حفظ السنة في زمان النبي صلى الله عليه وآله 3
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 3/9/1442 هـ
تعريف:

3/ حفظ السنة في زمان النبي (صلى الله عليه وآله)

كتابة الفاضلة أمجاد عبد العال

 روي عن سيدنا ومولانا رسول الله (ص) أنه قال: " ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما حرم الله حرمناه، وما أحل الله استحللناه، ألا وإنما حرم رسول الله كما حرم الله عز وجل"، صدق سيدنا ومولانا رسول الله (ص). 

حديثنا – بإذن الله تعالى – يتناول تدوين سنة النبي في زمان النبي (ص). هناك فكرة يبشر بها بعض أتباع مدرسة الخلفاء، فيقولون: بأن النهي عن التدوين للسنة والذي جاء بعد رسول الله (ص) كان على القاعدة؛ لأن النبي في زمانه، لم يأمر بتدوين سنته، بل نهى عن ذلك، وبالتالي هذا النهي الذي جاء فيما بعد، جاء ضمن المسار الطبيعي. هذه الفكرة لا ريب أنها فكرة خاطئة وتتجاوز الحقائق التاريخية، ولا تستند إلى دليل معقول. 

وذلك أننا لو نظرنا إلى واجب المسلمين تجاه سنة رسول الله (ص)، لوجدنا أحد تلك الواجبات هو حفظ سنة النبي من الضياع والمحافظة عليها من الاندثار، وهذا يقتضي التوسل بكل وسيلة ممكنة، من أجل أن لا تضيع وتندثر تلك السنة. 

هناك واجب على المسلمين تجاه سنة النبي (ص) يتكون من نقاط. النقطة الأولى التي يلزم المسلمين القيام بها تجاه سنة النبي وأحاديثه، أول واجب، هو: تطبيقها. والتعامل معها كالتعامل مع القرآن الكريم في إيجابه وتحريمه، كما ذكرنا في ليلة مضت. مثلما أن القرآن الكريم لو جاء بأمر واجب، مخاطبا المسلمين، كان على المسلمين أن يستجيبوا لنداء القرآن وأن يطبقوه، كذلك الحال بالنسبة إلى سنة رسول الله (ص). ولا تفريق بين الأمرين، بحيث يقول إنسان: إذا قرآن ما يخالف، أما إذا حديث عن النبي، حديث عن المعصوم، حديث عن الإمام، لا، أنا ما أقبل. هذا اتجاه سوف نتحدث عنه إن شاء الله، في ليالي قادمة من الاتجاهات التي هدفت إلى تعطيل سنة رسول الله (ص). وهذا أيضا ذكرنا في وقت سابق، بأن قسما من الناس، من غير وعي ومعرفة، يقول: أنا ما علي بالأحاديث، ما علي بالروايات، جيب لي آية، هذا كلام غير مقبول، وكأن رسول الله قد تنبأ بأن هناك اتجاها في الأمة سيكون، يفرق بين كلام النبي وكلام الله، ولا يعمل بكلام رسول الله. في هذا الحديث، الطريف أنه مروي في مصادر مدرسة الخلفاء بسند صحيح عندهم. احنا عندنا الروايات في هذا الباب بلا حد ولا حصر، وأن سنة النبي (ص) يجب أن تتبع وأن قيمتها القانونية كقيمة الآية القرآنية، عندنا من الروايات والأحاديث وتعامل المعصومين مع السنة بشكل كبير جدا. 

عند مدرسة الخلفاء، هذا الحديث وارد في سنن الترمذي: محمد بن عيسى الترمذي، وهذا من الكتب الستة المهمة من مصادر مدرسة الخلفاء، صحيح هم لا يعتبرونه في مستوى البخاري ومسلم، ولكنه من الكتب المعتمدة والمعتبرة والتي يهتمون اهتماما كبيرا، سوف نتحدث إن شاء الله في المستقبل عن هذه الكتب. 

