أثر الأمثال الشعبية في الثقافة والسلوك1
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 25/4/1442 هـ
تعريف:

أثر الأمثال الشعبية في الثقافة والسلوك

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

قال الله العظيم في كتابه الكريم: ((وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)).

حديثنا هو مطلع أحاديث حول تأثير الأمثال الخاطئة والشائعة في المجتمع على ثقافة الناس وسلوكهم، فنحن نلاحظ أن هناك عدداً من الأمثال ومن الكلمات فصيحة وشعبية تؤثر في ثقافة الناس بنحو غير صحيح وهي إما في الأصل في مصدرها مصدر غير سليم أو أنها في تفسيرها تفسر بنحو غير سليم، لذلك سوف يكون لنا عدة أحاديث في هذا الإتجاه لتسليط الضوء على هذه الامثال والأقوال وبيان الخطأ فيها إما في مصدرها أو في تفسيرها.

عل سبيل المقدمة نقول أن حركة الإنسان في الحياة مرهونة بثقافته، فالإنسان في سلوكه الحياتي يتحرك على أساس ثقافته سواء كانت هذه الثقافة قليلة أو عالية، صحيحة أو خاطئة، فالذي يدأب على الذهاب للمسجد والصلاة لا يحصل بها على أموال وإنما يبني حركته على أساس أن الذهاب إلى الصلاة والمسجد فيه ثواب وهو سلوك ديني مطلوب وهو محل نجاة، هذه المجموعة من الأفكار والثقافة تدعو لأن يتحرك بإتجاه المسجد، لكن غيره من الممكن أن يقول في داخل نفسه أن عمرنا قصير وما دام قصيراً لنستمتع به، فلماذا أذهب إلى المسجد وأضيع أوقاتي، أو لماذا أقرأ القرآن، فأنا خُلِقت لأن أستمتع في هذه الحياة فلا ينبغي أن أضيع عمري في هذه الأمور. نجد هنا أن هذه ثقافة وتلك ثقافة، وهذه معلومات وتلك معلومات، فتلك تنتهي بالإنسان إلى اتجاه التدين، والثقافة الأخرى تنتهي به في اتجاه التحلل أو اللا هدفية، إذاً فإن حركة أي إنسان إنما تكون رهينة ثقافته وفكرته عن الحياة وعن هدفه فيها وعن النافع والضار، فهم سبل شتى وحركات مختلفة مد على هذا الأساس.

المقدمة الثانية هي أن أسهل شيء في إيصال الفكرة والثقافة هي الكلمات المختصرة والقليلة، فلو أن شخصاً مثلاً جلس يتحدث بالفلسفة والنظرية والكلمات المغلقة وأطال فيها، فالكثير من الناس لا يستوعب هذا المعنى ولا يتأثر به، لكن لو جاء آخر وأعطى مثلاً أو حكمة قصيرة تعبر عن ثقافة وفكرة فإنها سوف ترسخ في الذهن، ولهذا نجد أن الأمثال في كل الطبقات موجودة، حتى أن الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب قد يحفظ الأمثال ويتأثر بها، فقد تكون الأمثال أمثالا تعبر عن أفكار صحيحة وثقافة صحيحة فتجعل مسيرته صحيحة، وقد تعبر عن أفكار غير صحيحة تجعل مسيرته غير صحيحة، فمثلاً عندما يسمع إنسان مثالاً من الأمثال الشائعة وهي (الأقارب عقارب) نجد أنهما كلمتان تحفظان بسرعة، فالصغير يحفظها والشاب يحفظها وكذلك كبير السن يحفظها وهي تعبر عن ثقافة خاطئة وفكرة باطلة لكنها تُحفظ بسرعة، فلو سمع الإنسان محاضرة طويلة فإنه لا يحفظ منها شيئاً كثيراً.

إذاً فإن أسهل الطرق لإيصال الثقافة والتأثير في الناس هو جعلها في أمثلة صغيرة وفي قصار الحكم كما فعل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وقبله سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما نلاحظ أيضاً أن القرآن الكريم استخدم الطريقتين، طريقة فيها بيان الأحكام والتفاصيل والعقائد في آيات طويلة، وطريقة فيها آيات قصيرة تعبر عن أفكار وثقافة مختصرة كقوله تعالى: ((قل هو الله أحد))، فهذه الآية يندر أن نجد شخصاً لا يستطيع أن يحفظها وهي تعبر عن تمام التوحيد، فقد لا تكون بمعنى المثل الذي نتحدث عنه ولكنها استخدمت أسلوب الإختصار في الكلمات   وعبأت هذه الكلمات المختصرة بفكرة، وقد يتحول بعضها إلى أمثال كالمعروف عند المسلمين: (و لا تزر وازرة وزر أخرى) بمعنى أنه لا يعاقب شخص بعمل شخص آخر، فالآية التي جاء منها هذا المثل هي قوله تعالى: ((ألا تزرُ وازرة وزرَ أخرى))، ومثال آخر مأخوذ من الآية: ((أن ليس للإنسان إلا ما سعى)) فهذه أيضاً من الأفكار العميقة المختصرة بأن الإنسان في هذه الحياة لا يحصل إلا على مقدار سعيه، وهكذا في القرآن الكريم نجد هذه العبارات بل ونجد الأمثال كما قال تعالى: ((تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)) والكثير من الأمثال التي بينها القرآن الكريم والتي تبقى في الذهن كقوله تعالى: ((لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله))، وقوله تعالى: ((ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)) وهذا مثال آخر أيضاً. إذاً فإن من أرقى الأساليب التي استخدمها القرآن واستعملها هي ضرب المثل واختصار الفكرة في كلمات محدودة.

