لناقل الخبر يعتبر اثنين فمثلًا رواية لا تعاد الصلاة إلا من خمس إذا نقلت بسند واحد تحسب رواية واحدة لكن إذا نقلت بسندين أو بثلاثة أسانيد ، فهل نلاحظ السند فيصير أكثر من واحد أو نلاحظ المضمون فيصير واحد .

لكن الإجمال في نحو ستة عشر ألف حديث تقريبًا .

   هذه الأحاديث الكثيرة توزعت على ثلاثة أجزاء وعناوين أساسية جاءت في باب العقائد ويسمى بالأصول من الكافي أو أصول الكافي يعني أبواب العقائد فالكليني بدأ أولًا بمبحث التوحيد : توحيد الله عز وجل وصفاته وكيف يستدل عليه والروايات التي وردت والمناظرات وذكر ما يرتبط بأفعال الله عز وجل وقضايا القدر والمشيئة وما شابه ذلك مما يرتبط بمبحث التوحيد .

ثانيًا : ما يرتبط بالنبوة ولا سيما نبوة نبينا محمد (ص) وأيضًا تطرق لبعض النبوات الأخرى لكن التركيز كان على نبوة نبينا محمد وشيء من سيرته ومعاجزه ومناقبه وشيء من تاريخه وما يرتبط بشخصيته صلى الله عليه وآله .

والقسم الثالث : يسمى بمباحث الحجة وهو يرتبط بقضية الإمامة باعتبار أن الأئمة هم حجج الله على الخلائق بعد النبي (ص) وهو بابٌ طويلٌ ومفصلٌ جدًا  ولا يوجد في أي كتاب مثل ما يوجد فيه من الروايات والأحاديث وكل من جاء بعد الكليني كان عيالا عليه وكان آخذًا منه ، فخدمته في هذا الجانب موسوعة عقائدية حديثية مهمة ومفصلة جدًا فيما يرتبط بالأئمة وعلمهم والنص على إمامتهم وأحوالهم مع خلفائهم وبالتالي سيرة الإمام عليه السلام موجودة هناك . وأيضًا فيه ذكر للقرآن الكريم وباب خاص بالقرآن وما يرتبط به وباب باسم الإيمان والكفر وبشكل عام هذا الجزء يرتبط بموضوع العقائد فبدأ بالتوحيد ثم النبوة ثم الإمامة ثم قضية القرآن الكريم وهي تشكل المنظومة العقدية للإنسان المؤمن . وهذا نسميه قسم الأصول لأن العقائد بالقياس إلى الفقه أصلٌ وفرع . فالفقه نسميه فروع لكن العقائد هي الأصول وهي الأهم فإن الإنسان إذا كان خاطئًا في معرفة ربه سبحانه وتعالى ماذا ينفعه إذا صلى صلاة مضبوطةً في مسألة فقهية ؟! والحال أن مسألته العقائدية في معرفة الله غير صحيحة وهكذا بالنسبة إلى رسول الله وفي اعتقادنا الإمامية بالنسبة إلى المعصومين عليهم السلام .

   القسم الآخر هو ما ذكرنا الفروع وهو كتاب الفقه من باب الطهارة إلى أبواب الديات ، يعتمد على ذلك علماء الطائفة في الاستدلال والاستنباط نظرًا لأنهم يصفون الكليني بأنه أضبط وأثبت المحدثين بالنسبة له الحرف له قيمة كبيرة وخصوصًا أنه ركز جهده في هذا الكتاب بينما باقي العلماء توزعت جهودهم على كتب متعددة ومن الطبيعي أن الإنسان إذا ركز جهده في باب واحد وكتاب واحد سيكون أكثر تركيزًا ودقةً مما لو كان جهده موزع على عشرات الكتب هذا من الكافي الفروع وعنده قسم الروضة من الكافي وهي على الصحيح جزء من الكافي وفيها مواعظ أخلاقية ومواعظ دينية ونقل فيها بعض مواعظ رسول الله (ص) لأصحابه وبعض مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة المعصومين ذات منحى وعظي وأخلاقي وتربوي نفسي تسمى بالروضة بالإضافة إلى أشياء أخرى فسميت الروضة فالروضة عبارة عن بستان فيه أشجار متعددة نافعة لكن لا ينظمها واحد كأن تكون فيها شجرة تفاح وبرتقال وشجرة ورد .