في هذا الكتاب، سنن الترمذي، جاء هذا الحديث: "ألا هل عسى"، في بعض الكتب الأخرى: "يوشك أن"، هنا: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أركيته"،حالة من التبطر كأنما عنده، "فيقول:"، لما تقوله مثلا: هذا حديث رسول الله، وهو ثابت بسند معتبر، أو وصل إله بواسطة في مثل ذلك الزمان، يقول: أنا ما علي، "بيننا وبينكم كتاب الله"، إذا شي في القرآن أسويه، شي مو في القرآن، ما علي. "فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما، حرمناه"، غير هذا ما إلنا شغل في الأحاديث. فيقول النبي معلقا على ذلك، يقول: "وإنما حرم رسول الله كما حرم الله عز وجل"، ما كو فرق، لا تقول: أنا إذا من القرآن، أقبله. إذا من السنة ما أقبله. نعم، تارة يكون الحديث غير معتبر، فيه إشكالات، غير ثابت، هذا بحث آخر، لكن إذا علم، ولو بطريق معتبر، أن هذا عن رسول الله (ص)، فلا فرق بينه في قيمته القانونية، بينه وبين الآية القرآنية. إذا كان كذلك، يجب على الإنسان المسلم أن يلتزم بمؤداه، وأن يعمل به، هذا أول واجب. 

الواجب الثاني من الواجبات المطلوبة على المسلمين تجاه سنة رسول الله (ص): نشر هذه السنة، نشر أحاديث رسول الله (ص)، تبليغها لمن يجهلها، وهذا تكليف، قد أشار إليه رسول الله (ص) كثيرا في خطبه. بعد ما يخلص الخطبة النبي (ص) يقول: "ألا فليبلغ الشاهد الغائب". انتوا سمعتوا، أنتم شهدتهم، فليبلغ من كان شاهدا وحاضرا وسامعا حديث رسول الله (ص)، فليبلغ الغائب، "فرب حامل علم إلى من هو أعلم منه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". هذه من مسؤوليات المسلمين: تبليغ سنة النبي وأحاديثه وما كان يقوله إلى الناس جميعا، سواء إلى أهل الإنسان، أو إلى غيرهم. لا سيما في تلك الأزمنة، في تلك الأزمنة اللي يحضر إلى المسجد 10% من المسلمين، يجب على هؤلاء أن يبلغوها إلى أهاليهم وأرحامهم ومن لم يكن حاضرا. وهكذا الحال في هذه الأزمنة أيضا: الحاجة قائمة إلى أن يتم تبليغ سنة النبي محمد (ص). 

الواجب الثالث، هو: حفظ سنة النبي من الضياع والاندثار. الحفظ له أشمال مختلفة. ما دام لم يتكفل من الناحية الإلهية بحفظها، كما في القرآن، القرآن تكفل الله بحفظه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، بأشكال الحفظ المختلفة، والتفاسير المتعددة في هذه الكلمة. لكن بالنسبة إلى سنة النبي، حتى هذا المقدار ما موجود، أن الله يتكفل بحفظها، فكان على المسلمين، أن يقوموا بحفظ هذه السنة في كل جيل وعصر بطرق الحفظ المعتبرة في ذلك الزمان. 

في زمان رسول الله (ص) كان الحفظ غالبا بوسيلتين، الوسيلة الأولى: أن يحفظ في الصدور، وكان الناس غالبا عندهم قدرات من الحفظ كبيرة. والطريق الثاني: هو الكتابة والتدوين بالوسائل التي كانت موجودة في ذلك الزمان. يطور الزمان، يصير مثل أزمنتنا الآن، يحفظ عبر الذاكرة الإلكترونية، وعبر القرص الصلب، وعبر الفيديو، وعبر الكاميرات، وغير ذلك، وغيرها مما يحفظ به العلم، لكن كل زمان، كل عصر، يجب على اهل ذلك العصر، أن يحفظوا سنة رسول الله بحسب ما يستطيعون، ليش لازم هذا يسوونه؟ 

