عقوبة سوء الأخلاق 29
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 2/5/1441 هـ
تعريف:

عقوبة سوء الخــــلق

 (من سلسلة ثواب الاعمال وعقابها )

نفريغ نصي الفاضلة تراتيل  

 

ورد في الحديث عن رسول الله (ص) قال: " إن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقًا " صدق مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله.

حديثنا هذا اليوم، يتناولُ عقوبة سوء الخلق، وكنا قد تحدثنا في أحاديث سابقة عن العقوبات التي تترتب عن الذنوب المعروفة والمعهودة، كشرب الخمر و ما يترتب عليه من عقوبات أخروية ....إلخ مما شابه ذلك.

 

حديثنا اليوم في موضوع عقوبة سوء الخلق و سنشير هنا إلى نقطتين،

الأولى:

أن  قسمًا من الناس يتصوّر أن العقوبات الأخرويّة و الدنيويّة إنّما تترتّب عن الذنوب المعهودة والمعروفة لا يتبادر إلى ذهن هؤلاء أن هناك عقوبات دنيويّة وأخرويّة تترتّب على سوء الخلق، والحال أن الروايات تثبت هذا المعنى والواقع المعاش يثبت قسمًا منه بالذات فيما يرتبط بالعقوبات والنتائج المترتّبة على سوء الخلق دنيويًّا

ونقطة أخرى:

أن العقوبة تارةً تكون أخرويّة كبعض دركات النار، والفضيحة في ذلك المحشر وذلك اليوم وهذا بعضه ثابت فيما يرتبط بسوء الخلق كما سيأتي

وقسم آخر من العقوبات، هي عقوبات دنيويّة عبارة عن نتائج مترتبة من هذا الخلق السيّء أو ذاك . نحن نشير إلى المطلب في هذا اليوم بصورة عامّة

نفتتح الحديث بما ورد عن رسول الله (ص) من أنّ سوء الخلق ذنب من الذنوب وهذا قد لا يتبادر إلى قسم من الأذهان يعني عندما تقول لشخص أن فلان مثلًا يترك الصلاة، يقول لك هذا ذنب , فلان يتاجر بالأشياء المحرمة، يقول لك هذا ذنب , فلان يعتدي على غيره، هذا ذنب , لكن عندما يقال ان فلان أخلاقه سيئة مع أهله مع جيرانه مع أصدقائه لا يتبادر إلى ذهن الكثير أن هذا ذنب من الذنوب.

هناك روايات ننقل قسمًا منها تشير أن هذا ذنب " سوء الخلق " لهذا الإنسان ينبغي ان يفتح عينه وهذا ذنب لا يغفر وهذا أمر غريب

فإن الذنوب المعهودة التي هي بين الإنسان وبين ربّه، هي ذنوب مغفورة كما قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلك لِمَن يَشَاءُ }

 

في بعض الروايات أن سوء الخلق ذنب لا يغفر، أي ليس فقط ذنب وإنما ذنب ولا يغفر , ففي رواية لرسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: " سوء الخلق ذنبٌ لا يغفر" .

ذنب ولا يغفر، لماذا؟

 

لماذا الإنسان إذا قصّر وترك صلاة الصبح مثلًا فقد أذنب ذنبًا لكنّه يغفر له، بينما سوء الخلق ذنب ارتكبه لكنّه لا يغفر؟ يجيب عليه حديث آخر يبرّر لماذا لا يغفر فيقول: " لأنّه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب آخر"