   هذا بالنسبة لكتاب الكافي وهو عمدة الكتب . هل كله صحيح ؟ ماذا فيه وماذا عليه ؟ هذا سيكون محل بحث في وقت آخر .

   الكتاب الآخر هو كتاب ( من لا يحضره الفقيه )  وهناك كتاب طبي مشهور للرازي وهو من نفس البلدة الري اسمه ( من لا يحضره الطبيب ) وهو مثل الدليل الطبي .

لما سافر الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي هذا الرجل من قم والمعروف أنه وُلد بدعاء الحجة صاحب العصر والزمان . لأن والده علي بن الحسين كان أيضًا فقيهًا ومحدثًا معروفًا وعنده كتب لكن ليس كاشتهار ابنه ، ووالده بقي فترة طويلة لم ينجب إلى أن كبر ، قيل فكتب رسالةً عن طريق السفير الثالث للإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف في زمان الغيبة الصغرى فيها مسائل شرعية وفيها طلب موعظة ونصيحة وفيها طلب أن يدعو الإمام له بالذرية . فجاءه الجواب منه ما هو توجيه ونصيحة التي منها ورد فيها التأكيد على صلاة الليل ثلاث مرات ( وعليك بصلاة الليل ، وعليك بصلاة الليل ، وعليك بصلاة الليل ) وجاء أيضا جواب على مسألته الفقهية وإخبار أنه دعا الله سبحانه وتعالى له وأنه سيرزق ولدًا من جاريةٍ أخرى ديلمية ، يعني أن زوجتك هذه لن ترزق منها بولد والجارية الأخرى تلك هي التي سترزق منها الولد . وفي ذلك الوقت لم يكن عنده جارية لاديلمية ولا غيرها ، لكن مرت الأيام وتحقق هذا الأمر وأنجبت الجارية الديلمية مولودًا كان هو محمد بن علي بن بابويه القمي وكان بعض أساتيذه عندما يرى شغفه بالعلم وحفظه للحديث يقول لا غرابة في ذلك فإنك قد ولدت ببركة قائم آل محمد . المهم أنه محمد بن علي القمي هو المعروف عندنا بالشيخ الصدوق سافر ذات مرة إلى منطقة بلخ وقد كان فيها علماء كبار حتى في المعاصرين فمثلًا ينقل بأن الشيخ محمد كاظم الآخوند يقال له الخراساني ولكن خراسان ذلك الزمان غير خراسان هذا الزمان فقد كانت تشمل أفغانستان والآخوند من هرات وهي بلدة أفغانية . وقضية العلم ليست مقصورة على أهل فارس ولا على العرب وإنما هي نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء . فمتى ما اجتهد الإنسان صار عالمًا فلا ربط بين كونه عربي أو فارسي أو هندي أو أفغاني . 