أولا: هذا مقتضى حكم العقل في أن لا يضيع العلم. حكم العقل: يرى أن حفظ العلم أمر حسن، وأن تضييع العلم أمر قبيح. حتى العلم العادي: الرياضيات، الهندسة، الطب، الجغرافيا، الفلك، العقل يحكم بأن حفظ هذه المعلومات من جيل إلى جيل آخر، هذا أمر حسن. لأنه لو فرضنا أن كل جيل تعلم ولم يحفظ العلم ومضى، ومضى العلم، لظلت البشرية لا تزال في زمانها الأول، كيف تصير حضارة، كيف يصير تقدم، كيف يصير عمران، لأن الجيل التالي يبني على ما تأسس في الجيل الذي سبقه، والجيل اللي بعده يؤسس على ما أسس الجيل الذي سبقه، وهكذا يتصاعد العلم وتحصل الحضارة. 

زين، هذا إذا كان في العلوم العادية والطبيعية والبشرية، بحكم العقل لا بد من حفظها، أفترى أن العلم الإلهي والديني، الذي يعنونه النبي، يقول: "ما من شيء يقربكم من الجنة إلا وأمرتكم به، وما من شيء يقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه"، طيب، فإذًا طريق الجنة وضحته إليكم، طريق النار أغلقته أمامكم. طيب، هذا الأمر اللي فيه مصير البشرية النهائي ألا يستحق الحفظ والتدوين من جيل إلى جيل، لا ريب في ذلك. هذا ما يحتاج أن النبي (ص) يقول: اكتبوا، دونوا، احفظوا، نفس حكم العقل يقول: أن هذا الفعل حسن، وأن ترك ذلك وتضييع العلم الديني الإلهي المتمثل في سنة رسول الله (ص)، يرى هذا شيئا قبيحا وعبثا ممجوجا، ويعاتب عليه من يفعله. 

أضف إلى ذلك، غير أن حكم العقل يرى أن هذا عمل حسن: الحفظ، والتضييع عمل قبيح. العقلاء أيضا يرون هذا الفعل، أي عاقل يرى أن حفظ العلم من الأمور المحمودة وتضيع العلم يراها من الأمور القبيحة، مو فقط العقل، حتى العقلاء. فوق هذا وذاك، نبينا المصطفى (ص) أمر بالتدوين وأمر بالكتابة وفعل ذلك بالنسبة إلى من طلبه منه. هذا ينقلون، نحن ننقل شذرات، وإلا فالوقت لا يتسع لنقل كل شيء. 

واحد مما يذكره مصادر مدرسة الخلفاء، كما قلت بالنسبة لنا الإمامية هذا البحث ما مطروح أساسا، لأنه لم يتوقف تدوين السنة من زمان رسول الله (ص) إلى زمان الإمام الحجة (عج)، على طول الخط كانت هناك أوامر بتقييد العلم، بكتابة العلم، بـ "استعن بيمينك"، وأمثال ذلك، الكلام الآن مع أتباع المدرسة الأخرى. 

جاء رجل اسمه أبو شاة، فسمع رسول الله (ص) يخطب خطبة بليغة، في ألفاظها، جميلة في معانيها، ورسول الله هو رب الفصاحة. فبعدما انتهى رسول الله (ص)، قال له أبو شاة: يا رسول الله أنا ما أقدر أحفظ هذه المعاني، "فلو أمرت أن تكتب لي"، فقال رسول الله (ص) لبعض من حضر: "اكتبوا لأبي شاة"، فكتبت خطبة رسول الله (ص)، وأعطيت إليه. زين، إذا ما كان تدوين هذا، ماذا تسميه؟! ما كو كتابة، هذا ماذا تسميه؟!

