هذا معروف الله لأنبيائه المرسلين 19
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 16/8/1441 هـ
تعريف:

هذا معروف الله لأنبيائه المرسلين 19

تحرير الفاضل السيد أمجد الشاخوري

يبدأ الإمام عليه السلام في فصل جديد بذكر جهة من جهات أسماء الله الحسنى وهي فعله للمعروف، وتفضله على أنبيائه لكي ينطلق منها إلى تفضل الله على عباده عامة ومن خلال ذلك يستمطر العطاء والرحمة الإلهية.

( يا من له أكرم الأسماء )

الأسماء هنا، الأسماء الإلهية، الأسماء الحسنى ليست باعتبارها إشارات قد تصدق وقد لا تصدق. وإنما هي تعبير عن جهات حقيقية بالنسبة إلى الله عز وجل يتعرف من خلالها العبد على ما يستطيع من صفات الله عز وجل.

نقرأ في القرآن الكريم( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وقد نقل في الحديث " أن لله تسعة وتسعين إسما من أحصاها دخل الجنة" وقد سبق أن ذكرنا أن أسماء الله عز وجل هي إشارات إلى صفاته وهي لا تنحصر بمئة ولا بألف ولا بمليون، هي فوق العدد وفوق الإحصاء، لأن جهات الله عز وجل، لأن كمالات الله عز وجل، صفات الله عز وجل، خصائصه لا حدود لها حتى تتقيد بهذا العدد أو بذاك.

لقد ورد في بعض الأدعية كما هو الحال في دعاء الجوشن الكبير ألف صفة من صفات الله عز وجل. دعاء الجوشن الكبير عندنا الإمامية يستحب قراءته خصوصا في ليالي شهر رمضان وليالي القدر المحتملة من هذه الليالي، ورد فيه نحو من ألف اسم وصفة وجهة لله عز وجل و هذه ليست كل الصفات. ليست هذه كل صفات الله عز وجل.

لقد ورد في دعاء يستشير أيضا قسم من الصفات وهكذا في أدعية متفرقة وهنا أيضا أشار إلى بعض هذه الصفات.

 ( يا من له أكرم الأسماء ) 

وبالتالي الصفات الكريمة الجهات الجميلة والأسماء الحسنى. بالنسبة للبشر الاسم علامة قد يصدق وقد لا يصدق، تقول لإنسان هذا كريم، هذا عالم، هذا صابر. هذا اسم من الاسماء ولكن قد يكون الواقع هكذا وقد لا يكون، أما بالنسبة إلى الله عز وجل فإن تلك الأسماء حاكية عن صفاته وعن جهات عظمته سبحانه وتعالى. 

( يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا تفضل علينا بمعروفك )

المعروف ما لا يستنكره الإنسان بل يراه منسجما مع معارفه وفطرته، في مقابل المنكر المعاصي منكر، الطاعة معروف. الصفات الحسنة معروف وقد أمر الإنسان المسلم أن تكون حياته بشكل عام في إطار المعروف.

القول المعروف هو خير وأولى أن يكون شعار الإنسان المؤمن، في الحياة الزوجية، في أي عمل تقوم به فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، سواء هذا او ذاك المهم أن يكون ضمن إطار المعروف الذي لا تمجه الطباع ولا ينافي الأخلاق.

الله سبحانه وتعالى هو صاحب المعروف، عطاؤه معروف، استجابته معروفة لخلائقه.

ثم يبدأ الإمام عليه السلام بذكر بعض تجارب الأنبياء مع ربهم مما كانت الظروف الطبيعية لا تساعد أبدا على أن يكونوا في حال حسن ولكن الله سبحانه وتعالى صنع لكل هؤلاء معروفا وأنفذهم مما فيه من البلاء والمشاكل، كأنما يريد أن يعطينا درسا أنك أيها الإنسان لا تكن حبيس معادلات الطبيعة، إن هناك فوق هذه المعادلات خالقا يغيرها بالكامل.

ذلك الإنسان لا سمح الله ولا قدر مريض بحيث يئس الأطباء من شفائه وقالوا أنت تحسب أيامك أوصي بوصيتك، هذه معادلة الطبيعة العادية، هناك من هو فوق هذه المعادلة وهو أمر الله عز وجل والله غالب على أمره .