    المهم أنه ذهب إلى بلخ في طلب الحديث أو غيره فرآه رجلٌ هناك من شيعة أهل البيت عليهم السلام وقال له أنه يوجد كتاب معروف اسمه ( من لا يحضره الطبيب ) فلو كتبت كتابًا في الفقه على نمطه كان نافعًا فنحن لا نجد دائمًا عالم الدين والمرجع لنسأله ونستفتيه فلا أقل هذا الكتاب إذا كان موجود نستنسخه مثل رسالة عملية فإذا اعترضنا أمرٌ شرعيٌ رجعنا إليه . فاستحسن الصدوق الفكرة وكتب كتابًا بهذا النحو ( وهذا يبين أن الاقتراح الجيد والحالة الإيجابية للإنسان لها أثر كبير ، فنحن الآن في سنة 1442هـ ومؤلف الكتاب توفي سنة 381هـ والاقتراح قد يكون مثلًا في سنة 350هـ لا نعلم ولكن نعلم أن هذا الاقتراح والذي هو من رجل عادي ولكن كان حالةً إيجابية ، فهناك قسم من الناس شغله التبرم والتسخط والنقد ، لماذا لا يوجد عندنا كذا وعند غيرنا كذا ..... قدم اقتراح مناسب وإذا عندك قدرة ادعم ذلك الاقتراح وشجع غيرك . هذا اللي ينتج شيئًا بعكس ذاك الذي لا يجيد سوى التبرم والتسخط والانتقاد وفي الإيجابية قد لا تجد عنده كلامًا ) فنحن نقول لاشك ولا ريب أن الذي أسس الفكرة واقترح على الشيخ الصدوق هذا الأمر إلى اليوم يحصل على ثواب إرشاده واقتراحه وفكرته وتحريضه للشيخ الصدوق والشيخ هو أيضًا باعتباره القائم على هذا الأمر له الثواب الأكبر . فكتب كتابًا فقط في الفقه وهذا فرق بين كتاب من لا يحضره الفقيه والكافي ، فالكافي جزء منه فقه وهناك جزآن آخران أما هذا فكله فقه من أوله لآخره كتب فيه حوالي خمسة آلاف وتسعمائة وعشرين حديثًا واعتبرها حجةً ما بينه وبين ربه . يعني يقول هذا هو الذي أعتقده سليمًا وصحيح وأنا أطبقه بنفسي . فالإنسان بشكل طبيعي إذا طبقه فسيحتاط أكثر ( هذه الأحاديث تارةً تكون حديث ونص وتارةً تكون استنباط واستنتاج واجتهاد وإفتاء وفي هذه الأمور لا يهمنا كلام العلماء السابقين إنما نأخذ بكلام من نقلده في هذه الأيام . لذلك ممكن أن يقول أحدهم كيف توجد في كتاب الصدوق الرواية فيها كذا وكذا وهي تخالف ما عليه الطائفة ؟ هذا كرأي عنده وتكليفي أن أبحث عن رأي مرجع التقليد الذي أقلده في هذا الزمان فإن كان يفتي بنفس الفتوى أتبعه وإن كان لا يفتي بنفس الفتوى لا أتبع ما كتبه الشيخ الصدوق . 

    هذا بالنسبة للكتاب الثاني والكتاب الثالث والرابع هما معا للشيخ محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة الطوسي واللطيف أن هؤلاء جميعا يبدأ اسمهم بمحمد ولذلك عندما يذكرون يقال كتب المحمدين الثلاثة ، أو الكتب الأربعة للمحمدين الثلاثة : محمد بن يعقوب الكليني ومحمد بن عي بن بابويه الصدوق ومحمد بن الحسن الطوسي .

   شيخ الطائفة الطوسي والذي بقي هذا اللقب له منذ ألف سنة تقريبًا والذي كانت وفاته سنة أربعمائة وستين هجرية وإلى الآن ما يقارب ألف سنة مر فيها آلاف العلماء وعلى مراتبهم العلمية العالية لكن بقي لقب شيخ الطائفة للطوسي عليه رحمة الله . فعندما تذكر في أي مكان شيخ الطائفة فإنه يعني الطوسي .