بل أكثر من هذا أيضا، في مصادر مدرسة الخلفاء، يتحدثون عن عبدالله بن عمر بن العاص، عمر بن العاص معروف، وزير معاوية ومشيره ومعينه في كل أموره، ومما ينقل – من باب الشيء بالشيء يذكر – أن زيد بن أرقم الأنصار – وهو من أصحاب رسول الله المخلصين لأهل البيت (ع)، تحدثنا عنه عند حديثنا حول أصحاب رسول الله (ص) قبل عدة سنوات. زيد بن أرقم هذا، كان إذا رأى عمر بن العاص ومعاوية، يجي بينهم، فمرة من المرات اجوا إلى المدينة، جلسوا في مجلس الاستقبال، دخل زيد بن أرقم شافهم متجاورين، في صدر المجلس، بالتالي هذا هو الخليفة الظاهري، وهذا إلى جانبه، مثل: رئيس الوزراء، فإجا وسقَّط نفسه بينهم وأفرج بينهما، تعجبوا منه، معاوية قال له: لماذا تصنع هكذا؟ على قولهم: كسرت فخذي، لماذا تصنع هكذا، قاعد بينا، ما وجدت لك مجلسا غير هذا المجلس، فقال زيد بن أرقم: "إني سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا رأيتم معاوية وعمر بن العاص ففرقوا بينهما، فإنهما لا يجتمعان على خير". فأنا قلت على الأقل في هالمكان أفرق بينكما. 

عمر بن العاص، هما متى اجتمعا على خير! صفين كانت خير! أو اغتيال الأصحاب فيه خير! أو أو، عمر بن العاص عنده ولد اسمه عبدالله، عبدالله بن عمر بن العاص، للأسف، هذا أيضا لأنه فهم التشريع بشكل غير صحيح، كانت طريقته غير صحيحة، راح مع والده، ومشى في مشواره، وصار في صفه، قالوا له: ليش؟ قال: لأن القرآن يأمر ببر الوالدين. ولأن رسول الله يوصي بطاعة الوالدين، يابا أطع أباك لكن في غير معصية، أطع أباك إذا كان على الصراط المستقيم، مو إذا كان يقاتل علي بن أبي طالب. المهم، المتفق عليه، أن هذا عمر بن العاص، عند الفريقين، أنه كان كثيرا ما يكتب أحاديث رسول الله، أي كلمة النبي يقولها، يكتبها عبدالله بن عمر، ولذلك قيل أن عنده صحيفة، كانت كبيرة، في مصادر مدرسة الخلفاء يسمونها بالصحيفة الصادقة. فكان كل شيء يسمعه من النبي يكتبه، فإجوا إله جماعة قالوا له: أنت شنو، كل حكاية قالها النبي، تكتبها! إن النبي بشر، يغضب ويرضى ويفرح ويحزن، كف عن هذا. لا تكتب كل شي. 

فجاء عبدالله بن عمر إلى رسول الله، وقال له: "إني كنت أكتب يا رسول الله كل ما تقول، فنهتني قريش عن ذلك"، منو قريش؟ أنت بعد لازم تجاوب. نفس التيار اللي بعدين راح ينهى عن تدوين سنة رسول الله، قبل وفاة رسول الله أيضا، كان يحاول أن يمنع التدوين. وفي أواخر حياة رسول الله أيضا، اللي منع من الكتابة نفس الاتجاه، فنهتني قريش عن ذلك. وقالت لي: "أن رسول الله بشر يرضى ويغضب، فلا تكتب، فهل تأمرني أن أكتب يا رسول الله؟ قال: اكتب، فوالله، ما خرج من هاهنا إلا حق". هذا اللسان لا ينطق شيئا غير الحق، لا يتأثر بالرضا والغضب والحزن والفرح. اكتب. ولذلك ينقلون أنه هو كان أكثر أصحاب رسول الله في ذلك الاتجاه كتابة وتدوينا. زين، النبي يقول له: اكتب. 

مثال ثالث: أمير المؤمنين (ع)

أمير المؤمنين (ع) نحن نعتقد أنه لا يحتاج إلى كتابة هذه السنة، لماذا؟ لأن هو وعاء هذه المدينة العلمية، وبابها. وأذنه الواعية، لما نزلت: (وتعيها أذن واعية)، قال رسول الله لعلي: "يا علي، سألت الله أن يجعلها أذنك". يقول الإمام (ع): "فما نسيت بعد ذلك حديثا حدثنيه رسول الله (ص)". والشاهد على ذلك: هو الوحيد، أول وآخر فرد في البشر، قال وصدق: "سلوني قبل أن تفقدوني". هذا كله من عند رسول الله (ص). 