نجد أيضاً أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عنده في قصار الحكم وهو فصل خاص في نهج البلاغة بعدما قسم الشريف الرضي رضوان الله عليه (جامع النهج) قسم فيه كلمات الإمام إلى خطب.. رسائل.. قصار الحكم وهي حوالي 400 حكمة قصيرة بعضها مبتكر مثل (قيمة كل امرئ ما يحسن) أي أن قيمة الإنسان ليس في طوله وعرضه وماله ولباسه ونسبه وإنما بمقدار ما يحسن ويتقن، إذاً فإن من أسهل الوسائل وأنفعها وأنجعها في إيصال الفكرة هو اختصارها في كلمات قصيرة أو تحويلها إلى مثال من الأمثلة.

فكما لدينا أمثال سليمة وصحيحة في مصدرها وفي معناها كآيات القرآن الكريم وكلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن كلماته: (العلم خزائن ومفاتيحها السؤال) فأصلها ومصدرها وفكرتها وثقافتها صحيحة وكذلك أداؤها وبعثها هو أداء وبعث إيجابي، أي أن الإنسان عندما يكون في محفل علم فينبغي عليه أن يسأل حتى ينفتح له ذلك العلم، وأمثال ذلك من كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء كثير.

في المقابل فإن الحياة الفاسدة تعتمد على ثقافة فاسدة، فلو أراد إنسان أن يتتبع فليقرأ ما يذكره المنحرفون كالممثلين والفانين المتهتكين، سوف يجد أن هذا الفنان عندما يتكلم فإنه يعبر عن ثقافة خاطئة مثل أن يقول بأن الإنسان يحتاج إلى ترفيه وفرفشة وأن هذه الحياة لا تستحق أن نحزن من أجلها، نعم ينبغي للإنسان أن يفرح وينزه نفسه ولكن بمقدار الملح في الطعام كما نجد القرآن الكريم يقول: ((وابتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا))، نلاحظ الفرق في الإستعمال هنا فالآية تعني أن نجعل الشيء الذي أعطانا الله إياه كالصحة والمال والجاه والفكر والقدرة نجعله خادماً لنا في الدار الآخرة ولكن هناك مقدار ونصيب من الدنيا، مثلاً لو قلنا لأحد الأشخاص الذاهبين إلى مكة أن يجعل نظره على الطريق وفي هذه الأثناء فلا بأس من شرب الماء أو تناول الطعام ولكن هدفه الأساس هو أن يجعل فكره في الإنتباه للطريق.

كما نجد أن الناس مثلاً في ليالي شهر رمضان يستغلونه في اللهو والغفلة والعبث والحفلات بينما بعضهم يتجهز لشهر رمضان بالعبادة وتلاوة القرآن والإستغفار، فمن أعاجيب الزمان أن أحدى الراقصات في بلد عربي كانت تتحدث بأن الرقص عمل مشروع وأن الله سبحانه وتعالى يحب الإنسان العامل الذي يكسب رزقه من عرق جبينه، نلاحظ أن هذه ثقافة وفكرة خاطئة، وفي بعض الأحيان نجد أن الفكرة الفاسدة والخاطئة تتحول إلى مثل كالمثل المنتشر عند قسم من الناس: (الشيء الذي ينفع المسجد، البيت أولى فيه) أي أنه لو فرضنا عندي كرسي من الممكن أن ينتفع به المسجد فيأتي أحدهم ويقول أن البيت أولى به، أو عندي عشرة ريالات هل أنفقها في المسجد أو البيت؟، هنا تختلف الحالات فأن كانت حالات ضرورة فإن الإنفاق على الأهل أوجب ولكن إذا كان قد أدى القسم الواجب عليه من النفقة على البيت فإن صرفها في المسجد أولى.

بعض الأمثال قد تكون موجدة في الشعر، فالشعر عند العرب يحفظ بشكل أسرع وله تأثير كبير عند الناس كـ: 

وهل أنا إلا من غزية إن غوت                        غويت وإن ترشد غزية أرشد

أي أنني من أبناء هذا المجتمع، إن صلح المجتمع فسأكون صالحاً، وإن فسد فسأكون فاسداً

فقد قال تعالى: ((لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم))، نجد الفرق بين المنطق القرآني وبين منطق الشعر الخاطئ.

وشعر آخر: 

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه                       يُهَدَّم ومن لا يظلم الناس يُظلَم 

القسم الأول من هذا الشعر صحيح وهو أن الإنسان إذا لم يدافع عن حقه فسيؤخذ ويسلب فيجب عليه الدفاع عنه ولا سيما إن كان في مواجهة أعداء الله، بينما القسم الثاني من الشعر كله خطأ وليس صحيح فظلم الناس حرام ولا يجوز، فنلاحظ أن مثل هذه الأمثال تسير عند الناس وتتحول إلى ثقافة وأحياناً إلى سلوك، ولذلك رأينا أن نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم إضافة إلى ما ابتكره من كلمات وأمثلة وحكماً قصار فإنه صحح أيضاً بعض الأمثلة المنتشرة عند الناس، فعند الجاهلية كان هناك مثل شائع وهو: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، فتارة يقول النبي بأن هذا المثل خاطئ وتارة يقول بأنه صحيح انصر أخاك ظالماً أو مظلوما ولكن بأن تمنعه عن الظلم، فإيقافه عن ظلمه هو نصر وإعانة له.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن تكون ثقافتنا سليمة وكذلك حياتنا، إنه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.

 

 

مرات العرض: 3404
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (52) حجم الملف: 25115.3 KB
تشغيل:

هذا أنا يا رب ! 24
حين أصبت بكورونا