هذا سوء الخلق كأنما هو سلسلة مترابطة سلسلة متشابكة من الممارسات فمن الممكن مثلًا أنّه يتوب من الذنب رقم 1، والذنب رقم 1 مرتبط بذنب آخر. على سبيل المثال،  من لديه سوء الخلق يجرّه إلى فحش القول مثل الشتم ، والشتم يجرّه إلى ظلم ويجرّه إلى هتكٍ اعراض النّاس، وعلى هذا المعدّل ذنبٍ يرتبط  بذنبِ آخر. لذلك يحتاج الإنسان من البداية أن يقطع الموضوع "المنبع" وهو سوء الخلق فيحتاج أن يجتثه من اصوله  لأن هذه شجرة فكما  أن الخلق الحسن شجرة طيّبة تنبعث منها الأخلاق الحسنة سوء الخلق أيضًا شجرة ولكنها خبيثة تنبعث منها الأغصان والأوراق الرديئة، فمهما يقلّم ويقصّص هناك أغصان وهناك أخلاق سيّئة أخرى، لأنّه إذا تاب من ذنب في سوء الخلق، وقع في ذنب آخر لذلك الحل الجذري وهو أن يغيّر سوء الخلق إلى خلقٍ حسن.

إذا ابتلي انسان بمثل هذا ولم يحاول أن يصحّح أخلاقه تترتّب عليه جملة أمور

أوّلها:

ما أشير إليه في مقدّمة الحديث، التهديد بكون سيّء الخلق من أهل النار.

 

لتتصوّر أنك فقط لو تركت الصلاة ستذهب إلى النار، لو ساء خلقك أيضًا أنت مهدّد بالنار بل في أسفل الدركات كما هو بالأحاديث، في الحديث عن رسول الله (ص) عند الفريقين اي في المدرستين قيل للنبي: " أن فلانة تصوم النّهار وتقوم الليل لكنّها سيّئة الخلقِ تؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلّى الله عليه: لا خير فيها".

تصوم النهار وتقوم الليل متعبّدة دعاء وزيارة ..إلخ لكن أخلاقها سيّئة! عجيب! هذا الصوم والصلاة لا خير فيها وهي من أهل النّار . قد يكون هذا الحديث قضيّة في واقعة، وليس على نحو القاعدة التامّة والعامّة . النبي (ص) يعرف هذه المرأة المشخصة بحدودها ويقول أنّها من أهل النار فيعتبر العلماء هذه الرواية تكشف عن قضيّة شخصية وليست قاعدة عامّة لكن مع ذلك  هناك ربط مع سوء الخلق وأذيّة الجيران وأنّها من أهل النار وهذا ليس ربطا عبثيًا.

وهناك حديث أوضح قوله (ص): إ" ن العبدَ ليبلغ من سوء خلقه أسفل درك جهنّم"  لكن أيضًا من سوء خلقه يمكن أن يوصل العبد ليس فقط إلى نار جهنّم بل إلى أسفل دركٍ في نار جهنّم!

يعني يقرن بالمنافقين، إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وهكذا فإن سوء الخلق فيه قابلية لجعل الإنسان سيّء الخلق من أصحاب النار لابل من أسفل دركٍ من الدركات وهذا واحد من العقوبات

العقوبة  الثانية

على فرض أن هذا لم يدخل إلى نار جهنّم، شخص عنده سوء خلق بمقدار لا يوصله إلى نار جهنّم  فما هو عقابه ؟ يكون أبعد الناس على النبي (ص) في يوم القيامة هذا الإنسان سيّء الخلق , إذا كان هناك مجال لمجاورة رسول الله (ص)  وزيارته و الاجتماع إليه والتعرف على وجهه الكريم ونحن دائما نطلب من الله  ان لا يحرمنا يوم القيامة رؤيته فهذا سيّء الخلق أبعد الناس عن رسول الله و كذلك يكون أبغضهم , بينه وبين النبي بعد المشرقين، فإنه بعيد عن النبي وعن الله . وأما عن العقوبات الدنيويّة، واحد منها:

أن أعمال الإنسان السيّء الخلق هي قابلة للفساد فبسوء الخلق تفسد تلك الأعمال الصالحة، فلو أن إنسانًا أنفق والانفاق  شيء رائع لكن كان يأتي بسوء الخلق فانه يفسد انفاقه السابق ، لا تفسدوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى . وهكذا يفسد سوء الخلق الفعل الحسن , عن الإمام الصادق (ع) قال: " أنَّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل ".