فتقول أم سلمة، وهذا أيضا من مصادر مدرسة الخلفاء، هذا الحديث، وهو موجود عندنا أيضا، "أنه جاء رسول الله (ص)، ودعا بأديم". أديم يعني: جلد مكشوط، هذا جلد الثور عندما يكشط عنه السمن والشعر، يقال له: أديم، يصبح مثالي للكتابة. "ودعا بأديم، وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله (ص) يملي وعلي يكتب، حتى ملأ بطن الأديم، وظهره، وأكارعه"، شايف هذا جلد البقرة، إله أطراف، مالة الرجل، ومالة اليد، وإله وسط، وإله خلف وأمام، كل هذا ملأه أمير المؤمنين (ع) من إملاء رسول الله (ص). 

وهذا هو نفسه غير شيء آخر، عرف أنه، كتاب علي (ع). عندنا شيء آخر، كتاب علي أكبر من هذا، ضخم، فيه من المسائل الدينية حتى أرش الخدش، يعني إذا واحد جرحك فذ جرح، خدش جلدك، هذا كم يترتب عليه. حتى هالمسألة التفصيلية فيه، مع أنها مثلا في الكتب الفقهية، الآن، أكثر الكتب الفقهية لا تجد فيها هذا، لازم تروح تدوره في الكتب الفقهية المفصلة إلى أن تحصل عليه. مما يفيد حتى أرش الخدش، يعني كل هالأشياء اللي يحتاج إليها الإنسان كانت موجودة فيه، حتى هذا المقدار الذي تقل الحاجة إليه. وهذه كلمة: كتاب علي، تكررت عندنا كثيرا في الكتب الفقهية والروائية عندنا الإمامية. وحفظ هذا الكتاب كان مهما. ليش؟ لأن بعض أتباع المدارس الأخرى أخذوا فيما بعد يتقولون على علي (ع) وينسبون إليه فتاوى لا تصح. 

مثلا: المسح على الخف عند الإمامية، مشهور بأنه باطل. بحيث يعد من مميزاتهم هالفتوى، ما أحد قال أن المسح على الخف من الإمامية يصح، ولكن من أئمتهم. بس تروح تدور، تشوف في مصادر مدرسة الخلفاء بعضها: أن علي بن أبي طالب كان يمسح على الخف. من وين جابها هذا! فلما يعرض هذا الخبر على الإمام، الإمام يقول: كذبوا، ما وجدنا هذا في كتاب علي بن أبي طالب. لو كانت هذه الفتوى، وهذا الحكم صحيح النسبة لعلي، لوجد في كتابه. لأنه كتاب مفصل، وهكذا الحال بالنسبة إلى مثلا الزواج المنقطع، زواج المتعة، نسبوا إلى علي أنه يحرمها وينقل عن النبي النهي عنه. مع أن من المعروف عند الشيعة الإمامية أن هذا الأمر سائغ وجائز ضمن ظروفه المعروفة. من وين هذا يقول لك: هذا ما موجود في كتاب علي. هذا شنو كتاب علي؟