    وقد كان عالمًا من الفحول وهذا اللقب ما جاء بالمجان ، فله كتب كثيرة جدًا في مختلف المجالات فيندر أن يكون هناك باب من أبواب العلم الإسلامي لا تجد لشيخ الطائفة فيه كتابًا أو كتبًا مثل التفسير والفقه بأنواعه المختلفة رسالة علمية وفقه مقارن وفقه استدلالي وهو أعجوبة في إحاطته  بمذاهب الخلفاء في كتابه ( الخلاف ) وإذا تريد مسائل مختصرة موجود أو تفصيلات وتفريعات فقهية لديه كتاب في عشرين مجلد وفي الرجال عنده وفي الأصول عنده وفي الأحكام عنده وفي العقائد وفي مختلف الأبواب ، لكن أهم كتاب ( تهذيب الأحكام ) والمعروف بالتهذيب . وهذا بدأ فيه من عمر خمس وعشرين سنة مما يدل على نبوغه وكان تلميذًا  للمفيد فبدأ في شرح كتاب أستاذه المفيد والمسمى ( بالمقنعة ) من الاقناع وهو كتاب فقهي شامل من باب الطهارة إلى باب الديات لكن بدون أدلة فجاء الطوسي وكتب استدلالًا عليه في كل ما ورد من كل حكم في الروايات فمثلًا في موضوع الطهارة هل يلزم الماء الكثير أكثر من مرة أو مرة واحدة هنا لا بد أن تكون هناك رواية في هذا الأمر ، وهل في كل شيء أو لا كما في البول خصوصًا فهذا يحتاج لبحث واستدلال وروايات وأحاديث فأوردها شيخ الطائفة بما انتهى إليه من روايات يراها صحيحةً ودونها هناك باستدلال مفصل حتى قال بعض العلماء أ ي فقيهٍ لا يستطيع الاستدلال في الفقه من دون أن يعتمد على كتاب التهذيب لأنه يحوي أصول الروايات فإذا استثنيتها فعنده إحاطة بهذه الروايات فإذا استثنيت هذا الكتاب ربما تكون رواية فيها حكم موجودة في هذا الكتاب وأنت لم تطلع عليها فكيف تفتي وأنت لم تطلع على كل الروايات ؟ فألف هذا الكتاب واستمر فيه . وصارت له أيضا قضية معروفة فقد كان له من الجلالة والعظمة شأن إذ كان في زمانه زمن البويهيين بل حتى بعدهم كان له كرسي الكلام فقد أعطاه الخليفة العباسي والتي كانت في زمان البويهيين والسلاجقة كانت شيء رمزي  وليس حقيقي (مثل ملكة بريطانيا حاليًا ) يعني الحكام والمتنفذون هو الحاكم البويهي أو بعدهم السلجوقي لكن في خطبة الجمعة لازم يدعو لأمير المؤمنين فالاسم الرسمي هو لفلان لكن الفعل والحقيقة هو للحكام .وفي زمان البويهيين كان قبله الشيخ المفيد والشريف المرتضى كان لهم القدح المعلى . والبويهيون كانت عندهم حالة الانفتاح ، فتركوا الحالة الإسلامية منفتحة إلى درجة أن قاضي القضاة في زمانهم كان غير شيعي مع أنهم شيعة لكن المفتي الأعظم لم يكن شيعيًا فكانت عندهم هذه الحالة وازدهرت سوق العلم في بغداد لأن العلم يزدهر بهذه الطريقة أما إذا جعلت شخص واحد ومنهج واحد ومذهب واحد ومنعت ما سواه قلصت دائرة العلم . فبرز نجم شيخ الطائفة في زمانه وتألق حتى أن الخليفة العباسي في زمان البويهيين أمر بإعطائه ( كرسي الكلام ) وهذا مثل المنصب العلمي الأول في البلاد وكان يحضر درسه كما قالوا نحو ثلاثمائة طالب علم في الدرس الخارج البحوث العليا في الفقه وقسمٌ كبيرٌ منهم لم يكونوا من الإمامية لما كانوا يجدونه عنده من العلم والإحاطة بالمذاهب الأخرى .