هذا التشبيه نجده واردًا في أكثر الروايات، فاذا كان عندك عسل ووضعت فيه خل فأنه سيفسد  وهكذا سوء الخلق هو خل عسل الأعمال فالأعمال الصالحة هي العسل وسوء الخلق هو الخل الذي يفسد ذلك العسل. نكد العيش سوء الخلق فأكثر الناس تضرًّرا من سوء الخلق هو الشخص نفسه سيّء الخلق

 عندنا في الرواية : " من ساء خلقه عذّب نفسه" يرهق أعصابه و ينغص راحته ويفقدها و ينهي فترات استرخائه التي يحتاجها جسده وروحه .

 

من معاني الزهد في الدنيا الذي قد لا يلتفت له جزء من الناس في مثل هذه الموارد ان الزهد في الدنيا ليس أن تلبس ثوب مشقق أو غيرها الزهد في الأساس أن لا تجد الدنيا كلها خطرًا لنفسك فلا تبيع نفسك من اجل الدنيا ولا تضيع عمرك  وتتلف أعصابك من اجلها.

فكيف من بعض أشيائها فقط، فلو زيد من الناس تأخر عليك، صنعت من هذه حادثة بحياتك بل بعض الناس يعمل عداوة ومعارك من اجل فلان تأخر عليه في قضية من القضايا . علامة زهدك في الدنيا أن لا تعطي هذه الحادثة أكثر من حجمها

فمن ساء خلقه عذّب نفسه فهو أول شخص يتعذب من جراء سوء الخلق، ثم بعد ذلك أقرب الناس إليه يكون أشقى الناس بسيّء الخلق  فأولاده في حالة من عدم  الهناء، إذا توفّي وذهب الى رحمة الله  يقولون:  يرحمه الله  و لكن نحن لم نراه الا عابس الوجه دائما مستعجل دائما غضبان، نريد ان نتذكر حالة ارتياحه فيصعب علينا ذلك

احدهم سأل النبي (ص) عن الشؤم، الإنسان المشؤوم من هو و ما هو الشؤم ؟ . فقال صلى الله عليه وآله :" سوء الخلق" . إذا الإنسان سيء الخلق فهو يعدّ مشؤومًا

وفي الحديث عن  الإمام الصاق (ع): "من ساء خلقه عذّب نفسه". وفي الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) قال: " من ساء خلقه من له أهله" .

هناك حالات كثيره من الرجال ومن النساء

المرأة تقول أنا صار لي عشرين سنة  معه و هو على  هذه الحالة ، كلمة قاسية و نابية وضرب ...إلخ

وأحيانا بالعكس أيضا

يقول احد الأزواج : تزوجت لكي أحصل على الهدوء بالبيت والاستقرار , لكن كلما اتيت تزعجني بسوء خلقها ( لماذا اشتريت هذا , هذا غير جيد , هذا غالي و ذلك رخيص , فلانه زوجها اشترى كذا وانت لا تشتري مثله )

فمن ساء خلقه و له أهله فان زوجته تملّه، تتمنّى انها لم توافق على زواجها منه وانها لم تقل للوكيل : قبلت . ونفس الكلام من الزوج  اذا كانت الزوجة سيئة خلق أيضًا

رزق الانسان وسوء الخلق

وأخيرًا يضيق رزق الإنسان ففي الحديث أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:" من ساء خلقه ضاق رزقه". حتّى الرزق وبركة الله لا تصل إليه على أثر سوء خلقه.

 

 

 

نسأل الله أن يكرمنا بمكارم الأخلاق وأن يبعدنا عن مساوئ الأخلاق وأن يبارك لنا في أنفسنا وأهلينا وأرزاقنا إنّه على كل شيء قدير

 

وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين

مرات العرض: 3555
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2565) حجم الملف: 38702.91 KB
تشغيل:

عقوبة الظالم لغيره ومعين الظالم 27
قضية المباهلة : الحادثة والدلالات