نشوف أحاديث في أزمنة متأخرة، في زمان الإمام الباقر، والصادق، والرضا (ع)، يتحدث عن كتاب علي. قال محمد بن عذافر الصيرفي، واحد من أصحاب الإمام الباقر والصادق (ع)، صيرفي أيضا، كان يشتغل في الصرافة، وأحد الكتاب ووكلاء من صحيح، يقول: نحن نلاحظ وجود الصيارفة في أصحاب الأئمة (ع) وأنهم كانوا يأمرون بهذا الاتجاه، ليش؟ لأنه تجارة، ما يروح يدور وراء الوظيفة الرسمية من السلطة، حتى يظل محتاج إلى الأمويين والعباسيين، وإنما التجارة، وعلى باب الله، ويكسبها منها رزقه. الثاني: لأن حركة المال، إذا عند صراف، ما تكون ملحوظة، ما تقدر السلطة العباسية أو الأموية تراقب وين ودا ووين جاب، عادة، لا سيما في تلك الأزمنة. المهم، محمد بن عذافر يقول أنا جيت مع الحكم بن عتيبة، الحكم بن عتيبة، واحد من فقهاء مدرسة الخلفاء، قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر، يعني الباقر، فجعل الحكم يسأل أبا جعفر، مسائل مختلفة، وأبو جعفر كان له مكرما، فكان يجيبه، ما كان هذا، الحكم بن عتيبة، ما كانت مواقفه متجنشة، فالإمام كان يجيبه على أسئلته. فاختلفا في شيء، الحكم ما يعتقد أن أبا جععفر إمام معصوم، يعتبره واحد من الفقهاء، فاختلفوا في مسألة، فقال أبو جعفر للإمام الصادق، لابنه جعفر: "قم يا بني، فأخرج كتاب علي (ع)"، روح جيب كتاب جدك علي بن أبي طالب، فأخرج جعفر، الإمام الصادق، كتابا مدروجا هظيما، ملوت، مطوي، وعظيم، وفتحه وجعل ينظر، حتى أخرج المسألة إليه، فقال أبو جعفر، شوف هذي، شوف المسألة، يرتبط بموضوعنا، فقال أبو جعفر، شاهدنا هنانا، "هذا خط علي وإملاء رسول الله محمد"، (ص). 

فإذًا كتاب علي، هذا المفصل والكبير واللي فيه حتى أرش الخدش، واللي يرجع إلى لقطع النزاع مع فقهاء مدرسة الخلفاء، هذا مو من عند علي بن أبي طالب، وإنما هو إملاء رسول الله (ص) ولكن بخط علي (ع). فقضية كتابة سنة النبي في زمانه، إن كانت، مع أن علي بن أبي طالب كما قلنا لا يحتاج إلى أن يكتبها، ولكن المطلوب أن يخلفها لمن بعده. فقضية تدوين سنة النبي وكتابتها، في زمان رسول الله كانت موجودة. أي واحد يكتب، "اكتبوا لأبي شاة"، واحد يجي يقول إلى النبي: "إني لأسمع منك الحديث يا رسول الله"، أبو رافع، ورافع هذا أيضا ممن كتب كتابا في الفقه مفصلا، وهو من موالي رسول الله (ص)، ومن خلص أصحاب أمير المؤمنين (ع)، وكان في زمان أمير المؤمنين، بمثابة ما نسميه اليوم: المراقب العام لوزير المالية، أو وزير المالية الموكل بالحسابات. أبو رافع هذا كان يقول إلى رسول الله (ص): "إني أسمع الحديث منك فيعجبني حتى إذا رجعت إلى أهلي نسيته"، ما عندي قوة حافظة، وهذا ملحوظ، الناس يتفاوتون في حفظهم، واحد يقعد وياك في مكان معين، أنت تحفظ من الحديث الذي فيه، ألف كلمة قيلت، تحفظ عشرة، وهو يحفظ تسعين، فقال له: أنا ما أحفظ لما أرجع إلى أهلي، أنسى اللي أنت قلته، فماذا أصنع؟ قال رسول الله: "استعن بيمينك على قلبك" يعني: اكتب، حتى تقدر بعدين ترجع إلى هذه الكتابة، وإذا تريد تنقلها إلى أحد، وتشرحها، تكون قادرا على ذلك. 

وقد أثر عن رسول الله وعن أئمة الهدى (ع): "قيدوا العلم بالكتابة"، "استعن بيمينك"، "احفظوا العلم"، وأمثال ذلك من الروايات، أشرنا ربما ذات مرة إلى أن كلمة "قيدوا"، والتقييد، فيها معنيان ظريفان. التقييد من القيد، مثل واحد تحبسه، بالحبل أو القيد، فتخليه، ما تخليه يشرد، ما تخليه يفر، وأيضا: القيد بمعنى الكتابة، يقول: قيدت اسمي، أو قيدت مقدار اللي عليك، وكلاهما شيء واحد، كأنما حتى لا يفر هذا العلم ولا يهرب، أنت لازم شنو؟ تصنع عليه قيد، هذا القيد ما هو؟ الكتابة، فصار أمر التقييد والتدوين في زمان رسول الله (ص) موجودا وحاضرا، ووصل إلينا كتاب، يعني وصل إلى من بعد رسول الله من المعصومين (ع) كتاب علي بن أبي طالب، وقضية التدوين، كانت قائمة على قدم وساق. 