إذا كان الله قد أمر الكون بأن يسير على منهاج معين وعلى قوانين محددة فإن هذه القوانين هي تحت إرادة الله ليست فوق إرادة الله، هي تحت أمر الله عز وجل يعطلها، يوقفها برهة من الزمن، يزيل تأثيرها عن فلان أو فلان. لا يوجد قانون يحكم الله عز وجل. الله حاكم على كل القوانين.

هل لهذا واقع ؟ يقول لك تفضل 

( يا مقيض الركب ليوسف في البلد القفر ومخرجه من الجب وجاعله بعد العبودية ملكا )

ولد صغير يلقى في بئر عميق في منطقة نائية لا يكاد يصل إليها أحد، وقد قيل إن ذلك البئر هو من الملوحة بمكان لا يطمع فيه حتى العطشان ممن يعرف تلك المنطقة فكل هذه الظروف تشير إلى نهاية لهذا الولد.

ولكن هناك أمر فوق أمر هذه الظروف، هناك حاكم يدبر الأمور يقيض ركبا، يغير مساره لا يأتي هذا الركب في العادة على هذا البئر، يتغير كل ذلك بأمر الله عز وجل لكي يأتي إلى هذا المكان. البئر الذي عادة لا يستطيع فيه الشخص المقاومة إلى فترة طويلة، ربما يغرق لا يستطيع التنفس ينتهي لكن أراد الله سبحانه وتعالى بهذا معروفا، فإذا بذلك الركب يأتي إلى هذا المكان ويستقي على غير عادته ويتعلق يوسف النبي بذلك الدلو لكي يخرج من الجب والبئر وليس هذا فحسب لنفترض أن إنسانا كما يقولون من باب الإتفاق والصدفة ولا توجد صدفة في الكون هناك تدبير نحن لا نعلم عنه. يقول بالصدفة صار فلان هناك! بالصدفة في ذهنك لأنك لا تعلم إلا ترى ولا خبر عندك لكن الذي بيده مفاتح الغيب هو الذي قدر في هذه اللحظة أن يمر هذا الشخص بهذا المكان وأن يفعل هذا الفعل، قدر له ذلك وجهه إلى ذلك، لا يوجد شيء اسمه صدفة. بالصدفة لقيت الطبيب المناسب! كلا ليست صدفة، بالصدفة لقيت رجلا وأحسن إلي .. لا ليست صدفة هناك تقدير الهي ينبغي أن تقول في مثل هذا الموضع اللهم لك الحمد أن دبرت أمري، ضائع يقول بالصدفة وجدت شخص يعرف لغتي وعنده مال وأعطاني لا لا ليس كذلك، الله سبحانه وتعالى لطف بك  وما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على  الله رزقها، لا ساكن يتحرك ولا متحرك يسكن إلا وهو يعلم الله وبتدبير الله عز وجل. بإذن الله كل ذلك بإذن الله. 

يوسف لنفترض أنه خرج من الجب يعود سيرته الطبيعية ويرجع إلى أهله أو ينشأ في العبودية كغيره .. لا هناك تقدير آخر له، هناك معروف أعظم ينتظره وينتظر أسرته وينتظر ذلك المجتمع الذي صار قائدا له، وجاعله بعد العبودية ملكا. يا راده على يعقوب  اللهم أردد كل غائب على أهله وفرج عن كل مبتلى وأعده إلى قومه إنك على كل شيء قدير اللهم عجل في فرج مولانا وسيدنا صاحب العصر والزمان. 

( يا راده على يعقوب بعد أن ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) 

بلغ من الحزن والألم النفسي أن تأثرت عيناه فلم يعد يبصر وتأثرت نفسه فإذا هو مكظوم محبوس في قيود حزنه وأساه، لكن الله سبحانه وتعالى صنع هذا المعروف ليوسف وليعقوب ولذلك المجتمع الذي أُنقذ اقتصاده وحياته ورزقه ببركة هذا النبي العظيم الذي لولا تقدير الله عز وجل لكان ميتا في ذلك البئر.

( يا كاشف الضر والبلوى عن أيوب )

أيوب النبي الذي ابتلي في ماله وفي ولده وفي بدنه وهو نبي من أنبياء الله أيها الإنسان المؤمن أيتها المؤمنة. لا يظنن أحد أن الابتلاء في المال بالقلة وفي البدن بالمرض وفي النفس بالضيق وما شابه ذلك، لا تظنن أن ذلك هو علامة غضب الله عليك دائما.. كلا هو ابتلاء من الابتلاءات.