    كل هذه الأمور انتكست عندما اقتحم طغرل بك السلجوقي بغداد في نحو سنة أربعمائة وسبعة وأربعين وقد كان السلاجقة جماعة عسكريون منهجًا ومتعصبون مذهبيًا وأسقطوا البويهيين وبدأوا من اليوم الأول في إقصاء سائر المذاهب وبعنف ، فأحرق كرسي الكلام الذي كان يدرس فيه شيخ الطائفة وأحرقت مكتبة سابور التي كانت كما كان يقول عنها الحموي وغيره ( مفخرة الدنيا ) وبعضهم قال أنه كان فيها نحو ثمانين ألف كتاب من أيام الشريف المرتضى والذي اشتغل عليها وجمع لها من الكتب ما شاء الله فأحرقت هذه المكتبة وهوجم بيت شيخ الطائفة الطوسي وأراد بعض الغوغاء والمتعصبين قتله فانسحب إلى الكوفة إلى النجف الأشرف وهناك بجوار أمير المؤمنين عليه السلام بدأ في التدريس وبدأت الحوزة العلمية بشكلها الحقيقي في النجف الأشرف مع مجيء شيخ الطائفة الطوسي . ولم يبق في النجف سوى اثنتي عشرة سنة يعني من حدود سنة أربعمائة وثمانية وأربعين إلى سنة أربعمائة وستين . وتوفي في النجف الأشرف لكنه خلف هذا الأثر الخالد ( تهذيب الأحكام ) وفي كتاب التهذيب يوجد نحو من ثلاثة عشر ألف وخمسمائة وتسعين حديثًا في الفقه . وبالطبع حين يكون عند الفقيه هذه الثروة العظيمة ( وشتان بين شخص كل ما عنده ثلاثة آلاف حديث فقط وهذه كل حصيلته عن النبي منها في الفقه ومنها في غير الفقه هذا مساحة الحركة عنده مساحة ضيقة في السنة لذلك يستعير مناهج القياس والاستحسان والاجتهادات الشخصية وغيرها أما من لديه ثلاثة عشر ألف حديث وأكثر فمساحة الحركة عنده في أطار السنة والحديث والنصوص مساحة واسعة جدًا وهذا مما جمعه شيخ الطائفة رضوان الله عليه .

      فيما بعد ألف كتاب الاستبصار ويوجد بعض الروايات ظاهرها متعارض فرواية تقول شيء ورواية تقول شيء آخر فكيف نجمع بيننا مع اعتقادنا بأن أئمة الهدى لا يمكن أن يقولوا شيئً متعارضا ومتهافتًا . فإذا فرضنا أن الرواية غير صحيحة انتهى الأمر ، وإذا فرضنا أن الرواية صحيحة بحسب الموازين فكيف نجمع بين هاتين الروايتين ؟ هذا يسمى في الدروس الحوزوية بعلاج التعارض بين الأحاديث وهو مبحثٌ مهمٌ جدًا وإلى اليوم العلماء يدرسونه ويدرسون فيه . فألف شيخ الطائفة هذا الكتاب الذي يقول فيه إذا تعارض الحديث الفلاني مع الحديث الفلاني فالوجه أن نحمل الأول على كذا والثاني على كذا فيفك التعارض بينهما . ويحتاج أيضًا إلى شاهد على ذلك ، فمن أين أتيت بهذا الكلام ؟ ومن أين تجمع بهذه الطريقة؟ فيحتاج أن يأتي بدليل . 

   فهذان كتابان ألفهما الشيخ الطوسي رضوان الله عليه وبهما يكتمل عقد الكتب الأربعة : الكافي للكليني ، من لايحضره الفقيه للصدوق ، والتهذيب والاستبصار لشيخ الطائفة الطوسي رضوان الله تعالى عليهم . 

   هل تعرف ما هي قيمة هذا العمل ؟ 

   قيمته هو ما ذكرناه أول الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام : ( لحديثٌ في حلالٍ وحرام تصيبه من صادقٍ خيرٌ لك من الدنيا وما فيها ) 

     هذه قيمة الحديث الصادق الذي يعلمك أحكام الدين .