هذا مثلا، مصحف فاطمة، تحدثنا عنه في إحدى المناسبات، ورد فيه أنه ثلاثة أضعاف القرآن الكريم، ليس قرآنا، وليس آيات، وإنما هو اخبار وأحكام وأمور المستقبل وما يرتبط، مصحف مو يعني قرآن، مصحف كل كتاب فيه جلد في الأول وجلد في الأخير، يقال: مصحف، وهذا الاستعمال للقرآن أنه مصحف باعتبار وجود التجليد. في أي كتاب، لو كتاب مثلا المدرسة، الرياضيات، تجلده، تسوي عليه جلاد في البداية وجلاد في الأخير، يقال له: مصحف في اللغة العربية. ولو قرآن ما عليه جلاد في الأول ولا في الأخير، لا يقال له: مصحف في اللغة العربية. لكن صار اختلاط، فلما قيل: مصحف فاطمة، تصور بعض الناس أنه هناك قرآنا آخر، ليس كذلك. فعندنا: مصحف فاطمة، وعندنا كتاب الجامعة، وعندنا كتاب علي، وعندنا وعندنا، وكل هذا كان على أثر الأمر بالتدوين والكتابة لسنة رسول الله (ص)، وما بعدها. 

في الطرف الآخر كان هناك نهي كما قلنا، من البدايات، قريش، جت قالت إلى واحد منهم، إلى عبدالله بن عمر، لا تكتب كل ما تسمعه من رسول الله، فيما بعد – كما سنأتي في الحديث – في القسم التاريخي، في ليالي قادمة، تم المنع الرسمي لقضية التدوين بالكامل، قبل وفاة رسول الله (ص): "آتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا من بعده أبدا"، هذه كتابة لكتاب، لأمر من الرسول (ص)، شنو هذا الأمر اللي تم على أثره أن يمنع الكتابة عنه؟ واضح هذا، ما يحتاج إلى فلسفة كثيرة. اقرأ ذيل ما قاله رسول الله: "أكتب لكم كتابا لن تضلوا من بعده أبدا"، ثم اطو الصفحة، وروح لحديث الثقلين: "ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا". هذا الذيل وهذا الذيل يتساويان. فيتبين ماذا كان يريد رسول الله (ص) أن يكتب. حديث النبي يأخذ بعنق ذلك الحديث، وهذا يشرح ذاك ويبينه، ولذلك صار منع. 

يعني لو قال النبي: تعالوا أكتب إلكم كتاب عن استحباب أكل التمر، ما أحد كان يقوله شيء، لكن كتاب: لن تضلوا من بعده أبدا، يساوي حديث الثقلين الذين لن تضلوا من بعدهما أبدا. لكن، كما قال ابن عباس، وكان يضرب على فخذه باكيا متأسفا متألما: "الرزية كل الرزية يوم حالوا بين رسول الله وبين كتابة ذلك الكتاب". وبالفعل، فاطمة الزهراء شنو هذه الرزية قالت: "ثم احتلبوا طلاع القعب ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا، وذعافا ممقرا مبيدا، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، يدع فيأكم زهيدا، وحبكم حصيدا، فيا حسرتى عليكم وأنى بكم، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون". وفعلا، ها أنت ترى هذه الأمة، من مستنقع إلى مستنقع أسوأ، فيها كل الخير كمواد خام، لكن أنت تراها في قعر القائمة: علما، عملا، أخلاقا، ليش؟ (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى). 


مرات العرض: 3443
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 51434.61 KB
تشغيل:

كيف تحدث القرآن عن سنة النبي 2
السنة النبوية ومراحل تدوينها 4