قد يبتلى إنسان بالخير و قد يبتلى بالشر، قد يبتلى بالصحة وقد يبتلى بالمرض وليس معلوما أن الإنسان إذا ابتلي بالصحة والمال ينجو دائما وينجح دائما.

هذا قارون ابتلي بالمال بما لو أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ولكنه فشل في هذا الامتحان، فرعون ونمرود ابتليا بالسلطة وغير هؤلاء ابتلي، الأنبياء من أنا ومن أمثالي حتى أعترض على الله عز وجل أنه لماذا نحن المؤمنون مبتلون وغيرنا ليس كذلك ؟ من أنا ومن أنت حتى نعترض على الله في أمره وفي ملكه وفي حكمه ! أنت خالق أو مخلوق ! أنت رب أو مربوب! أنت مُدبِّر أو مُدبَّر !.

لذلك لا ينبغي لي ولا لك أن نعترض على الله عز وجل، لماذا حصل هكذا ولماذا لم كذاك؟.

أيوب النبي وكان في سعة من المال والصحة والأسرة والوُلد وإذا به يبتلى من قبل الله عز وجل ذلك الابتلاء الذي تتحدث عنه كتب التاريخ، طبعا لا بد أن نشير إلى نقطة هنا وهو أن ما جاء في بعض الكتب والغالب أنه وافد من خارج الدائرة المعصومية من روايات مثل أنه كان قرحة يسيل منه الدم ويخرج منه الدود هذا لم يقم عليه دليل معتبر بل الدليل على خلافه فإن الله سبحانه وتعالى لا يصنع بأنبيائه شيئا ينفر الخلائق منهم أو أن يهتكهم وما ورد إن هو إلا أخبار آحاد لا تتم ولا تصمد أمام النقاش السندي أو الدلالي ومحل البحث في غير هذا المكان لكنه كان مبتلى ابتلاءً شديدا ، بعد عدة سنوات قيل إنها ١٨ سنة وقيل أكثر وقيل أقل قال:( رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين). أنظروا إلى الأدب النبوي والرسالي مع الله سبحانه وتعالى لا يقول له افعل بي كذا أو افعل بي كذا وإنما يشتكي( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) ربي، وهذا هو المطلوب أولا أن يشتكي الإنسان أمره وحاله لربه ( إني مسني الضر ) هذا أنا ( وأنت أرحم الراحمين) الماع هكذا وإشارة هكذا. هناك بعد جاء ( فاستجبنا له ) إذا أحدقت بنا الظروف السيئة والمشاكل الكبيرة فلنتمثل هذا الموقف مع الصبر عليه ونجعل أيوب لافتة أمامنا ونقول ( رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) ويأتي النداء من الله - إن شاء الله- ( فاستجبنا له ).

( وممسك يدي إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر سنه وفناء عمره ) 

رزق الله إبراهيم الولد هو على خلاف المعادلات الطبيعية فإنهم يقولون إنّ نبي الله إبراهيم بعدما تزوج سارة وبلغا من العمر عتيا، البعض قال وصل عمر إبراهيم إلى ٩٠ سنة وبعضهم قال إلى ٨٠ وزوجته دونه بعشر سنوات ولم ينجبا، أنظروا إلى المعنى نبي الله إبراهيم منذ أن تزوجها بقي معها لم يعيرها بأنها عقيم ولم تعيره بأنك لا تنجب ولم يأتيا بعد ستة أشهر من الزواج لكي يطلق أحدهما الآخر باعتبار أنهما لم يرزقا بالولد وإنما صبرا وكان نتيجة ذلك أن قامت هذه المرأة سارة لكي تزوج زوجها من جارية لها وهي هاجر و هذه تضحية من امرأة يندر أن تحصل بهذه الصور، فكان أن أنجب من هاجر ومع ذلك مع شدة الحالة النفسية بها - أي بسارة- إلا أنها لم تقم بتخييره إما أن تطلقها أو تطلقني كما تصنع بعض النساء في هذه الأزمنة، وإن كانت هي كامرأة غير معصومة تشعر بالغيرة في داخل نفسها هنا أمر نبي الله إبراهيم أن يأخذ امرأته هاجر ومعها ابنها اسماعيل إلى بيت الحرام إلى وادٍ غير ذي زرع. 