   ومثال على ذلك لو أنني ما عرفت هذا الحديث وما قلدت من يعرف هذا الحديث وعملت على هوى نفسي أو حسب ما أدى إليه نظري وتبين أن الأمر الفلاني حرام وأنا كنت أمارس ذلك الحرام وآكل هذا الشيء المحرم ، ولم أذهب لسؤال المختص في الحديث والمجتهد الفقيه فيه وعملت على هوى نفسي ، فيوم القيامة أُسأل : لماذا أكلت الشيء الفلاني وهو حرام ؟ حين أجيب بلا أعلم هل يقبلون مني هذا العذر ؟ كلا ، فالرواية تقول : هلا تعلمت حتى تعلم ؟ فالله أعطاك عين تنظر بها وأذن تسمع بها وعقل يوجهك إلى أن الإنسان غير المتخصص يجب أن يسأل المتخصص ، وغير العالم يسأل العالم . فماذا يعني أن هذا العقل وهذه الذاكرة وهذا الحفظ ما تركت لاعب إلا وحفظت اسمه إلى سابع جد ولا حدث سياسي إلا وعرفت تفاصيله وتحليلاته ولا موضوع اجتماعي إلا وتفهمته .... ! حين تصل إلى الموضوع الشرعي والذي هو أهم بالنسبة لك كيف لم تعلمه ؟  فأنت غير مسؤول عن معرفة الحدث السياسي يوم بيوم وساعة بساعة بحيث لو ما عرفته لن يحاسبك أحد يوم القيامة على عدم معرفة هذا الحدث السياسي لكنك تسأل لماذا لم تعرف أحكام دينك ، ولماذا لم تصل بالشكل الصحيح ، ولماذا لم تغتسل بالشكل الصحيح ؟ وهذا كله مربوط بالحديث الذي يرويه الراوي عن المعصوم والفقيه يستنبط منه . فليس عذرًا أن يقول الإنسان أن ما عرفت . أنت مسؤولٌ أن تعلم أمور دينك . لذلك يكون الحديث الواحد في الحلال والحرام الذي يأخذه الإنسان عن صادقٍ خيرٌ من الدنيا وما فيها . وبهذه الأعمال التي قاموا بها رضوان الله عليهم حفظوا الوحي الإلهي في تفاصيله والسنة النبوية في تفاصيلها والسنة المعصومية في تفاصيلها وأوصلوها إلينا وإلا لو لم يكن هذا الأمر قد فعلوه فكيف نتحدث الآن عن الأصول الأربعمائة والتي تحدثنا عنها سابقًا . أين هي ؟ غير موجودة . لماذا ؟ لأنه لم يتوفر لها من يحفظها بتمامها وكمالها لولا أن هؤلاء العلماء نقلوها فيكتبهم هذه لضاعت أحاديث آل محمد صلوات الله عليهم .

    فعندما نسمع السيدة زينب عليها السلام تخاطب طاغية زمانها ( فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ) هذا ليس فقط أمر غيبي وإنما أمر طبيعي أن الله سبحانه وتعالى يهيئ من يحفظ هذا الوحي ، ومن يبقي هذا الذكر . فيقول الإمام الصادق : لولا زرارة ونظرائه لظننت أن أحاديث أبي قد ضاعت . فالقرآن محفوظ بشكل غيبي لكن غير ذلك إنما حفظ بالطرق الطبيعية والتي هي جهود هؤلاء التي تقدر (لا تمحو ذكرنا)عندما تكتب وتدون وتنقل (ولا تميت وحينا ) هذه الأخبار وهذه الروايات هي التي قام بها هؤلاء العلماء جزاهم الله عن الإسلام وعن شريعة رسول الله خير الجزاء .  



مرات العرض: 3431
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 58574.88 KB
تشغيل:

تدوين السنة عند الامامية 10
كتاب الكافي وأسئلة حوله 12