قضية إبراهيم فيها من التسليم لله عز وجل ما يعيا به فم المتكلم، تسليم إبراهيم لأمر الله في أن يأخذ زوجته وابنه في البلد القفر لم يكن مسكونا هذا المكان، كانا ساكنين في بلاد الشام في فلسطين حيث الخضرة والماء والجو الجميل، فإذا به يذهب بها إلى أقصى بلاد الدنيا إلى مكة المكرمة أرض جبلية، أجواء حارة، مياه غير موجودة، أناس لا يوجد هناك مجتمع في ذلك الوقت. لكنه التسليم ( إنه ربي أحسن مثواي ) ولك تكن هاجر أقل تسليما منه عندما أجلسها هناك وأراد أن يرجع قالت له تتركنا هاهنا في البلد القفر ! قال بلى ! قالت ربك أمرك بهذا !! قال بلى قالت إذاً لا يضيعنا.. الله أكبر إذاً لا يضيعنا.

تكفل الله لك أيها المؤمن بأنه ينصر مالذي يخيفك؟ تكفل لكي أيتها المؤمنة برزقكي فقال ( إلا على الله رزقها ) مالذي يجعلكي ضيقة الخلق لو عسر عليكي أمر أو أبطأ عليكي رزق وقد تكفل الله بذلك، إن التسليم لله عز وجل هو مفتاح البركات سلم وذهب إلى البلد الحرام، سلمت وسكنت في البلد الحرام، سلمت سارة بهذا الأمر وقبلت بما حصل ولم تطلب منه مثلا أن يفارق زوجته أو أن يترك إبنه فكان نتيجة ذلك أن وهب الله لسارة ذات السبعين أو الثمانين سنة وهب الله غلاما لها هو إسحاق.

لنتعلم التسليم أيها الأحباب أيتها المؤمنات وإذا كان لدينا مقدار منه لنعمق هذا التسليم في حياتنا التسليم لله عز وجل، الثقة بما عند الله سبحانه وتعالى نحن للأسف نثق برصيدنا في البنك أكثر من ثقتنا بالله عز وجل ونثق بالطبيب الذي اسمه فلان أكثر من ثقتنا بشفاء الله عز وجل. 

والحال أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأسباب لإدارة الحياة لكن أمره فوقها وآمر عليها وقادر عليها.

( وممسك يدي إبراهيم عن ذبح ابنه بعد كبر ) 

( قال إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم ).

هذه الأمور في عقول بعضنا مخالفة للعقل، هي العقل بذاته ! هذه الأمور في المعادلة المادية كيف يمكن أن تحصل ؟ لكن الذي يعلم أنه عبد لله جاء به ربه من عالم العدم وأوجده ثم أنعم عليه نعمة بعد نعمة تترى، إذا أمره الله بأمر هو عبد نعمة الله عز وجل وفضله يسلم لله ما يريد، ماذا يعني الجهاد غير التسليم أن يؤمر إنسان فيقال له اذهب الى الجهاد. الجهاد ماذا يصنعون؟ هل هناك توزيع للحلويات أو هو توزيع للموت؟ الذي يذهب للجهاد وهو مقتنع بأنه بنسبة غير قليلة سيذهب إلى ذلك العالم، هذا لو لم يسلم أمره لله لا يستطيع أن يذهب للجهاد.

( يا من استجاب لزكريا فوهب له يحيى ولم يدعه فردا وحيدا )

أيضا على خلاف المعادلات الطبيعية، بعد أن اشتعل الرأس شيبا وبعد يئست زوجته من الحمل هناك جاء الدعاء( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) هناك صار ( فوهبنا له يحيى ).

بعد كبر سنه وفناء عمره إلا أن الله سبحانه وتعالى قدر وكان. 

يا مقدر الأقدار قدر لنا خيرها، يا مجيب الأنبياء في دعواتهم أجب دعواتنا ودعوات المؤمنين فيما هو صلاح دنيانا وآخرتنا إنك على كل شيء قدير. 

للحديث بقية وتتمة إن شاء الله وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.


مرات العرض: 3414
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2568) حجم الملف: 49348.56 KB
تشغيل:

أنت كهفي حين تعييني المذاهب 17
يا من لا يعلم كيف هو إلا هو دعاء الأنبياء والأئمة 18